كيف يراك أهل السماء؟
المرآة، والكاميرا، وعيون الناس من حولك، الذين يلمحونك بغير اهتمام أو يحدِّقون فيك، والقلم الفحم، الذي جلست أمام الرسام ليرسمك به
أ. محمود توفيق حسين
المرآة، والكاميرا، وعيون الناس من حولك، الذين يلمحونك بغير اهتمام أو يحدِّقون فيك، والقلم الفحم، الذي جلست أمام الرسام ليرسمك به، كلها لا ترصد إلا قشرتك الخارجية، هيئتك، هندامك، تصفيفة شعرك، خاتمك، ساعة يدك، وابتسامتك.. كانت مصطنعةً أو تلقائية.
وأنت لست هذه الأشياء البسيطة فقط، ولست نتاج هذه اللمحات لا غير، وإن دار حول الشكل شعر الشعراء وهوس الفنانين وخيال الناس عبر القرون، وفي وجوه فانية عشق أناس ومرضوا وذهبت بهم القبور، ومن ابتسامات على ثغور رائعة ذهبت أحلام بشر عاقلين.
أنت تُرى من أهل السماء، ولكن ببصرٍ آخر، ينفذ إلى ما وراء تلك القشرة، بصرٍ لا يغتر.
قد تكون فيه أبهى مما في عيون الناس، وقد تكون أحقر مما يراك الناس.
فكيف يراك أهل السماء؟
فإن كنت تطلب أن تكون ضخمًا في هذه الحياة مثل الدب، فاذكر أن الذي يرسل الضوء في عتمة الغابات هو اليراعات.
وإن كنت تطلب أن يسمُّوك فيها "حوتًا" كعلامة على وزنك ومقدارك، فاذكر أن ما يرسل وميضًا في ظلمات البحر هو الرخويات.
ومثل هذا؛ قد يرى أهل السماء ضياءً يصدر من الأرض من أخفياء لا يعرفهم أحد.
واذكر أن الإنسان بما ينفعه وقت الضيق.
فقد يجد في الدنيا وهو في رخائها أن له حظًّا مع مكبرات الصوت وأجهزة التسجيل، كنجم من النجوم، في الفن أو في السياسة أو عالم الأعمال، وهو لا يكاد يهتم بالصافرة ولا يسأل عنها، رغم أنها من عالم الصوت أيضًا.
ولكن إن كان قد انطرح من سفينة غرقت، وصار على لوح من الخشب يتهادى به على الماء البارد وهو يوشك على الموت، ستنفعه صافرة صغيرة تنبه إليه الذين يبحثون على سطح الماء عن الناجين بين الجثث.
فاهتم بمنظرك وضَوئِكَ عند أهل السماء..
وارفع قدر ما ينجيك حتى لو كان يبدو لك وقت الرخاء وزحمة الناس حولك - الذين تظنهم يقدرونك ويمنعونك - لا وزن له.
- التصنيف:
- المصدر:
عنان عوني العنزي
منذ