من الفتن: فتنة شماعة (المسألة خلافية)
من الفتن أن كل من لا تعجبه فتوى يعترضها بعبارة: (المسألة خلافية)، وهي كلمة حقٍّ أحيانًا، ويُراد بها الباطل أحيانًا أخرى، وهذا كثير جدًّا، وسببها الترويج لقول ضعيف، إما جهلًا، أو لهوًى في النفس...
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فمن الفتن أن كل من لا تعجبه فتوى يعترضها بعبارة: (المسألة خلافية)، وهي كلمة حقٍّ أحيانًا، ويُراد بها الباطل أحيانًا أخرى، وهذا كثير جدًّا، وسببها الترويج لقول ضعيف، إما جهلًا، أو لهوًى في النفس، وهؤلاء أكثرهم لا يفقهون فقْهَ الخلاف، ولا أدلته، ولا الراجح والمرجوح؛ وأمثلة ذلك:
١- بعض أهل البدع يتذرَّعون بذلك للترويج لبِدَعِهم: بدعة الاحتفال بالمولد النبوي، وبدعة الاحتفال بالإسراء والمعراج، وغيرهما.
٢- ومن تريد من الفتيات كشف وجهها، وربما نزع الحجاب بالكامل تتذرَّع بذلك.
٣- ومن يعترضون على أحكام شرعية ثابتة بأدلة صريحة.
٤- وبعض الإعلاميين ومشاهير وسائل التواصل للترويج لِما يتعارض مع المسلَّمات الشرعية.
5- ومن الفتن قول بعضهم خاصة بعض الشباب والفتيات: إن العمل الفلاني – المعصية - لن يدخلني النار؛ مثل: نزع الحجاب وغيره، وهذا القول الغريب جدًّا ناشئ إما عن جهل، أو عن تلاعب الشيطان، واتباع الهوى، وعن استخفاف بشعائر الله وحرماته، أو عن تأثر بما يكتبه ويقوله من لا خلاقَ لهم، ولا علم، والرد البسيط هو: لماذا أمر الله سبحانه بأوامرَ، ونهى عن نواهٍ، ووعد من أطاعه بالجنة؛ مثل قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69]، وتوعَّد من عصاه بالنار؛ وذلك في كتابه مثل قوله سبحانه: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [النساء: 14]؟ وكل ما سبق من الفتن التي تعصف بالقلوب، فتقلب الحقَّ باطلًا، والباطل حقًّا، والمخرج منها بمشيئة الله سبحانه بالآتي:
أولًا: تقوى الله سبحانه ومراقبته.
ثانيًا: العلم النافع.
ثالثًا: لزوم غرز العلماء الربانيين، والصدور عن قولهم لا عن وسائل التواصل؛ كما قال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، وأهل الذكر هم العلماء وحدهم.
رابعًا: الدعاء بإلحاح بالثبات أمام الفتن.
خامسًا: تعظيم الله في القلب، وتعظيم شعائر الله وحرماته عن طريق تقوية التوحيد.
سادسًا: ملازمة تلاوة القرآن وتدبُّره، وفَهم معانيه، والعمل به.
سابعا: البعد عن مواقع الفتن؛ ومنها:
أ- تحكيم الهوى وشهوات النفس وميولها.
ب- الجهل بالراجح والمرجوح، والناسخ والمنسوخ.
ج- الأخذ بظواهر النصوص دون فقه لمقتضاها.
د- اتباع المتشابه وترك المحكم.
ثامنًا: أخي الكريم، أُذكِّرك بالآية الآتية، فاحذر أن تكون ممن عناهم الله في أولها، الذين يتبعون المتشابه، واحرص على أن تكون ممن ذكرهم الله في آخرها، وهم الراسخون في العلم؛ قال سبحانه: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 7]، واحرص دائمًا على العمل بقوله سبحانه تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36].
تاسعًا: ولا يغرنَّك كثرةُ مَن يتبعون شهواتهم، ويَنْبِزُونك بالتشدد، فاثبُت فأنت على الحق، ولو كنت وحدك، والحق لا يُقاس إلا بما في الوحيين؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الشيطان قد يئس أن يُعبَد بأرضكم، ولكن رضِيَ أن يُطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم، فاحذروا، إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدًا: كتاب الله، وسنة نبيه»؛ (صحيح الترغيب والترهيب، صححه الألباني).
عاشرًا: كُنْ حذرًا جدًّا من الفتن؛ فهي تتزيَّن وتتبهرج، وتأخذ بالعقول، وتقلب الحق باطلًا، والباطل حقًّا؛ واعمل بالحديث الآتي: قال حذيفة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تُعرَض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأي قلب أُشرِبها، نُكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها، نُكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين؛ على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادًّا، كالكوز مُجخِّيًا، لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا، إلا ما أُشرِب من هواه»، قال حذيفة: وحدَّثته أن بينك وبينها بابًا مغلقًا يُوشِك أن يُكسَر، قال عمر: أكسرًا لا أبا لك؟ فلو فُتِحَ لعله كان يُعاد، قلت: لا، بل يُكسَر، وحدثته أن ذلك الباب رجلٌ يُقتل أو يموت، حديثًا ليس بالأغاليط))؛ (أخرجه مسلم).
حفظكم الله، ورزقكم الفقه في الدين، وأعاذكم من مضلات الفتن، وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
________________________________________________
الكاتب: الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
- التصنيف: