أربعة مشايخ يحذِّرون من فتنة السفور واختلاط الجنسين في بلاد الحرمين

منذ 2012-01-25

{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِ‌هِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُ‌وجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ‌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِ‌هِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُ‌وجَهُنَّ..} [النور: ٣٠، 31]




الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم وبارك على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد؛ فهذه كلمات في التحذير من فتنة النساء في بلاد الحرمين للمشايخ: عبد العزيز بن باز ومحمد الأمين الشنقيطي ومحمد بن صالح بن عثيمين وعلي الطنطاوي رحمهم الله.

1ـ قال شيخنا الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز كما في مجلة البحوث الإسلامية (15/247) بعد كلام سبق:
"ذلك أنَّ من المعلوم بأنَّ نزول المرأة للعمل في ميدان الرِّجال يُؤدي إلى الاختلاط المذموم والخلوة بهنَّ، وذلك أمرٌ خطير جدّاً له تبعاته الخطيرة وثمراته المُرَّة وعواقبه الوخيمة، وهو مصادم للنصوص الشرعية التي تأمر المرأة بالقرار في بيتها والقيام بالأعمال التي تخصُّها وفطَرَها الله عليها، مما تكون فيه بعيدة عن مخالطة الرجال، والأدلَّة الصريحة الدَّالة على تحريم الخلوة بالأجنبية، وتحريم النظر إليها، وتحريم الوسائل الموصلة إلى الوقوع فيما حرَّم الله، أدلَّة كثيرة مُحكمة قاضية بتحريم الاختلاط المؤدّي إلى ما لا تُحمد عقباه، منها قوله تعالى: {وَقَرْ‌نَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّ‌جْنَ تَبَرُّ‌جَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّـهَ وَرَ‌سُولَهُ إِنَّمَا يُرِ‌يدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّ‌جْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَ‌كُمْ تَطْهِيرً‌ا . وَاذْكُرْ‌نَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّـهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرً‌ا} [الأحزاب: ٣٣، 34]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَ‌فْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورً‌ا رَّ‌حِيمًا} [الأحزاب: ٥٩]، وقال الله جلَّ وعلا: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِ‌هِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُ‌وجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ‌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِ‌هِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُ‌وجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ‌ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِ‌بْنَ بِخُمُرِ‌هِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ..} [النور: ٣٠، 31] الآية، وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَ‌اءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: ٥٣]، وقال صلى الله عليه وسلم: «إيّاكم والدخول على النساء (يعني الأجنبيات)، فقال رجلٌ من الأنصار: يا رسول الله! أفرأيتَ الحمو؟ قال: الحمو الموت»، ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخلوة بالمرأة الأجنبية على الإطلاق وقال: «إنَّ ثالثهما الشيطان»، وعن السفر إلاَّ مع ذي محرم؛ سدّاً لذريعة الفساد، وإغلاقاً لباب الإثم، وحسماً لأسباب الشرِّ، وحماية للنوعين من مكائد الشيطان، ولهذا صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «اتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإنَّ أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء»، وقال صلى الله عليه وسلم: «ما تركت بعدي في أمّتي فتنة أضرَّ على الرجال من النساء»، وهذه الآيات والأحاديث صريحة الدلالة في وجوب الابتعاد عن الاختلاط المؤدّي إلى الفساد.
وتقويض الأُسَر وخراب المجتمعات التي سبقت إلى هذا الأمر الخطير، وصارت تتحسَّر على ما فعلت، وتتمنّى أن تعود إلى حالنا الذي نحن عليه الآن وخصَّنا به الإسلام، لماذا لا ننظر إلى وضع المرأة في بعض البلدان الإسلامية المجاورة كيف أصبحت مُهانة مبتذَلة بسبب إخراجها من بيتها وجعلها تقوم في غير وظيفتها؟! لقد نادى العُقلاء هناك وفي البلدان الغربية بوجوب إعادة المرأة إلى وضعها الطبيعي الذي هيَّأها الله له وركبها عليه جسميّاً وعقليّاً، ولكن بعد ما فات الأوان، ألا فليتَّق اللهَ المسؤولون عن المرأة والتخطيط لعملها وليُراقبوه سبحانه، فلا يفتحوا على الأمّة باباً خطيراً من أبواب الشرِّ إذا فُتح كان من الصعب إغلاقه، وليعلموا أنَّ النصحَ لهذا البلد حكومة وشعباً هو العمل على ما يُبقيه مجتمعاً متماسكاً قويّاً سائراً على نهج الكتاب والسّنّة وعمل سلف الأمَّة، وسد أبواب الفساد والخطر، وإغلاق منافذ الشرور والفتن، ولا سيما ونحن في عصر تكالب الأعداء فيه على المسلمين، وأصبحنا أشد ما نكون حاجة إلى عون الله ودفعه عنّا شرور أعدائنا ومكائدهم، فلا يجوز لنا أن نفتح أبواباً من الشرِّ مغلقة، ولقد أحسن جلالة الملك فهد بن عبد العزيز ـ أدام الله توفيقه ـ فيما أصدر من التعميم المبارك برقم 2966/م وتاريخ 19/9/ 1404هـ في الموضوع، وهذا نصُّه: "نشير إلى الأمر التعميمي رقم 11651 في 16/5/ 1403 هـ المتضمن أن السماح للمرأة بالعمل الذي يؤدي إلى اختلاطها بالرجال سواء في الإدارات الحكومية أو غيرها من المؤسسات العامة أو الخاصة أو الشركات أو المهن ونحوها أمر غير ممكن، سواء كانت سعودية أو غير سعودية؛ لأن ذلك محرم شرعاً، ويتنافى مع عادات وتقاليد هذه البلاد، وإذا كان يوجد دائرة تقوم بتشغيل المرأة في غير الأعمال التي تناسب طبيعتها أو في أعمال تؤدي إلى اختلاطها بالرجال، فهذا خطأ يجب تلافيه، وعلى الجهات الرقابية ملاحظة ذلك والرفع عنه..".


2ـ وقال شيخنا الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في كتابه أضواء البيان (3/503) عند تفسير قوله تعالى: {إِنَّ هَـٰذَا الْقُرْ‌آنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: ٩] بعد كلام سبق:
"على أن خروج المرأة وابتذالها فيه ضياع المروءة والدين؛ لأن المرأة متاع، هو خير متاع الدنيا، وهو أشد أمتعة الدنيا تعرضاً للخيانة؛ لأن العين الخائنة إذا نظرت إلى شيء من محاسنها فقد استغلت بعض منافع ذلك الجمال خيانة ومكراً، فتعريضها لأن تكون مائدة للخونة فيه ما لا يخفى على أدنى عاقل، وكذلك إذا لمس شيئاً من بدنها بدن خائن سرت لذة ذلك اللمس في دمه ولحمه بطبيعة الغريزة الإنسانية، ولا سيما إذا كان القلب فارغاً من خشية الله تعالى، فاستغل نعمة ذلك البدن خيانة وغدراً، وتحريك الغرائز بمثل ذلك النظر واللمس يكون غالباً سبباً لما هو شر منه؛ كما هو مشاهد بكثرة في البلاد التي تخلت عن تعاليم الإسلام، وتركت الصيانة، فصارت نساؤها يخرجن متبرجات عاريات الأجسام إلا ما شاء الله؛ لأن الله نزع من رجالها صفة الرجولة والغيرة على حريمهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! نعوذ بالله من مسخ الضمير والذوق، ومن كل سوء، ودعوى الجهلة السفلة: أن دوام خروج النساء بادية الرؤوس والأعناق والمعاصم والأذرع والسُّوْق ونحو ذلك يذهب إثارة غرائز الرجال؛ لأن كثرة الإمساس تذهب الإحساس كلام في غاية السقوط والخسة؛ لأن معناه: إشباع الرغبة مما لا يجوز، حتى يزول الأرب بكثرة مزاولته، وهذا كما ترى، ولأن الدوام لا يذهب إثارة الغريزة باتفاق العقلاء؛ لأن الرجل يمكث مع امرأته سنين كثيرة حتى تلد أولادهما، ولا تزال ملامسته لها ورؤيته لبعض جسمها تثير غريزته، كما هو مشاهد لا ينكره إلا مكابر:
لقد أسمعت لو ناديت حياً *** ولكن لا حياة لمن تنادي

وقد أمر رب السماوات والأرض خالق هذا الكون ومدبر شؤونه، العالم بخفايا أموره وبكل ما كان وما سيكون بغض البصر عما لا يحل، قال تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِ‌هِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُ‌وجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ‌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِ‌هِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُ‌وجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ..} [النور: ٣٠، 31] الآية.
ونهى المرأة أن تضرب برجلها لتسمع الرجال صوت خلخالها في قوله: {وَلَا يَضْرِ‌بْنَ بِأَرْ‌جُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ} [النور: ٣١]، ونهاهن عن لين الكلام لئلا يطمع أهل الخنى فيهن، قال تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَ‌ضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُ‌وفًا} [الأحزاب: ٣٢]﴾".


وقال رحمه الله في جوابه على سؤال ورد من الكويت عن حكم الشرع في اختلاط الجنسين في الدراسة، طبع تحت عنوان: "فتوى في تحريم التعليم المختلط" ضمن مجلد من مجلدات مؤلفاته يشمل الرحلة إلى أفريقيا والفتاوى والمحاضرات، قال (ص 153):
"إن من الغريب أن يوجد في أمة مسلمة عربية اختلاط الجنسين في الجامعات والمدارس، مع أن دين الإسلام الذي شرعه خالق السموات والأرض على لسان سيد الخلق صلى الله عليه وسلم يمنع ذلك منعاً باتاً، والشهامة العربية والغيرة الطبيعية العربية المملوءة بالأنفة تقتضي التباعد عن ذلك وتجنبه بتاتاً وتجنب جميع الوسائل المفضية إليه"، وقال (ص159): "أيها الأب الكريم المؤمن العربي الشهم! بأي مسوغ من عقل أو دين أو مروءة أو إنسانية تترك فلذة كبدك التي هي ابنتك مائدةً سبيلاً تتمتع بجمالها كلُّ عين فاجرة غدراً وخيانةً ومكراً وظلماً لذلك الجمال الذي يُستغل مجاناً في إرضاء الشيطان وتقليد كفرة الإفرنج تقليداً أعمى مع إضاعة الشرف والفضيلة والعفاف؟!"، وقال (ص166): "فإنا نهيب بالآباء الكرام المسلمين العرب فنقول: أين شهامتكم العربية العريقة المتوارثة على مر العصور؟! كيف تتركون بناتكم خارجات عاريات مبذولات لمن شاء أن يتمتع بالنظر إليهن مجاناً عدوانا على المسكينات الجاهلات وعلى الشرف والفضيلة؟!"، وقال (ص171): "وأما نتائج الاختلاط من كثرة ارتكاب الجرائم وكثرة الأولاد غير الشرعيين فهو أمر لا حاجة إلى إبدائه لأنه معلوم، ويكفي ما يصدر في جرائد ومجلات البلاد المتقدمة من كثرة الأولاد غير الشرعيين رغم كثرة استعمال الحبوب المضادة للحمل".


3ـ وقال الشيخ العلامة محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله في كتابه شرح رياض الصالحين (2/484) في شرح حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدنيا حلوة خَضِرة، وإن الله مُسْتخْلِفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء» [رواه مسلم (314)]، قال:
"هذا الحديث ساقه المؤلف رحمه الله لما فيه من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتقوى، بعد أن ذكر حال الدنيا فقال: «إن الدنيا حُلوة خَضِرَة» حلوة في المذاق خضرة في المرأى، والشيء إذا كان خضرًا حلوًا فإن العين تطلبه أولا، ثم تطلبه النفس ثانيا، والشيء إذا اجتمع فيه طلب العين وطلب النفس، فإنه يُوشِكُ للإنسان أن يقع فيه، فالدنيا حلوة في مذاقها، خضرة في مرآها، فيغترُّ الإنسان بها وينهمك فيها ويجعلها أكبر همه، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن أن الله تعالى مستخلفنا فيها فينظر كيف نعمل، هل تقومون بطاعته وتنهون النفس عن الهوى وتقومون بما أوجب الله عليكم ولا تغتروا بالدنيا، أو أنَّ الأمر بالعكس؟ ولهذا قال: «فاتقوا الدنيا» أي: قوموا بما أمركم به، واتركوا ما نهاكم عنه، ولا تغرَّنكم حلاوة الدنيا ونضرتها، كما قال الله تعالى: {فَلَا تَغُرَّ‌نَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّ‌نَّكُم بِاللَّـهِ الْغَرُ‌ورُ‌} [فاطر: ٥]، ثم قال: «فاتقوا الدنيا واتقوا النساء» اتقوا النساء، أي: احذروهن، وهذا يشمل الحذر من المرأة في كيدها مع زوجها، ويشمل أيضا الحذر من النساء وفتنتهن، ولهذا قال: «فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء»، فافتتنوا في النساء، فضلُّوا وأضلوا والعياذ بالله، ولذلك نجد أعداءنا وأعداء ديننا أعداء شريعة الله عز وجل يُركِّزون اليوم على مسألة النساء وتبرجهن واختلاطهن بالرجال ومشاركتهن للرجال في الأعمال، حتى يصبح الناس كأنهم الحمير، لا يهمهم إلا بطونهم وفروجهم والعياذ بالله، وتصبح النساء وكأنهن دُمَى أي صور لا يهتم الناس إلا بشكل المرأة، كيف يُزيِّنونها، وكيف يجمِّلونها، وكيف يأتون لها بالمجَمِّلات والمحسِّنات، وما يتعلق بالشعر، وما يتعلق بالجلد، ونتف الشعر، والساق، والذراع، والوجه، وكل شيء، حتى يجعلوا أكبر همِّ النساء أن تكون المرأة كالصورة من البلاستيك، لا يهمها عبادة ولا يهمها أولاد، ثم إن أعداءنا أعداء دين الله وشريعته، وأعداء الحياء يريدون أن يُقحِموا المرأة في وظائف الرجال، حتى يُضيِّقوا على الرجال الخناق، ويجعلوا الشباب يتسكَّعون في الأسواق، ليس لهم شغل، ويحصل من فراغهم هذا شر كبير وفتنة عظيمة؛ لأن الشباب والفراغ والغنى من أعظم المفاسد كما قيل:
إنَّ الشَّبــاب والفــراغَ و الجِـــده *** مفســدةٌ للمــرء أيُّ مَفْسَــده

فهم يُقحمون النساء الآن بالوظائف الرجالية ويدَعون الشباب ليفسد الشباب وليفسد النساء، أتدرون ماذا يحدث؟ مفسدة الاختلاط، ومفسدة الزنا والفاحشة، سواء في زنى العين، أو زنى اللسان، أو زنى اليد، أو زنى الفرج، كل ذلك محتمل إذا كانت المرأة مع الرجل في الوظيفة، وما أكثر الفساد في البلاد التي يتوظَّف الرجال فيها مع النساء، ثم إن المرأة إذا وُظِّفت، فإنها سوف تَنعَزِل عن بيتها وعن زوجها، وتصبح الأسرة متفكِّكَة، ثم إنها إذا وُظِّفت سوف يحتاج البيت إلى خادم، وحينئذٍ نستجلب نساء العالم من كل مكان، وعلى كل دين، وعلى كل خُلُق، ولو كان الدين على غير دين الإسلام، ولو كان الخلُق خلقا فاسدا، نستجلب النساء ليكُنَّ خدما في البيوت، ونجعل نساءنا تعمل في محل رجالنا، فنعطل رجالنا ونُشغل نساءنا، وهذا فيه مفسدة عظيمة وهي تفكك الأسرة؛ لأن الطفل إذا نشأ وليس أمامه إلا الخادم نَسِيَ أمه ونَسِيَ أباه، وفقد الطفل تعلقه بهما، ففسدت البيوت، وتشتتت الأسر، وحصل في ذلك من المفاسد ما لا يعلمه إلا الله، ولا شك أن أعداءنا وأذناب أعدائنا لأنه يوجد فينا أذناب لهؤلاء الأعداء، درسوا عندهم وتلطَّخوا بأفكارهم السيئة، ولا أقول إنهم غسلوا أدمغتهم، بل أقول إنهم لوَّثوا أدمغتهم بهذه الأفكار الخبيثة المعارضة لدين الإسلام، قد يقولون: "إن هذا لا يعارض العقيدة" بل نقول إنه يهدم العقيدة، ليس معارضة العقيدة بأن يقول الإنسان بأن الله له شريك، أو أن الله ليس موجودا وما أشبهه فحسب، بل هذه المعاصي تهدم العقيدة هدما؛ لأن الإنسان يبقى ويكون كأنه ثور أو حمار لا يهتم بالعقيدة ولا بالعبادة، لأنه متعلق بالدنيا وزخارفها وبالنساء، وقد جاء في الحديث الصحيح: «ما تركتُ بَعدي فتنة أضرَّ على الرجال من النساء»، ولهذا يجب علينا نحن ونحن أمة مسلمة أن نعارض هذه الأفكار، وأن نقف ضدها في كل مكان وفي كل مناسبة، علما بأنه يوجد عندنا قوم لا كثَّرهم الله ولا أنالهم مقصودهم يريدون هذا الأمر لهذا البلد المسلم المسالم المحافظ؛ لأنهم يعلمون أن آخر معقل للمسلمين هو هذه البلاد، التي تشمل مقدسات المسلمين، وقبلة المسلمين، ليفسدوها حتى تفسد الأمة الإسلامية كلها، فكل الأمة الإسلامية ينظرون إلى هذه البلاد ماذا تفعل؟! فإذا انهدم الحياء والدين في هذه البلاد فسلام عليهم، وسلام على الدين والحياء، لهذا أقول: يا إخواني، يجب علينا شباباً وكهولاً وشيوخاً وعلماء ومتعلمين أن نعارض هذه الأفكار، وأن نقيم الناس كلهم ضدَّها، حتى لا تسري فينا سريان النار في الهشيم فتحرقنا، نسأل الله أن يجعل كيد هؤلاء الذين يدبِّرون مثل هذه الأمور في نحورهم، وأن لا يُبلِّغهم منالهم، وأن يكبتهم برجال صالحين حتى تخمد فتنتهم، إنه جواد كريم".


4ـ وقال الشيخ الأديب علي الطنطاوي رحمه الله في ذكرياته (8/306) بعد كلام سبق:
"وهذا الذي سردته ليس منه والحمد لله شيء في مدارس المملكة، ولا تزال على الطريق السوي، ولكن من رأى العبرة بغيره فليعتبر وما اتخذ أحد عند الله عهدا أن لا يحل به ما حل بغيره إن سلك مسلكه، فحافظوا يا إخوتي على ما أنتم عليه، واسألوا الله وأسأله معكم العون، إن المدارس هنا لا تزال بعيدة عن الاختلاط، قاصرة على المدرسات والطالبات".
وقال رحمه الله في كتابه "فصول إسلامية" (ص298) ضمن محاضرة ألقيت في 1973م بعد كلام سبق:
"وسيل الفساد المتمثل في العنصر الاجتماعي مر على مصر من خمسين سنة وعلى الشام من خمس وعشرين أو ثلاثين، وقد وصل إليكم الآن، فلا تقولوا: "نحن في منجاة منه"، ولا تقولوا: "نأوي إلى جبل يعصمنا من الماء"، ولا تغتروا بما أنتم عليه من بقايا الخير الذي لا يزال كثيراً فيكم، ولا بالحجاب الذي لا يزال الغالب على نسائكم، فلقد كنا في الشام مثلكم ـ إي والله ـ وكنا نحسب أننا في مأمن من هذا السيل، لقد أضربت متاجر دمشق من ثلاثين سنة أو أكثر قليلاً وأغلقت كلها، وخرجت مظاهرات الغضب والاحتجاج؛ لأن مديرة المدرسة الثانوية مشت سافرة ـ إي والله ـ فاذهبوا الآن فانظروا حال الشام!! دعوني أقل لكم كلمة الحق، فإن الساكت عن الحق شيطان أخرس، إن المرأة في جهات كثيرة من المملكة قريب وضعها من وضع المرأة المصرية يوم ألف قاسم أمين كتاب "تحرير المرأة" فلا يدع العلماء مجالاً لقاسم جديد".
وقد بيَّن في ذكرياته (5/226) أن سفور المرأة التي أشار إليها مجرد كشف الوجه، حيث قال: "وكانت النصرانيات واليهوديات من أهل الشام يلبسن قبل الحرب الأولى الملاءات الساترات كالمسلمات، وكل ما عندهن أنهن يكشفن الوجوه ويمشين سافرات، أذكر ذلك وأنا صغير، وجاءت مرة وكيلة ثانوية البنات المدرسة سافرة فأغلقت دمشق كلها حوانيتها، وخرج أهلوها محتجين متظاهرين حتى روّعوا الحكومة فأمرتها بالحجاب وأوقعت عليها العقاب، مع أنها لم تكشف إلا وجهها".


وأقول في النهاية كما قلت في البداية: هذه كلمات لأربعة مشايخ في التحذير من فتنة النساء في بلاد الحرمين، أما كلامي في التحذير من هذه الفتنة فقد جاء في ثلاثين كلمة منشورة خلال ثلاث سنوات تبلغ مجلداً تزيد صفحاته على ثلاثمائة صفحة، نشرت الكلمة الأولى في 18/2/1430هـ بعنوان: "دعاة تغريب المرأة ومتبعو الأهواء والشهوات هم الذين وراء بدء انفلات بعض النساء أخيراً في بلاد الحرمين"، ونشرت الكلمة الآخرة بتاريخ 23/1/1433هـ بعنوان: "كل هؤلاء مسئولون يوم القيامة عن انفلات النساء في بلاد الحرمين"، وهذه الكلمات وغيرها من كلمات الناصحين ستبقى بإذن الله في المستقبل، فإن تحقق الغرض من كتابتها ـ وهو ما أرجوه وأؤمِّله ويرجوه ويؤمِّله كل غيور على هذه البلاد ـ فذلك من فضل الله وتوفيقه لخادم الحرمين بإبقاء النساء على الحشمة والحجاب والبعد عن مخالطة الرجال في مكاتب العمل وفصول الدراسة وبيع النساء في الأسواق بدل الرجال وغير ذلك كما كانت عليه في عهود أسلافه رحمهم الله، وإن كانت الأخرى ـ وعسى ألا تكون ـ وآل أمر النساء في هذه البلاد إلى ما آل إليه الأمر في البلاد الأخرى التي بدأت الحال فيها بكشف الوجوه ثم انتهت إلى ما هو مشاهد من التعري المشين فهي مصيبة عظمى وكارثة كبرى، ووالله ثم والله ثم والله! إن الخير كل الخير والسعادة كل السعادة في الدنيا والآخرة لخادم الحرمين ـ وفقه الله لكل خير ـ في الاستقامة على أمر الله ومن ذلك أن تبقى النساء في عهده كما كانت عليه في عهود والده وإخوانه الذين سبقوه في الولاية، وألا يتحقق في عهده للتغريبيين والغربيين ما أرادوه لهذه البلاد من السفور والاختلاط المشين فتلحقه آثاره السيئة في الحياة وبعد الممات، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» [رواه مسلم (2351)].
وأسأل الله عز وجل أن ينفع هذه البلاد حكومةً وشعباً بنصح الناصحين الذين يدعون إلى الجنة وأن يقيها شر مكر الماكرين وكيد الكائدين الذين يدعون إلى النار والعار والدمار من أعدائها التغريبيين والغربيين، وأسأله تعالى أن يهيئ لولاة الأمر البطانة الصالحة الناصحة وأن يصرف عنهم بطانة السوء الماكرة، ويباعد بينهم وبينها كما بعاد بين المشرق والمغرب، وأن يمكر بكل ماكر بهم وهو خير الماكرين وهو على كل شيء قدير.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه.


7/2/1433هـ
عبد المحسن بن حمد العباد البدر



 

عبد المحسن بن حمد العباد البدر

المحدث الفقيه والمدرس بالمسجد النبوي الشريف، ومدير الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سابقاً

  • 13
  • 1
  • 10,094

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً