المرأة البحرية ( أسماء بنت عميس)

منذ 2024-07-04

لن نتكلم يومنا هذا عن ليلة الهجرة ولا عن طريقها ولا عن أحداثها،  ولكننا سنتحدث عن أحد أبطالها،  لن نتكلم عن عليّ ولا عن أبي بكر ولا عن عمر ولا عن أبي سلمة وإنما سينتظم الحديث عن امرأة من المهاجرات


أيها الإخوة الكرام:  لأن لكل وقت أذان ولكل مقام مقال،  ولأن لكل حادث حديث،  ولأننا على أعتاب عام هجري جديد نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعله عام عزة وكرامة وسعادة على الإسلام والمسلمين... 
من أجل كل هذا:  اليوم نتكلم عن الهجرة،  الحدث الأبرز في تاريخ المسلمين ونقطة التحول في الدعوة إلى الله رب العالمين... 
لن نتكلم يومنا هذا عن ليلة الهجرة ولا عن طريقها ولا عن أحداثها،  ولكننا سنتحدث عن أحد أبطالها،  لن نتكلم عن عليّ ولا عن أبي بكر ولا عن عمر ولا عن أبي سلمة وإنما سينتظم الحديث عن امرأة من المهاجرات بدينها في سبيل الله عز وجل.. 
أسلمت مع المسلمين السابقين الأولين، ولأنها أسلمت أوذيت،  فصبرت،  وثبتت،  وفي الأخير هاجرت بدينها في سبيل الله عز وجل 
إنها أسماء بنت عميس رضي الله عنها وأرضاها،  ولمن لا يعرف أسماء بنت عميس هى زوج جعفر الطيار بن أبي طالب..  ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأشبه الناس برسول الله خَلْقاً وخُلُقاً.. 
أسلمت أسماء مع المسلمين الأوائل الذين أسلموا قبل أن يدخل رسول الله دار الأرقم، وتمسكت بدينها،  ودافعت عنه دفاع الأبطال مع زوجها جعفر رضي الله عنه.. 
وفي العام الخامس من بعثة النبي صلى الله عليه وسلّم،  وتحت وطأة العذاب والأذى كانت هجرة المسلمين الأولى..  إلى الحبشة..  إلى النجاشي..  ذالكم الملك الذي لا يُظلم عنده أحد كما وصفه النبي عليه الصلاة والسلام قال: «إنَّ بأرض الحبشة ملِكاً لا يُظلَمُ أحدٌ عنده، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرَجاً ومَخْرجاً مما أنتم فيه» 
هاجرت أسماء إلى الحبشة مع المهاجرين الأولين  ومع زوجها جعفر ، وبقيت معه هناك بالغربة بأرض الحبشة ( أرض البعداء البغضاء)  بقيت معه هناك لأكثر من ( خمسة عشر سنة)  .. 
بعيداً عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وبعيداً عن إخوانهم من المسلمين والمسلمات، يقبضون على دينهم، لا يجدون على الخير أعواننا، فلا أحد يعلمهم، ولا أحد يقومهم، ولا أحد يفقههم، ولا أحد يقرأ عليهم القرآن، ولا أحد يواسيهم... 
قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه : خرجنا من اليمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فركبنا سفينة في البحر فجنحت بنا السفينة إلى النجاشي بالحبشة فوافقنا بأرض الحبشة بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم  وجدنا جعفر بن أبي طالب ووجدنا أصحابه عنده فقال جعفر : من أنتم؟  قلنا نحن أهل اليمن خرجنا مهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم.. 
فقال جعفر:  لقد بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ها هنا وأمرنا بالإقامة فأقيموا معنا يا أهل اليمن... 
قال أبو موسى فأقمنا معهم حتى ركبنا السفينة فقدمنا جميعاً المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم وقد فتحت عليه خيبر وغنم منها رسول الله غنيمة... 
قال أبو موسى فضرب رسول الله لكل واحد منا بسهم وأعطانا منها، وما قسم لأحد غاب عن خيبر إلا أصحاب السفينة .. 
سُرَّ النبي صلى الله عليه وسلم سروراً بالغاً بهجرة أصحاب السفينة من الحبشة إلى المدينة فقال عليه الصلاة والسلام ( لا أدري بأيهما أفرح بفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟) 
 ولم يمض وقت كبير حتى قرأ أهل السفينة القرآن، وتعلموا العلم، وأخذوا الفقه والحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولم يلبثوا أن انتظموا في صفوف المجاهدين في سبيل الله مع النبي صلى الله عليه وسلم.
إلا شيئاً واحداً كان يؤذي نفوسهم.. 
كان ناس من المسلمين يقولون لأصحاب السفينة: سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله منكم..
 دخلت أسماء على حفصة بنت عمر وزوج النبي صلى الله عليه وسلم تزورها، فبينما هى عندها إذ دخل عمر على ابنته حفصة وأسماء عندها، فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه يا حفصة ؟ قالت: هذه أسماء بنت عميس فقال عمر: الحبشية هذه؟ البحرية هذه؟ فقالت نعم. 
فقال عمر: سبقناكم بالهجرة يا أسماء فنحن أحق برسول الله منكم... 
فغضبت أسماء وقالت: كلا يا عمر، لستم أحق برسول الله منا  كنتم مع رسول الله يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم وكنا في أرض البعداء البغضاء في الحبشة وذلك في ذات الله عز وجل وفي رسول الله صلى الله عليه وسلّم.. 
والله يا عمر لا أطعم طعاماً ولا أشرب شراباً حتى أذكر ما قلتَ لرسول الله، ووالله لا أكذب ولا أزيد على ذلك، فلما جاء النبي قالت له يا نبي الله إن عمر يقول:(سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله منكم) فقال النبي: وما قلت له؟ قالت: قلت له؟
لستم أحق برسول الله منا، كنتم مع رسول الله يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم وكنا في أرض البُعداء البُغضاء في الحبشة وذلك في ذات الله عز وجل وفي رسول الله.. 
 ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام صدقت ( ليس أحد بأحق بي منكم، إن لعمر ولأصحابه هجرة واحدة ( إلى المدينة)  ولكم يا أهل السفينة هجرتان( إلى الحبشة وإلى المدينة). قالت أسماء: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتون أرسالاً، يسألونني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيء هم أفرح به ولا أعظم في أنفسهم مما قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم. 
هذا الذي قاله النبي عليه الصلاة والسلام يوضع في جانب المناقب لأسماء بنت عميس ولجعفر بن أبي طالب ولأبي موسى الأشعري ولمن ركب السفينة معهم حتى قدموا مهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم.. 
لكن تبقى أعظم المناقب لأسماء ولجعفر ولأبي موسى الأشعري ولمن ركب السفينة معهم حتى قدم مهاجراً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم تبقى أعظم المناقب( البشارة) التي نزل بها الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلّم يبشر بها مهاجرة الحبشة ركبان السفينة قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}
رضي الله عن هؤلاء الكرام وجزاهم عنا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء إنه ولي ذلك وهو على كل شيء قدير.. 

الخطبة الثانية 
بقي لنا في ختام الحديث عن المهاجرة الصابرة الرشيدة الفقيهة أسماء بنت عميس رضي الله عنها وأرضاها..  بقي لنا أن نقول إن من المواقف التي تذكر فتشكر لأسماء بنت عميس أنها هى التي أشارت بالنعش توضع فيه المرأة بعد موتها فيسترها عن عيون الناس.. 
فعن عبدالله بن بريدة، قال: "لبثت فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين بين يوم وليلة، فقالت فاطمة لأسماء : إني لأستحيي من خلل هذا النعش إذا حُملت فيه ( وكان النعش أول الأمر خشبة مسطحة لا جوانب لها فإذا مات المرأة وضعت عليه وألقي عليها ثوب ثم تحمل إلى قبرها لم تسلم المرأة الميتة ( فيما ترى فاطمة ) من عيون الناس).. 
فقالت أسماء بنت عميس لفاطمة : إن شئتِ عملتُ لك شيئًا يُعمَل بالحبشة، ويُحمَل فيه النساء، قالت: أجَل فاصنعيه، فأمرت أسماء بجريد رطب فثنته على خشبة الموتى ثم طرحت عليه ثوباً يستر ما تحته، وكانت هذه أول صناعة للنعش الذي يحمل فيه الناس إلى أيامنا هذه بجوانبه التي تستر الميت عن عيون الناس ، فلما رأته فاطمة ، قالت: ما أجمل هذا وما أحسنه!!  ثم دعت لأسماء فقالت سترك الله يا أسماء...
ومن مواقفها التي تذكر فتشكر أيضاً  بيان جواز أن تُغسّل المرأة زوجها بعد موته : وذلك أنه لما قتل جعفر في غزوة مؤتة ، تزوجت أسماء بعده من أبي بكر  ...
إيماناً من أبي بكر بفضل أسماءوبفقهها، كانت وصيته إذا مات ألا يغسله أحد إلا أسماء..
فلما مات  أبو بكر غسَّلَتْه زوجه أسماء ، من هنا اتفق الفقهاء على جواز أن تُغسل المرأة زوجها؛ قالت عائشة: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسَّل النبيَّ صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه.. 
رضى الله عن أولئك الأبرار من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام علمونا وفقهونا وقبضوا على دينهم فحفظوه حتى جعلوه اليوم بين أيدينا على طبق من ذهب ويا ليتنا نحفظه !!! 
نسأل الله العظيم أن يصلح أحوالنا،  وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها...  آمين.

محمد سيد حسين عبد الواحد

إمام وخطيب ومدرس أول.

  • 1
  • 0
  • 132

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً