وقفات مع الأذكار والدعوات: الدعاء بالعافية

منذ 2024-10-01

كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء بالعافية، وأمر بذلك، وندب إليه، ولام من لم يفعله..


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء بالعافية، وأمر بذلك، وندب إليه، ولام من لم يفعله..
أما إكثاره صلى الله عليه وسلم بذلك فمأخوذ من حديثين:
الأول: عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: «
«اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أُغتال من تحتي» ([1])».
والثاني: وكان صلى الله عليه وسلم يقول إذا أصبح وإذا أمسى –ثلاثاً-:
««اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَدَنِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي سَمْعِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَصَرِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ، وأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ »» ([2]).

وأمر بذلك صلى الله عليه وسلم:
وقال صلى الله عليه وسلم لعمه العباس  رضي الله عنه : «
«يا عم، أكثر الدعاء بالعافية» »[3].


فعن أبي بكر الصديق  رضي الله عنه  قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ ثُمَّ بَكَى، فَقَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْأَوَّلِ عَلَى الْمِنْبَرِ ثُمَّ بَكَى، فَقَالَ:
««اسْأَلُوا اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ؛ فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ بَعْدَ الْيَقِينِ خَيْرًا مِنْ الْعَافِيَةِ»» ([4]).

وأنكر صلى الله عليه وسلم على من لم يفعل ذلك:
فعن أنس  رضي الله عنه ،
«أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم مبتلين، فقال: «أما كان هؤلاء يسألون العافية»([5])؟! وعَنْه  رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَادَ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَدْ خَفَتَ فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ»؟ قَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَقُولُ: اللَّهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الْآخِرَةِ فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، لَا تُطِيقُهُ، أَفَلَا قُلْتَ: اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ»؟ قَالَ: فَدَعَا اللَّهَ لَهُ، فَشَفَاهُ» ([6]).

فلماذا كان الدعاء بالعافية بهذه المكانة؟
يجيبك هذا الحديث:
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الأنصاري  رضي الله عنه  قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
««مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بحذافيرها»» ([7]).

وهنا إشكال:
في القرآن الكريم في موضعين:
 {ربنا أفرغ علينا صبراً} . أليس سؤال الصبر يستلزم سؤال البلاء؟ ألا يعارض هذا الندبَ إلى سؤال العافية؟
والجواب: لا تعارض بين هذا وبين الأحاديث التي ندب فيها نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى سؤال العافية..
فالمرء قبل البلاء يسأل الله العافية، فإذا نزل البلاء كان على قسمين:
أ/ بلاء يرجى زواله، فنسأل الله تعالى عنده العافية والصبر.
ب/ وبلاء لا يُرجى زوالُه كموت أحد، فهنا نسأل الله الصبر.
وأما الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية، فحري بالمسلم أن يسأل ذلك.
 

----------------------------------------------------------
[1] / قال وكيع: يعني الخسف. والحديث رواه أبو داود.
[2] / رواه أحمد، والبخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والنسائي في عمل اليوم والليلة.
[3] / رواه الطبراني.
[4] / رواه الترمذي.
[5] / رواه البزار.
[6] / رواه مسلم.
[7] / رواه البخاري في الأدب المفرد وفي تاريخه، والترمذي، وابن ماجة، والحميدي في مسنده، والعقيلي في الضعفاء، وابن أبي الدنيا في القناعة، والخطيب في التاريخ، والبيهقي في الزهد، والقضاعي في المسند.

مهران ماهر عثمان

باحث وأكاديمي سوداني بجامعة النيلين ومعهد تأهيل الدعاة بالخرطوم

  • 2
  • 0
  • 298

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً