سيظل الموقف شاهدا
فادخروا - أيها الآباء - من أوقاتكم ولو اليسير لتعويدهم على الصلاة الصحيحة المكتملة والواجبات والسنن، لينعموا ويسعدوا بها في الدنيا قبل الآخرة.
ما أن خرجتُ من البيت الذي أسكنه في أحد الأحياء الجميلة في جدَّة، متجهًا صوب المسجد للحاق بصلاة الفجر، وأنا أُسرع الخُطى قد نسيت ما تعلمته سابقًا بأن السُّنَّة هي عدم الإسراع والهرولة، وإنما المشيُ والسَّكِينة وإتمام ما فات، فإذا بعيني تقعُ عند الاقتراب من بوابة المسجد على رجلٍ وابنه، رجل وضَّاء الوجه، كثِّ اللحية، ثوبه وَفْقَ السُّنَّة، يمشي بسكينة هو وابنه وقد سبقتهم للحاق، وما أن اقتربت من الصف، إلا ووكزت تلك الخُطى التي رأيتُ في قلبي، وكأني أرى الحديث النبوي ماثلًا في فِعال هذا الرجل وابنه، لم تنتهِ قصة الرجل بعدُ، فما أن انتهيت من صلاتي وأذكاري، وأخذت نفسي بالعودة إلى المؤخرة لأرقُب ذلك الرجل، الذي أوقع أثرًا في قلبي قبل إتمام الصلاة، وإذا بي أراه هو وابنه بعد وقت من الصلاة يصليان السُّنَّة القبلية قضاء بعد الصلاة بهدوء وسكينة، هو وابنه الذي يظهر عليه أثر النوم، وعندما انتهيا أخذ بيدَي ابنه، وشبَّك أصابعه بأصابعه، يداعبه، ويتمتم عليه ببعض الكلمات، ويعاود المداعبة.
حقًّا، مشهدٌ تربويٌّ أثَّر في خلجات نفسي، كيف استشعر ذلك الأب مسؤوليته في تعويد ابنه، والحرص على ملازمته لتدربه على أعظم شعيرة، وفي المقابل أحزنني ذلك الابن الذي وجدته في مسجدي، قد بلغ الخامسة عشرة وهو لا يُحسِن الوضوء، وعندما أخذت أدرِّبه عليه، وكأنه توًّا يعرفه، يجد صعوبة في المعاودة والتكرار ليُحسنه، وأحزنني أولئك الفتية التي أعمارهم قد قاربت الخامسة عشرة، ولا يحسنون من الصلاة أقل القليل، فهي مزيج من الحركات والنقرات والالتفاتات والعبث باللباس، إضافة إلى عدم الإتيان بشروطها وهيئاتها على الوجه المطلوب.
(هي برقية عاجلة للآباء) باستشعار المسؤولية التي أولاهم الله إياها، والقيام بها حق القيام، فادخروا - أيها الآباء - من أوقاتكم ولو اليسير لتعويدهم على الصلاة الصحيحة المكتملة والواجبات والسنن، لينعموا ويسعدوا بها في الدنيا قبل الآخرة.
_________________________________________________
الكاتب: عبدالله بن إبراهيم الحضريتي