فاستمسِك بالذي أُوحي إليك
وهذا أمرٌ من الله -تعالى- لنبيّه ﷺ أن يعتصم بما جاءَه من الله، وأن يُوقن أنه حق لا باطلَ فيه، وصدقٌ لا كذبَ فيه، ويقينٌ لا شكَّ يعتريه، وهدًى لا ضلالَ فيه، وعدلٌ لا جَوْرَ فيه.
- التصنيفات: الدعوة إلى الله -
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصّلاةُ والسّلامُ على نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين.
قال الله -تعالى-: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إلَيْكَ إنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الزخرف: 43].
وهذا أمرٌ من الله -تعالى- لنبيّه صلى الله عليه وسلم أن يعتصم بما جاءَه من الله -تعالى-، فعلًا واتصافًا، بما يأمر بالاتصاف به ويدعو إليه، وحرصًا على تنفيذه في نفسك وفي غيرك. وأن يُوقن أنه حق لا باطلَ فيه، وصدقٌ لا كذبَ فيه، ويقينٌ لا شكَّ يعتريه، وهدًى لا ضلالَ فيه، وعدلٌ لا جَوْرَ فيه.
والعلم بخصائص ما نزل من الوحي يجعل العبد يزداد في تمسُّكه واعتصامه؛ لأن اعتصامه حينئذ، يكون اعتصامًا على هدًى وبصيرة؛ {إنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} مُوصِّل إلى الله وإلى دار كرامته، وهذا مما يُوجب عليك زيادة التمسُّك به والاهتداء إذا علمتَ أنه حقٌّ وعدلٌ وصِدقٌ، تكون بانيًا على أصل أصيل، إذا بنى غيرك على الشكوك والأوهام، والظلم والجور. (انظر: تفسير السعدي).
وهذا دليل على أن الاعتصام بالكتاب والسُّنة صلاحٌ للبلاد والعباد، وأن ترك ذلك أشد أنواع الفساد.
والأدلة على هذا الأصل العظيم من الكتاب والسُّنة والآثار الواردة عن السلف وأئمة أهل السنة أكثر من أن تُحْصَى، وكلها تُقرِّر أنه لا يستقيم دين امرئ مسلم إلا إذا تمسَّك بهذا الأصل، واتخذه منهاجًا يسير عليه، ويثبت عليه حتى الممات، وأنَّ مَن ابتغى الهدى في غير الكتاب والسُّنة لم يزدد إلا بُعدًا عن الحق. (انظر: مجموع الفتاوى: ٥/ ١٢٠).
والاعتصام بالكتاب والسنة هو سبيل النجاة من الفتن، فعن الزهري قال: «كان مَن مضى مِن علمائنا يقولون: الاعتصام بالسُّنة نجاة» (رواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة: 1/56).
والتاريخ شاهد على ذلك؛ فقد مرَّت بالمسلمين عبر تاريخهم الطويل فتن كثيرة، لم يثبت فيها إلا أهل العلم الذين اعتصموا بالكتاب والسنة على هدًى وبصيرة، وذلك مصداق قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 64].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فكل مَن اتبع الرسول فإن الله حسبه؛ أي كافيه وهاديه وناصره... وكل مَن وافق الرسول صلى الله عليه وسلم في أمرٍ خالَف فيه غيره فهو من الذين اتبعوه في ذلك، وله نصيب من قوله: {لا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40]؛ فإن المعية الإلهية المتضمنة للنصر هي لما جاء به إلى يوم القيامة، وهذا قد دلَّ عليه القرآن، وقد رأينا من ذلك وجرَّبنا ما يطول وَصْفه. (مجموع الفتاوى: ٣٤/٢٨).
وحقًّا فإن {وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [آل عمران: ١٠١].