حكومة النساء من المقتدر بالله إلى بشار الأسد
دايةً أنا على قناعة تامة أن كلامي هذا لن يعجب شريحة لا بأس بها من القارئين، وأن العديد سينبري للهجوم على كلامي، لذا أؤكد على أن سياق الكلام لا يدل على الإطلاق الذي يستغرق جميع أفراده، ويؤسس لقاعدة كلية، بل هي ظاهرة تاريخية أحسن خصوم الأمة استغلالها والترويج لها حتى اقتنع بها الكثيرون من المثقفين والنخبة الاجتماعية والسياسية في بلادنا، ولا أدري هل قرأ خصوم الأمة تاريخنا بدقة متناهية حتى استطاعوا أن يستخرجوا هذا المدخل التاريخي النادر في هدم الأمة وتعطيل مسيرتها وإجهاض نهضتها.
هذه الظاهرة تتعلق بالآثار الكبيرة التي تركتها تدخل النساء في السياسة والحكم واتخاذ القرارات عبر التاريخ الإسلامي، وكيف أن تدخل النساء في أمور الحكم وشئون الدولة الحساسة أدى في النهاية لسقوط هذه الأنظمة ودخولها في ذمة التاريخ عبرة وعظة للعالمين، وليس فيما أذكره تقليل لشأن المرأة أبدًا، بل النساء شقائق الرجال، بل هو بيان لعواقب دخول النساء ميادين اختص الله عز وجل بها الرجال، ليس من باب التحيز ضد النساء، ولكن من باب كل ميسر لما خلق له، والشواهد التاريخية على ذلك كثيرة.
فالمقتدر بالله العباسي ورث حكمًا قويًّا عن أبيه الخليفة المعتضد بالله فماذا فعل فيه؟ انشغل باللهو واللعب ومجالسة الجواري والندماء وتفرغ لمجالس البطالة وترك شئون الخلافة لامرأتين كان لهما أبلغ الأثر في أمور الخلافة، الأولى: أمه واسمها "شغب" وكانت في الأصل جارية لأبيه المعتضد، فلما أنجبته نالت حريتها وحظيت عند المعتضد، وأصبحت صاحبة الكلمة النافذة في قصر الخلافة تتولى اتخاذ القرارات وتعيين الوزراء والنقباء، أما الثانية فكانت قهرمانته الخاصة به منذ طفولته واسمها "أم موسى" ووصل نفوذها لأنْ عزلت الوزير حامد بن العباس سنة 312هـ لما حاول تخفيض نفقة قصر الخلافة الضخمة، فكيف انتهى الحال بالمقتدر بالله؟ ثار عليه قائد الجيش مؤنس الخادم بسبب إهماله لشئون البلاد وانشغاله باللهو واللعب وانتهى الصراع لمقتل المقتدر بالله شر قتلة وهو في ريعان شبابه سنة 320هـ، وهو في الثامنة والثلاثين من العمر، وكان قتله فاتحة شر كبير، ووهن أمر الخلافة جدًّا وتجرأ ولاة الأطراف على مقام الخلافة وذلك كله بسبب حكومة النساء على حد وصف المؤرخ الكبير ابن الأثير.
وعلى الطرف الآخر من العالم الإسلامي في الأندلس، ورث الأمير المعتمد بن عباد ملكًا قويًّا راسخًا سنة 461هـ عن أبيه المعتضد بن عباد، وكان المعتمد شاعرًا فارسًا به الكثير من الخصال العربية الأصيلة من الكرم والشجاعة والبطولة، ولكنه كان متهتكًا منشغلاً باللذات، وقع في غرام جارية أندلسية كانت تغسل الثياب في نهر أشبيلية سنة 463هـ اسمها "اعتماد الرميكية"، فملكت عليه فؤاده وخلبته لبه، فتزوجها ورفع من شأنها وأطلق يديها في شئون المملكة، فحرضته على الإغارة على جيرانه المسلمين في قرطبة وغرب الأندلس، ومصادقة "ألفونسو السادس" زعيم الصليبيين في أسبانيا، وعدو الإسلام الأول في أوروبا كلها، وحروبه ضد مسلمي الأندلس كانت ملهمة الحملات الصليبية على العالم الإسلامي، والانقلاب على أقرب أصدقائه وحلفائه في سبيل طموحاتها في تولية أبنائها، حتى جعلته في النهاية ينقلب على "يوسف بن تاشفين" أمير المرابطين الذي أنقذه وأنقذ الأندلس كلها في معركة الزلاقة الشهيرة سنة 479 هـ، ويتآمر مع الصليبيين ضد المسلمين المرابطين، فكيف كانت نهايته بعد أن جعل "اعتماد" هي الآمر الناهي في شئون المملكة؟
اكتسح المرابطون مملكته وأخذوه وزوجته أسرى بعد أن قتل معظم أولاده وتشردت أسرته، وبقي مسجونًا في سجن ضيق مظلم هو وزوجته "اعتماد" بقرية "أغمات" في صحراء المغرب، وودع العز والجاه وأيام السلطنة والبذخ الشديد ومجالس اللهو والخمر والبطالة، ودفع ثمن تدخلات زوجته "اعتماد" في الحكم حتى سقطت مملكته كلها.
وفي الدولة العثمانية كان مشهد تدخلات النساء في الحكم حاضرًا بقوة وكان فاتحة عهد الضعف في الدولة العثمانية بسبب تدخلات النساء ومكائدهن في القصور السلطانية، والأمثلة كثيرة في الدولة العثمانية، والبداية كانت في عصر السلطان "سليمان القانوني" الملقب بـ "الفخم" أو "الجليل" كما كان يسميه الأوروبيون، فرغم كونه من أهم وأكبر سلاطين الدولة العثمانية وحقق فتوحات ضخمة على الجبهة الأوروبية إلا أنه كان واقعًا تحت تأثير زوجته الأوكرانية "روكسلانا" الملقبة بـ "خور خرم"، وكانت يهودية وقيل نصرانية بنت قس أوكراني، هذه الأفعى تدخلت لإقناع السلطان باستضافة اليهود الذين طردوا من إسبانيا بعد سقوط الأندلس، وكذلك الذين طردوا من سائر البلدان الأوروبية في القرن الخامس عشر، وهؤلاء اليهود فيما بعد سيكونون سببًا مباشرًا في سقوط الدولة العثمانية كلها، كما أنها تآمرت على ولي عهد السلطان "سليمان" الأمير "مصطفى" وكان أكفأ أبنائه وأفضلهم وكان من زوجته الأخرى، فتآمرت عليه حتى أوغرت صدر أبيه عليه فقتله مما أدى لسخط الإنكشارية من تسلط الحريم على حد تعبير مؤرخي الدولة العثمانية، ووقوع فتنة عظيمة راح ضحيتها الآلاف، وذلك كله حتى تفسح الطريق لأن يتولى ابنها الأمير "سليم الثاني" السلطنة بعد أبيه رغم عدم صلاحيته وضعف شخصيته، وهو ما حدث بالفعل وكانت ولاية "سليم الثاني" فاتحة عهد الضعف؛ إذ ترك شئون السلطنة لوزيره "محمد الصقلي" وتفرغ لمجالسة الحريم والجواري، فزاد نفوذ هؤلاء الجواري والمحظيات حتى لقب هذا العهد بـ "عهد الحريم"، وأحسنت أوروبا استغلال الفرصة فهجمت البرتغال على المياه الشرقية للعالم الإسلامي، وهجم الصفويون على العراق وشرق الأناضول، وحاول السلطان "مراد الرابع" تدارك الأمر واسترجاع هيبة الخلافة، ولكن الموت عاجله قبل استكمال الإصلاحات، ولما تولى السلطان "محمد الرابع" سنة 1648م كانت سطوة النساء قد بلغت حدًّا لا يوصف إذ كان "محمد" طفلاً في السابعة وكان تحت وصاية جدته لأبيه السلطانة "كوزم خرم" فكانت صاحبة الكلمة العليا في الدولة العثمانية، والأدهى من ذلك أن صراعًا نسائيًّا قد وقع بين جدة السلطان "محمد" وأمه واسمها "فاطمة خاتون" وانقسم رجال الدولة لفريقين، فريق مع جدة السلطان وفريق مع أمه، وفقدت الدولة كثيرًا من هيبتها في خضم هذا الصراع الذي انتهى لصالح الأم "فاطمة خاتون" ومقتل الجدة "كوزم خرم" والضحية الدولة العثمانية نفسها.
الأوروبيون درسوا التاريخ الإسلامي عمومًا والعثماني خصوصًا دراسة مستفيضة توصلوا بها لنقاط الضعف ومكامن الداء في هذه الأمة، وتوصلوا لحقيقة تاريخية مفادها: "أنه كلما زاد نفوذ النساء في شئون الحكم كلما زاد الضعف وقرب الانهيار"، فعملوا جاهدين على الترويج لفكرة ولاية المرأة في العالم الإسلامي، وأشاعوا أن من لوازم التقدم والمدنية والحضارة أن تترأس المرأة وتتزعم، وأن الإسلام يضطهد المرأة؛ لأنه لا يقبل بولايتها العامة على الدولة، وأصبح من أبجديات أو مسوغات القبول الإعلامي للمرشحين سؤاله: هل تقبل بولاية المرأة والقبطي؟ وإجابته بالسلب أو بالإيجاب تحدد معسكره الذي ينتمي إليه، وهكذا سارت وتيرة الحرب الخفية التي يشنها الغرب وذيوله والمتأثرون به والمفتونون بحضارته الزائفة، فرأينا كيف كان أثر تعاظم دور النساء في الحكم والدولة، فرأينا مثلاً في باكستان ولاية "بناظير بوتو" وكيف جرَّت الويلات على هذا البلد الكبير، ورأينا ولاية النساء المتتابعة والمتبادلة في بنجلاديش الشيخة "خالدة" تارة، والبيجوم "حسنة" تارة، كيف أدت لانقسام البلاد لشيع وفرق وفتحت الطريق أمام الإرساليات التنصيرية حتى أصبحت مرتعًا خصبًا للتنصير وواحدة من أكثر دول العالم الإسلامي تأثرًا بالتنصير حتى أن عدد الكنائس فيها قد جاوز العشرة آلاف كنيسة، ثم رأينا كيف أن تدخلات "ليلى" الطرابلسية في تونس كيف أدت في النهاية لسقوط عرش المأفون زوجها "زين العابدين"، وكيف أن تدخلات "سوزان ثابت" وإصرارها على توريث ابنها فاقد الصلاحية: "جمال"، كانت من أهم أسباب سقوط آخر الفراعين في مصر، واليوم تجري السنن على أرض سوريا، واتضح أن الذي يقود حملة البطش والعدوان الوحشي على الشعب السوري هم نساء الأسد، فقد انكشف كثير من الحقائق المخيفة عن إدارة هذا البلد الغالي والعريق في الأمة، إذ اتضح أن المأفون "بشار" ضعيف العقل تسيره وتتحكم فيه مجموعة من النساء على رأسهم أمه الشريرة التي تحرضه ليل نهار للسير على خطى أبيه في قمع الثوار، وأيضًا أخته "بشرى" وزوجها "عاصف زادي" رجل سوريا القوي وجزارها، وأيضًا خالاته الأربع اللائي أجبرن بشار على تعيين أبنائهن في أهم المناصب وأخطرها وشكلوا عصابة عنكبوتية للسيطرة على سوريا أمنيًّا واقتصاديًّا.
لذلك فإني على قناعة راسخة ورغم كل المعوقات والإخفاقات التي تعترض مسار الثورة السورية إلا أنها ستنجح في النهاية لا محالة وتنتصر؛ لأن السنن قد عملت فيهم، وجرت عليهم أحكام من كان قبلهم، فإن التاريخ والتجارب والأحوال ومن قبلهم كلام سيد الخلق قد أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أو الطعن أن النظام إذا تحكم فيه امرأة فهو نظام ساقط وذاهب لا محالة.
الكـاتب: شريف عبد العزيز
المختار الإسلامي
- التصنيف: