زلزال مدمر للأخلاق حدث في بلاد الحرمين هذه الأيام بمكر التغريبيين
عبد المحسن بن حمد العباد البدر
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد؛ فقد بُدئ في هذه الأيام ببيع النساء في الأسواق العامة، وهي بداية سيئة وفتح باب شر على هذه البلاد المحافظة السالمة من فتنة النساء التي ابتليت بها البلاد الأخرى، ويعتبر هذا الحدث زلزالاً مدمراً للأخلاق في بلاد الحرمين، وتاريخ بدء هذا الحدث المؤلم في أوائل هذا العام الهجري 1433هـ بعد أن مضى على تأسيس الدولة السعودية في عهدها الثالث مائة واثنا عشر عاماً وأربعة أشهر على يد الملك عبد العزيز رحمه الله في أوائل شوال سنة 1319هـ منها ثلاثة وخمسون عاماً في عهد الملك عبد العزيز وأحد عشر عاماً في عهد الملك سعود وأحد عشر عاماً في عهد الملك فيصل وسبعة أعوام في عهد الملك خالد وأربعة وعشرون عاماً في عهد الملك فهد رحم الله الجميع، وفي الآونة الأخيرة رفعت أفاعي التغريبيين رؤوسها وكشرت ذئابهم عن أنيابها، فصاروا يصولون ويجولون فيما سموه تحرير المرأة وإعطائها حقوقها التي تكون فيها مماثلة لنساء الغرب ونساء الدول الأخرى التي تابعتها في انفلات النساء في السفور والتبرج والاختلاط المشين بالرجال الأجانب في البيع في الأسواق العامة وفي مكاتب العمل وفصول الدراسة وغير ذلك من كل ما هو غريب على هذه البلاد المحافظة التي هي البقية الباقية، التي فيها قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم ومشاعر أداء نسكهم وفيها أشرف بقعتين في الأرض مكة ثم المدينة التي ووري فيها جسد خير الرسل وخاتمهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وعندما حصلت أحداث في بعض البلاد العربية أوائل العام الماضي تحرى التغريبيون شراً لهذه البلاد في يوم الجمعة 6/4/1432هـ وكتبوا كلمات في شبكة المعلومات يريدون فيها تحول الدولة إلى دولة دستورية على النظام البريطاني وتحرير النساء وإعطائهن حقوقهن التي يهوونها، وقد رددت على أباطيلهم قُبيل ذلك بكلمتين منشورتين في 3 و4/4/1432هـ بعنوان: (خطورة الإفساد في بلاد الحرمين بعد إصلاحها)، والثانية بعنوان: (من أسوإ المفسدين في بلاد الحرمين تركي الحمد).
وقد تنافست الصحف المحلية في التنويه بحدوث هذا الزلزال المدمر للأخلاق، فجاء في صحيفة الاقتصادية بتاريخ 6/2/1433هـ: (كشف لـ (الاقتصادية) الدكتور فهد سليمان التخيفي، وكيل وزارة العمل المساعد للتطوير، عن تقدم 28100 سيدة للعمل في محال المستلزمات النسائية الداخلية وأدوات التجميل، البالغ عددها 7353 محلا في مختلف مناطق المملكة، وذلك ضمن برنامج تأنيث محال المستلزمات النسائية الداخلية الذي فعلته الوزارة أخيراً)، وجاء في صحيفة الوطن بتاريخ 7/2/1433هـ: (منذ إصدار قرار تأنيث محلات الملابس الداخلية النسائية من وزارة العمل قبل ما يقارب 6 سنوات، قام وزير العمل السابق الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- وقتها بتأجيل تنفيذ القرار إلى أجل غير مسمى، حتى صدر قرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز مطلع يونيو الماضي بقصر العمل في المحلات النسائية على المرأة السعودية ... وأكدت نائبة المحافظ بالمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني الدكتورة منيرة بنت سليمان العلولا أن قرار تأنيث محلات بيع الملابس النسائية سيحقق توجهاتنا في توظيف خريجات المعاهد العليا التقنية للبنات، إذ من المتوقع أن يوفر عدداً كبيراً من الوظائف لخريجاتنا المدربات والمؤهلات لدخول سوق العمل، بعد أن أمضين عامين كاملين في التدريب على فنون التعامل مع سوق العمل، والسلوك الوظيفي، ومهارات الاتصال، والمحاسبة والبيع والشراء، فيما توقع بعد صدور القرار بما يقارب الشهر المدير العام للموارد البشرية بشركة دار البندر العالمية للتجارة المحدودة عبد العزيز الشمري أن يكون أمام السعوديات الباحثات عن عمل الفرصة في الالتحاق بـ 2000 فرصة عمل نسائية ستتوفر خلال شهرين في الشركات الكبرى، بعد تعاون وزارة العمل وإلغائها شرط الرخصة في تأنيث المحلات النسائية).
والأمر الملكي الذي أشارت إليه صحيفة الوطن هو بتاريخ 2/7/1432هـ، وقد اشتملت الخطة المرفقة به المنشورة في صحيفة المدينة بتاريخ 3/7/1432هـ على قصر العمل في المحلات النسائية على المرأة السعودية، وهو محتمل لأن يكون عمل النساء في مجمعات خاصة بهن لا يختلطن بالرجال، وهو ما فهمه الناصحون لهذه البلاد حكومةً وشعباً، وأما الماكرون بهذه البلاد من التغريبيين وفي مقدمتهم وزير العمل المهندس عادل فقيه فقد فهموا منه ما يوافق أهواءهم، ولهذا بادروا إلى التنفيذ إذ بدأت النساء بالبيع في محلات المستلزمات النسائية متلثمات قد انكشف أكثر وجوههن يستقبلن النساء مع رجالهن في بعض المحلات، وبعض المحلات الكبيرة التي يوجد فيها المستلزمات النسائية وغيرها من المستلزمات الأخرى ويؤمها الرجال والنساء ويبيع النساء في المستلزمات النسائية والرجال في المستلزمات الأخرى يحصل الاختلاط فيها بين الباعة والبائعات والمشترين، كما أخبرني بهذا بعض من شاهدوا ذلك في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الذي نشرته صحيفة الوطن خبر غريب! وهو وجود نائبة لمحافظ المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، وفي ذلك الظفر بعدم الفلاح لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما أفلح قوم يلي أمرهم امرأة» (رواه أحمد 20508 -واللفظ له- والبخاري4425)، وهذا العمل الخالي من الفلاح حصل من وزير العمل لما كان أميناً لمدينة جدة؛ فإنه عيَّن امرأة نائبة له في شؤون تقنية المعلومات، وعيَّن ثلاث مستشارات قانونيات، ذكرت ذلك في الكلمة المنشورة بتاريخ 10/10/1431هـ بعنوان: (وزيران راحل وخلَفه وما أشبه الليلة بالبارحة!) وذكرت فيها أنه في أوائل عهد الوزير الجديد حصل الاتجاه إلى إحياء ما أراده الوزير السابق من تأنيث المحلات التجارية الخاصة بالملابس النسائية، ومن كانت هذه حاله في أمانة جدة لا يُتوقع منه في وزارة العمل إلا الضرر العام، وقد اهتم هذه الأيام اهتماماً بالغاً في الإسراع بتأنيث محلات المستلزمات النسائية استناداً إلى الأمر الملكي المحتمل فألغى شرط الحصول على الرخصة لعمل النساء في محلات المستلزمات النسائية، وهدد هذه المحلات بأن أمامها ستة أشر لتوظيف المرأة وإلا ستغلق كما جاء في صحيفة الوطن!! وأما ما جاء في صحيفة الاقتصادية من تقدم 28100 امرأة للتوظيف في المحلات النسائية البالغ عددها 7353 محلاً فالحل الصحيح لأحوال هؤلاء المتقدمات إن كن محتاجات أن يُصرف لهن ولأمثالهن من الدولة ما يسد حاجتهن إذا لم يحصلن على عمل لا يختلطن فيه بالرجال، وسبق أن كتبت كلمة في تاريخ 10/7/1432هـ بعنوان: (بيع النساء في الأسواق ما يحل منه وما يحرم) اشتملت على ذكر منع الملك فهد رحمه الله وهيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للإفتاء من تشغيل النساء في الأعمال التي فيها اختلاط بالرجال الأجانب، ومما قلته في هذه الكلمة: "وأقول: إن كان ما جاء في الخطة من عمل النساء يكون بمجمعات تجارية خاصة بهن أو مجمعات للخياطة ونحوها لا يدخلها إلا النساء فهذا سائغ شرعاً، وأما بيعهن في أسواق عامة يؤمها الرجال والنساء فذلك لا يجوز، لما فيه من الاختلاط المحرم الذي كانت بلاد الحرمين في عافية منه في الماضي، وكذا عملهن في مكاتب يختلطن مع الرجال في الإدارات الحكومية وغيرها وفي الشركات، فكل ذلك غير سائغ شرعاً، وبعيد جداً حصول الموافقة على مثل هذا الاختلاط من قادة هذه البلاد: خادم الحرمين وسمو ولي عهده وسمو النائب الثاني، وأن اللائق بهم الموافقة على كل ما من شأنه سلامة النساء من التبرج والاختلاط بالرجال".
... ولئلا يستغل المسئولون في وزارة العمل ما جاء في الخطة من الإبهام فيمكِّنوا النساء من العمل في الأسواق العامة فإن المأمول من خادم الحرمين حفظه الله إزالة اللبس بما يتفق مع ما هو سائغ شرعاً ومنع ما لا يسوغ، وهو الذي أفتى به هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للإفتاء وصدر به من الملك فهد رحمه الله ثلاثة تعاميم، وهذا نص التعميم الثالث الصادر برقم (759/8) وتاريخ: 5/10/1421هـ وفيه الإشارة إلى التعميمين الأول والثاني:
((تعميم
صاحب السمو الملكي ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
نشير إلى الأمر التعميمي رقم 11651 في 16/5/1403 هـ المتضمن أن السماح للمرأة بالعمل الذي يؤدي إلى اختلاطها بالرجال سواء في الإدارات الحكومية أو غيرها من المؤسسات العامة أو الخاصة أو الشركات أو المهن ونحوها أمر غير ممكن سواء كانت سعودية أو غير سعودية لأن ذلك محرّم شرعاً ويتنافى مع عادات وتقاليد هذه البلاد وإذا كان يوجد دائرة تقوم بتشغيل المرأة في غير الأعمال التي تناسب طبيعتها أو في أعمال تؤدي إلى اختلاطها بالرجال فهذا خطأ يجب تلافيه، وعلى الجهات الرقابية ملاحظة ذلك والرفع عنه، المؤكد عليه بالأمر رقم 2966/م في 19/9/1404هـ.
وحيث رفع لنا سماحة المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء بخطابه رقم 46/س/2 في 28/4/ 1421 هـ حول ما تقوم به النساء من عمل لا يتناسب مع الدين والخلق، وهو توظيفهن مندوبات للتسويق لدى عدد من التجار والمؤسسات الخاصة والشركات، وأن الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أفاد سماحته بأن ذلك صحيح وواقع، وما أشار إليه سماحته من أن هذا منكر ظاهر يجب منعه حماية لنساء المسلمين مما لا تحمد عقباه عليهن وعلى المجتمع، وأنه قد صدر من هيئة كبار العلماء القرار رقم (172) في 2/8/1412 هـ بمنع تولي النساء للأعمال والوظائف التي تتنافى مع الحياء والحشمة مما فيه اختلاط بالرجال وشغل النساء عن أعمالهن اللائقة بهن والتي لا يقوم بها غيرهن مما يفوت على المجتمع مرفقا هاماً، وأشار سماحته إلى الأمرين سالفي الذكر وطلب تجديد الأمر بالتقيد بموجبه والتأكيد على ذلك ومحاسبة من يخالفه حفاظاً على كرامة الأمة وإبعادا لها عن أسباب الفتن والشرور.
ونرغب إليكم التأكيد على المسؤولين لديكم بالتقيد بما قضى به الأمران المشار إليهما فأكملوا ما يلزم بموجبه.
رئيس مجلس الوزراء
نسخة لكل وزارة ومصلحة حكومية أو مؤسسة عامة للاعتماد)).
وأما فتوى هيئة كبار العلماء فقد جاءت في قرارها رقم (172) وتاريخ: 2/8/1412هـ الذي اشتمل عليه هذا التعميم من الملك فهد رحمه الله المبني على ما رفعه إليه سماحة مفتي المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء، وإدارة البحوث العلمية والإفتاء، وفيه أنه صدر من هيئة كبار العلماء القرار رقم (172) في 2/8/1412 هـ بمنع تولي النساء للأعمال والوظائف التي تتنافى مع الحياء والحشمة مما فيه اختلاط بالرجال وشغل النساء عن أعمالهن اللائقة بهن والتي لا يقوم بها غيرهن مما يفوت على المجتمع مرفقا هاماً.
وجاء في فتوى اللجنة الدائمة رقم (25146) وتاريخ 3/7/1432هـ بإجماع من رئيسها سماحة المفتي وأعضائها الستة ما يلي: "وقد سأل المستفتي سؤالاً هذا نصه: "سماحة المفتي العام: في هذه الأيام كثر السؤال عن الاختلاط بين الرجال والنساء، وبخاصة في العمل والتعليم، ونريد من سماحتكم التكرم بالإجابة عمّا ذُكر، والله يرعاكم".
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بأن عمل المرأة وتعليمها يجب ألا يترتب عليه اختلاطها بالرجال، بل لا بد أن يكون في مكانٍ مستقلٍ لا يعمل فيه إلا النساء، لأن الشريعة جاءت بتحريم الاختلاط بين الرجال والنساء ومنعه والتشديد فيه، كالاختلاط في مجالات التعليم والعمل، وكل ما يفضي إلى الاختلاط، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب:53]، وحكم هذه الآية عام للنساء المسلمات إلى يوم القيامة.
ولذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم صلاة المرأة في بيتها خيراً لها من صلاتها في المسجد حيث قال صلى الله عليه وسلم: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خير لهن» (متفق عليه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما).
عليه فيحرم الاختلاط بين الرجال والنساء فيما ذُكر سابقاً، سواءً كان ذلك بخلوة أو من دونها، ولا يجوز أن تعمل المرأة مع الرجال، كأن تكون سكرتيرة لمكتب الرجال أو في الاستقبال لمكان غير خاص بالنساء أو عاملة في خط إنتاج مختلط، أو محاسبة في مركز أو محل تجاري، أو صيدلية أو مطعم يختلط فيه العاملون من الرجال والنساء، لما يترتب على ذلك من آثار سيئة على الأسرة والمجتمع.
واللجنة: توصي الجميع بتقوى الله سبحانه وتعالى والالتزام بأحكام شرعه رجالاً ونساءً طاعةً لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وبالله التوفيق)).
والنتيجة لما تقدم أن المباح من بيع النساء في الأسواق أن يكون في مجمعات خاصة بهن لا يدخلها إلا النساء، وفي ذلك الحشمة والعفاف والسلامة من اختلاطهن بالرجال، وفيه رضا الله ورضا كل مسلم غيور على هذه البلاد ناصح لولاة أمرها داع إلى جلب المصالح ودرء المفاسد، وأن المحرم من ذلك أن يكون بيع النساء في دكاكين بارزة في الأسواق يؤمها الرجال والنساء ويترتب على ذلك الاختلاط المشين كما هو الشأن في البلاد الأخرى التي سبقت إلى هذا الانفلات وباعت نساؤها في الأسواق العامة، وفيه سخط الله وسخط الناصحين لهذه البلاد حكومةً وشعباً، ولا يرضى به إلا قلة قليلة، وهم قتلة الأخلاق وأدعياء نصرة حقوق المرأة من المستغربين والمترفين والصحفيين الساعين إلى انفلات النساء في بلاد الحرمين الناعقين بديمقراطية الغرب التي تخلت النساء فيها عن الفضائل وانغمسن في أنواع الرذائل، وفي تحقيق مآربهم في بيع النساء في الأسواق العامة -لا حققها الله - إساءة إلى خادم الحرمين الملك عبد الله حفظه الله لإحداثهم إياها في عهده وقد سلمت منه البلاد في عهد والده الملك عبد العزيز وعهود أبنائه سعود وفيصل وخالد وفهد رحم الله الجميع، ولو كان خيراً لسبقوا إليه، ولذا؛ فإن المأمول من كبار العلماء والغيورين من أسرة آل سعود وغيرهم ممن له شأن السعي لدى خادم الحرمين حفظه الله لتدارك الأمر وإزالة ما في الخطة المرافقة للأمر الملكي من إبهام بما يرضي الله ويرضي الناصحين لهذه البلاد حكومةً وشعباً ولو كره الماكرون القتلة للأخلاق)).
هذا بعض ما اشتملت عليه الكلمة التي نشرت بعنوان: (بيع النساء في الأسواق ما يحل منه وما يحرم)، وفيه نص كلام الملك فهد رحمه الله وهيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للإفتاء على منع اختلاط النساء بالرجال لأنه محرم شرعاً ويدخل فيه بيع النساء في الأسواق العامة، وبعد حدوث هذا الزلزال في هذه الأيام حذَّر منه ومن الآثار المترتبة عليه سماحة مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء ورئيس إدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ حفظه الله في خطبة الجمعة بجامع الإمام تركي بن عبد الله يوم الجمعة 5/2/1433هـ، ومما قاله في خطبته: "التاجر المسلم لا تراه يتساهل في أمور من يعمل معه ولا من يشتغل معه ولا تراه حريصاً على الإتيان بالنساء ليجعلهن في وجوه الرجال يمارسن البيع والشراء تحت أي ذريعة يدعو لها المغرضون والحاقدون على الأخلاق الإسلامية الذين يتخذون مما يزعمون مستلزمات نسائية ليوظفوا نساء في وجوه الرجال يختلطن بالرجال ويخاطبن الرجال بلا حياء ولا خجل إن التاجر المسلم لا يرضى بذلك لأنه يعلم أن ما ترتب على هذه من مصائب وانحلال في القيم والأخلاق هو متحمل لأوزارها وآثامها".
وفي إقدام التجار والمترفين على توظيف النساء في الأسواق العامة كفر بالنعم وأخذ بأسباب الهلاك كما قال الله عز وجل: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [ابراهيم:7]، وقال: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الاسراء:16]، وقد نشرت إحدى الصحف الإلكترونية استقالة امرأة من العمل في البيع في الأسواق العامة لما شاهدته من أمور غير سائغة، وهذا الصنيع هو اللائق بكل امرأة لنفسها عندها قيمة تخشى الله وتخاف عقابه.
ومع كون هذا الحدث السيئ -وهو بدء بيع النساء في الأسواق العامة مازال في أيام ولادته- فقد نشرت بعض الصحف الإلكترونية بعض أخبار عن حالات شاذة مخلة بالشرف والعفاف عثرت عليها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن صحت فهي نذير مبكر يقتضي القضاء على هذه الفتنة في مهدها، وقد قال شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله فيما نقلته عنه في كلمة سابقة في 7/2/1433هـ بعنوان: (أربعة مشايخ يحذِّرون من فتنة السفور واختلاط الجنسين في بلاد الحرمين) قال: "وأما نتائج الاختلاط من كثرة ارتكاب الجرائم وكثرة الأولاد غير الشرعيين فهو أمر لا حاجة إلى إبدائه لأنه معلوم، ويكفي ما يصدر في جرائد ومجلات البلاد المتقدمة من كثرة الأولاد غير الشرعيين رغم كثرة استعمال الحبوب المضادة للحمل"، وقال العلامة ابن القيم رحمه الله في الطرق الحكمية (ص281): "فمن أعظم أسباب الموت العام: كثرة الزنا بسبب تمكين النساء من اختلاطهنَّ بالرجال والمشي بينهم مُتبرِّجات مُتجمِّلات، ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية -قبل الدين- لكانوا أشد شيء منعاً لذلك"، وقال أيضا في كتابه روضة المحبين (ص358): "والزنا يجمع خلال الشر كلها من قلة الدين وذهاب الورع، وفساد المروءة وقلة الغيرة، فلا تجد زانياً معه ورع، ولا وفاء بعهد، ولا صدق في حديث، ولا محافظة على صديق، ولا غيرة تامة على أهله، فالغدر والكذب والخيانة وقلة الحياء وعدم المراقبة وعدم الأنفة للحرم وذهاب الغيرة من القلب من شعبه وموجباته"، وأما كون النساء اللاتي بدأن بالبيع ملثمات أسفل وجوههن فليس ببعيد أن يكشفن اللثام بعد مدة وجيزة، وإن استمر هذا الحدث -وأرجو ألا يكون ذلك- فسيؤول أمر النساء في هذه البلاد إلى ما آلت إليه النساء في البلاد الأخرى من التعري المشين الذي أوضحه الشيخ علي الطنطاوي وقد أشرت إليه في كلمة: (أربعة مشايخ يحذِّرون من فتنة السفور واختلاط الجنسين في بلاد الحرمين)، وما أعظم مصيبة كل من كان سبباً في هذه البداية التي تفضي إلى تلك النهاية.
وبعد أن وضع التغريبييون أيديهم على فتنة اختلاط النساء بالرجال في بيعيهن في الأسواق العامة، بدءوا بالسعي لحصول فتنة أخرى وهي افتتاح دور للسينما، فقد نشرت صحيفة الوطن في صفحتها الأولى بتاريخ 10/2/1433هـ ما يلي: "استعد وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز خوجة أمس ومن خلال وزارته، بمراقبة محتوى ما يعرض في دور السينما حال الموافقة على إنشائها رسميا في المملكة، وقال لـ (الوطن) خلال زيارته لجامعة الملك سعود في الرياض: إذا أقرت الحكومة بناء دور العرض السينمائي، فالوزارة مستعدة للتعاون في الجانب الذي يخصها والمتمثل في رقابة المحتوى، وعلق خوجة على تصريح سابق لأمين منطقة الرياض الأمير الدكتور عبد العزيز بن عياف أكد فيه أن دور العرض السينمائية باتت ضرورية، بالقول: أمين الرياض لم يتكلم عنها في السابق إلا وهو يعلم عن إمكانية وجود توجهات حكومية لإنشائها"، ولن يقفوا عند هذا الحد بل سيسعون أيضاً إلى فتن أخرى، فتتوالى الفتن كقطع الليل المظلم، والله المستعان.
وهذا الزلزال حدث في هذه الأيام في عهد خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله بمكر التغريبيين، وإن حاجته إلى القضاء على هذه الفتنة وسائر الفتن أشد من حاجته إلى الطعام والشراب لأنهما زاد الحياة الدنيا، أما القضاء على الفتن فإنه زاد الحياة الآخرة، كما قال الله عز وجل: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة:197]، وإن ما اتصف به حفظه الله ووفقه لما فيه رضاه من شهامة وإحسان إلى الرعية في كثير من شؤون الدنيا يجعل الأمل عظيماً في مضاعفة جهوده بالإحسان إليها في أمور الدين، ومبادرته إلى القضاء على هذه الفتنة وغيرها من فتن التغريبيين الماكرين به وبرعيته ليسلم من التبعات التي تلحقه بسبب ذلك في الحياة وبعد الممات.
وأسأل الله عز وجل أن ينفع هذه البلاد حكومةً وشعباً بنصح الناصحين الذين يدعون إلى الجنة وأن يقيها شر مكر الماكرين وكيد الكائدين الذين يدعون إلى النار والعار والدمار من أعدائها التغريبيين والغربيين، وأسأله تعالى أن يهيئ لولاة الأمر البطانة الصالحة الناصحة وأن يصرف عنهم بطانة السوء الماكرة، ويباعد بينهم وبينها كما باعد بين المشرق والمغرب، وأن يمكر بكل ماكر بهم وهو خير الماكرين وهو على كل شيء قدير.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
عبد المحسن بن حمد العباد البدر
12/2/1433هـ.