وقفات مع أحداث غزة حرسها الله
قضية فلسطين هي قضية جميع المسلمين، فلسطين هي ميراث الأجداد مسؤولية الأحفاد، فلسطين والشام وبيت المقدس والمسجد الأقصى معراج محمدي، وعهد عمري.
قال الله تعالى في كتابه الكريم: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1].
وقال تعالى حكاية عن موسى: {يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [المائدة: 21]، وقال سبحانه وتعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأعراف: 137]، وقال جل جلاله: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 71]، وقال ربنا تبارك وتعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 71]، وقال الله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: 36].
قال عكرمة: إنها المساجد الأربعة: الكعبة، ومسجد قباء، والمسجد النبوي، ومسجد بيت المقدس، وقال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا} [البقرة: 114] قال أكثر المفسرين: هو مسجد بيت المقدس.
أيها المسلمون، في الآيات السابقة تصريح بالمسجد الأقصى وبيت المقدس، وأن أرض الشام وفلسطين على وجه الخصوص وبيت المقدس والمسجد الأقصى، كل ذلك قد أحاطت بهم البركة من الله تبارك وتعالى.
وأما ذكر المسجد الأقصى وبيت المقدس وأرض الشام فقد جاءت السنة النبوية المطهرة ببيان ذلك، ومن هذا الأحاديث:
حديث: «لا تُشَدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا - والمقصود المسجد النبوي- والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى».
أيها الناس، القدس مدينة الأنبياء، وهي المدينة التي أسري إليها رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم، وهي المدينة التي عرج منها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى السماوات العُلى.
القدس وفلسطين من أهم قضايا الإسلام في هذا العصر التي طهرها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وصلاح الدين الأيوبي.
إن مما يدل على مكانة بلاد الشام وأرض فلسطين وبيت المقدس والمسجد الأقصى أن تلك الأرض المباركة هي أرض المحشر والمنشر، وهي الأرض التي دُفِن فيها مجموعة من الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم جميعًا.
وأن القدس وبيت المقدس والمسجد الأقصى قد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إمامًا بجميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وإليها أسري برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومنها عرج رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى السماوات العلى، والصلاة في المسجد الأقصى بـ 500 صلاة، فالمسجد الأقصى أُولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، الأرض المباركة أرض طاهرة، أرض أهلها صامدون.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوِّهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم، إلا ما أصابهم من لَأْواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك» ، قالوا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: «ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس»؛ (رواه أحمد عن أبي أمامة رضي الله عنه، والحديث صحيح).
أيها الناس، كيف ضاعت القدس؟ كان ضياع القدس على يد الصليبيين في المرة الأولى سنة 490 هـ، وضاع القدس في المرة الثانية سنة 1967م على يد اليهود (أحفاد القردة والخنازير) فالضياع الأول كان بعد ذهاب الخلافة الراشدة وانتهاء الخلافة الأموية القوية المسيطرة على سائر الأقطار والأمصار الخاصة بها، ومجيء الخلافة العباسية التي لم تكن في قوة وصلاح الخلافة الأموية خاصة في العصر العباسي الثاني الذي بلغ الذروة في ظهور الفساد والانهماك في المعاصي واتِّباع الشهوات وتفرُّق الكلمة وتشتت الشمل، ثم هيَّأ الله تبارك وتعالى القائد الصالح والمجاهد الشجاع صلاح الدين الأيوبي رحمه الله؛ حيث جمع كلمة الأمراء، ووحَّد صف السلاطين، وأصلح الأمور الداخلية، واتَّصل بالعلماء الربانيين والصالحين، وقرَّبهم وقضى على أهل الفتن والفساد، فعادت القدس على يديه سنه 582 هـ بعد أن اغتُصِبت لمده 92 سنة.
وأما الضياع الثاني للقدس فقد كان في القرن العشرين بعد أن سقطت الخلافة الإسلامية العثمانية، وقسمت بلاد الإسلام إلى دويلات ممزقة ومهلهلة، وصار المسلمون كالغنم في الليلة الباردة المطيرة، وأصبحت الذئاب ترعى الأغنام، وغُيِّب تطبيق الشريعة الإسلامية كتاب الله تبارك وتعالى وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واستبدل بشريعة الرحمن قوانين الغرب والقوانين الوضعية، وساد بين المسلمين الظلم والقهر وحب الدنيا وانتشر الربا، وجاء الإعلام المدمر، وضاعت القدوة الحسنة، وساد القومَ فُسَّاقُهم، ونطق الرويبضة وهو الرجل السفيه التافه يتكلم في أمر عامة الناس.
وإن من أسباب ضياع القدس هو حب الدنيا وكراهية الموت، روى أبو داود وابن حبان بسند حسن أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها» ، قالوا: من قلة نحن يومئذٍ يا رسول الله؟ قال: «لا، بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن،قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال:حب الدنيا وكراهية الموت».
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يا معشر المهاجرين والأنصار، خمس إن ابتُليتم بهن ونزلت بكم، أعوذ بالله أن تدركوهن، ما ظهرت الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشت فيهم الأوجاع والأمراض التي لم تكن في أسلافهم، وما منعوا زكاة أموالهم إلا مُنِعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، وما طفَّفوا الكيل والميزان إلا ابتلوا بشدة المعونة وجور السلطان، وما نقضوا عهد الله وعهد رسوله صلى الله عليه وآله وسلم إلا سَلَّط الله عليهم عدوًّا من غيرهم فأخذ بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم»؛ (أخرجه ابن ماجة وصححه الألباني).
في هذا الحديث يشخص لنا الداء الذي حل بنا وتمكَّن في أوساطنا، إنه داء الذنوب وارتكابها وقلة وضعف الخوف من عواقبها، وضياع لكثير من أوامر الله تبارك وتعالى والتزهيد فيها.
عباد الله، بالمعصية يهون العبد على ربِّه، فيرفع مهابته من قلوب خلقه {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج: 18]، وهذا ما حَلَّ بنا نحن أهل الإسلام في هذا العصر أكثر من ملياري مسلم على وجه هذه الأرض تحكم بنا وتسَلَّط علينا حفنة قذرة من أحفاد القردة والخنازير.
لما فتحت قبرص قال جبير: رأيت أبا الدرداء رضي الله عنه جالسًا وحيدًا يبكي، فقلت: يا أبا الدرداء، ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله، قال أبو الدرداء: ويحك يا جبير، ما أهون الخلق على الله إذا أضاعوا أمره!
بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك، تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى، فهذه هي مصيبة هذه الأمة في آخر الزمان، ضياع لحكم الله، وتعطيل لشريعة الرحمن، وهجر لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وعدم العمل بهما، ضياع للفروض والواجبات ومن أعظمها ضياع الصلوات، وكثرة صور العقوق، وتقاطع الأرحام، وانتشار الحقد والبغضاء والشحناء في أوساط المسلمين، وضياع للحقوق والظلم، وأكل الربا، والفرح بما عند الغرب الكافر، والتشبه بالأعداء، والتزهيد في العلم والعلماء، ومحاربة ما جاء به سيد الأنبياء والمرسلين عليه الصلاة والسلام من الحق والهدى والنور؛ كتاب الله تبارك وتعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.
{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [هود: 101] {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [النحل: 118] {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} [الزخرف: 76].
فهل من عودة صادقة، ومراجعة حقيقة لما نحن عليه؟ {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [محمد: 21]، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
أيها الناس، فما زالت فلسطين تحت احتلال اليهود المعتدين وبتأييد من النصارى الحاقدين الضالين.
فلسطين هي الأرض المقدسة أرض الأنبياء، الذين نحن أهل الإسلام أحقُّ بهم من كل من يدعي اتِّباعهم.
أيها الناس، قضية فلسطين هي قضية جميع المسلمين، فلسطين هي ميراث الأجداد مسؤولية الأحفاد، فلسطين والشام وبيت المقدس والمسجد الأقصى معراج محمدي، وعهد عمري.
فتحها المسلمون بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بـ 6 سنوات فقط في عهد الخليفة الراشد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وحكمها المسلمون قرونًا طويلة، ثم احتلها الصليبيون فأخرجهم المسلمون المجاهدون بقيادة صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، ثم احتلها النصارى البريطانيون في القرن الماضي وسلموها لليهود، وهذه لمحة تاريخية بسيطة حتى تبقى فلسطين ومقدساتنا في أذهان الأجيال المسلمة.
ماذا نقول عن فلسطين وبيت المقدس، والمسجد الأقصى، والأرض المباركة، أرض الشام، أرض الملاحم، إنها جراحات تنزف، وآهات تتوالى، وصرخات تتعالى، ومدينة تهدم، وأسر تدفن تحت الأنقاض، ودماء تسيل في الطرقات، وأطفال قُطِّعَتْ أشلاؤهم، ونساء رُمِّلت، ودور ومنازل هُدِّمت، ظلم بلغ منتهاه، وحقد نفث سُمَّه وناره على أهلنا وإخواننا في أرض فلسطين وفي غزة.
وأبناء جلدتنا ممن يتكلمون بأسرتنا، في طغيانهم يعمهون، وفي سكرتهم نائمون، وفي ملذاتهم وشهواتهم غارقون، وعن الظلم والقهر قد عميت أبصارهم وهم في غيِّهم يترددون، وظلم ذوي القربى أشد مضاضة!
أين الغيرة على الحرمات؟! وأين حماية الدين والعقيدة والشريعة؟! وأين حماية بيضة الإسلام؟! أين القلوب التي تتحرك لصراخ النساء والأطفال؟!
أكثر من ملياري مسلم على وجه البسيطة، كأنهم أعجاز نخل خاوية إلا من رحم الله، الكفار من يهود ونصارى وأمريكان وبوذية وملاحدة ومن لا دين لهم تنادوا وتجَمَّعوا ودعموا ذلك العدو الغاصب القاتل، ذلك العدو المتعجرف، ذلك العدو الذي كشر عن أنيابه، ونحن أهل الإسلام جيوش ودول وشعوب وأسلحة وطائرات ودبابات لم تحرك ساكنًا، ولم تتحرك فينا غيرة على دين الله، وعلى حرمة الله إلا من رحم الله.
أيها الناس، لقد هانت هذه الأمة حين ظهر فيها تفرُّق الكلمة، واختلاف الأغراض، وتجاذب الأهواء، لقد برزت فيها الأحقاد، وشغلت هذه الأمة ببعضها البعض، ونهش بعضهم البعض، وسلب بعضهم حقوق بعض.
تعطيل لشريعة الله، وحرب على دين الله، وتشويه لدين الله، وإعراض عن كلام الله، وحرب ضروس على سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وانتشار للفساد، وحرب على الفضيلة، وتشجيع للرذيلة، ومحاربة للعلم والعلماء الربانيين الذين يحرصون على سلامة الأمة وسلامة دينها وسلامة مجتمعاتها وسلامة شبابها، وحفظ كرامتها وجُلبت لهذه الأمة مساوئ الغرب الكافر، وتشجيع للخنا والميوعة، واستجلاب لفِرَق الضلال من الرقص والأغاني الماجنة بحجة الترفيه.
في هذه الأجواء المظلمة والأحوال القاتمة زاد عدوان أحفاد القردة والخنازير من اليهود الصهاينة ومن ورائهم أمريكا الكافرة الفاجرة، ويعاونهم أهل النفاق وأهل الشر والضلال من أبناء هذه الأمة الذي باعوا دينهم وشرفهم وكرامتهم للعدو الغادر والمستعمر الفاجر، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
أيها المرابطون، أيها المجاهدون على أرض الرباط، أرض الملاحم، أرض البركات، لا يضركم من خذلكم ولا من خالفكم، فأنتم بإذن الله تبارك وتعالى من الطائفة المنصورة القائمة بأمر الله، هم بالشام، لا تحزنوا، ولا تجزعوا، ولا تهنوا ولا تتألموا من خذلان بني جلدتكم وممن حولكم ومن جيرانكم، فالأمر لله من قبل ومن بعد ما دمتم متمسكين بكتاب الله تعالى، مهتدين ومقتدين بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى ما كان عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم، سيروا والله تعالى يتولَّاكم نعم المولى ونعم النصير: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ} [الروم: 4، 5].
ألا وصلوا وسلموا وعلى الله توكلوا.
_____________________________________________________
الكاتب: أبو سلمان راجح الحنق
- التصنيف: