لمحات من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم
اتَّصف صلى الله عليه وسلم بجميع صفات الكمال الحميدة؛ فكان أشدَّ الناس حياءً وأكثرهم أدبًا، واشتهر بين قومه بالنزاهة والكرم، والذكاء والتواضع، والأمانة والعفَّة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله محمد، وعلى آله وصحبه ومَن اتبع هداه، وبعد:
فإن معرفة أحوال النبي صلى الله عليه وسلم من أهمِّ المهمات؛ لأنه القدوة الأكمل والمعلم الأكبر: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].
امتاز صلى الله عليه وسلم بين قومه قبل الرسالة بالصدق والتواضع والزهد والأمانة حتى سَمَّوه الأمين، وكانوا يُودِعون عنده ودائعهم وأماناتهم، وكان يكره أعمال الجاهلية فلم يشرب خمرًا قطُّ، ولم يحضر للأوثان عيدًا ولا احتفالًا، ولمَّا قارَب الأربعين من عمره أحب الانقطاع عن الناس، فكان يخلو في غار حراء ليعبد الله، ولما بلغ الأربعين من عمره بعثه الله نبيًّا ورسولًا، فنزل عليه الروح الأمين جبريل وهو يتعبَّد في غار حراء وقال له: (اقرأ)، قالها ثلاثًا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له في كل مرة: ((ما أنا بقارئ))؛ لأنه ما كان يعرف القراءة قبل ذلك فقال له: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1- 5].
ثم انقطع عنه الوحي بعد ذلك مدَّة حتى اشتدَّ شوقه إليه، ثم نزل عليه قوله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} [المدثر: 1- 7]، فبدأ بالدعوة سرًّا، وبهذه الآية صار رسولًا، وأوَّل مَن آمَن به من الرجال أبو بكر الصديق، ومن الموالي زيد بن حارثة، ومن المماليك بلال بن رباح، ومن الصبيان علي بن أبي طالب، ومن النساء خديجة بنت خُوَيلِد، ودعا أبو بكر مَن يثق به من قريش فأجابه إلى الإسلام جمعٌ كثير، والدعوة إلى الله - تعالى - عن علم وبصيرة طريق مَن اتَّبع هذا النبي صلى الله عليه وسلم.
الجهر بالدعوة:
مضت ثلاث سنين والرسول صلى الله عليه وسلم يدعو الناس سرًّا ثم نزل عليه قوله - تعالى -: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ} [الحجر: 94]، فجهر بالدعوة وصدع بها ليلًا ونهارًا، سرًّا وجهرًا، دعا إلى توحيد الله - تعالى - وترك عبادة الأصنام وتعظيمها والابتعاد عن المنكرات والمحرمات، فمنهم مَن آمَن به، ومنهم مَن صدَّ عنه وسخر منه، واستهزأ بدعوته وناصَبَه العداوة، وكان من أشدِّ أعدائه أبو جهل وعمُّه أبو لهب، فاحتمل أذاهم واستمرَّ يدعو إلى الله وعمُّه أبو طالب يذود عنه ويَحميه، وقد انتقم الله من جميع المستهزئين برسوله بعد الهجرة؛ فمنهم مَن قُتِل، ومنهم من أهلكته الأمراض.
وكان صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل يدعوهم إلى الإسلام وأن يمنعوا عنه أذى قومهم فيقول: «مَن يؤويني حتى أبلغ رسالة ربي»!، أقام صلى الله عليه وسلم في مكة عشر سنوات يدعو إلى التوحيد ويهدم قواعد الشرك، وبعدها عُرِج به إلى السماء، وفُرِضت عليه وعلى أمَّته الصلوات الخمس، فصلى في مكة ثلاث سنين، وبعدها أُمِر بالهجرة إلى المدينة دار الإسلام، فلمَّا هاجر إلى المدينة معزَّزًا منصورًا أُمِر ببقية شرائع الإسلام؛ مثل: الزكاة والصوم، والحج والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أقام في المدينة عشر سنوات يُجاهِد اليهود والكَفَرة، والمشركين والمنافقين، والقرآن ينزل عليه ببيان الأحكام وحلِّ المشاكل، وظلَّ يُجاهِد ويُناضِل في سبيل الله وإعلاء كلمته حتى نصره الله، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، وبلغ عدد غزواته التي حضرها بنفسه سبعًا وعشرين غزوة، وعدد سراياه التي لم يحضرها سبع وأربعين سريَّة وأهم غزواته: (بدر الكبرى - وأحد - والأحزاب - والحديبية - والفتح - وحنين)، فلمَّا أن أكمل الله له ولأمَّته دينهم وأتمَّ به النعمة وبلَّغ رسالة ربه، اختاره الله إلى جواره، فتوفي وقد انتشر الإسلام قبل وفاته في جزيرة العرب كلها.
صفاته صلى الله عليه وسلم:
اتَّصف صلى الله عليه وسلم بجميع صفات الكمال الحميدة؛ فكان أشدَّ الناس حياءً وأكثرهم أدبًا، واشتهر بين قومه بالنزاهة والكرم، والذكاء والتواضع، والأمانة والعفَّة، وكان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا، جميل الصورة، أبيض اللون مشربًا بحمرة، طيب الرائحة، وقد أوجب الله على الأمَّة محبَّة هذا الرسول الكريم الذي هو بأمَّته رؤوف رحيم، كما أوجب عليهم تصديقه ومتابعته، ورتَّب على ذلك سعادة الدنيا والآخرة، وصدق الله العظيم إذ يقول: {لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران: 164]، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
- التصنيف: