الانتحار وأسبابه والوقاية منه
منال محمد أبو العزائم
لقد خلق الله تعالى الإنسان في أحسن تقويم، ووهبة العقل والمقدرة على تمييز الخير والشر، وجعله مكلف في هذه الحياة وحامل للأمانة
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:
لقد خلق الله تعالى الإنسان في أحسن تقويم، ووهبة العقل والمقدرة على تمييز الخير والشر، وجعله مكلف في هذه الحياة وحامل للأمانة التي أشفقت من حملها السماوات والأرض. قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولً} [1]. فإذن وجود الإنسان على الأرض لم يأتي عبثاً فهو هنا لمهمة محددة من عند الله تعالى وهي الاستعداد للامتحان الكبير في الأخرة. وتظهر بوادر نتائج هذا الإمتحان عند موت الإنسان، حينما يأتيه ملك الموت ليقبض روحه فتبشره الملائكة إما بالنجاح أو الفشل وتريه مقعده من الجنة أو النار. والفائز هو من صبر في هذا الإمتحان وأدى واجباته بما استطاع وأطاع أوامر الله وانتهى عن نواهيه وصبر على ذلك حتى أتاه الموت فلقى الله تعالى بقلب سليم ونفس مخبتة مسلمة لله تعالى ومستسلمة لحكمه. وأما الفاشل فقد أهمل وضيع في الإمتحان ولم يذاكر له كما ينبغي فسقط فيه، وكفر وأشرك أو لاقى الله تعالى على معصية أو كبيرة من الكبائر. فلاقته الملائكة بالعذاب والتنكيل. وهناك فاشل آخر لا يتحدث عنه الناس إلا قليلاً، ألا وهو من أنهى حياته قبل وقت الوصول لنهاية الإمتحان. فقتل نفسه وتخطى حدوده واتخذ القرار بوقف الإمتحان دون مشاورة خالقه أو التسليم لحكمه والانتظار لوقت موته الذي قرره له في سابق علمه. فكانت عاقبته أنه خسر الدنيا والآخرة، ففقد حياته وسيلقي العذاب الشديد بعد موته.
الانتحار محرم بالكتاب والسنة والإجماع. قال تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [2]. وقال صلى الله عليه وسلم: «مَن قَتَلَ نَفْسَهُ بحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ في يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بها في بَطْنِهِ في نارِ جَهَنَّمَ خالِدًا مُخَلَّدًا فيها أبَدًا، ومَن شَرِبَ سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهو يَتَحَسَّاهُ في نارِ جَهَنَّمَ خالِدًا مُخَلَّدًا فيها أبَدًا، ومَن تَرَدَّى مِن جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهو يَتَرَدَّى في نارِ جَهَنَّمَ خالِدًا مُخَلَّدًا فيها أبَدًا» [3]. وفي هذا زجر ووعيد شديد لمن يقتل نفسه. فعقوبته
قتل النفس يعرف بمصطلح الانتحار الشائع. وهو من المشاكل المتزايدة في هذا العصر، لا سيما في الغرب. وله أسباب متعددة؛ وغالباً ما تتعلق بمشاكل نفسية أو مادية أو عاطفية.
الإصابة الأزمات النفسية هو السبب العمومي للانتحار، وإن تنوعت الأسباب التي تؤدي إليها. وذلك لأنها تجعل الإنسان في حالة يأس وعجز حتى يفقد الأمل في المستقبل والحياة ويصاب بالإحباط والاكتئاب. والاكتئاب هو داء العصر العضال الذي لم يخلو من بلد أو حتى مدينة. وهو مرتبط بحالة الإنسان وما يمر به من ظروف ومشاكل تؤثر سلباً على نفسيته. ومثال ذلك نقص في المال، أو البطالة، أو مرض عضال، أو مشاكل في العمل، أو مشاكل أسرية مع الأهل وغيرها من الأسباب. وهناك المشاكل العاطفية والتي انتحر بسببها كثير من الناس. وسنناقش بعض هذه المشاكل وكيفية حلها لتفادي الوصول لمراحل حرجة تؤدي إلى الانتحار.
الصدمات العاطفية وتبعات الاختلاط
الصدمات العاطفية تنتج من احباط في علاقة بين الجنسين. وهي أكبر دليل على أهمية اتباع شرع الله وأنه هو ما يصلح للبشرية وليس سواه. فقد حرم الله الاختلاط بين الجنسين والعلاقات المحرمة خارج إطار الزواج، والتي كثير منها ينتهب بالإحباط والتدمير النفسي، وكانت السبب في كثير من حالات الانتحار. وتحريم الاختلاط فيه الحل لكل المشاكل من هذا النوع. حيث لو لم يختلط الجنسين إلا في الحلال لما مرت البشرية بكل هذه الاحباطات والعلاقات الفاشلة أو الحرمان من الأحبة، ولإنتهت جرائم الزنا والاغتصاب وصار المجتمع في سلام أكثر وطمأنينة بعيدا عن العواصف والأزمات العاطفية التي فتكت به ودمرت استقراره. ففككت الأسر وأضرت بالفتيات أشد ما ضرر وأضرت بالآباء والأمهات وفجعتهم في أولادهم. فكم من فتاة تدمر مستقبلها بسبب علاقة فاشلة، وكم من شاب فقد وظيفته وأصابه الاكتئاب بسبب بنت تركته وتزوجت، وكم من أموال صرفت وضيعت من وراء أشخاص لا يستأهلون وحسرات وندم عليها.
فقد العمل قد يودي أحياناً إلى الانتحار. وقد حدثت حوادث بالفعل من هذا القبيل، لاسيما في الدول الغربية. والعمل والمال كلها من الأرزاق التي يوزعها الله بين عباده على اختلاف ليمتحنهم بها إن صبروا أو تسخطوا على أقدار الله. فلا ينبغي للمسلم أن يجعل فقده لماله أو وظيفته سبب في خسران حياته وإزهاق روحه، لأنه لو فعل لخسر الدنيا برمتها وليس المال فحسب. كما أنه سيلقي العذاب والتنكيل بعد الموت ودخول النار.
فقد الأهل والأصحاب قد يسبب الاكتئاب، حيث يشعر الإنسان بالوحدة والحزن ولا يجد من يواسيه ويشد من أزره، لاسيما إن قل إيمان المرء وصبره. وقد أخبرنا الله تعالى بأنه سيبتلينا بالخوف والنقص وأن علينا الصبر والتحمل. قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [4]. فعلى المرء الصبر على أقدار الله والتفكر بأن كل شيء يحدث في هذه الحياة حدث بتقدير الله تعالى وإذنه، وحتى إن كان شر. وأن الله تعالى بشر الصابرين بالأجر والفوز بالجنة.
تعاطي الخمر والمخدرات قد يكون سبب في الانتحار، حيث يقدم متعاطي هذه السموم عادة على أذى نفسه تحت تأثيرها مما أودى بحياة الكثير منهم فمات وفقد حياته. وربما تسمية هذا النوع من الموت بالانتحار غير دقيق؛ إذ لو كان المتعاطي بكامل وعيه لما ازهق نفسه وعرضها لخطر يودي بها إلى الموت. ومع ذلك فإنه لابد وأنه كان يعرف بالبديهة أن تعاطي الكحول المخدرات قد يعرضه لأخطار. والمتعاطي تتدمر حياته كليا أو جزئيا؛ ولذا فهي أسوأ عادة يتعود عليه الإنسان وتخسره كل شيء. وبها يفقد وعيه ويتصرف بغير عقل، فيقتل ويسرق ويغتصب ويدمر نفسه ومن حوله. ولذا حرمها الإسلام وجعلها أكبر الكبائر، لأن بها يقع الإنسان في كل الجرائم. قال صلى الله عليه وسلم: «الخمرُ أمُّ الفواحشِ، وأكبرُ الكبائرِ، منْ شربَها وقعَ على أمِّهِ، وخالتِهِ، وعمتِهِ» [5]. ولذا جعل لها الإسلام عقوبة صارمة في الدنيا والآخرة للحد من انتشارها. فهي كبيرة من الكبائر تلقي بصاحبها في النار إن مات ولم يتب منها. ولا تقبل له صلاة أربعين يوماً. قال صلى الله عليه وسلم: «الخَمرُ أُمُّ الخبائِثِ، فَمن شَرِبَها لم تُقبلْ صلاتُه أربعينَ يومًا، فإنْ ماتَ وهي في بَطنِه ماتَ مِيتةً جاهِليةٍ» [6].
الحروب والمنازعات من اسوأ الابتلاءات التي تمر بالبشرية عامة وبالأمة الإسلامية خاصة في هذه الحقبة، ولا شك أن الكل سمع بما دار في البلدان العربية من منازعات داخلية أطاحت بالنظام الحاكم ومن ثم انتشرت بعده الفوضى والدمار. ومثال ذلك ما حدث في العراق وليبيا وتونس فلسطين ومصر واليمن والسودان وسوريا ولبنان وغيرها. وقد لعبت الأيدي الخارجية دور كبيرا في نشر الفتن والمشاكل حتى تضعف الحكومات ومن ثم يسهل عليها السيطرة على البلد واستنزاف ثرواته. وأدى ذلك إلى نشر الجوع والفقر والتشرد والدمار الاقتصادي والعمراني، وتراجعت نهضة البلاد وتقدمها حتى انعدمت فيها سبل الراحة والأمن والإستقرار، وعمت الفوضى وانتشرت الجرائم والاغتصابات والسرقات والاعتداءات. وكل هذه المشاكل والأزمات تضع المواطنين في أزمات نفسية وجسدية حادة، وكثير منهم تشرد بالبلدان ومخيمات اللاجئين أو بقى يعاني ويلات الحروب. وهذه الضغوط قد تزيد من معدل الانتحار لاسيما في البلدان غير المسلمة. فالمسلمين أشد إيماناً وصبرا وتحملاً للأزمات. ومع ذلك ضعاف الإيمان منهم قد يقعون في فخ الانتحار ويلجؤون إليه للتخلص مما يمرون به من آلام وشدائد.
ضغوط العمل والحياة المزدحمة كانت من الأسباب لبعض حودث الانتحار، لاسيما في بعض الدول المتقدمة في التكنولوجيا والتي تكون تكلفة المعيشة فيها عالية. فيكون هناك ضغط كبير على الموظفين والعاملين بدخل محدود. وذلك لأن كم العمل كبير، وقد يعمل الموظف في تلك البلاد إلى ثمان ساعات متواصلة يوميا وربما يكون شغل مرهق جسديا وفكريا. وبعض أصحاب العمل يكلف العامل بما لا يطيق، أو يحمله أعمال خارجة عن مجال عمله. وكل ذلك يمكن أن يتسبب في اكتئاب وأزمات نفسية قد تدفع العامل إلى الانتحار. وقد حدثت حوادث من هذا النوع في اليابان والصين. ولذا على الدولة وضع قوانين للحد من هذه الممارسات في حق العمال وللتقليل من ضغوط العمل. وهذا يتماشى مع السنة النبوية والعدل المأمور به في الإسلام. قال صلى الله عليه وسلم: «أعْطُوا الأجيرَ أجرَهُ، قبلَ أنْ يجفَّ عرقَه» [7].
التنمر والعنصرية من المشاكل التي تواجه الناس كثيرا في هذا العصر، ويكون عادة بسبب الجنسية أو لون البشرة أو الطبقة الاجتماعية أو الشكل أو غيرها. وهو صفة الكثير من بني البشر إلا من استطاع تهذيب نفسه ومنعها من التنمر. وقد نهى الله تعالى عن السخرية والتكبر على الناس وغمطهم، كما نهى عن التنابز والهمز واللمز. وجعل المسلمون أخوة وسند لبعضهم البعض. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [8]. وقال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا. وشَبَّكَ أصَابِعَهُ» [9]. وللأسف تجد التمر حتى في بلاد المسلمين بين أخوة الإسلام وتلاميذ المدارس وزملاء العمل. والناس تأخذ أحيانا من السخرية موضوع للتفكُّه والضحك ولكنهم لا يراعون أن التهكم يؤذي الإنسان ويجرح قلبه، لاسيما إن كان مشكلة فيه يعجز عن حلها. ولذا على الإنسان أن يضع لنفسه حد فيما يقوله ويهزر به ويراعي مشاعر الآخرين ويتجنب أذاهم. وليراقب نفسه ولسانه فيما يصدر منه طيلة الوقت. وذلك تقوى لله ورحمة بالناس وكذلك حماية لنفسه من الأذى. فالتنمر قد يدعى الضحية للانتقام والأذى والشر، ولذا يجب ألا يقوم به الإنسان مهما كان.
الألم الجسدي أو المرض طويل الأمد
يعاني كثير من الناس من أمراض مزمنة، وبعضها يكون من أعراضه الألم، ومثل مرض السرطان ووغيره. وقد يعاني المريض كثيرا لشدة الألم مما يدعوه لأن ينتحر حتى يتخلص من الألم. وأكيد أن الألم المزمن لا أحد يحبه، ولكن على المريض أن يتريث قبل أن ينهي حياته فيدخل في ألم أكبر منه وعذاب مقيم. ولذا فليجاهد نفسه للصبر ويتشاغل عنه بعمل شيء اخر كالقراءة أو العمل البدني إن استطاع. وليستعين بالمسكنات والمهدئات التي يكتبها له الطبيب. ويتداوى بما يستطيع وهي سنة. فقد قال صلى الله عليه وسلم: «تداوَوا، فإنَّ اللَّهَ تعالى لم يضع داءً إلَّا وضعَ لَهُ دواءً غيرَ داءٍ واحدٍ الهرَمُ» [10].
التكيف مع التغيير الكبير في الحياة مثل التقاعد
بعض الناس يصاب بالاكتئاب بعد التقاعد. فالإنسان يألف العمل، ويألف حياته، ويألف بيته، وغيره. والتغيير في هذه الأمور الكبيرة قد يقود الإنسان إلى أزمة نفسية تدفعه للانتحار. وعلى الإنسان أن يكون صبورا في هذه الحالات. فمعظم الناس لا تحب التغيير، ولكن إن كان لا بد منه فليتصبر الإنسان حت يتأقلم مع الوضع الجديد ويحبه ويتعود عله. وهذا يأتي مع الزمن والصبر.
موت الزوج أو الزوجة من مسببات الحزن العميق الذي يمكن أن يتطور لاكتئاب ويؤدي إلى الانتحار. وقد رأينا بعض كبار السن إن ماتت زوجته فإنه يعزف عن الطعام والشراب والحياة برمتها حتى ما يفارق الحياة. ولذا على الابناء التخفيف عنهم ومرافقتهم وتسليتهم حتى لا يغرقوا في أحزانهم ويتطور الأمر. ويمكن اخراجهم لزيارة أقاربهم وأصحابهم، واخذهم إلى أماكن ترفيه مثل المنتزهات العامة ونحوها.
السكن هو مكانة راحة الإنسان واستراحته بعد العمل، وبه تكون عائلته وأطفاله وأنسه. وفيه يكتم سره ويستر نفسه ويحفظ خصوصيته ويرتاح ويأكل ويشرب ويجد لذته ويقضي حاجته وينام. وفيه يحفظ ماله ويحمي عرضه وصغاره. لذا فهو من الضروريات الأساسية لكل إنسان. فإذا فقده الإنسان فقد معه كل ذلك وصارت حياته بائسة جدا وغير صحية مما يعرضه للاكتئاب وربما الانتحار إن كان ضعيف الإيمان. والبيت قمة ومال وأمان من الأعداء والأشرار والوحوش ودواب الأرض. وهو حلم كل إنسان، ولذا دعت امرأة فرعون الله عز وجل بأن يبني لها بيتاً في الجنة. قال تعالى: ( {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} ). ولذا فقد الإنسان له قد يقوده للاكتئاب الذي قد يتطور للانتحار.
الشعور بالوحدة والعزلة شعور صعب ومؤلم، حتى أن عبارة "شعور قاتل" كثيرا ما تطلق عليه. وذلك لأن الإنسان بطبعه يحب الالفة الاستئناس بمن حوله من البشر، وتجده يفرح في العزائم والأفراح التي يجتمع فيها جمع غفير من الناس. وتجده يفرح بالأصدقاء والأحباب والجيران والأهل وغيرهم من الناس. وهذه فطرة معظم الناس العاديين إلا من يعاني من أمراض نفسية ونحوه. ولذا سمى النبي صلى الله عليه وسلم الصاحب الصالح بحامل المسك، وذلك في قوله: ( «مثل الجليس الصالح والسوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة» )[11]. والصاحب هو الصديق والمرافق والخل والأنيس. ولذا سميت الزوجة بالصاحبة الكريم. قال تعالى: ( {وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} )[12].
السجن مكان موحش وغير مريح، ولذا يعاقب المجرمين بالحبس فيه. وقد يكون سجن انفرادي أو جماعي، وكلاهما سيء. فالسجن الانفرادي يشعر السجين فيه بالوحدة والانعزال مما قد يعرضه للاكتئاب والملل. وربما يكون أفضل حالاً من السجن الجماعي؛ لما في الأخر من مخاطر وأذى قد يتعرض لها السجين من المساجين معه. وذلك لأنهم عادة نوع خطر من البشر وتسهل عليهم أذية الناس؛ وإلا لم دخلوا السجن. ولذلك كثيرا ما يتعرض السجناء للأذى من زملاءهم. ومثال لذلك قصة السجين الذي قتله سجين آخر بمطواة وغيرها. ولذا يزداد الضغط على السجناء بالخوف والملل والحدة. وقد قال أحد المفكرين: "الجحيم هم الآخرون". وعبارته تلك قد تكون بها شيء من الصحة في بعض الأحيان، لاسيما في بيئة مثل بيئة السجن.
الشعور بالفشل شعور قاسي يصيب الكثير من البشر في أنحاء العالم. وذلك لأن الدنيا لا تخلو من فشل وإحباطات، والكثير من الناس فشلوا في حياتهم العملية وأصابهم اليأس. والمؤمن ينبغي ألا يجعل الفشل عائق له يخرب عليه حياته ومستقبله ويجعله يفقد الثقة في نفسه وفي قدراته، بل عليه أن يجعل الفشل حافز له لتنمية قدراته وتحسين مهاراته وقدراته العلمية والعملية.
الشعور بالنقص قد يقود الإنسان إلى الاكتئاب والحزن الدائم. وقد يكون نقص حسي كالعجز البدني مثل العمى أو العرج أو الشلل أو فقد القدرة على النطق أو السمع أو الفهم أو غيره، أو خلل الطبي، أو مرض وراثي أو مكتسب أو عيب خلقي أو ضعف جنسي أو تشويه أو حرق أو إصابة غيرت شكله أو غيره من الحالات التي تشعر الإنسان بأنه أقل من غيره أو تشعره بالنقص. وقد يكون ضعف في المقدرات والمواهب كثل بطيء الفهم أو قلة التركيز أو حتى الغباء والبلادة أو غيرها. ,أي كان نوع النقص فلا ينبغي أن يحبط الإنسان أو يجعله يصاب بالاكتئاب. فالمؤمن يعلم أنه مصاب في هذه الحياة الدنيا وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه. وأن كل شيء بتقدير الله ليمتحن صبره ورضاه بما قسم الله له. فليصبر وليحتسب، ويحاول أن ينمي ما لديه من قدرات أخرى ويكتشف مواهبه ويبرزها للوجود. كما عليه بالاجتهاد في العلم والعمل وتطوير الذات.
الحمل والولادة واكتئاب ما بعد الولادة
كثيرا ما يصيب النساء اكتئاب بعد الولادة أو في فترة الحمل. فالأم تكون أسيرة الحمل بمتاعبه وآلامه وضجره، أو تكون أسيرة الرضيع بعد الولادة ببكائه وطلباته التي لا تنتهي من إطعام وعناية تشغل جل وقت الأم. ولا مفر حتى لو كانت مريضة أو خارجة من عملية أو متعبة أو مشغولة، فالطفل يحتاج رعايته ولا يدرى عن حال الأم أو ما يجري لها. ولذا تجد هناك ضغط على النساء في تلك الفترات، لاسيما من ليس لها أم أو أخت تساعدها وتكون قريبة منها. والأزواج مهما ساعدوا فإن مساعدتهم تكون عادة مؤقتة ولجزء بسيط من الوقت ولأن الزوج لديه وظيفته وأعماله الأخرى فلن يكون مع الأم طيلة الوقت ليساعدها، ولذا تعاني الأمهات كثيرا ويتعبن في رعاية الرضع تعباً لا يعلم به إلا الله ولا يقدره التقدير الذي يكافئه إلا الله لأنه أعدل من عباده وأرحم بهم. وكل تلك الضغوط قد تؤدي إلى اكتئاب عند الأمهات ومن ثم إلى احتمال حدوث انتحار إن لم يكن لدى الأم الإيمان القوي الذي يصبرها على التحمل. فللتصبر الأم وتتيقن بأن الله تعالى سيفرج همها ويخفف عنها وسيكافئها ويجزيها خير الجزاء. ولتفكر في أن فترة الرضاعة ستمر سريعا وتنتهي وتصير ذكريات، وأن طفلها سيكبر ويملأ عليها حياتها سعادة وفرحاً وأنه سيكبر وتقل طلباته وسيعتمد على نفسه شيئا فشيئا. ويمكن للواضعات زيارة اخصائية نفسية إن ساء الوضع لتساعدها حتى لا تقع في حبال الاكتئاب. وعلى الأزواج الوقوف بجانب زوجاتهم في تلك الأوقات العصيبة ابتداءاً من الحمل والولادة لنهاية الرضاعة. فالأم تمر بأوقات صعبة لأجل ابنهما معاً؛ كما أن الزواج والأبوة والأمومة مشاركة تلزم التعاون والتضحية وبذل الجهد.
بعض الناس يصيبهم الحيرة والضياع عندما لا يعرفوا من هم أوبيهم ومن أين أتوا، كما يحدث للقطاء وأطفال الملاجئ وحتى من تتبناهم أسر ثم يكتشفوا بعد أن يكبروا أن اللذين ربوهم ليسوا بوالديهم الحقيقيين. وهذه حالة نادرة ولكن حدث منها ضياع واكتئاب. ولذا ربما الأفضل اخبار الطفل بها تدريجياً منذ الصغر حتى لا يكبر على شيء ويصدم بأنه غير حقيقي.
الزواج القسري والزوج الظالم قد يكون سبب في حدوث الاكتئاب. وهناك حوادث وصلت لحد الانتحار بسبب ذلك. ولقد نهي الإسلام عن القسر في الزواج. قال صلى الله عليه وسلم: (لا تُنْكَحُ الأيِّمُ حتَّى تُسْتَأْمَرَ، ولا تُنْكَحُ البِكْرُ حتَّى تُسْتَأْذَنَ قالوا: كيفَ إذْنُها؟ قالَ: أنْ تَسْكُتَ)[13].
سوء المعاملة والعنف المنزلي سواء كان بدني أو جنسي أو معنوي كلها أمور تحزن الإنسان وتورث الاكتئاب إن استمر لفترات طويلة. وقد أمر الله تعالى الأزواج بحسن المعاملة والعشرة لزوجاتهن. وأمر الزوجات بالطاعة للزوج وحسن التبعل. وكل ذلك لمنع العنف المنزلي والجسدي وإشاعة المودة والسلام بين الأزواج في أرجاء البيت. وسوء المعاملة لا يشترط أن يكون بين الأزواج فقط، بل قد يكون من الأهل والأقارب. كمعاملة الأب السيئة لأبنائه، أو قسوة الأم على بنتها، أو ضرب الأخ لإخوانه، أو العم لأبناء أخيه، أو غيره من الأقارب. وقد تكون المعاملة السيئة من سيدة المنزلة للخادمة أو من صاحب العمل للموظفين أو بين الزملاء أو غيرها. وكلها تخالف آداب الإسلام الذي أمر بحسن الخلق ومعاملة الناس بالحسنى وكظم الغيظ والعفو عن الناس وغيره.
الجنون وفقد العقل ولو مؤقت يفقد الإنسان وعيه بنفسه وقد يؤذي نفسه أو يزهق روحه وهو غائب عن وعيه أو تحت تأثير الجنون. ولذا يفضل أن يعتني أهل المريض به ويحرسونه أو يبقون معه رفقة حتى لا يؤذي نفسه.
ضياع الثروة قد تفقد المرء صوابه وتجعله ينتحر، لاسيما إن حدث ذلك فجأة أو كان غير متوقع حدوثه. وجمع الثروة ليس بسهل وعادة يأخذ من الإنسان وقت طويل، وفقدها يشكل صدمة عليه كبيرة ويحوله فجأة من الغنى إلى الفقر. ومثل ينبغي أن يرحمه الناس لما يمر به من شدة وخطب شديد ويسندوه حتى يقوم على قدميه من جديد. وكما قيل: "ارحموا عزيز قوم ذل"[14].
علاج الانتحار يكون بعلاج أسبابه. فهو وقاية أكثر منه علاج، إذ لو وقع الانتحار لم يعد هناك علاج أو مريض ليعالج لأنه سيكون ذهب إلى الدار الآخرة. وهناك عوامل تساعد على خفض معدل الانتحار، منها:
لو آمن الإنسان بأن الأرزاق بيد الله وأنه لن ينال إلا ما كتب الله له ولن يخسر إلا ما قدر الله عليه أن يخسر وأن ما أصابه ما كان ليصيبه إلا بإذن الله لسلم لله واستسلم للأمر الواقع وتعايش معه دون أن يخسر حياته ويقع في جريمة الانتحار. وهي بالفعل جريمة لأن نفس الإنسان ملك لله وليس لنفسه. فليس لإنسان أن يزهق روحه بعد أن يعلم أن الله تعالى نهى عن ذلك. لأنه هو الخالق والمالك في هذا الكون وما وعاه وله الأمر من قبل ومن بعد. قال تعالى: ( {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} )[15]. وقال صلى الله عليه وسلم: ( «يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف» )[16]. إذن لم يحزن الإنسان على شيء في هذه الحياة وقد علم أنها من قضاء الله؟ وحتى ولو كانت في ظاهرها من فعل البشر فليوكل الإنسان أمره إلى الله ويطلب منه النصرة على من ظلمه وليأخذ بالأسباب الممكنة أن تعينه على ذلك إن استطاع، كأن يلجأ إلى القانون والقضاء أو يعمل عقله في كيفية رد حقه ممن ظلمه دون أذى أو معصية. ثم يدعو الله تعالى أن يعينه على الصبر ويسليه.
التربية الدينية للصغار والنشء:
وهذا بدأ من سن الطفولة المبكرة، حين يعلم الطفل أساسيات التوحيد والعقيدة والحساب والجنة والنار. فوجب تعليمهم أن الانتحار محرم في الإسلام، وأن من يقتل نفسه سيعذب في القبر وفي النار. وتعليمهم أن الدنيا ما هي إلا معبر للدار الأخرة وامتحان لها، ولا تستحق أن يقتل الانسان نفسه لأجلها. وتعليمهم عن القضاء والقدر وأن كل شيء كان وسيكون ما حدث إلا بتقدير الله تعالى، وأن ليس لنا إلا التسليم والإسلام لله تعالى. قال تعالى: ( {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} )[17].
تعلق الشباب بالمساجد والصلاة فيه راحة كبيرة لهم، وتغيير. ورغم أنه عبادة وعبادة مطلوبة في حق الذكور، إلا أن فيه تغيير أيضا عندما يذهب الانسان للمسجد ويلاقي المسلمين ويسالمهم ويسعد بسؤالهم وترحيبهم.
على المسلم أن يتمسك بالقرآن الكريم، قراءة وتدبرا ومعاهدة. وإن انتابه حزن فليهرع لكتاب الله يسمعه ويتدبر آياته ليفوِقَّه على حقيقة الحياة الدنيا وإنها لا تسوى عند الله جناح بعوضة وأن أهم ما فيها هو التحضر للدار الآخرة.
عمل حملات رقمية وميدانية لنشر الوعي بعقوبة الانتحار في الآخرة، وأنها سبب في عذاب النار وعذاب القبر، وأن التخلص من الحياة لا يعني توقف الألم، بل سيكون بداية لألم أشد وأبقى.
الصحبة الصالحة:
الصحبة الصالحة والبعد عن جلساء السوء من السبل للترويح والاستقامة في نفس الوقت. فالإنسان بطبعه يتأثر بخلاه وأصحابه ويحاكيهم. ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ( «المرءُ على دِينِ خَليلِه، فلْيَنْظُرْ أحدُكم مَن يُخالِلُ» )[18]. وكذلك الأصدقاء زينة في الحياة ورفقة ومتعة. ومنهم تجد الإعانة على المصائب والملمات. فليتخير صديق صالح يخفف عنه الأزمات ويعينه على نوائب الدهر.
علاج الاكتئاب
ينبغي للإنسان إن أصابه اكتئاب ألا يهمل نفسه ويعاندها، بل يبحث عن علاج. والأفضل أن يذهب إلى طبيب إن استطاع. وهناك أيضاً طرق مساعدة النفس ذاتياً بأن يجد من يبيح له بما يعذبه ويدور في خلده. فهي تساعد كثيرا. وكذلك عدم البقاء وحيدا والتقرب من الأخرين ممن يثق بهم من أهل أو أصحاب.
مساعدة الضعفاء والمحتاجين
ينبغي للمسلم أن يعاون الضعفاء والمحتاجين مثل أصحاب الإعاقة والأرامل والمتقاعدين واليتامى وغيرهم. فإن له الأجر الكبير في ذلك، وربما يمنع حوادث انتحار. فمنهم من صدته الحياة ويأس منها، وقد يكون منهم من هو ضعيف الإيمان فيصل لحد الانتحار ليرتاح من شقاء الدنيا كما يظن.
مساعدة المنكوبين
مساعدة المنكوبين في بلاد الحروب والنازحين ومن تضرروا من جراء ظروف مناخية وطبيعية كالسيول والأمطار والفيضانات والبراكين والحرائق وغيرها. فإرسال الإعانات الغذائية والطبية تساعدهم كثيرا. وفيها الأجر الكبير. الله في عون من يعين الأخرين. قال صلى الله عليه وسلم: ( «واللَّهُ في عونِ العَبدِ ما دامَ العبدُ في عونِ أخيهِ» )[19].
توفير فرص عمل للعاطلين
توفير فرص عمل للعاطلين فيه مساعدة كبيرة لهم، وهو خير من اعطاءهم صدقة تنتهي. ومساعدة الناس عمل إنساني فيه أجر كبير. قال صلى الله عليه وسلم: ( «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنكُم أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ» )[20]. فيفضل لأصحاب العمل أن يساعدوا الشباب بتوظيفهم إن استطاعوا. كما ينبغي للدولة أن تساعدهم في ذلك أيضاً. ويمكن ذلك بعمل مشاريع إنتاجية كالمصانع والمزارع وغيرها توظيفهم فيها.
مساعدة الشباب على الزواج
مساعدة الشباب والعزاب من الشباب والفتيات على الزواج. ويمكن ذلك بالعون المادي أو تنظيم عمل زواج جماعي ونحوه.
الترابط الأسري
تقوية الرباط الأسري يساعد الإنسان على الوقاية من الاكتئاب. وفي النهاية هي صلة رحم مأمور بها في الإسلام وتدر الخير والبركة على الإنسان. وأهل الإنسان هم خاصته وأحبابه وأعوانه وعزوته، فليتمسك بهم ويقوي صلته بهم حتى لا يستوحِّد وتنفرد به الأفكار السوداوية واليأس من الحياة.
ينبغي على المسلم أن يروح عن نفسه من حين لآخر. وعندما يصيبه الضجر يمكنه أن يفضفض لمن هو قريب منه بما يزعجه فإن ذلك يخفف عنه الكثير ويشعر بأن هناك من يتقاسم معه الهموم. وكذلك يمكنه أن يخرج مع أسرته للترويح. وهذا سنة نبوية. قال صلى الله عليه وسلم: ( «والذي نفسي بيده، إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة، ثلاث مرات» )[21]. فقوله صلى الله عليه وسلم "ساعة وساعة" فيه تخفيف على الناس وإباحة للترفيه المباح في غير غلو. وفي هذا رحمة ولطف بالناس؛ ولو أن الانسان قضى وقتع كله في العبادة لملت نفسه وتركها.
العمل مباح بل ومطلوب في الإنسان حتى يعول نفسه ويكفيها شر السؤال، وهو عبادة إن اخلص فيها النية. ولكن لا ينبغي أن يجعله الشيء الأهم في حياته ويقدمه حتى على العمل للآخرة. ولا يحمل نفسه بعمل كثير يشق عليه ويضع ضغوط على كاهله قد تؤثر عليه سلباً وتوصله لمراحل بعيدة. فالاعتدال هو الأفضل في الأمور كلها. وحتى في الدين نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشدد فيه. فما بالك بالعمل الدنيوي الذي ليس بأهمية العمل للآخرة. قال صلى الله عليه وسلم: (إياكم والغلوَّ في الدينِ فإنما أهلَك مَن كان قبلَكم الغلوُّ في الدينِ)[22]. وقال: «(هَلَكَ المُتنَطِّعُونَ. قالَها ثَلاثًا» )[23].
مساعدة الحوامل والمرضعات والنفساوات والترفيه عنهم
مساعدة الحوامل والمرضعات والنفساوات والترفيه عنهم يساعدهن على تجاوز تلك المراحل الصعبة بأمان. وفي النهاية الأم تعاني ما تعاني لأجل استرار البشرية وخروج إنسان آخر للدنيا. والأب سيجنى ثمرة هذا الطفل فيما بعد. فليستمع لوصية الرسول صلى الله عليه وسلم ويترفق بزوجته ويحيطها بالرعاية والحنان ليخفف عنها شدة ما تمر به لأجله وأجل ابنه. والمرأة ضعيفة وأقل تحملا من الرجل ومع ذلك تتحمل كل تلك الآلام والصعاب في سبيل خروج طفل للدنيا. ألا تستحق على ذلك التكريم والرعاية واللطف. قال تعالى: ( {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} )[24]. وقال صلى الله عليه وسلم: ( «رِفقًا بالقَواريرِ» )[25].
التعود على الصبر وتحمل الأزمات
على الإنسان أن يعود نفسه على الصبر على الأزمات والشدائد، وتذكر أن الدنيا زائلة وأن ليس للإنسان إلا الصبر فيها لكل ما فيها من مصاعب ومصائب تمر به وأن الله تعالى يحب الصابرين ويجزيهم خير الجزاء على صبرهم. قال تعالى: {(وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)} [26].
الخاتمة
هذه خواطر حول موضوع الانتحار وما يمكن أن يسببه وكيفية تفاديه. والأهم في كل ذلك هو الإيمان بقضاء الله والصبر على أقداره. وكذلك اليقين بأن الدنيا معبر للآخرة وليست هي القرار، فما يصيبنا فيها من ألم وحزن زائل ولا يدوم، وأقدار الله تعالى نافذة علينا شئنا أم أبينا وإن تسخطنا عليها سخط علينا وإن صبرنا عليها جزانا الجنة. فالمعادلة إذن سهلة الحل وهي الصبر ثم الصبر ثم الصبر. ومن يصبر يصبره الله ويجل الحزن سهلا والألم محتمل ورضي عن الله وأرضاه. ومع ذلك لا نكف عن دعاء الله بالفرج والخير والرحمة، ونسأله تعالى أن يخفف عن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ويرحمهم برحمته الواسعة في الدنيا والأخرة، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
- القرآن الكريم.
- تخريج الأحاديث من موقع الدرر السنية.
- Suicidal feelings, mind.uk.org.
- حكم التنطع في الدين، موقع الشيخ بن باز.
المحتويات
الانتحار وأسبابه والوقاية منه. 1
الصدمات العاطفية وتبعات الاختلاط. 2
الألم الجسدي أو المرض طويل الأمد. 6
التكيف مع التغيير الكبير في الحياة مثل التقاعد. 7
الحمل والولادة واكتئاب ما بعد الولادة 9
سوء المعاملة والعنف المنزلي. 11
التربية الدينية للصغار والنشء: 13
نشر الوعي عن عقوبة الانتحار 14
مساعدة الضعفاء والمحتاجين.. 14
مساعدة الحوامل والمرضعات والنفساوات والترفيه عنهم. 16
التعود على الصبر وتحمل الأزمات. 17
[1] الأحزاب 72.
[2] النساء 29-30.
[4] البقرة 155.
[5] صححه السيوطي في الجامع الصغير (4125). وأخرجه الدارقطني في ((السنن)) (4612)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (11/ 164) (11372).
[6] حسنه الألباني في صحيح الجامع (3344). وأخرجه الطبراني في ((المعجم الوسط)) (3667)، والدارقطني في ((السنن)) (4610)، والقضاعي في ((مسند الشهاب)) (57).
[7] حسنه السيوطي في الجامع الصغير (1159). وأخرجه ابن ماجه (2443)، والقضاعي في ((مسند الشهاب)) (744)، والخطيب في ((تلخيص المتشابه)) (1/532).
[8] الحجرات 11.
[9] البخاري 481.
[10] ذكره الوادعي في الصحيح المسند (20)، وقال صحيح على شرط الشيخين.
[11] البخاري 5534.
[12] عبس 26.
[13] أخرجه البخاري (6970)، ومسلم (1419) باختلاف يسير.
[14] هو حديث موضوع، ولكن لا ضير من ذكره لقيمته ما دمنا لا ننسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
[15] التغابن 11.
[16] صححه الألباني في صحيح الترمذي (2516).
[17] القمر 49.
[18] ذكره الحاكم في المستدرك على الصحيحين (7526) وصححه.
[19] أخرجه الطبراني في ((مكارم الأخلاق)) (86) مطولاً واللفظ له، وأخرجه مسلم (2699) مطولاً باختلاف يسير.
[20] مسلم 2199.
[21] مسلم (2750).
[22] ذكره ابن باز في مجموع فتاوى ابن باز (214/2)، وصححه. وأخرجه النسائي (3057)، وابن ماجه (3029) مطولاً واللفظ لهما، وأحمد (1851) مطولاً باختلاف يسير.
[23] البخاري 2670).
[24] الأحقاف 15,
[26] البقرة 155.