الصبر للمؤمن ضياء ولغيره شقاء
وصف النبي ﷺ الصبر بوصف الضياء بقوله: «والصبر ضياء»، ولما كان الصبر شاقًّا على النفوس يحتاج إلى مجاهدة النفس وحبسها وكفِّها عما تهواه، كان ضياءً.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فتجد أن من أكثر الكتب مبيعًا في بلاد الغرب الكتبَ التي محتواها تطوير الذات، والتسويق، والنجاح، وبلوغ القمة، وما شابه ذلك.
والركن الأساسي فيها هو أنه يجب عليك الصبرُ حتى تنجح وتصل، ولكنه صبر لا لذة فيه، بل تجد أن بعضهم قد يطيش عقله حين يتفكَّر من أين يأتي بالصبر؟ أو على ماذا؟ وإلى متى يصبر؟
ففي طريقه لنجاحه قد تتغير الخطة التي وضعها، وتنزل به المصائب العِظام التي لم تكن في الحسبان، فما أن يأتي لَيْلُه، حتى يخلو في عَتَمَتِهِ يشرب الخمر لينسى، وما أن يأتي الصباح إلا وفي القلب آهاتٌ وصياح، فهو لا يدري لماذا خُلِق حقيقة، ويتفكر في حاله بعد تقاعده: كيف سيصير إلى ما صار إليه أبواه في مأوى العجزة؟ وإن امْتَثَلَ لِما قاله الكتاب، فإنما هو كالطير يرقص مذبوحًا من الألم.
وانظر إلى كبيرهم "ديل كارنيجي" صاحب كتاب (دَعِ القلق وابدأ الحياة)، كيف انتهى به الأمر إلى الانتحار، وقد كان الباعث من تأليف كتاب (الوسائل المفيدة للحياة السعيدة) لصاحبه عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله هو الرد على ذلك الكتاب وصاحبه وما به من تُرَّهات، وإن في ديننا ما يغني من الأسباب الموصلة للسعادة، وانظر في المقابل - حفظك الله - إلى صَبْرِ المؤمن، كيف يستلذ به إن استحضر الأجر من الله، فيهون عليه الألم؟
في البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في بعض المشاهد وقد دَمِيَت إصبعه، فقال: «هل أنتِ إلا إصبع دَمِيتِ، وفي سبيل الله ما لَقِيتِ».
فالمسلم يصبر ويُؤجَر، وإذا ما نظرت لحال من تقدَّم عنه الحديث، ثم جُلْتَ بخاطرك لاستحضار مشهد لمسلم تعرفه، نزلت به البلايا، فحبس نفسه ابتغاء العطايا، لَبَانَ لِمَ الفرق بين هذا وذاك، وشتان بين الثرى والثُّريَّا؛ فالأول هائم كالمجنون حيران، والمؤمن زاده الصبر ثباتًا وضياء، حلاوة وقوة، حتى صارت صغائر المزعجات والمصيبات كتكسُّر النِّصال على النِّصال.
فالمؤمن في كل أحواله صابر، على الطاعة، وعن المعصية، وعلى قدر ربِّه، فصبر على المأمور وما أحلاه! وهو صبر على الطاعة، وصبر عن المحظور وما أبهاه! وهو صبر عن المعصية، وصبر على المقدور وما أزكاه! وهو صبر على المكاره والابتلاءات، فيصلي صابرًا أو يذكر ربَّه ويلزم نفسه بالذكر، فيرقص القلب حلاوة، أو يمتنع عن المعصية فيبدله الله بما امتنع لأجله بحلاوة يجدها في قلبه، أو يصبر على ضرٍّ أصابه فيُلْجِئه إلى سيده خالقه ومولاه، يناجيه ويسأله ويرجوه، فإذا به يجد من لذة المناجاة ما هو أحب إليه من زوال ما أصابه.
وفي مسلم: «الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن - أو تملأ - ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حُجَّة لك، أو عليك، كلُّ الناس يغدو، فبايعٌ نفسَه فمُعْتِقُها، أو مُوبِقُها».
تجد أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء مع الصبر بوصف الضياء بقوله: «والصبر ضياء»، والضياء هو النور الذي يحصل فيه نوعُ حرارة وإحراق؛ كضياء الشمس، بخلاف القمر؛ فإنه نور محض، فيه إشراق بغير حرارة، ولما كان الصبر شاقًّا على النفوس يحتاج إلى مجاهدة النفس وحبسها وكفِّها عما تهواه، كان ضياءً.
_______________________________________________
الكاتب: صالح الشناط
- التصنيف: