أسطورة تغيير الجنس

منذ 2024-09-19

وقد شاءت إرادة الله تعالى أن يكون الرجل والمرأة مختلفان لحكم وفوائد كثيرة، منها أن هذا التنوع يجلب السعادة للإنسان

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:

          لقد خلق الله تعالى الإنسان في أحسن تقويم، وجعل منه الذكر والأنثى، وجعل لكل منهما وظيفة معينة يقوم بها. والذكر كان هو الأصل الذي سبق خلقه، حين نفخ الله تعالى الروح في جسم آدم عليه السلام. ثم خلق حواء من ضلعه الأيسر لتكون له رفيقاً وصاحبة. وكل من الرجل والمرأة مكلف في هذه الحياة ويواجه نفس المصير في الدار الآخرة. أي سيمر بمرحلة الموت والبعث والحساب والجزاء ثم القرار في مكانه من جنة أو نار. والنساء شقائق الرجال، ولهن حقوق وفروض وواجبات كما للرجال. قال تعالى: { (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)} [1]. وقال: {(فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ)} [2].

وقد شاءت إرادة الله تعالى أن يكون الرجل والمرأة مختلفان لحكم وفوائد كثيرة، منها أن هذا التنوع يجلب السعادة للإنسان. فكل من النوعين مجبول على محبة الآخر والسكون إليه والانجذاب له. وهذا في حد ذاته مهم لعملية التزاوج واستمرار وجود البشر على وجه الأرض. ووجود كل منهما مهم للآخر نفسياً وجسدياً وروحياً. فهما مكملان لبعضهما البعض. ولذا يشعر الكثير من الناس بداخله بشيء ينقصه ونوع من الجفاف العاطفي والروحي عند غياب الأخر لفترة طويلة. كما تجد أن أسعد يوم في حياة الإنسان رجلاً كان أو امرأة هو يوم زواجه. وهذا بالطبع في الأحوال الطبيعية التي لا يشوبها قسر أو جبر على الزواج. وحتى لو انتهى الزواج بالفشل فإن بدايته تكون قامت على أمل السعادة، وإلا لما أقدم عليه إنسان بإرادته.

ووجود الجنسين مهم لإتمام عملية التزاوج التي يتكاثر بها البشر. ورغم أن الأم هي من تحمل العبء الأكبر في هذه المسؤولية إلا أن وجود الرجل مهم أيضاً؛ حيث يخفف عنها ويساعدها حتى تتمكن من الوصول بالطفل إلى بر الأمان. ثم بعد الولادة لابد من أحد يسعي في طلب الرزق حتى تسد الاحتياجات الضرورية لها وللرضيع. ووجود الأب مهم أيضاً في التربية وتأديب الأبناء حتى ينشؤوا مستقيمين أكثر على طاعة الله. وقد لوحظ الفرق بين الأطفال الذين نشأوا بين أبوين من أقرانهم الذين نشأوا بدون وجود الأب حولهم؛ حيث تجد سلوكهم عادة أفضل وأكثر استقامة. وهذا بالطبع لحنان الأم الزائد وحزم الأب مع الصغار.

ومن ابداع خلق الله تعالى أنه جعل الجنين ينمو في رحم أمه ويتطور ليخرج إنسان كامل بعد أن كان ماءاً من الذكر مختلطاً ببويضة الأنثى في الرحم. وتلك معجزة ربانية تبرهن على وجود الله وإدارته لهذا الكون بحكمة. وهذا أمر لا يقدر على عمله البشر أو غيرهم ويعجزون عن الإتيان بمثله. والله تعالى يجعله يصير بكلمة كُنّ. قال تعالى: {(إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)} [3]. ويخرج من ذلك طفل جميل مكتمل الخلقة ومتقن الصنع. ويكون ذكراً أو أنثى (إلا في حالات نادرة يأتي فيها طفل مخنث به أعضاء الذكورة والأنوثة).

والرجل والمرأة جنسان مختلفان لنوع واحد وهو الإنسان، وشتان ما بين الاثنين. فهما قريبان في البنية العامة ولكن يختلفان جسدياً وفكرياً وعاطفياً وحتى سلوكياً. وأهم إختلاف عضوي يفرقهما أن لكل منهما العضو التناسلي المخصص له. كما أن الرجل له صفات الرجولة، ويكون عادة كبير وقوي البنية ومسترجل لما به من صفات الرجولة الأخرى. بينما المرأة تتميز بالصفات الأنثوية مثل طول الشعر ونعومة البشرة ورقة الصوت والجسم المخصر وغيرها، وتكون عادة أقل طولاً وقوة من الرجل.

والجينات الوراثية تختلف أيضاً بين الرجل والمرأة، ولذا تختلف الصفات الجسدية بينهما. فتجد أمراض تكثر في جنس دون الآخر. فمثلا من الأمراض التي تصيب الرجال أكثر من النساء "أمراض القلب، والتوحد، وبعض أنواع السرطانات، والسكري، والأنفلونزا، وعمى الألوان"[4]. بينما النساء أكثر عرضة لأمراض "المسالك البولية، وهشاشة العظام، ارتفاع ضغط الدم، والألم العضلي الليفي"[5]. هذا غير أن سلوكيات المرأة وشخصيتها تختلف عن الرجل، فالنساء تميل للعاطفة ويكن "أكثر دفئا وحساسية غالبا، بينما يكون الرجال أكثر حزماً"[6].

هذا غير ما أثبتته الدراسات بأن هناك فرق بين مخيّ الرجل والمرأة. "ونُشرت مؤخرا دراسة عن جامعة ستانفورد الأمريكية أكدت رصْد فرق في العمل الوظيفي للدماغ حسب الجنس ... ومن الأكيد أن حجم الدماغ لدى الرجل أكبر بقليل من حجم الدماغ لدى المرأة. اعتبر بعض الباحثين قديما أن ذلك الفرق علامة على قدرة دماغية أكبر لدى الرجال، قبل أن يتضح أن حجم الدماغ يتماشى مع حجم الجسم ككل."[7]. ولا عجب في ذلك؛ فقد بين الله تعالى أن الذكر يختلف عن الأنثى في قوله تعالى: {(وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ)} [8]. وقوله صلى الله عليه وسلم: « (إنَّ المرأةَ خُلِقتْ من ضلعٍ وإنَّ أعوجَ شيءٍ في الضِّلعِ أعلاُه فإنْ ذهبتَ تُقيمَهُ كسرتَهُ وإنِ استمتعتَ به استمتعتَ بها وفيها عِوَجٌ)» [9].

والمتأمل لما ظهر اليوم فيما يعرف بتغيير الجنس لا يجده إلا مجرد أسطورة يضحكون بها على عقول العالم. وهو عمل يناقض الفطرة. فلا يستطيع الرجل أن يصير امرأة ولا تستطيع المرأة أن تكون رجل. وذلك حتى لو أجروا عمليات تغيير الأجهزة التناسلية وتغيير الشكل الخارجي بالهرمونات وعمليات التجميل فلن يغير ذلك شيء. إذ ما بداخل الإنسان هو ذلك الشخص الذي نشأ وكبر بشخصية فطرته التي فطره الله عليه. ومحاولة تغيير ذلك لابد أن تفشل لأنها محاولة لإنكاس الفطرة. كما أنها تطمس معالم الجمال التي اختص الله بها كل من الجنسين. فالمرأة جمالها في أنوثتها ورقتها وشخصيتها يطغى على جمالها الجسدي ويكمله. كما أن الرجل جماله يظهر في رجولته وشخصيته وقوته التي تكسو جسده. وتغيير الشكل الخارجي لا يمكن أن يغير ذلك أو يمحوه. بل ينتج منه مخلوق غريب غير مفهوم الأطوار وغير مريح النظر إليه أو التعامل معه. بل يكون عادة منفراً لأصحاب الفطرة السوية. فلا أحد يستسيغ أن يرى رجلا بآثار لحيته يلبس فستان أو له ثديين. وكذلك تلك المرأة مهما غيرت من شكلها لتصبح رجل فإن ما بداخلها أنثى لا تقوى على أن تكون رجلاً أو تتصرف كذلك. فمخها لا يزال يعمل كمخ الأنثى، وكذلك الرجل المتحول لأنثى مخه لايزال يعمل كمخ الرجل.

وكم من أشخاص تحولوا وندموا أشد الندم وخرجوا في مقاطع يبكون على أنفسهم ويتحسرون عليها. ومنهم من لام الأطباء على ذلك. وكثير منهم تمنى الرجوع ولكن بعد ماذا؟ فالمرأة التي تحولت إلى رجل وتخلصت من معالم أنوثتها وجمالها وجسمها المُخنصر وشعرها ومظهرها الجذاب وأبدلتها بنمو اللحية والشارب ومظاهر الرجولة كيف لها أن ترجع كما كانت؟ لقد أهدرت جمالها ورمته ظناً منها أنها يمكن أن تصير رجلاً، ثم وجدت أنها لن تقوى على ذلك ولا يريحها ولا يسعدها. وفقدت أحبابها وصديقاتها وأهلها، وهرب منها أبناءها وأخواتها. وهجرها زوجها ونفر منها؛ حتى اشتاقت لرجل يحبها ويراها ويعاملها ويدللها كأنثى تفخر بجمالها وأنوثتها. فتندم بعد لا ينفع الندم، وتجلس تبكي على اللبن المسكوب الذي لا يمكن جمعه، بعد أن أضاعت جمالها الذي هو أكبر رأس مالها في لعبة الحياة. والاسوأ في ذلك أنها أقدمت على ذلك بفعل يديها؛ فيزيد ذلك الندم شدة وألما عليها. ومثال لذلك قصة "ستيلا أومالي التي خضعت لإجراء عملية تغيير للجنس من أنثى إلى ذكر وتشعر بالندم الشديد الآن ... وعندما شاهدت أومالي فيديو حفل زفاف فتاة شعرت بالحزن بشكل لا يصدق"[10].

وكذلك الرجل الذي ألقى برجولته والتفضيل والقوامة اللتان وهبهما الله إياه وراء ظهره؛ فطمث معالمها وتخلص من لحيته وشاربه وعضوه الذكري وذرع رحم وثديين ونمى فخذين كشكل جسم المرأة ثم وجد بعد فترة أن يكون أنثى ممل له وليس طبعه ولا يستسيغه أو يأنس به. وقد أضحك عليه العالم وتهكموا به وفقد شعبيته وجمهوره أو على الأقل أصحابه وأحبابه. وأصبح محل إنتقاد الناس ولا يسلم من ألسنتهم بالليل والنهار ولا من تنمرهم وسخريتهم واستهزاءهم. وغالبا ما يفقد عمله ومكانته بعد أن يكون أضاع ماله في عمليات التحويل والتجميل. فأصبح فقيرا معدماً ووحيدا منبوذا لا يقرب منه أحد كأنه مبروص أو أجزم. ولا يساعده أحد بعد أن مقته الناس وكرهوا أفعاله. وصار شكله كالأنثى المسترجلة عريضة المكبين كبيرة اليدين والقدمين طويلة القوام لا خصر لها يذكر أو جمال يجذب. وصوتها لا يصلح أن يكون لامرأة ولا رجل. وواضح عليها أو عليه تصنع الجمال بأصباغ التجميل والملابس النسوية والألوان المبهرجة. ومع ذلك تبدو قبيحة وتكاد تخلو من أي معالم للأنوثة. وحتى إن حصلت ذلك فليس لها شخصية المرأة الأنيسة، بل تكون كالبواب الذي يقف على باب العمارة ينتظر من ينظر إليه أو يلقي له بالاً. أو كحارس الغابة الوحيد الذي لا يتكلم معه أحد أو يزوره.

والاسوأ في الأمر أن تجد هؤلاء المتحولات يظهرن بملابس فاضحة جداً وشبه عارية، ويكن مستعدات لكشف صدورهن دون ساتر يذكر وليس لهن عادة الحياء الفطري الذي عند النساء في ذلك. وربما ذلك لأن الواحدة منهن كانت في الأصل رجل ولا مشكلة عنده من إظهار صدره بالكامل. ولكن المشكلة هنا أن شكلها تغير وأصبح يشبه النساء ويثير الفتنة والفضيحة وسط العامة وهن لا يبالين بمن حولهن ولا بالتستر.

ومن يحول جنسه فإنه يغير خلق الله المنهي عن تغييره في النصوص، مثل قوله تعالى: { (إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَّرِيدًا * لَّعَنَهُ اللَّهُ ۘ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا)} [11]. فلا يحل لإنسان أن يغير خلقته التي قدرها الله له. ومن يفعل ذلك يفعله لعدم رضاه بأقدار الله تعالى عليه. ويستثنى من ذلك من لديه سبب شرعي كأن يكون قد وُلِد اخنث، أي غير متبين الجنس ولديه أعضاء الجنسين. فمثله يفضل أن ينتظر لبعد البلوغ ليتضح الجنس الأكثر قرابة له. ومن الأدلة أيضاً ما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: « (لعنَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ الواشِماتِ، والمستَوشِماتِ، والمتنمِّصاتِ، والمتفلِّجاتِ للحُسنِ، المغيِّراتِ لخلقِ اللَّهِ)» [12]. فهذا الحديث أشار إلى النهي عن الوشم والنمص وتفليج الأسنان، وهي أفعال صغيرة نسبياً، ومع ذلك توجب اللعن والطرد من رحمة الله. فما بالك أن يجري الإنسان عملية لتغيير جنسه وهو أكثر شيء يميزه؟؟ إن هذا لأشد وأكبر إجراماً، وفيه إعتراضاً على حكم الله وعدم الرضى بقضائه والتمادي في عصيانه. كما أنه قد يقود إلى أضرار جسيمة على المتحول وعلى المجتمع معاً، وفيه قطع للنسل والذرية. والمتحول يخضع لعمليات جراحية مكلفة ومؤلمة وقد تودي بحياته. وقد جاء من مقاصد الشريعة وجوب الحفاظ على النفس والنسل. بالإضافة إلى مقت المسلمين وتجريمهم لهذا الفعل لما فيه من إفساد للمجتمع. فالمتحول كيف سيُعامَل بعد تحوله؟ فإن كان رجلاً وتحول لامرأة أين سيكون مكانه؟ ومع من سيجلس ويصاحب؟ وما نوع المدارس التي سيدرس فيها والمستشفيات التي سيتعالج بها ومقاعد البص التي سيجلس عليها؟ وما نوع المراحيض التي سيستعملها؟! هل سيغزو حمامات النساء ويزاحمهم في استراحاتهم وهو في داخله رجل متنكر؟ أم أنه سيكلف الدولة والمؤسسات ببناء مراحيض خاصة لنوعه؟ أو سيستمر باستعمال مراحيض الرجال وهو على شكل امرأة حتى يتم اغتصابه كل يوم؟ أو ربما الأفضل للمجتمع أن يمنع أمثاله من استعمال المراحيض العامة تماماً!! إن هذا سيجر من البلبلة والخسار والكلفة للمجتمع الكثير. كما أنه يقود لوقوع مشاكل أخلاقية كثيرة وفساد كبير. حيث تخيل أن رجل متنكر يكون بين النساء؟ فهل التحويل ذلك سيغير فطرته ويمحو ميله الطبيعي للنساء؟ وكذلك العكس في حالة المرأة المتحولة للرجل هل سيلغي التحويل ميلها الفطري للرجال؟ إن هذا لمنكر عظيم وتلفيق للحقائق وتنكيسٌ للفطرة. وكذلك المرأة المتحولة لرجل أين سيكون مكانها؟ بين الرجال وهي لا تزال بداخلها تلك المخلوقة الضعيفة نسبيا ورقيقة المشاعر ومليئة بالعاطفة. فكيف لها أن تجلس بين الرجال وتؤاكلهم وتنام معهم؟ وهل ستتأقلم مع خشونتهم وطباعهم وسلوكياتهم؟ وهل ستستطيع مواكبتهم في ألعابهم وأحاديثهم وعاداتهم؟ فكيف للناس تجاهل كل ذلك وتقبل هذه العاهات بينهم. إن هذا أمر منفر وغير مقبول ولا يجلب إلا الخلط والبلبلة والنفور في المجتمع. كما أنه قد يزيد التكلفة على الدولة بتحمل أعباء إيواء هذين النوعين الجديدين من الجنس في الخدمات والمرافق العامة وغيرها.

وفوق كل ذلك تجد أكثر المتحولين غريب الأطوار والمظهر وربما قبيح بعد أن يكون قد خرب شكله بيده وطمس فيه كل ما يمت للجمال بصلة. وكأنه مسخ اختياري ذهب إليه برجليه وصار يشبه القردة والخنازير. ومع ذلك فإن القردة والخنازير أفضل منه؛ لأنهم لم يخربوا خلقة الله التي فطرها عليهم. فهم أكثر قبولاً عند الناس ولا يتأذى الإنسان برؤيتهم كما يتأذى برؤية ذلك المتحول، الذي بدَّل وغير وظلم نفسه في الدنيا والآخرة وصار كمن قال الله تعالى فيهم: {(قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ ۚ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ)} [13]. ولذلك كثيرا ما يتعرض المتحولين للتنمر والازدراء. وقد جاء في موقع الطبي "يتعرض المتحولون جنسياً لما يعرف بتوتر الأقليات الجنسية، ولذا قد يكونوا عرضة للإساءة العاطفية والنفسية، والعنف الجسدي والجنسي، والعدوى المنقولة جنسيًّا، وإدمان العقاقير المخدرة، ومشكلات الصحة العقلية كالاكتئاب والقلق والأفكار الانتحارية"[14]. ولذا يكون المتحول عادة شخص وحيد بلا أصدقاء وينفر منه الناس. فهو مخلوق غريب على كوكب الأرض ودخيل على البشرية ... غير مُرحَّبٌ به ولا يروق لأحد وجوده ولا يُسَرُّ إنسان برؤيته ولا يرغب بالزواج منه أي شخص رجلا كان أو امرأة. وربما الرحيل أفضل له وللجميع حتى يحمى المجتمع منه ومن شروره. ولذلك تجد أمثاله عادة يقضي وقته بين دهاليز اليوتيوب بالليل والنهار ليبحث عن أصدقاء ومتابعين ويحاول أن يخدع نفسه ومتابعيه بأنه شخص مقبول ولا بأس به بينما ينشر سمومه بين الناس وأفكاره السوداء كسواد قلبه. ويكون عادة بعيد كل البعد عن الإسلام، فلا صلاة له ولا دين ولا تقوى. ويظهر بمظهر غير لائق؛ في أشد صور التبرج والخلاعة والملابس الفاضحة. وكلامه وحركاته مملوءة بالمياعة والفسق. فهو نسى الله منذ أن غير جنسه فنسيه الله وتركه لنفسه يهلكها كيف يشاء. وهذا الكلام يمكن فهمه عند فتح أي من قنوات هؤلاء المتحولين والتأمل في حاله. ولا نزال نسأل الله له ولأمثاله الهداية حتى لا يضل غيره وينتشر سمه في بدن الأمة. وربما أنه قد ندم على ما فعل ويريد التوبة ويترك عنه تكبره على خالقه وعلى ما اختاره له من جنس وما قدر له من حياة. ولعل بعضهم تاب ويقبل الله منه، ومع ذلك يصعب عليه الرجوع عن تغيير جنسه؛ حيث هو تخلص من أعضائه الجنسية وخرب خلقته الأصلية ... ومحاولة إرجاعها سيكلفه الكثير ولن يعود كما كان. فيصير عليه العيش بما آل إليه قسرا حتى ولو ندم عليه.

وعملية تغيير الجنس هي رحلة طويلة وشاقة وتستلزم أدوية وزيارات كثيرة للطبيب مما يجعلها باهظة الثمن. ويبدو هذا الأمر كله وكأنه مُدبَّرٌ من قِبل شركات التأمين والحقل الصحي والرأسمالية لكسب المال بعمل كل تلك العمليات الباهظة الثمن وبيع كل هرمونات التحول وغيرها من التكاليف الصحية التي يتحملها المتحولون. ولا ننسى أن المتحول يحتاج الاستمرار على أخذ الأدوية والهرمونات التي تبقى على شكله الجديد مدى الحياة. حيث على المتحول لأنثى أن يخفض معدل هرمون الـ (testosterone) الذكري ويرفع معدل هرمون الـ (estrogen) الأنثوي في جسمه بإستمرار. والعكس للمتحولة لرجل. وهذا يُفرح شركات الأدوية والصيدليات التي ستحصل منه على دخل إضافي ثابت. ولذا تجد هؤلاء وغيرهم يروجون لهذه الأكذوبة من خلال الإعلام والقنوات الإذاعية ومواقع التواصل ليضحكوا على عقول الناس ويجعلوهم يقبلوا هذه الـمهزلة، ويصدقوها ويهرعوا إليها. وكأنهم يساقون للموت ولكن بأرجلهم وكامل إرادتهم. وصاروا ينشرون هذا الفكر المنحرف حتى بين الأطفال الذين لا إدراك لهم بمعنى الجنس الفطري وماهيته ويجعلوهم يرفضونه وهم قُصر قبل أن يصلوا حتى مرحلة المراهقة أو يصيروا رجالاً ونساءً. وقد فرضت بعض الحكومات الغربية إعطاء الطفل حريته ليقرر جنسه حتى يتبعهم برأسه الجاهل لصغر سنه. ويغرونه بالتشجيع الكاذب وإقناعه أنه على صواب وأنه يحتاج تغيير جنسه. فلا يقبل نصح أبويه ولا سلطة لهم عليه ليمنعوه عن تدمير نفسه. وإن حاولوا أخذته السلطات منهم بحجة إساءة معاملته. فيكسب المستفيدون من ذلك الجولة على حساب ذلك الطفل البريء وأسرته المكلومة. ثم يكبر ليندم أشد الندم ويدفع الثمن غالياً دون ذنب له سوى متابعته للمروجين دون فهم ولا عقل. إذ كيف لطفل صغير التمييز بين ما يصلح له وما يضره؟ وبالإضافة إلى جلب المال فإن المروجون له يكسبون من ذلك إضعاف الناس ليسهل التحكم بهم واللعب بهم وبعقولهم. وهذا كله يبدوا أن له صلة بالماسونية. فمثل تلك الشرور والفواحش عادة تأتي منهم. وهم لا رقيب لهم ولا حسيب يوقفهم فيما يقومون به من تضليل الناس والتحكم بهم وسرقة أموالهم وبرمجة عقولهم بالإعلام المخادع. ولا يحسب هؤلاء أن الله غافل عنهم وعن فسادهم في الأرض، بل هو ينظرهم ليتمادوا في كفرهم وشرهم ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر. وحتى إن لم يلقوا عقابهم في هذه الحياة الدنيا فإن الأخرة تنتظرهم حين تفتح لهم أبواب جهنم ويُقالُ لهم ادخلوها داخرين ذليلين. قال تعالى: {(ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ)} [15]. وقال: {(وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ)} [16].

ونحن كأمة مسلمة تخشى على دينها وأبنائها علينا حماية مجتمعاتنا من شرور المتحولين، وتحذير الناس منه لاسيما الشباب. وحبذا أن يُدرَّس هذا الموضوع في المدارس لتعليم النشء مضاره وعواقبه وأنه أمر مخالف لديننا يخرب حياتهم ولا خير فيه ولا سعادة، ولا يجلب لهم سوى التعاسة والشقاء والندم. وليبدأ ذلك في المدارس الابتدائية قبل دخول التلاميذ مرحلة المراهقة لتوعيتهم قبلها وتحذيرهم منها. فإذا وصلوا تلك المرحلة يكونوا مدركين لما يُكاد لهم ومتحصنين منه. ويا ليت أن يتعاون الناس في تبني هذه الفكرة ويطالبوا بتطبيقها، ويوحدوا كلمتهم حتى يصل طلبهم لمسامع المسؤولين ويشرعوا في حله. وهذا اقل احتياط يمكن فعله. وكذلك ينبغي إجراء دراسات محكمة للوصول لحلول أخرى لهذه المشكلة العويصة والتي أصبحت تهجم على شبابنا ومجتمعاتنا الإسلامية.

وفي الختام اسأل الله تعالى أن يحمي أبناءنا وبناتنا من هذه الأفكار الدخيلة ويحفظهم من كل سوء ويهديهم إلى صراط العزيز الحميد، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

المصادر والمراجع:

 

[1] الحجرات 13.

[2] آل عمران 195.

[3] يس 82.

[4] أمراض تصيب الرجال أكثر من النساء، ياسمين ياسين، موقع الطبي، 9/3/2020م.

[5] أربعة أمراض أكثر شيوعا بين النساء، الجزيرة نت.

[6] 5 فروق خفية يكشفها العلم بين الرجال والنساء، ليلى علي، 4/1/2021م، الجزيرة نت.

[7] "ناقصات عقل"؟ ما قول العلم في الفرق بين دماغ المرأة والرجل ؟، مجلة فرانس أربعة وعشرين الإلكترونية، نشرت في: 08/03/2024م.

[8] آل عمران 36,

[9] ذكره ابن كثير في تفسير القرآن العظيم (2/179)، وصححه.

[10] ندم بين متحولين جنسيا، الجزيرة نت، بتصرف يسير.

[11] النساء 117-119.

[12] صححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1631). وأخرجه ابن ماجه (1989) واللفظ له، وأخرجه البخاري (4886)، ومسلم (2125) باختلاف يسير.

[13] المائدة 60.

[14] المشكلات الصحية للأشخاص المتحولين جنسيًا، نمط الحياة الصحية، موقع الطبي، بتصرف يسير.

[15] غافر 76.

[16] السجدة 12.

منال محمد أبو العزائم

أستاذ مساعد بقسم القرآن الكريم وعلومه بالجامعة الاسلامية بمينيسوتا.

  • 0
  • 0
  • 582
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    بنغلاديش وحكم الشريعة • عصفت ببنغلاديش مؤخرا أحداث واضطرابات أسبابها تراكمية قديمة، تجددت وتنامت شيئا فشيئا إلى أن تمخضت في النهاية عن هروب أو "تهريب" حاكمتها إلى الهند على متن مروحية عسكرية، فيما دخلت البلاد مرحلة من "التداول السياسي" من طاغوت لآخر، في مشهد قارنه الكثيرون بما جرى قبل سنوات في بلدان عربية سقط فيها الحاكم دون الحكم، وهي مقارنة لا تبعد كثيرا عن الواقع من حيث الأسباب والوسائل والنتائج. من ناحية تاريخية، لا تختلف بلاد البنغال كثيرا عن حال بلدان المنطقة من حيث تسلسل أحداث الحكم، فقد استولى البريطانيون الصليبيون على البلاد، ثم تركوها فريسة لصراعات طواغيت باكستان والهند، لتعيش البلاد انقساما مزمنا سيئا أعقبه "استقلال مزعوم" أسوأ، بعد معارك دامية تأتي في سياقها الطبيعي حين يُنازع الطواغيت في حكمهم، ثم استمرت انقلابات ودسائس "المستقلين" على بعضهم حتى رست مراكب الحكم لـ "رئيسة الوزراء" الأخيرة التي ولّت هاربة إلى مشغّليها في الهند، إلا أن القاسم المشترك بين هذه الحكومات المتصارعة على مدار مئات السنين هو الحكم بغير شريعة الإسلام في بلد يوصف بأن غالبيته مسلمة! من حيث الأسباب والغايات، لم تكن غاية خروج الطلاب والناس إلى شوارع بنغلاديش هو المطالبة بتحكيم الشريعة، بل كان الخروج للمطالبة بتنفيذ "إصلاحات" في نظام الحكم لا تخرجه عن كونه نظاما كفريا، لكنها تحقق لـ "الثائرين" مكاسب دنيوية لا أكثر من قبيل "التوزيع العادل للوظائف"، وفي سبيل هذه الغاية أتلف مئات الشباب أنفسهم وصاروا وقودا لـ "معركة الديمقراطية" و "الوطنية" البائسة التي ما زالت فصولها مستمرة حتى اليوم. وهو الأمر ذاته الذي جرى في بعض الدول العربية، حين ثار الناس على الأنظمة الطاغوتية المرتدة، في "ثورات" لم تكن على بصيرة من أمرها ولم تسلك سبيل ربها، فانتهت بإبدال طواغيت بطواغيت آخرين أشد فتكا وكفرا، فالمشهد في بنغلاديش يعيد ما جرى في تلك البلدان، حين أسقطوا الطاغوت وأبقوا حكمه وأعوانه ونظامه العميق المتغلغل في كل نواحي الحياة، فهم في الواقع لم يزيدوا على تغيير الرأس برأس آخر، يختلف شكلا لا مضمونا، لتبقى منظومة الطاغوت الكفرية مهيمنة على بلاد المسلمين. منهجيا، يوجد فرق كبير وبون شاسع بين الأساليب "الثورية" ومشتقاتها، في تغيير الواقع، وبين سبيل الجهاد؛ ذلك أن الجهاد يغيّر الواقع من جذوره، ويقتلع الباطل من أصله ويجتثه من عروقه، من أصغر جندي في منظومة الطاغوت إلى رأس الهرم فيه، ولا يداهنه أو يحاصصه أو يلتقي معه في منتصف الطريق!، فيثمر الجهاد تغييرا حقيقيا جوهريا لا صوريا، كما هو حال "الثورات" التي يخرج فيه حكم الطاغوت من الشباك ويدخل من النافذة!، وهذا من بركات وثمار التمسك بالسبيل الرباني والتزام الوحي الإلهي، فالله تعالى أعلم بما يُصلح الخلق، ولو كان غير الجهاد سبيلا لدلنا عليه سبحانه، ولسلكه نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- وصحابته رضوان الله عليهم. إن سبب فشل هذه "الثورات" المتلاحقة في بنغلاديش وغيرها من بلاد المسلمين، يكمن في بطلان المنطلقات التي انطلقوا منها، فالشباب الذي أطاح بزعيمة بنغلاديش وقبلها بزعماء مصر وتونس واليمن وليبيا، لم ينطلقوا من منطلقات شرعية، ولم يخرجوا ضد الحكام لأنهم يحكمون بغير ما أنزل الله، ولم تكن غايتهم تطبيق شريعة الله، ولم تكن وسيلتهم الجهاد في سبيل الله، ذلك أنهم نتاج ضخّ عقدي وإعلامي لنفس منظومة الطاغوت الذي ثاروا ضده، فهم حصاد مر لسنوات من الجاهلية التي روجت للسلمية سبيلا للحل، والديمقراطية غايةً في الحكم، وهي كارثة عقدية كبيرة لم تحلّ بشباب بنغلاديش وحدهم، بل ما زالت تعيث فسادا في كل بلدان المسلمين، رغم كل ما أنتجته وأفرزته من ضياع الدين والدنيا. ومن أسباب هذه الكارثة في بنغلاديش، تضييع الولاء والبراء عند كثير من المنتسبين للإسلام، إلى الحد الذي ترى البوذيين الذين قتلوا وهجّروا مئات آلاف المسلمين من ميانمار المجاورة، والهندوس الذين بلغ إجرامهم بحق المسلمين الآفاق؛ يعيشون آمنين مطمئنين بين "الغالبية المسلمة" في بنغلاديش! دون أن تراق دماؤهم ويُثأر منهم للمسلمين، وهذا مثال واحد من أمثلة إفساد عقائد المسلمين، الذين يجمعهم -في الأصل- دين واحد، ومن ذلك أيضا، أنك تجد الناس يخرجون في بنغلاديش دعما لأهل غزة وسخطا على اليهود؛ في الوقت الذي يتركون فيه ويوادعون الهندوس الداعمين بقوة لليهود، في تناقض فجّ لا يفسره إلا فساد العقيدة وانحرافها. ▫️ المصدر: افتتاحية النبأ صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 461 الخميس 16 ربيع الأول 1446 هـ

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً