من مزايا العقيدة الإسلامية
سالم محمد
مقتطف مفيد مأخوذ بتصرف من كتاب: عقيدة التوحيد في القرآن الكريم لمؤلفه: محمد أحمد ملكاوي
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية -
الحمد لله العزيز الحميد، والصلاة والسلام على النبي الأمين وعلى آله وصحابته أجمعين، أما بعد فهذا مقتطف مفيد مأخوذ بتصرف من كتاب: عقيدة التوحيد في القرآن الكريم لمؤلفه: محمد أحمد ملكاوي، والكتاب عبارة عن رسالة ماجستير قيمة تقع في (374) صفحة، ومن أراد مزيد تفصيل وفائدة فليرجع للكتاب الأصل، والآن مع المادة المختارة:
... وبما أن العقيدة الإسلامية امتازت عن غيرها من العقائد بالميزة الكبرى، حيث إن أصولها سلمت من التحريف وأن مسائلها توقيفية، لذلك كان لها مميزات أخرى نجملها فيما يلي:
- أنها عقيدة واضحة سهلة بعيدة عن تعقيدات المذاهب الأخرى: وليس فيها أشياء غامضة ولا جوانب محتكرة لرجال الدين كما في بعض العقائد جوانب مقصور حق فهمها على رجال الدين، وتنادي بالمبدأ القائل: "اعتقد وأنت أعمى"، إن العقيدة الإسلامية يستوى في فهمها وحق العلم بها كل مسلم، سواء أكان متعلمًا أو أميًّا؛ وذلك لأنها خالية من تعقيدات المذاهب الأخرى، كالتثليث والمثنوية والبرهمية وغيرها، فهي تتلخص بأنه يجب على كل مسلم أن يعتقد أن لهذا الكون خالقًا أحكم صنعه وقدر كل شيء فيه تقديرًا، وهذا الخالق هو الإله الواحد الذي ليس له شريك ولا شبيه ولا صاحب ولا ولد، ويتصف بجميع صفات الكمال، منزه عن جميع صفات النقص، وما دامت هذه العقيدة توقيفية، فهي مبرأة من كل نقص، سالمة من كل عيب، بعيدة عن الحيف والظلم؛ لأن الله له المثل الأعلى في السموات والأرض: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيرًا.
- ومن مزايا العقيدة الإسلامية أنها عقيدة فطرية: بمعنى أنها ليست غريبة عن الفطرة أو مغايرة لها، بل هي تلائم الفطرة وتنميها ولا تصادمها، وهي عقيدة تشبع الجوعة الفطرية التي لا تشبعها النظم الفلسفية، ولا المذاهب الوثنية، ولا السلطان السياسي، ولا الثراء المالي، قال تعالى: {{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} }، وقال صلى الله عليه وسلم: " «ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟ ثم يقول أبو هريرة: اقرأوا إن شئتم» : {{فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}} "، والفطرة هنا هي دين الإسلام وعقيدته، ولم يقل في الحديث: أو يسلمانه؛ لأن الإسلام فطرة مركوزة في النفس الإنسانية، وهو الوضع الطبيعي لها، فلا يحتاج إذن لتأثير الأبوين، أما باقي المذاهب الإلحادية فهي تغطي الفطرة وتنكسها وتصادمها، لذلك فهي لا تأتي على النفس من داخلها، إنما تأتي بمؤثر خارجي كما بان لنا من الحديث السابق.
- ومن مزايا هذه العقيدة الإسلامية أنها عقيدة ثابتة محددة: بمعنى أنها لا تتغير ولا تتطور بمرور الأزمان وتعاقب الأجيال، فلا مجال فيها للزيادة والنقص، ولا تقبل التحريف والتبديل، فلن يستطيع حاكم أو مجمع أو مؤتمر أن يضيف إليها ما ليس منها أو ينقص منها ما هو داخل فيها، وكل محاولة في ذلك يوصف صاحبها بالكفر، لأن الوحي قد انقطع بالتحاق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، وبقيت النصوص ثابتة إلى يوم الدين لا ينسخها ناسخ ولا يبدلها إلا كافر، أما غيرها من العقائد فقد زِيد فيها ونقص منها؛ لأنها كانت تخضع لأهواء الحكام والمجامع الدينية، ثم يجبر الناس على ما يتخذه هؤلاء من القرارات في أمر دينهم وعقيدتهم كما قال تعالى: {{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}} ، فالعقيدة اليهودية، والعقيدة النصرانية كذلك، رغم أن أصلهما وحي من عند الله، إلا أن التحريف قد دخلهما حتى أصبح وصف الإله فيهما لا يختلف كثيرًا عن أوصاف البشر، بل قد تضمنت كتبهم المحرفة أوصافًا لله لا ترتفع كثيرًا على أوصاف الإغريق لآلهتهم الوثنية، فاليهود يصفون الإله بالأكل والشرب والنوم والراحة والتعب وما إلى ذلك من النقائص التي لا تليق بالله سبحانه، وأما العقيدة النصرانية فكانت حالتها أدهى وأمرّ، حيث اختلطت مبادؤها بالوثنية اليونانية، ونشأ من هذا الخلط دين جديد تتجلى فيه النصرانية والوثنية سواء بسواء، واختلاف النصارى في طبيعة المسيح وتفرقهم إلى طوائف عديدة، يبين لنا بوضوح مدى التلاعب والتحريف بعقيدتهم، ومدى التخبط الذي يعيشونه، إن أي مسلم عادي ولو كان أميًّا لا يقرأ ولا يكتب، يرد بكل بساطة واطمئنان على كل من يحاول أن ينحرف في مفهومه لهذه العقيدة، وقد قيض الله سبحانه وتعالى على مدار القرون من العلماء الأثبات والفحول الثقات من يرد على زيغ المنحرفين، ويظهر باطلهم ويزهقه، ويبين ما في كتبهم من البدع والخرافات.
- ومن مميزات العقيدة الإسلامية أنها عقيدة مبرهنة: بمعنى أنها تقيم البراهين الساطعة والحجج الباهرة على كل مسألة فيها، ولا تلزم الناس بالتسليم الأعمى كما في بعض العقائد الأخرى: "اعتقد وأنت أعمى" أو "أغمض عينيك ثم اتبعني"، بل كان القرآن الكريم يقيم الدليل على كل مسألة من مسائل العقيدة، ثم يطلب من خصومه إقامة الدليل على ما يعتقدون بقوله: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِين}، ولا يقول عالم مسلم بأن هذه العقيدة تكتفي بإثارة العواطف ومخاطبة القلب والوجدان، بل إنها تخاطب العقل بالحجج الدامغة، ثم تأخذ طريقها إلى القلوب والأفئدة؛ لأن العقل الصريح يوافق المنقول الصحيح ... إن القرآن الكريم يقيم الأدلة من الكون والنفس والتاريخ على ربوبية الله وألوهيته وكماله، ويقيم الأدلة على البعث كذلك بخلق الإنسان أول مرة، وخلق السموات والأرض، وإحياء الأرض بعد موتها، ولن تجد مسألة واحدة من مسائل العقيدة الإسلامية إلا وهي مبرهنة وفيها أدلة كافية لمن كان له قلب يفقه به ويتذكر.
- ومن مميزات العقيدة الإسلامية كذلك أنها عقيدة وسط، لا إفراط فيها ولا تفريط: فهي وسط بين العقائد التي تنكر الخالق وتنكر كل ما وراء الطبيعة المحسوسة، وبين العقائد التي تزعم أن للعالم أكثر من إله وتقول بالتعدد وتدعى حلول الإلهية في الملوك والحكام والأنبياء والأشياء والحيوانات، إن عقيدة الإسلام بريئة من الإلحاد وإنكار وجود الله، كما هي بريئة من الشرك والوثنية، إنها عقيدة تفرد الله سبحانه بالربوبية والألوهية لأنه لا يستحق ذلك غيره، وهذه العقيدة الإسلامية وسط في صفات الله تعالى، فلا مغالاة في التجريد الذي يجعل صفات الله بلا معنى كالجهمية المعطلة وأساتذتهم من فلاسفة اليونان، إنما تقول هذه العقيدة: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، فإجمال في النفي وتفصيل في الإثبات، وقد خلت العقيدة الإسلامية كذلك من التشبيه والتمثيل الذي لجأت إليه اليهودية والنصرانية والرافضة وغيرهم من المشبهة الذين وصفوا الله بصفات المخلوقين، كوصفه بالتعب والراحة والنوم والمحاباة والقسوة وغير ذلك مما لا يليق بجلال الله سبحانه وتعالى، إن عقيدة الإسلام وسط بين المقلدين لآبائهم تقليدًا أعمى، وبين الذين يبحثون عن كنه ذات الله تعالى، وهم بعدُ لم يعرفوا حقيقة أنفسهم كما قال تعالى: {{مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا}} ، لكنها عقيدة تفتح الباب للنظر في هذا الكون المفتوح للتفكير في مخلوقات الله تعالى، قال سبحانه: {{قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ}} ، وقال تعالى: {{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ}} ، وقال تعالى: {{وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ، وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ}} .