شرح حديث: اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك

عبد المحسن بن عبد الله الزامل

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:  «اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوُّل عافيتك، وفُجاءة نقمتك، وجميع سخطك»   [رواه مسلم]

  • التصنيفات: الحديث وعلومه -

عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:  «اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوُّل عافيتك، وفُجاءة نقمتك، وجميع سخطك»   [رواه مسلم] .

 

هذا ﺣﺪﻳﺚ ﻋﻈﻴﻢ ﺍﺷﺘﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﻞ الأﺭﺑﻊ:

((اﻟﻠﻬﻢ ﺇﻧﻲ)): ﻳﻌﻨﻲ ﻳﺎ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﺍﻟﻤﻴﻢ ﻋﻮﺽ ﻋﻦ ﻳﺎ ﺍﻟﻨﺪﺍﺀ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ: ﻳﺎ ﺍﻟﻠﻪ.

 

(( «ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺇﻧﻲ ﺃﻋﻮﺫ ﺑﻚ ﻣﻦ ﺯﻭﺍﻝ ﻧﻌﻤﺘﻚ، ﻭﺗﺤﻮﻝ ﻋﺎﻓﻴﺘﻚ، ﻭﻓﺠﺎﺀﺓ ﻧﻘﻤﺘﻚ، ﻭﺟﻤﻴﻊ ﺳﺨﻄﻚ» ))، ﻭﺃﻋﻈﻢ ﺍﻟﻨﻌﻢ ﻧﻌﻤﺔ الإﺳﻼﻡ، ﻭﻫﺬﺍ ﻳﺸﻤﻞ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻨﻌﻢ ﺍﻟﺘﻲ يُنعِم ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺒﺪ، ﻓﻴﺴﺄﻝ ﺍﻟﻠﻪ - ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ - ﺃﻥ ﻳﺰﻳﺪﻩ ﻣﻨﻬﺎ، ﻭﺃﻥ ﻳﻤﺪﻩ ﻣﻨﻬﺎ؛ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻠﻪ - ﻋﺰ ﻭﺟﻞ -: {﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ } [إبراهيم: 7]، وﺍﻟﺸﻜﺮ ﻟﻠﻨﻌﻢ ﻳﺰﻳﺪﻫﺎ، ﻭﺃﻋﻈﻢ النعم نعمة الإسلام؛ ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻳﺸﺮﻉ ﻟﻠﻌﺒﺪ ﺃﻥ ﻳﺴﺄﻝ ﺍﻟﻠﻪ - ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ - ﺃﻥ ﻳﺜﺒﺘﻪ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﺃﻥ ﻳﺰﻳﺪﻩ ﻣﻨﻪ، ﺑﺄﻥ ﻳﺤﻤﺪ ﺍﻟﻠﻪ - ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ - ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ، ﻭﺃﻥ ﻳﺸﻜﺮﻩ، ﻭﺃﻥ يثني ﻋﻠﻴﻪ - ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ.

 

ﻭﻫﺬﺍ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ الأﺧﺒﺎﺭ ﻋﻨﻪ - ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ - ﻓﻲ ﺳﺆﺍﻝ ﺍﻟﻠﻪ - ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ - ﺍﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﻧﻌﻤﻪ: (( «ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺇﻧﻲ ﺃﻋﻮﺫ ﺑﻚ ﻣﻦ ﺯﻭﺍﻝ ﻧﻌﻤﺘﻚ ﻭﺗﺤﻮﻝ ﻋﺎﻓﻴﺘﻚ» )): ﺃﻥ ﺗﺘﺤﻮﻝ ﻣﻦ ﺣﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﺣﺎﻝ)).

 

((وفُجاءة ﻧﻘﻤﺘﻚ)): ﻓﺠﺄﺓ ﺍﻟﻨﻘﻤﺔ ﺃﻭ ﻓﺠﺎﺀﺓ ﺍﻟﻨﻘﻤﺔ ﻣﻦ ﺑﻼﺀ ﺃﻭ ﻣﺼﻴﺒﺔ ﻳﺄﺗﻲ ﻋﻠﻰ ﻓﺠﺄﺓ ﺑﺨﻼﻑ ﻣﺎ ﺇﺫﺍ ﺳﺒﻘﻪ ﺷﻲﺀ ﺑﺄﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﺠﺄﺓ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﺧﻒ، ﻭﺭﺑﻤﺎ ﻛﺎﻥ سببًا ﻓﻲ ﺗﻮﺑﺔ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻭﺭﺟﻮﻋﻪ، ﻭﺍﻟﻔﺠﺄﺓ ﺃﻭ ﻓﺠﺎﺀﺓ ﺍﻟﻨﻘﻤﺔ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻧﻘﻤﺔ، ﻭﻣﻨﻪ ﻋﻨﺪ ﺑﻌﺾ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﻠﻢ (ﻣﻮﺕ ﺍﻟﻔﺠﺄﺓ)؛ ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ: ﺇﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻜﺮﻩ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻠﻒ ﺍﻟﻔﺠﺄﺓ ﻓﻴﻪ، ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﻜﺮﻫﻪ ﻭﻟﻢ ﻳﺠﻌﻠﻪ ﻧﻘﻤﺔ.

 

‌((وﺟﻤﻴﻊ ﺳﺨﻄﻚ)) ﻭﻫﺬﺍ أيضًا ﻣﻦ ﺃﻋﻈﻢ ﺍﻟﺪﻋﻮﺍﺕ، ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻌﻴﺬ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺳﺨﻄﻪ - ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ - ﻭﺃﻋﻈﻢ ﺳﺨﻄﻪ ﺃﻥ ﻳﺄﺗﻲ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻣﺎ ﺣﺮﻡ ﺍﻟﻠﻪ؛ ﻭﻟﻬﺬﺍ ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ الأﻟﻔﺎﻅ ﻭالأﺧﺒﺎﺭ ﺃﻥ ﺭﺿﺎﻩ - ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ - ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ الأﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﺔ.

 

ﻟﻜﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﺃﻥ ﻳﺠﺘﻬﺪ ﻓﻲ ﺇﺭﺿﺎﺋﻪ - ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ - ﻭﻟﻮ ﺃﺳﺨﻂ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﺍﻟﻤﺮﺍﺩ: ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺴﺨﻂ ﻫﺬﺍ ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﻣﻌﺼﻴﺔ ﺍﻟﻠﻪ.

 

ﺃﻣﺎ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﻣﻌﺼﻴﺔ ﺍﻟﻠﻪ؛ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺬﻱ ﺟﺎﺀ ﻣﻦ ﻃﺮﻕ ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ ﺃﻧﻪ - ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ - ﻗﺎﻝ: ((ﻣﻦ ﺃﺭﺿﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﺴﺨﻂ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻭﺃﺭﺿﻰ ﻋﻨﻪ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﻭﻣﻦ ﺃﺭﺿﻰ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﺴﺨﻂ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺨﻂ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺃﺳﺨﻂ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻨﺎﺱ))، والله أعلم.

ﻣﻦ ﺷﺮﺡ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻋﺒﺪﺍﻟﻤﺤﺴﻦ ﺍﻟﺰﺍﻣﻞ ﻋﻠﻰ ﺑﻠﻮﻍ ﺍﻟﻤﺮﺍﻡ.