شرح حديث: من قتل نفسه بحديدة

منذ 2024-09-28

بَابُ غِلَظِ تَحْرِيمِ قَتْلِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ، وَأَنَّ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِي النَّارِ، وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ.

 

بَابُ غِلَظِ تَحْرِيمِ قَتْلِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ، وَأَنَّ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِي النَّارِ، وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ.

- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: ««مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدا فِيهَا أَبَدا. وَمَنْ شَرِبَ سَمّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدا مُخَلَّدا فِيهَا أَبَدا. وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدا مُخَلَّدا فِيهَا أَبَدا»» .

 

ترجمة راوي الحديث:
أبو هريرة رضي الله عنه تقدمت ترجمته في الحديث الأول من كتاب الإيمان.

 

تخريج الحديث:
الحديث أخرجه مسلم (109)، وأخرجه البخاري في "كتاب الطب" "باب شرب السم والدواء به وبما يخاف منه والخبيث" حديث (5778)، وأخرجه الترمذي في "كتاب الطب" "باب ما جاء فيمن يقتل نفسه بسم أو غيره" حديث (2044)، وأخرجه النسائي في "كتاب الجنائز" "باب ترك الصلاة على من قتل نفسه" حديث (1964).
 

شرح ألفاظ الحديث:

• (مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ): المقصود هنا السكين وما شابهها لأنها هي التي يُطعن بها ويُقتل، ولفظ الحديدة أعم من السكين فتشمل آلات النجار والحداد وكل ما شأنه أن يقتل.


• (يَتَوَجَّأُ بِهَا): يتوجأ بفتح الواو وتشديد الجيم، ويجوز تسهيل الهمزة بقلبها ألفا ومعناه يطعن.


• (فِي نَارِ جَهَنَّمَ): جهنم اسم لنار الآخرة، سميت بذلك قيل: لبعد قعرها، يقال هذه بئر جهنام أي بعيد قعرها، وقيل: مشتقة من الجهومة وهي الغلظ فسميت بذلك لغلظ أمرها، يقال: جهم الوجه أي غليظه.


• (وَمَنْ شَرِبَ سَمّا): بفتح السين (سَمّاً) ويجوز في السين اللغات الثلاث الفتح والضم والكسر، والفتح أفصحها.


• (يَتَحَسَّاهُ): أي يشربه شيئا فشيئا بتجرع.

 

• (وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ): أي أسقط نفسه منه، لأنه قال بعدها (فقتل نفسه) وهذا يدل على تعمده ذلك، لأن مجرد التردي من الجبل لا يدل على التعمد.


من فوائد الحديث:

الفائدة الأولى: الحديث دليل على تحريم الانتحار وهو قتل النفس وأنه كبيرة من كبائر الذنوب.
 

الفائدة الثانية: الحديث دليل على أن الجزاء من جنس العمل، لأن من يقتل نفسه بحديدة، فسيُعذِّب نفسه بحديدة يوم القيامة، ومن قتل نفسه بسم تحساه، فسيعذِّب نفسه بذلك يوم القيامة، وكذلك من قتل نفسه بالتردي من شاهق، فكذلك سيكون عذابه يوم القيامة، وكل من قتل نفسه بشيء في الدنيا عُذِّب به يوم القيامة، وليس الوعيد مخصوصا بما ذُكر في الحديث، ويشهد لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم "ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عُذّب به يوم القيامة" وستأتي هذه الرواية في الحديث القادم.
فكل من قتل نفسه بشيء عُذِّب به يوم القيامة، سواء قتل نفسه برصاص أو شنقا بحبل أو ضرب نفسه يريد قتلها فقتلها ونحو ذلك من صور قتل النفس.

 

الفائدة الثالثة: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "خَالِدا فِيهَا أَبَدا" فيه إشكالان:
• الاشكال الأول: الحديث دليل على أن من قتل نفسه فهو خالد مخلد في نار جهنم (أبدا) ولم ترد كلمة (أبداً) فيمن قتل مؤمنا متعمدا، قال تعالى: ﴿ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا ﴾ فهل معنى هذا أن قتل النفس أعظم جرما من قتل المؤمن متعمدا؟
الجواب: نعم قتل النفس عمدا أشد جرما من قتل المؤمن عمدا من وجهين:
الأول: أن من قتل غيره معه فسحة للتوبة، فلو تاب من هذه الكبيرة بعد القتل تاب الله عليه، بخلاف قاتل نفسه فإنه يموت حال فعله لهذه الكبيرة.


الثاني: أن قاتل غيره قد يكون الحامل له على القتل عداوة بينه وبين الذي قتله، بخلاف قاتل نفسه فإن العداوة بينه وبين ربه جل وعلا، لأنه لا يكون الحامل على الانتحار إلا الجزع وهذا اعتراض على القدر فهو إما أن يكون قاتلا لنفسه جزعا مما أصابه من قدر الله عز وجل، وإما أن يكون جزعا مما أصابه من بني آدم. [انظر التعليق على صحيح مسلم لشيخنا ابن عثيمين (1 /361)].


• الإشكال الثاني: كيف الجمع بين أن المؤمن مآله إلى الجنة وبين حديث الباب الذي يفيد بأن قاتل نفسه سيخلد في النار؟
الجواب: قيل في إيضاح الإشكال عدة أجوبة:
قيل: المقصود بذلك المستحل المعتقد جواز قتل النفس، والمستحل كافر كما بيَّنَّا في أحاديث مضت والكافر مخلد.
وقيل: المعنى أن هذا جزاؤه لو لم يتجاوز الله عنه.
وقيل: المعنى من الخلود هو طول المكث، فهو سيمكث كثيرا ثم يخرج من آخر الموحدين الذين يخرجون من النار، وهذا مثل قول العرب: خلَّد الله ملكك أو ذكرك، وأبّد الله أيامك، ولا أكلمك أبد الآبدين ونحوها من الألفاظ التي تعني طول المكث وإن كان ظاهرها الخلود، ومعلوم أنه لابد لهذه الدنيا من فناء بما فيها من عباد وبلاد.

وقيل غير ذلك، ما تقدم هو أظهرها والله تعالى أعلم وأحكم.


مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الإيمان)

عبد الله بن حمود الفريح

حاصل على درجة الدكتوراه من قسم الدعوة والثقافة الإسلامية في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى، عام 1437هـ.

  • 1
  • 0
  • 290
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    مكانة أهل العلم على غيرهم • رفع الله تعالى أهل العلم درجات على غيرهم، فقال عز وجل: { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}، ذلك أنهم لا يستوون مع غيرهم قدرا ولا نفعا كما قال تعالى: { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ }، فالعلم كان وما يزال علامة فارقة بين خلق الله تعالى؛ كونه وسيلة من وسائل الهداية إلى صراط الله المستقيم، وحامله مؤهل لأن يكون من أهل التدبر والخشية، لأنه مطلع على آيات الله، عارف بها أكثر من غيره. وفي هذا المعنى وردت آيات كثيرة، كقوله تعالى: { وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ }، وقوله عزّ وجل: { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء..} وقوله: { بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أوتُوا الْعِلْمَ..}، بل قرن الله تعالى شهادة أهل العلم بشهادته سبحانه وشهادة الملائكة فقال: { شَهدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأَوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بالْقِسْطِ لا إله إلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }، وكفى بذلك فضلا وشرفا. [ إفتتاحية النبأ - بين الهداية والعلم - العدد: 441 ]

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً