الوصية بلا تكثر الضحك

الإكثار من الضحك مذموم شرعًا؛ لأن الأصل في حال المسلم أن يكون قلبه مُتعلِّقًا بالله، مستحضرًا عظمته، متذكِّرًا أهوال اليوم الآخر.

  • التصنيفات: محاسن الأخلاق - وصايا نبوية -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من يأخذُ عنِّي هؤلاءِ الكلماتِ فيعملُ بِهنَّ أو يعلِّمُ من يعملُ بِهنَّ» ؟ قلتُ: أنا يا رسولَ اللَّهِ، فأخذَ بيدي فعدَّ خمسًا؛ فقالَ: «اتَّقِ المحارمَ تَكن أعبدَ النَّاسِ، وارضَ بما قسمَ اللَّهُ لَك تَكن أغنى النَّاسِ، وأحسِن إلى جارِك تَكن مؤمنًا، وأحبَّ للنَّاسِ ما تحبُّ لنفسِك تَكن مسلِمًا، ولا تُكثرِ الضَّحِك؛ فإنَّ كثرةَ الضَّحِك تُميتُ القلبَ»؛ (أخرجه الترمذي).

 

خلق الله سبحانه في الإنسان صفات كثيرة: منها الضحك والبكاء، كما قال سبحانه: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} [النجم: ٤٣]، والضحك هو انبساط الوجه وبدوُّ الأسنان، وأول الضحك يكون تبسُّمًا، ويكون غالبًا للسرور، كما قال الله سبحانه في الضحك: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ} [عبس: ٣٨ - ٣٩]، فإن كان بصوتٍ يُسمع من بُعْدٍ فهو القهقهة، وإن كان بلا صوتٍ فهو التبسُّم، وما كان ضحك النبي صلى الله عليه وسلم إلا تبسُّمًا، فالضحك أعمُّ من التبسُّم.

 

والإكثار من الضحك مذموم شرعًا؛ لأن الأصل في حال المسلم أن يكون قلبه مُتعلِّقًا بالله، مستحضرًا عظمته، متذكِّرًا أهوال اليوم الآخر، كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث الكسوف: «إنَّ الشمسَ والقمرَ آيتانِ من آياتِ اللهِ لا يخسفانِ لموتِ أحدٍ ولا لحياتِه، فإذا رأيتُم ذلك فادْعوا اللهَ وكبِّروا وصلُّوا وتصدَّقوا، يا أمةَ محمدٍ، واللهِ ما من أحدٍ أَغْيَرُ من اللهِ أن يزنيَ عبدُه أو تزني أمَتُه، يا أمةَ محمدٍ، واللهِ لو تعلمون ما أعلم لضحكتُم قليلًا ولبكيتُم كثيرًا، اللهم هلْ بلَّغْتُ»؛ (صحيح الجامع)، وجاء في صحيح البخاري عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: ما رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ضَاحِكًا حتَّى أَرَى منه لَهَوَاتِهِ، إنَّما كانَ يَتَبَسَّمُ.

 

وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسمون ويضحكون مع قوة إيمانهم، فقد سُئل ابن عمر رضي الله عنهما: هل كان أصحاب رسول الله صلى عليه وسلم يضحكون؟ قال: نعم، والإيمان في قلوبهم أعظم من الجبل؛ رواه أبو نعيم.

 

وعن سِماكِ بنِ حَربٍ، قال: قلْتُ لجابِرِ بنِ سَمُرةَ: أكنْتَ تُجالِسُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ قال: نعَم، كثيرًا كان لا يقومُ مِن مُصلَّاه الذي يُصلِّي فيه الصُّبحَ أو الغَداةَ حتَّى تطلُعَ الشَّمسُ، فإذا طلعَت الشَّمسُ قام، وكانوا يتحدَّثونَ فيأخُذونَ في أمرِ الجاهليَّةِ، فيضحَكونَ، ويتبسَّمُ؛ رواه مسلم، وللضحك آداب، منها:

 

• أن يكون الضحك تبسُّمًا اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، وإذا ضحك بصوتٍ لا يكون قهقهةً، وإنما بصوت يسمعه القريب دون البعيد، قال الإمام الترمذي رحمه الله في كتابه شمائل النبي صلى الله عليه وسلم: كان هديه صلى الله عليه وسلم في الضحك وسطًا كسائر أموره، جُلُّ ضحكه التَّبسُّم.

 

• أن ينوي بتبسُّمه إدخال السرور والمودة والمحبة على قلب أخيه المسلم، قال عليه الصلاة والسلام: تبسُّمك في وجه أخيك صدقة؛ أخرجه الترمذي، وهذا التبسُّم يجعل صاحبه مرغوبًا في الأنس به، والجلوس إليه.

 

• ألا يتكلف في الضحك، وألا يكون ضحكه دون سبب حقيقي.

 

• ألا يكون الضحك يقصد به الاستهزاء بشيء مما أنزله الله سبحانه، أو بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فإن ذلك يؤدي إلى الكفر، كما قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65، 66].

 

• ألا يكذب من أجل إضحاك الناس، كما يفعل كثير من السفهاء الذين همُّهم إضحاك الناس دون التثبُّت بما يقولون، قال صلى الله عليه وسلم: «ويلٌ للذي يحدِّثُ بالحديثِ ليُضحِكَ به القومَ فيكذبُ، ويلٌ له ويلٌ له»؛ (صحيح الترمذي).

 

• ألا يقصد من الضحك ترويع الآخرين، سواء بالقول أو بالفعل؛ لأنه طريق لإيذائه نفسيًّا أو جسديًّا، جاء في الحديث: أنَّهم كانوا يسيرون مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فنام رجلٌ منهم، فانطلق بعضُهم إلى حبلٍ معه فأخذه، ففزِع، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لا يحِلُّ لمسلمٍ أن يُروِّعَ مسلمًا»؛ (رواه المنذري).

 

• ألا يشتمل على تحقير أو استهزاء أو سخرية بشخص آخر، إلا إذا أذن بذلك ورضي، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11]، وجاء في الحديث الصحيح: «المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ، ولا يَخْذُلُهُ، ولا يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى ها هُنا. ويُشِيرُ إلى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ. بحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ»؛ (رواه مسلم).

 

قال سعيد بن العاص لابنه: اقتصد في مزاحك، فالإفراط فيه يذهب البهاء، ويجري عليك السفهاء، وتركه يقبض المؤانسين، ويوحش المخالطين.

 

أيها الإخوة والأخوات، ليس الضحك منهيٌّ عنه لذاته ولكن لما يمكن أن يؤدي إلى نتائج وأخلاق لا يرضاها الإسلام.

 

أسأل الله تعالى أن يكرمنا وإياكم بكل خير، وأن يُعيننا على اغتنام أوقاتنا وأعمارنا وصحتنا وشبابنا فيما ينفعنا، وأن يجعلنا من المتبعين لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يصلح لنا ولكم الذرية، وصلى الله على سيدنا محمد.

_________________________________________________
الكاتب: عدنان بن سلمان الدريويش