قارون من جديد

منذ 2024-08-12

"التواضع والشكر لله على نِعَمِهِ هما السبيل الأمثل للنجاح الدائم، وأن الغرور والتفاخر قد يقودان إلى نهايات مأساوية"

أثناء تصفحي لحساب أحد الكُتَّاب على وسائل التواصل الاجتماعي، لاحظت تكرار مدحه الزائد لأعماله وكتاباته، وعرضه المستمر لاقتباسات من كتابه، كما لو كانت خالدة، وتستحق التوثيق التاريخي، هذه المشاهد أعادت إلى ذهني ذكرياتُ مقابلاتٍ مع رجال أعمال ومشاهير يروِّجون لذكائهم وجهودهم الشخصية كسبب وحيد لنجاحهم، متجاهلين عواملَ أخرى خارج سيطرتهم.

 

قصة قارون:

قارون؛ الشخصية المعروفة في القرآن الكريم، خرج على قومه في زينته، متفاخرًا بثروته قائلًا: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص: 78]، كان هذا الغرور يَلقَى إعجابًا من جماهيره الذين قالوا: {يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص: 79]، هذه القصة القرآنية تحمل في طيَّاتها دروسًا قيِّمة للبشرية، مذكِّرةً بأن التاريخ يُعيد نفسه، وأن البشر يتشابهون في سلوكهم عبر العصور.

 

التوفيق والنجاح بيد الله وحده:

القصة القرآنية تهدف إلى توجيهنا نحو إدراك أن التوفيق والنجاح هما بيد الله؛ مثال على ذلك: الأخوان اللذان يتلقيان نفس التربية والتعليم، ويواجهان نفس الظروف، ومع ذلك يحقق أحدهما نجاحًا كبيرًا، بينما يظل الآخر دون تأثير يُذكَر، هذا يوضح أن الذكاء والمهارة وحدهما لا يكفيان، بل يحتاج الإنسان إلى توفيق الله: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [يونس: 107].

 

وإذا كان التوفيق خارجًا عن إرادتك، فالتفاخر بما ليس بيد الإنسان هو نقصان في العقل، فالرزق والمقدَّرات مكتوبة قبل خلق السماوات والأرض.

 

نهاية قارون:

الله تعالى يخبرنا عن نهاية قارون درسًا لنا: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} [القصص: 81]، أما متابعوه الذين كانوا يَغْبِطونه على ثروته، فتغيَّرت قناعاتهم فور وقوع العقوبة: {لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا} [القصص: 82]، هذه النهاية ليست مقتصرة على قارون فقط، بل نجد أن العديد من المؤثِّرين والمشاهير في عصرنا يعانون من الوحدة والخذلان في نهاية حياتهم، وبعضهم يصل إلى حد الانتحار.

 

ختامًا:

من خلال استعراض قصة قارون وربطها بواقعنا المعاصر، ندرك أن التواضع والشكر لله على نِعَمِهِ هما السبيل الأمثل للنجاح الدائم، وأن الغرور والتفاخر قد يقودان إلى نهايات مأساوية، هذه العِبَرُ تبقى خالدة ومهمة للتذكير بها في كل عصر ومجتمع.

_______________________________________________
الكاتب: د. محمد موسى الأمين

  • 3
  • 0
  • 226

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً