وبشر المؤمنين

منذ 2024-09-22

وَصَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ بِالتَّبْشِيرِ وَالْإِبْشَارِ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ، فَلْيَكُنِ الْمُؤْمِنُ بَشِيرَ خَيْرٍ وَرَسُولَ حُبٍّ، لَا نَذِيرَ شُؤْمٍ وَعَامِلَ بُغْضٍ.

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ: فَالْبِشَارَةُ وَالْبُشْرَىهِيَ الْخَبَرُ السَّارُّ؛ قَالَ تَعَالَى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [يُونُسَ: 64]؛ وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى} [هُودٍ: 69]. يُقَالُ: ‌بَشَّرْتُ ‌فُلَانًا أُبَشِّرُهُ تَبْشِيرًا؛ وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْخَيْرِ.

 

وَاسْتَبْشَرَ فُلَانٌإِذَا وَجَدَ مَا يُبَشِّرُهُ مِنَ الْفَرَحِ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ} [آلِ عِمْرَانَ: 170]؛ وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ} [الْحِجْرِ: 67].

 

وَالْبَشِيرُهُوَ الْمُبَشِّرُ؛ قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا} [يُوسُفَ: 96]؛ وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} [الرُّومِ: 46]؛ أَيْ: تُبَشِّرُ بِالْمَطَرِ. وَقَدْ أَفْرَدَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ "رِيَاضِ الصَّالِحِينَ" بَابًا سَمَّاهُ: (اسْتِحْبَابُ التَّبْشِيرِ وَالتَّهْنِئَةِ بِالْخَيْرِ).

 

ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْضَ الْبِشَارَاتِ الَّتِي بَشَّرَ بِهَا بَعْضَ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِهِ؛ فَهَذَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، بَشَّرَهُ اللَّهُ ابْتِدَاءً بِإِسْمَاعِيلَ – عَلَى كِبَرِ سِنِّهِ: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} [الصَّافَّاتِ: 101]؛ ثُمَّ جَاءَتِ الْبِشَارَةُ لِزَوْجِهِ سَارَّةَ - عَلَى لِسَانِ الْمَلَائِكَةِ: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} [هُودٍ: 71-73].

 

وَزَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا وَهَنَ الْعَظْمُ مِنْهُ، وَاشْتَعَلَ رَأْسُهُ شَيْبًا؛ جَاءَتْهُ الْمَلَائِكَةُ تُبَشِّرُهُ بِهَذَا الْخَبَرِ السَّارِّ: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنْ الصَّالِحِينَ} [آلِ عِمْرَانَ: 39].

 

وَمَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ الطَّاهِرَةُ الْبَتُولُ، بَشَّرَتْهَا الْمَلَائِكَةُ بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ؛ وَلِذَا تَعَجَّبَتْ مِنْ ذَلِكَ غَايَةَ الْعَجَبِ: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ} [آلِ عِمْرَانَ: 45-46].

 

عِبَادَ اللَّهِ.. إِنَّ الْإِسْلَامَ دِينُ بِشْرٍ وَسَعَادَةٍ، وَطُمَأْنِينَةٍ وَتَفَاؤُلٍ بِالْخَيْرِ، وَبَثٍّ لِلثِّقَةِ وَالسُّرُورِ فِي النُّفُوسِ، حَتَّى يَنْفَتِحَ النَّاسُ عَلَى أَعْمَالِ الْخَيْرِ بِهِمَّةٍ وَنَشَاطٍ؛ لِيَنَالُوا الْمُبَشِّرَاتِ الَّتِي وَعَدَهُمْ بِهَا رَبُّ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ، وَأَوَّلُ هَذِهِ الْمُبَشِّرَاتِ مَا أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَشِّرَ بِهِ الْمُوَحِّدِينَ، الْمُنِيبِينَ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزُّمَرِ: 17-18]. فَمَنِ اسْتَجَابَ لِسَمَاعِ الْقَوْلِ الْحَسَنِ، وَاتَّبَعَ سَبِيلَ الرَّشَادِ، وَانْصَاعَ لِلْحَقِّ، وَابْتَعَدَ عَنِ الْبَاطِلِ؛ اسْتَحَقَّ الْبِشَارَةَ مِنَ اللَّهِ بِالْقَبُولِ.

 

وَبَشَّرَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ الطَّائِعِينَ؛ بِالْفَوْزِ بِالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوَانِ، وَالتَّمَتُّعِ بِالْجِنَانِ: {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التَّوْبَةِ: 21-22]، وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يُونُسَ: 62-64]، قَالَ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (أَمَّا الْبِشَارَةُ فِي الدُّنْيَا: فَهِيَ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، وَالْمَوَدَّةُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، وَالرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ، وَمَا يَرَاهُ الْعَبْدُ مِنْ لُطْفِ اللَّهِ بِهِ، وَتَيْسِيرُهُ لِأَحْسَنِ الْأَعْمَالِ وَالْأَخْلَاقِ، وَصَرْفُهُ عَنْ مَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ).

 

وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ: فَأَوَّلُهَا الْبِشَارَةُ عِنْدَ قَبْضِ أَرْوَاحِهِمْ، وَفِي الْقَبْرِ مَا يُبَشَّرُ بِهِ مِنْ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى، وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ، وَفِي الْآخِرَةِ تَمَامُ الْبُشْرَى؛ بِدُخُولِ جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَالنَّجَاةِ مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ).

 

وَالْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ اسْتَقَامُوا عَلَى دِينِ اللَّهِ؛ تَأْتِيهِمْ بِشَارَاتٌ طَيِّبَةٌ  عَلَى أَلْسِنَةِ الْمَلَائِكَةِ  عِنْدَ نِهَايَةِ آجَالِهِمْ: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فُصِّلَتْ: 30-32].

 

وَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا} [الْأَحْزَابِ: 47]، قَالَ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (ذَكَرَ الْمُبَشَّرَ بِهِ؛ وَهُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ؛ أَيِ: الْعَظِيمُ الْجَلِيلُ، الَّذِي لَا يُقَادَرُ قَدْرُهُ؛ مِنَ النَّصْرِ فِي الدُّنْيَا، وَهِدَايَةِ الْقُلُوبِ، وَغُفْرَانِ الذُّنُوبِ، وَكَشْفِ الْكُرُوبِ، وَكَثْرَةِ الْأَرْزَاقِ الدَّارَّةِ، وَحُصُولِ النِّعَمِ السَّارَّةِ، وَالْفَوْزِ بِرِضَا رَبِّهِمْ وَثَوَابِهِ، وَالنَّجَاةِ مِنْ سَخَطَهِ وَعِقَابِهِ.

 

وَهَذَا مِمَّا يُنَشِّطُ الْعَامِلِينَ؛ أَنْ يَذْكُرَ لَهُمْ مِنْ ثَوَابِ اللَّهِ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، مَا بِهِ يَسْتَعِينُونَ عَلَى سُلُوكِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ - وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ حِكَمِ الشَّرْعِ، كَمَا أَنَّ مِنْ حِكَمِهِ: أَنْ يَذْكُرَ -فِي مَقَامِ التَّرْهِيبِ- الْعُقُوبَاتِ الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَى مَا يُرْهَبُ مِنْهُ؛ لِيَكُونَ عَوْنًا عَلَى الْكَفِّ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ). وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [الْبَقَرَةِ: 25]؛ فَامْتَثَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَ رَبِّهِ، فَبَشَّرَ بَعْضَ الصَّحَابَةِ بِالْجَنَّةِ؛ كَمَا فِي شَأْنِ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ، وَقَالَ – فِي شَأْنِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «افْتَحْ لَهُ؛ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ». ثُمَّ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ - فِي شَأْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. ثُمَّ قَالَ - فِي شَأْنِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «افْتَحْ لَهُ؛ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ). وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْ يُبَشِّرَ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ.. وَصَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ بِالتَّبْشِيرِ وَالْإِبْشَارِ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ؛ مِنْهَا: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ، وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

 

وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا بَعَثَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ قَالَ: «بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ). وَلَمَّا بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى إِلَى الْيَمَنِ؛ قَالَ لَهُمَا: «ادْعُوَا النَّاسَ، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ). قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْأَمْرُ بِالتَّبْشِيرِ بِفَضْلِ اللَّهِ، وَعَظِيمِ ثَوَابِهِ، وَجَزِيلِ عَطَائِهِ، وَسِعَةِ رَحْمَتِهِ، وَالنَّهْيُ عَنِ التَّنْفِيرِ؛ بِذِكْرِ التَّخْوِيفِ، وَأَنْوَاعِ الْوَعِيدِ مَحْضَةً مِنْ غَيْرِ ضَمِّهَا إِلَى التَّبْشِيرِ).

 

فَيَجِبُ عَلَى الدُّعَاةِ تَبْشِيرُ النَّاسِ بِمَا يَسُرُّهُمْ؛ فَذَلِكَ أَدْعَى لِقَبُولِ الْحَقِّ، وَالِانْقِيَادِ لَهُ. وَمِنَ الْأَهَمِّيَّةِ بِمَكَانٍ: تَبْشِيرُ الْمَرْضَى، وَأَهْلِ الْبَلَاءِ، وَالتَّائِبِينَ الْمُقْبِلِينَ عَلَى الطَّاعَةِ، وَتَشْجِيعُهُمْ عَلَى الْعِبَادَاتِ، وَفِعْلِ الْخَيْرَاتِ، وَتَرْكُ تَنْفِيرِهِمْ، وَلْنَجْعَلْ طَرِيقَنَا الْبِشَارَةَ، فَنُبَشِّرُ أَنْفُسَنَا، وَنُبَشِّرُ غَيْرَنَا.

 

عِبَادَ اللَّهِ.. اعْتَادَ الْبَعْضُ: النَّظَرَ إِلَى الْآخَرِينَ بِمِنْظَارٍ أَسْوَدَ، وَالتَّرْكِيزَ عَلَى الْجَوَانِبِ السَّلْبِيَّةِ - مَعَ قِلَّتِهَا، وَالتَّغَافُلَ عَنِ الْجَوَانِبِ الْإِيجَابِيَّةِ - مَعَ كَثْرَتِهَا؛ لِيُشِيعُوا جَوَّ الرَّذِيلَةِ وَالْفُحْشِ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ، وَيُبْعِدُوا النَّاسَ عَنْ جَوِّ الْفَضِيلَةِ، حَتَّى يَظْهَرَ الْمُجْتَمَعُ كَكُلٍّ فِي صُورَةٍ قَاتِمَةٍ وَمُزْرِيَةٍ، مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ بِخِلَافِ ذَلِكَ - فِي مُعْظَمِ الْأَحْيَانِ.

 

فَلْيَكُنِ الْمُؤْمِنُ بَشِيرَ خَيْرٍ وَرَسُولَ حُبٍّ، لَا نَذِيرَ شُؤْمٍ وَعَامِلَ بُغْضٍ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَبْتَعِدَ عَنْ كُلِّ مَا يُشِيعُ الْيَأْسَ وَالْقُنُوطَ فِي النُّفُوسِ، وَيَعْمَلَ عَلَى إِشَاعَةِ الْحُبِّ وَالْخَيْرِ بَيْنَ النَّاسِ؛ حَتَّى يَسُودَ الْوُدُّ وَالتَّفَاهُمُ، وَتَصْفُوَ الْقُلُوبُ، وَيَعِيشَ الْجَمِيعُ فِي أَمْنٍ وَأَمَانٍ، وَطُمَأْنِينَةٍ وَسَلَامٍ، وَيَشِيعَ بَيْنَهُمُ الْوِئَامُ.

 

وَلْيَكُنِ الدَّاعِيَةُ بَشِيرَ خَيْرٍ لِلنَّاسِ-إِذَا رَأَى مَا يُوجِبُ الْبِشَارَةَ- لِتَكُونَ حَافِزًا لَهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ، وَطَرِيقًا يَسْتَزِيدُونَ فِيهِ مِنَ الْخَيْرَاتِ، وَلْيَكُنِ الدَّاعِيَةُ نَذِيرَ خَيْرٍ لِلنَّاسِ-إِذَا رَأَى مَا يُوجِبُ الْإِنْذَارَ- مُتَأَسِّيًا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِنْذَارِهِ لِأُمَّتِهِ. وَيَنْبَغِي لِلدَّاعِيَةِ مُرَاعَاةُ حَالِ النَّاسِ؛ فَأَحْيَانًا يَحْتَاجُونَ إِلَى الْإِنْذَارِ وَالتَّخْوِيفِ، وَأَحْيَانًا إِلَى التَّبْشِيرِ بِالْجَنَّةِ وَالثَّوَابِ، وَإِلَيْهِمَا مَعًا فِي أَحْيَانٍ أُخْرَى، {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [الْبَقَرَةِ: 269].

 

وَمِنْ فَوَائِدِ الْبِشَارَةِ:

1- حُصُولُ الْفَرَجِ بَعْدَ الشِّدَّةِ.

 

2- انْشِرَاحُ الصُّدُورِ، وَسَعَادَةُ الْقُلُوبِ، فَكَمْ تَجْلِبُ الْبِشَارَةُ الطُّمَأْنِينَةَ، وَسُكُونَ النَّفْسِ، وَتَرْفَعُ الرُّوحَ الْمَعْنَوِيَّةَ.

 

3- الْبِشَارَةُ سَبَبٌ لِاسْتِقْرَارِ النَّفْسِ، وَرَاحَةِ الْبَالِ.

 

4- حُبُّ الْمُبَشَّرِ لِمَنْ يُبَشِّرُهُ، وَاسْتِئْنَاسُهُ بِهِ.

  • 2
  • 0
  • 332

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً