متى تنفع لا إله إلا الله
إن المسلم ينتفع بهذه الكلمة إذا عرف معناها، وعمل بمقتضاها ولما كانت هناك أحاديث يُتوَهم منها أن مجرد التلفظ بها يكفي، وقد تعلق بهذا الوهم بعض المسلمين، فكان لابُد مِن إزالة هذا الوهم:
إن المسلم ينتفع بهذه الكلمة إذا عرف معناها، وعمل بمقتضاها ولما كانت هناك أحاديث يُتوَهم منها أن مجرد التلفظ بها يكفي، وقد تعلق بهذا الوهم بعض المسلمين، فكان لابُد مِن إزالة هذا الوهم:
1 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله حرَّم على النار مَن قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجهَه»؛ (رواه البخاري).
2 - وقال صلى الله عليه وسلم: «ما مِن عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله إلا حَرمَه الله على النار»؛ (رواه مسلم).
3 - وقال صلى الله عليه وسلم: «أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبدٌ غير شاك، فيُحجَب عن الجنة»؛ (رواه مسلم ج 1/ 244/ شرح النووي).
4 - وقال صلى الله عليه وسلم: «مَن قال لا إله إلا الله مخلِصًا دخل الجنة»؛ (صحيح رواه أحمد).
5 - وقال صلى الله عليه وسلم: «مَن كان آخر كلامه "لا إله إلا الله" دخل الجنة»؛ (صحيح، رواه أحمد. انظر "صحيح الجامع").
وأحسن ما قيل في معناها ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره:
إن هذه الأحاديث إنما هي فيمن قالها ومات عليها، كما جاءت مقيدة، وقالها خالصًا مِن قلبه، مستيقنًا بها قلبه غير شاك فيها بصدق ويقين، فإن حقيقة التوحيد انجذاب الروح إلى الله جملة فيمن شهد أن لا إله إلا الله خالصًا مِن قلبه لأن الإخلاص هو انجذاب القلب إلى الله تعالى، بأن يتوب مِن الذنوب توبة نصوحًا، فإذا مات على تلك الحال نال ذلك، فإنه قد تواترت الأحاديث بأنه يخرج مِن النار مَن قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه ما يزن شعيرة، وما يزن خردلة، وما يزن ذرة.
وتواترت بأن كثيرًا مِمن يقول: لا إله إلا الله يدخل النار، ثم يخرج منها، وتواترت بأن الله حرم على النار أن تأكل أثرَ السجود مِن ابن آدم، فهؤلاء كانوا يُصَلون ويسجدون لله، وتواترت بأنه يحرم على النار مَن قال لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، لكن جاءت مقيده بالقيود الثقال؛ وأكثر مَن يقولها لا يعرف الإخلاص ولا اليقين، ومَن لا يعرف ذلك يخشى أن يُفتن عنها عند الموت فيحال بينه وبينها.
وأكثر من يقولها يقولها تقليدًا وعادة لم يخالط الإيمان بشاشة قلبه، وغالب مَن يُفتن عند الموت وفي القبور أمثال هؤلاء كما في الحديث: «سمعت الناسَ يقولون شيئًا فقلته»؛ (رواه الترمذي وحسنه الألباني).
وغالب أعمال هؤلاء إنما هو تقليد واقتداء بأمثالهم وهم أقرب الناس من قوله تعالى: {إنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف: 23].
وحينئذ فلا منافاة بين الأحاديث، فإنه إذا قالها بإخلاص ويقين تام لم يكن في هذه الحال مصرًا على ذنب أصلًا، فإن كمال إخلاصه ويقينه يوجب أن يكون الله أحب إليه مِن كل شيء، فإذًا لا يبقى في قلبه إرادة لما حرم الله، ولا كراهية لما أمر الله، وهذا هو الذي يحرم على النار، وإن كانت له ذنوب قبل ذلك، فإن هذا الإيمان وهذه التوبة، وهذا الإخلاص وهذه المحبة، وهذا اليقين لا تترك له ذنبًا إلا يُمحى كما يُمحى الليل بالنهار. "انظر تيسير العزيز الحميد بشرح كتاب التوحيد" انتهى كلامه رحمه الله.
الرد على بعض الشبهات:
بعض الناس يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على أُسامة قتل مَن قال: "لا إله إلا الله" وقال: «أقَتلتَه بعد أن قال لا إله إلا الله»؛ (رواه البخاري).
وأحاديث أُخرى في الكفِّ عَمن قالها، والجواب:
1 - إن أسامة قتل رجلًا ادعى الإسلام بسبب أنه ظن أنه ما ادعاه من النطق بالشهادة هو خوف على دمه وماله، فأنكر عليه الرسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الظن، لأنه قتل رجلًا أظهر الإسلام، ومن أظهر الإسلام وجب الكف عنه حتى يتبين منه ما يخالف ذلك والدليل قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} [أي فتثبتوا] [النساء: 94].
فالآية تدل على أنه يجب الكف عن قتله حتى يظهر منه ما يخالف الإسلام، وكل من أظهر الإسلام وجب الكف عنه حتى يتبين منه ما يناقض الإسلام.
2 - الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أنكر على أُسامة قتل مَن قال: لا إله إلا الله: هو الذي قال: «أُمِرتُ أن أُقاتلَ الناسَ حتى يقولوا لا إله إلا الله»؛ (رواه البخاري).
3 - قاتل الرسول صلى الله عليه وسلم اليهود، وهم يقولون: لا إله إلا الله.
4 - قاتل أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم بني حنيفة وهم يشهدون: أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله ويُصَلُّون ويدعون الإسلام.
5 - وكذلك الذين حرقهم [1] علي بن أبي طالب كانوا يقولون لا إله إلا الله؛ أما الخوارج الذين خرجوا على علي بن أبي طالب فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم: «قوم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون مِن الدين مروق السهم مِن الرمية يقتلون أهل الإسلام، ويَدَعون أهل الأوثان، لَئن أنا أدركتهم لأقتلَنهم قتلَ عاد»؛ (رواه البخاري).
هؤلاء الخوارج كانوا أكثر الناس تهليلًا، فلم تنفعهم لا إله إلا الله ولا كثرة العبادة، ولا ادعاء الإسلام لما ظهر منهم مخالفة الشريعة ومن أخطائهم تكفير المسلم المرتكب للكبيرة والخروج على الحاكم المسلم.
فليحذر المسلمون التشبه بهم لقوله صلى الله عليه وسلم: «مَن تشبه بقوم فهو مِنهم»؛ (صحيح رواه أبو داود).
رد الحافظ ابن رجب:
قال الحافظ ابن رجب في رسالته "كلمة الإخلاص" على قوله صلى الله عليه وسلم: «أمِرت أن أقاتلَ الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله»؛ (رواه مسلم) = قال: فهِمَ عمر وجماعة مِن الصحابة: أن مَن أتى بالشهادتين امتنع مِن عقوبة الدنيا بمجرد ذلك، فتوقفوا في قتال مانعي الزكاة، وفهم الصديق أنه لا يمتنع قتاله إلا بأداء حقوقها لقوله صلى الله عليه وسلم: «فإذا فعلوا ذلك منعوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحَقها وحسابهم على الله»؛ (رواه مسلم). وقال: «والزكاة حق المال»، وهذا الذي فهمه الصديق قد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم صريحًا غير واحد من الصحابة منهم ابن عمر وأنس وغيرهما وأنه قال: «أُمِرت أن أقاتل الناسَ حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويُقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة»؛ (رواه مسلم).
وقد دل على ذلك قوله تعالى:{فَإنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: آية 5].
كما دل قوله تعالى: {فَإنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: آية 11] على أن الأُخوة في الدين لا تثبت إلا بأداء الفرائض مع التوحيد فإن التوبة مِن الشرك لا تحصل إلا بالتوحيد، فلما قرر أبو بكر هذا للصحابة رجعوا إلى قوله ورأوه صوابًا فإذا عُلِم أن عقوبة الدنيا لا ترتفع عمن أدى الشهادتين مطلقًا، بل ويعاقب بإخلاله بحق من حقوق الإسلام فكذلك عقوبة الآخرة، وقال أيضًا: وقالت طائفة من العلماء:
المراد من هذه الأحاديث أن التلفظ بلا إله إلا الله سبب لدخول الجنة والنجاة مِن النار، ومقتضى لذلك.
ولكن المقتضى لا يعمل عمله إلا باستجماع شروطه وانتفاء موانعه، فقد يتخلف عنه مقتضاه لفوات شرط من شروطه أو لوجود مانع -وهذا قول الحسن ووهب بن منبه وهو الأظهر- ثم ذكر عن الحسن البصري أنه قال للفرزدق وهو يدفن امرأته: ما أعددتَ لهذا اليوم؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة، قال الحسن نِعمَ العُدة، لكن. لا إله إلا الله شروط فإياك وقذف المحصنات، وقيل للحسن إن ناسًا يقولون مَن قال لا إله إلا الله دخل الجنة، فقال: مَن قال لا إله إلا الله فأدّى حقها وفرْضها دخل الجنة.
وقال وهب بن مُنَبه لِمن سأله: أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة قال: بلى، ولكن ما من مفتاح إلا له أسنان فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح لك.. اهـ [ص 13 - 14 كلمة الإخلاص].
وأظن أن في القدر الذي نقلته من كلام أهل العلم كفاية في رَد هذه الشبهة التي تعلق بها مَن ظن أومن قال لا إله إلا الله لا يكفر، ولو فعل ما فعل من أنواع الشرك الأكبر التي تمارس اليوم عند الأضرحة وقبور الصالحين مما يناقض كلمة لا إله إلا الله تمام المناقضة ويُضادها تمام المضادة، وهذه طريقة أهل الزيغ الذين يأخذون من النصوص ما يظنون أنه حجة لهم من النصوص المجملة، ويتركون ما تبينه وتوضحه النصوص المفصلة كحال الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض وقد قال الله في هذا النوع من الناس:
{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ * رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران: 7 - 9].
اللهم أَرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، وصل اللهم على محمد وآله وصحبه أجمعين. "انظر كتاب (حقيقة لا إله إلا الله) من كلام صالح الفوزان".
[1] اعترض على التحريق ابن عباس والدليل معه.
- التصنيف: