إياكم والكبائر

منذ 2024-09-19

الذنوب فإن منها ذنوبًا تكاد تقضي على دين المرء وعمله، وتُجرِّده من كل حسناته التي عملها وقام بها، وهذه الذنوب كالأمراض القاتلة التي يخشاها الناس.

أيها المسلمون، ما هو المرض الذي يتحاشى الناس الإصابة به، ويفرون من أسبابه إن كان له أسباب؟

هو ما يدور في ذهن الكثير منكم، مرض الأورام الحميدة وغير الحميدة.

 

لماذا الخوف من هذا المرض وهو مرض مثل بقية الأمراض؟

الخوف منه لأنه ارتبط في الأذهان أنه مرض قاتل يقضي على الحياة ويسلبها سريعًا، وإن ذهب فإنه لا تؤمن عودته بعد ذلك.

 

ثم ماذا بعده من الأمراض الأخرى التي يحذرها الناس؟

ثم السكر والضغط، وأمراض الكبد، والكُلى، وغيرها من الأمراض الصامتة التي تنهش في جسم الإنسان وتقضي على حياته بهدوء.

 

أما غيرها من أمراض الزكام أو السخونة فلا يهتم المرء كثيرًا لأجلها، ولا يحفل كثيرًا لخطرها، فهو يعلم أنها لا تلبث إلا أيامًا يسيرةً ثم ترحل، وربما كانت زيارة واحدة لأي مستشفى كفيلة بعد الله بذهابها.

 

كلام مخيف ومرعب للبعض، لكنه حقيقة لا مفرَّ منها؛ فهناك أمراض تصيب حياة الإنسان في مقتل، وأمراض تصيب حياة الإنسان بخدوش هنا وهناك، لكنه في نهاية الأمر يسلم منها، وكذلك الذنوب؛ فإن منها ذنوبًا تكاد تقضي على دين المرء وعمله، وتُجرِّده من كل حسناته التي عملها وقام بها، وهذه الذنوب كالأمراض القاتلة التي يخشاها الناس.

 

ما لم يكن الإنسان في حذر منها والبعد عنها، والتوبة منها إن وقع فيها، وإلا فإنها القاضية التي تقضي على دينك وإيمانك.

 

وهي ما تُسمَّى في لغة الشريعة والدين بالكبائر، ولقد نصت آيات عديدة على ذكرها للتحذير منها واجتنابها؛ كقوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأنعام: 151-152].

 

وقد أخبرنا الله تعالى أن اجتناب الكبائر سبب للحياة الكريمة في الدنيا والآخرة، حياة لا تأنيب للضمير فيها أنك اعتديت على مال فلان، أو على عرضه، أو على أهله، أو افتريت عليه، أو شهدت عليه بغير حق، فقال تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء: 31].

 

أيها المسلمون، كما يكون المرء حذرًا في حساباته في عمله، أو بيعه وشرائه، أو الاهتمام بشؤون أسرته، أو مراعاة صحته، أو نوعية غذائه كما يفعل بعض الناس اليوم في حساب السعرات الحرارية للأطعمة الغذائية، وفي غدوهم ورواحهم للأندية الرياضية، حفاظًا على أجسامهم من الزيادة أو الترهُّل، وهذا حق لهم لا اعتراض عليه، ولكنه يخفي جانبًا من جوانب التعلُّق بالحياة، ويخشى إذا صاحبه تضييع للصلوات وإهمال للواجبات التي أمر الله بها، يُخشى أن ينطبق عليهم قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة: 96].

 

أيها المسلمون، جاء في سيرة شاعر الغزل المعروف عمر بن أبي ربيعة، وهو من أهل مكة، يعرض للنساء في حرم الله، فرأى امرأة جميلة، حاول التحرُّش بها، فصَدَّته، ولما أصَرَّ، نهَرَتْهُ وقالت له: جئنا من مسافة أميال لنغسل ذنوبنا، فمن يغسل ذنوبك؟ فتاب من قول الشعر والغزل.

 

ولما حضرته الوفاة أكثر من الاستغفار وقد حضره أخوه، فخاف عليه أخوه خوف الأخ على أخيه من عذاب الله، وكان من شأنه ما كان في الشعر والغزل، فرفع عمر رأسه وقال لأخيه وهو يُودِّعه وقد أمسك إزاره: علم الله أني لم أحلله على امرأة لا تحل لي.

 

لقد كان هذا الشاعر الذي غلب على شعره ذكر النساء، حتى يظن القارئ لشعره أنه ما ترك فاحشةً من هذه الفواحش إلا فعلها، لكنه يتفاجأ بهذا القول، أنه لم يقرب حرامًا، ولم يقترف إثمًا.

 

وهذا ما ينبغي للمؤمن؛ أن يجعل بينه وبين الكبائر وديانًا ومسافات وجبالًا وغابات، تحول بينه وبين الوقوع فيها، فإن المرء قد يضعف أمام بعض الإغراءات، ولكن العاقل يرى أن إيمانَه أعَزُّ عليه من أن يُفرِّط فيه لشهوة ساعة أو لذة عابرة، سرعان ما تنتهي.

 

وما دام هذا الباب قد فُتِح، وهو باب الفواحش مع النساء، فإن من الناس من يعمي نفسه فلا يمنع نفسه عن أي فاحشة، ولا يردها عن أي هاوية، ظنًّا منه أن هذا الفعل شطارة منه، ومهارة في إغواء النساء والوصول إليهن بأسهل الطرق، لكن نسي المسكين قول الله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} [محمد: 14]، وقوله تعالى: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ} [النمل: 24].

 

ومثل هذا نذكره بحديث النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم عَنْ بُرَيْدَةَ الأسلمي، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حُرْمَةُ نِسَاءِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ كَحُرْمَةِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ مِنَ الْقَاعِدِينَ، يَخْلُفُ رَجُلًا مِنَ الْمُجَاهِدِينَ فِي أَهْلِهِ فَيَخُونُهُ فِيهِمْ، إِلَّا وُقِفَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَأْخُذُ مِنْ عَمَلِهِ مَا شَاءَ، فَمَا ظَنُّكُمْ» ؟، وفي لفظ عند النسائي: «حُرْمَةُ نِسَاءِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ فِي الْحُرْمَةِ كَأُمَّهَاتِهِمْ وَمَا مِنْ رَجُلٍ مِنَ الْقَاعِدِينَ يَخْلُفُ رَجُلًا مِنَ الْمُجَاهِدِينَ فِي أَهْلِهِ إِلَّا نُصِبَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ: يَا فُلَانُ، هَذَا فُلَانٌ فَخُذْ مِنْ حَسَنَاتِهِ مَا شِئْتَ»، ثُمَّ الْتَفَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: «مَا ظَنُّكُمْ تُرَوْنَ يَدَعُ لَهُ مِنْ حَسَنَاتِهِ شَيْئًا»، فانظروا رحمكم الله كيف تتطاير الحسنات لأجل شهوة محرمة.

 

ونختم بهذا الحديث في صحيح البخاري ومسلم، فعن عَبْدِاللَّهِ بن مسعود قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ»، قُلْتُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ»، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ».

 

 

أيها المسلمون، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنبوا السبع الموبقات»، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولِّي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات».

 

واعلموا أن عقوق الوالدين كبيرة، وأن شهادة الزور كبيرة، وأن الربا كبيرة، واعلموا أن ترك صلاة الجماعة كبيرة من الكبائر، فقد جاء في الحديث الصحيح في البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم أخالف إلى منازل قوم لا يشهدون الصلاة فأُحرِّق عليهم».

 

فالتحريق إنما كان بسبب عدم شهودهم صلاة الجماعة.

 

أيها المسلمون، اعلموا أن هذه الحياة فانية سرعان ما تنتهي، وينتقل المرء بعدها إلى عالم الخلود والبقاء الأبدي، فلا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم بالله الغرور، وإن الشيطان لكم عدو فاحذروه، وإنما يدعو الشيطان حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، ومن تتوقعون أن يكونوا من أصحاب السعير؟ أهم الذين تسير بهم أقدامهم في ظلمات الفجر يبتغون فضلًا من الله ورضوانًا، أم هم الذين ينتقلون من فاحشة إلى فاحشة أكبر منها، ومن ذنب إلى ذنب أعظم منه، نسوا الله فنسيهم أولئك هم القوم الفاسقون.

 

إن أعظم خطر يولده ارتكاب الكبائر، أن يسود قلب المرء، ويتهاون في معصية الله، فيصبح قلبه كالكوز مُجَخِّيًا، لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا، فيختم الله على قلبه وسمعه، ويجعل على بصره غشاوة، فمن يهديه من بعد الله.

 

أيها المسلمون، سار أحد الصالحين في سفر فتعَرَّضت له مجموعة من لصوص الطريق، فأخذوا ما معه من مال، فلما جاء وقت الغداء أكل اللصوص جميعًا إلا واحدًا منهم، فاستغرب منه الرجل الصالح فسأله: ما بالك لا تأكل مع أصحابك، فقال: إني صائم، فقال الصالح مستغربًا منه: صائم وتسرق الناس! فقال اللص: يا هذا، ينبغي للعاقل أن يترك بينه وبين الله بابًا لا يُغلَق.

 

فقال الرجل الصالح: فذهبت إلى مكة بعد سنوات فإذا بي أرى ذلك اللص يطوف حول الكعبة مع الطائفين، فعرفني وعرفته، وأخبرني أن الله تاب عليه من ذلك العمل السيئ، وصار من المجاورين لبيت الله الحرام.

 

فليجعل العاقل بينه وبين الله بابًا مهما غرق في الذنوب، وانغمس في المعاصي لعل الله أن يرحمه ويفتح له بابًا للتوبة يتوب منه.

 

اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، وانصر عبادك المجاهدين، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى، والعفاف والغِنى، اللهم إنا نسألك حبك وحبَّ عملٍ يُقرِّبنا إلى حبك، اللهم حبِّب إلينا الإيمان، وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، اللهم احفظنا بحفظك، ووفقنا إلى طاعتك، وارحمنا برحمتك، وارزقنا من رزقك الواسع، وتفَضَّل علينا من فضلك العظيم، اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خير من زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها.

 

اللهم أصلح إمامنا ولي أمرنا، واحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كيد الكائدين، وفجور الفاجرين، واعتداء المعتدين.

 

{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 180 - 182].

_____________________________________________
الكاتب: ساير بن هليل المسباح

  • 0
  • 0
  • 317
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    آخاهما طريق الهجرة والإعداد والجهاد في أرض الخلافة مقدسيّان يزفّهما معاً صاروخٌ إلى الحور الحسان • شابّان من غزّة، لم يكونا يعرفان بعضهما البعض حتّى جمعهما طريق الهجرة إلى الدّولة الإسلاميّة، فالتقيا وأصبحا روحاً بجسدين، وبات أحدهما يكمل الآخر، فلا تكاد تجد أحدهما إلا والآخر برفقته. أبو المثنّى الفلسطينيّ أو المقدسيّ -أحياناً- كما يحبّ أن يُكنّى، أوهم الجميع بأنّه مسافرٌ لإكمال دراساته العليا في بلدٍ أجنبيٍّ، قبل أن يترك مشروع مستقبله، وحلم كلّ شابٍ، ليتّجه صوب أرض الخلافة بحثاً عن مرضاة الله، تاركاً أحلام الصّبا، بعدما قرّر أن يشتري آخرته بدنياه. أمّا توأم هجرته فكان أبا طارقٍ الغزّاويّ، فقد كان خبيراً في التّعامل مع الأسلحة، وبارعاً في فنون التّدريب، كونه أحد المنتمين لحركة (حماس)، قبل أن تتبيّن له حقيقة أنّ الجهاد الحقيقيّ هو الذي تسلك طريقه الدّولة الإسلاميّة، فأصبح الحمساويّ أبو طارقٍ متمرداً على أوامر قيادة (حماس) بعدم استهداف اليهود بأيّ شكلٍ من الأشكال، فكان يقوم بعمليّاتٍ انفراديّةٍ، من قبيل إطلاق قذائف هاون، أو صواريخ باتّجاه اليهود بلا أوامر، فما كان من (حماس) إلّا أن قامت باعتقاله والتّحقيق معه، قبل أن تُلقي به في سجونها لمدّة ليست بالقصيرة بتهمة خرق الهدنة مع اليهود. وما إن خرج أبو طارقٍ الذي عرف حقيقة (حماس) وتبرأ منها حتى أدرك أنه لا مناص من الهجرة إلى أرض الخلافة، كونها المشروع الوحيد الذي يضرب أيّ عدوٍّ للإسلام، مهما كانت قوته أو نفوذه، دون محاباة لهذا الطّرف أو ذاك، فأخذ يعمل على هذا الهدف، دون علم عائلته، التي فوجئت بوصوله إلى أرض الخلافة، بعد أن أوهمهم أنّه خارجٌ للعمل للحصول على قوت عائلته اليوميّ، كما هي عادته مطلع كلّ نهار، لكنّ أبا طارقٍ هذه المرّة كانت وجهته غير التي اعتاد عليها، حتى والدته التي كان يحرص على إرضائها وبرّها، رفض أن يحتضنها ويضع على رأسها قبلة الوداع، خشية أن تكتشف وجهته، فيحصل ما لا يحمد عقباه فيضيع منه حلم الهجرة. كان أبو طارقٍ وهو يغادر داره، بحقيبةٍ صغيرةٍ فيها طعام غدائه، مثل كلّ يومٍ، يختلس النّظر إلى نافذة داره التي -وعلى غير عادته- جلس فيها أخوه الصّغير وهو يودّعه، للمرّة الأخيرة. داس أبو طارقٍ على قلبه، وحبس أنفاسه، وسار في طريق هجرته، حتى اجتمع في بلدٍ آخر برفيق رحلته المستقبليّة أبي المثنّى الفلسطينيّ، ليواصلا الرّحلة معاً حتّى دخلا أرض الخلافة وتنفسا هواءها. جلسا في ضيافة الدّولة الإسلاميّة لأيام بانتظار دخول معسكرات التّدريب، حتى حان موعد الحقيقة، يوم أُبلغا بأنّهما سيكونان في صباح اليوم التّالي في معسكر التّدريب الشّرعيّ، وما أن أزف وقت دخولهما المعسكر حتى شرعا يُكبّران الله ويحمدانه على ما أنعم به عليهما من تحقيق حلمهما في الوصول إلى أرض الدّولة الإسلاميّة، والجهاد تحت رايتها، والموت على ثراها.. حينما حلّا في ضيافة المعسكر الشّرعيّ، ونظراً لتميّزهما عن غيرهما، اختير كلّ واحدٍ منهما ليكون أمير سريّة، كما اختيرا ليدير كلّ واحدٍ منهما حلقةً لتحفيظ القرآن الكريم للمتدرّبين في المعسكر، فهما يحفظان القرآن الكريم بكامله. وبالإضافة لذلك كانا يمتعان إخوانهما في المعسكر بالأناشيد الجهادية التي كانا يحفظان الكثير منها، فكان أبو المثنى كثيراً ما يجود بصوته العذب منشداً: على نغمات حمحمة الجياد .. وقرع سيوفنا البيض الحداد سنمضي نفرض الإسلام ديناً .. ونمحو الشّرك من كلّ النّوادي مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 8 (قصة شهيد)
  • قتيبة عبدالفتاح الشيباني

      منذ
    معركة الجماعة والفصائل 6 تجارب أهل الجماعة مع الفصائل - لا جماعات مع الجماعة في العراق • مع فتح الموصل وتساقط أجزاءٍ واسعةٍ من العراق بيد المجاهدين، وزوال قبضة الرّافضة عنها، لم تجد الدّولة الإسلاميّة صعوبةً في توحيد صفّ المسلمين هناك خاصّةً بعد إعلان الخلافة الإسلاميّة، والسّبب - بعد فضل الله - يعود إلى خلوّ السّاحة من الفصائل، فالفصائل التي كانت لها القوّة والشّوكة في بدايات الاحتلال الصّليبيّ الأمريكيّ للعراق أتلفت نفسها في قتال الدّولة الإسلاميّة، فتفكّكت وزالت ولم يبق منها إلا بيانات تُنشر على مواقع التّواصل من حسابات يديرها قادتها القابعون في رعاية الطّواغيت في "دول الجوار"، ولم يكن زوالها ناتجاً فقط عن خسائرها في قتال الدّولة الإسلاميّة، بل بانفضاض المقاتلين عنها، حيث تركها الكثيرون ممّن انخدعوا بها سنيناً عندما وجدوا أنفسهم في صفّ الصّليبيّين ضدّ من كانوا يعدّونهم إخوة الجهاد في الأمس، وكذلك انفضّ عنها الذين وجدوا في الانضمام إلى الصّحوات وإلى صفّ الرّوافض والصّليبيّين فرصةً أفضل لتحقيق المنافع من بقائهم في صفّ هذه الفصائل، خاصّةً في ظلّ حشد الفتاوى والتّصريحات من علماء السّوء الذين جعلوا من قتال دولة العراق الإسلاميّة واجب العصر، فزالت الفصائل في العراق، ورحل المحتلّ الصّليبيّ منه، وبقيت الدّولة الإسلاميّة تصاول الرّوافض سنين حتّى فتح الله عزّ وجلّ عليها الأرض. إنّ تجربة الدّولة الإسلاميّة وخاصّةً بعد إعادة الخلافة الإسلاميّة قدّمت نموذجاً حيّاً عن الفرق بين حال المسلمين في ظلّ الجماعة عن حالهم في ظلّ الفصائل، وإن مقارنةً بسيطةً بين المناطق الخاضعة لحكم الدّولة الإسلامية في الشّام والأخرى التي تسيطر عليها الفصائل كفيلةٌ بتوضيح هذا الفارق. إذ لم يكن ممكناً على سبيل المثال تطبيق شريعة الله بوجود الفصائل، لأنّ أيّ قضيّة يكون أحد أطرافها تابعاً لفصيل ما، لا يمكن حلّها إلا بمعركةٍ مع هذا الفصيل، في الوقت الذي يخضع كلّ النّاس في دولة الخلافة لسلطة الشّرع، ويحقّ للقضاة فيها استدعاء أيّ مدّعىً عليه مهما بلغت سلطته وليحاكم وفقاً لشريعة الله. ولا تزال الفصائل في المناطق التي تسيطر عليها من الشّام ترفض تطبيق شرع الله بدعوى عدم تمكّنها من الأرض، فأنشأ كلّ فصيلٍ منها محكمةً خاصّة به، فضاعت حقوق العباد بين محاكم الأوغاد. ومن النّاحية العسكريّة، فإنّ ثبات الدّولة الإسلاميّة بفضل الله وهي تخوض حرباً عالميّةً بمفردها لم يكن ليتحقّق في ظلّ وجود الفصائل التي كرّرت تجربة الصّحوات بطريقة أو بأخرى. - الجماعة والفصائل ... لن يتكرّر الخطأ وبناءً على هذه التّجربة الطّويلة المريرة في التّعامل مع الصّحوات، أدرك قادة الدّولة الإسلاميّة، أن لا حلّ ممكنٌ مع الفصائل إلا بتفكيكها وإزالتها، حيث لا يمكن بأيّ حالٍ أن تنضمّ هذه الفصائل جميعها إلى مشروعٍ جامعٍ للأمّة، لأنّ كلّاً منها يريد أن يكون قائداً للأمّة، إنْ لم يكن يرى في فصيله أنّه هو الأمّة، وكذلك بسبب استقواء أكثر الفصائل بالطّواغيت لتوفير الدّعم اللّازم لاستمرارها وبالتّالي خضوعها لشروط هؤلاء الطّواغيت التي لا يمكن أن تكون في مصلحة المسلمين. فكان الخطاب الأخير للشّيخ العدنانيّ تقبله الله (قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ) يحمل في طيّاته النّتيجة النّهائيّة لمصير الفصائل بعد قرنٍ من الزّمن راجت وكثرت فيه الفصائل في ظلّ غياب جماعة المسلمين، ولكنّ تجربة الفصائل وتعدّدها كانت كارثةً من حيث النّاتج العامّ، إذ ضاعت ثمرة الكثير من التّجارب الجهاديّة بسبب هذه الفصائل وتنازعها، وارتباط كثير منها بالطّواغيت، ودخول كثيرٍ منها في مشاريع تحالفاتٍ وائتلافاتٍ مع الطّواغيت لتحقيق مصالح هذه الفصائل، ولإضعاف خصومها، وما تجارب الشّام الأولى (ضدّ الطاّغوت حافظ الأسد) وأفغانستان الأولى (ضدّ الشّيوعيّين) والجزائر (ضدّ أبناء فرنسا) والعراق الأولى (ضدّ الصّليبيّين الأمريكيّين)، والشّام الحاليّة، إلا أمثلةٌ واقعيةٌ عن الكوارث التي أحلّتها الفصائل بالجهاد. وبذلك تنطلق الأمّة المسلمة نحو مرحلةٍ جديدةٍ عنوانها (جماعة المسلمين) التي تقودها الخلافة الإسلاميّة نسأل الله لها النّصر والتّمكين. مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 7 مقال: معركة الجماعة والفصائل (6) تجارب أهل الجماعة مع الفصائل
  • قتيبة عبدالفتاح الشيباني

      منذ
    معركة الجماعة والفصائل 6 تجارب أهل الجماعة مع الفصائل • كان إعلان دولة العراق الإسلاميّة واحداً من أهمّ الأحداث في تاريخ المسلمين الحديث، لعدّة أسباب منها القيام بالواجب الشّرعيّ المضيّع، وقطع الطّريق على لصوص الجهاد الذين كانوا يحضّرون أنفسهم للاستيلاء على ثمرات تضحيات المجاهدين خاصّة مع ظهور بوادر الفشل الأمريكيّ وكثرة التّوقّعات حول رغبته في الانسحاب من العراق، وكذلك لأنّ هذا الإعلان كان يحمل في طيّاته الانتهاء من مرحلة الفصائل التي مزّقت الجهاد في العراق؛ بسبب المرجعيّات المختلفة لهذه الفصائل، ورؤاها المتعدّدة بخصوص مستقبل الجهاد ومستقبل العلاقة مع الأطراف المختلفة في السّاحة العراقيّة. هذا الإعلان لم يكن للفصائل أن تفهمه الفهم الصّحيح على أنّه دعوةٌ للاجتماع والاعتصام بحبل الله عن طريق الوسيلة الشّرعيّة ألا وهي إقامة جماعة المسلمين ونصب الإمام لها الذي يجتمع عليه المسلمون كلّهم، ولكنّها فهمتها من منطلق الأحزاب والدّيموقراطيّات التي أُشربتها قلوبهم وإن أنكرتها ألسنتهم، فلم يكن لهم ليتقبّلوا أن يدعوا إلى جماعةٍ غير فصيلهم ولو كانت جماعة المسلمين، ولا لإمامٍ غير أنفسهم ولو استكمل كلّ شروط الإمامة الشّرعيّة، فأعلنوا الحرب على الدّولة الإسلاميّة، وأكّدوا بأفعالهم أنّ الثّابت الوحيد في عرفهم أنْ تبقى فصائلهم، وكلّ ما سوى ذلك متغيّراتٌ تبعٌ للحفاظ على ذلك الثّابت، فصار المحتلّ الأمريكيّ الذي كانوا يقاتلون لإخراجه من العراق حليفاً مقرّباً ضدّ العدوّ المشترك وهو الدّولة الإسلاميّة، وصار الرّوافض الذين كانوا عملاء للمحتلّ "شركاء في الوطن" بل حتّى "شركاء في العمليّة السّياسيّة"، وبات المجاهدون من جنود الدّولة الإسلاميّة هم العدوّ الوحيد الذي يجب القضاء عليه "للحفاظ على الجهاد في العراق"، وزيادةً في الإثم قاموا بتشكيل تجمّعاتٍ بدعيّةٍ مرتدّةٍ لصدّ النّاس عن الدولة الإسلامية وحشد القوى لقتالها. وكان لتمسّك قادة دولة العراق الإسلاميّة وعلى رأسهم الشيخان (أبو عمر البغداديّ وأبو حمزة المهاجر) تقبّلهما الله بهذه الدولة ورفض التّراجع عنها بل وحتى رفض أيّ تفاوضٍ مع خصومها في شأن بقائها الأثر الكبير في منع العودة بها إلى مرحلة الفصائل، رغم أنّها أضعفت كثيراً من حيث العدد والعدّة وانحازت من أغلب المناطق التي كانت تحت سيطرتها، لكن كان بقاء الدّولة الإسلاميّة ثابتاً لا يقبل الشّيخان التّفاوض حوله مع العدوّ والصّديق على حدٍّ سواء، حيث أطلق وزير الحرب تصريحه الشهير "إن قلوبنا مفتوحة لكل نقد وتعديل يخص هذا المشروع، فقط لا يمكن الرجوع عن أمرين: الدولة وأميرها، لأنا اجتهدنا ونحسب فيهما الخير والبركة والفلاح". وأطلق أمير دولة العراق الإسلاميّة الشّعار المعروف "باقية" لقطع النّقاش في هذه المسألة. - خبرات العراق وفصائل الشّام دخل مجاهدو دولة العراق الإسلاميّة إلى الشّام مثقلين بالتّجارب المريرة مع الفصائل المسلّحة في العراق، نصرةً للمسلمين في وجه الطّاغوت النّصيريّ من جهة، ولتنشيط ساحتها من جهة أخرى لتكون بذلك عمقاً استراتيجيّاً لساحة العراق وامتداداً لها، في إطار وحدة جهاد الأمّة المسلمة، لكنّ الفصائل أبت ذلك. كان قادة الدّولة الإسلاميّة يعلمون علم اليقين أنّ هذه الفصائل لن تترك الدّولة الإسلاميّة دون قتال، ولكنّ الخيار كان بتأجيل قتالهم المؤكّد ما استطاعوا ذلك. وفي نفس الوقت كان أعداء الدّولة الإسلاميّة من الصّليبيّين وأنصارهم من الطّواغيت والأحزاب المنحرفة يضعون نصب أعينهم القضاء عليها وقتل مشروعها في الشّام في مهده بالأسلوب ذاته الذي طُبّق في العراق، فكثرت الزّيارات التي يقوم بها المسؤولون الأمريكيّون إلى تركيا للالتقاء بقادة الفصائل، وفي الوقت ذاته بدأت مشاريع لإنشاء قوّاتٍ مدرّبةٍ أمريكيّاً في الأردن لقتال الدّولة الإسلاميّة. وكان من فضل الله على الدّولة الإسلاميّة وما حمله قادتها من خبرة في التّعامل مع الفصائل بناءً على تجاربهم في العراق، والتي علّمتهم أنّ التّهاون في شأن ردّ عاديتها، وتوضيح حكمها الشّرعيّ مفسدةٌ للدّين، مضيعةٌ للجهاد، فبيّنوا للنّاس عامّةً ولجنودهم خاصّةً حكم قتال هذه الفصائل، وشدّ المجاهدون وقادتهم لقتالها مآزرهم، ولم يسقطوا السّيف من أياديهم إلا والفصائل مكسورون، مدحورون، والدولة الإسلاميّة ممكّنة في جزءٍ كبيرٍ من الشّام تطبّق شرع الله وتقيم حدوده فيه. مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 7 مقال: معركة الجماعة والفصائل (6) تجارب أهل الجماعة مع الفصائل

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً