الأعمال الأسهل أداء والأعظم جزاء

منذ 2024-10-07

خبراءُ الاقتصادِ يقولون: أنَّ أفضلَ الاستثمارِ ما كانَ قليلَ المجهودِ، عظيمَ المردود.. وسنتذاكر في هذا المقال خمسةٌ أعمالٍ عظيمة، وكلها سهلة التنفيذِ والأداء، عظيمةُ الأجرِ والجزاء.. والموفقُ من وفقه الله وهداه، وأعانه وسدّد خطاه.

معاشر المؤمنين الكرام: ربُنا العظيم، جوادٌ كريم، توابٌ حليم، غفورٌ رحيم، فَضْلُهُ واسع وكبير، وعطائهُ جزلٌ وكثير.. وقد علِم ضعفَنا وعجزَنا، فرحمنا وأكرمَنا، وشرع لنا أعمالًا صالحةً مبرورة، خفيفة الأداءِ سهلةٌ ميَسورة، ورتب عليها أجورًا ضخمةً موفورة.

 

وخبراءُ الاقتصادِ يقولون: أنَّ أفضلَ الاستثمارِ ما كانَ قليلَ المجهودِ، عظيمَ المردود.. وسنتذاكر في هذا المقال خمسةٌ أعمالٍ عظيمة، وكلها سهلة التنفيذِ والأداء، عظيمةُ الأجرِ والجزاء.. والموفقُ من وفقه الله وهداه، وأعانه وسدّد خطاه.

 

فأول هذه الأعمال وأهمها: الإخلاصُ.. والإخلاصُ النقاءُ والصفاءُ، وهو ضد الرياء، والإخلاص حو أن تريد بعملك وجه الله وحده، فالإخلاصُ هو التوحيد.. وهو الإحسان: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} [النساء:125].. والإخلاص يدخلُ في جميعِ الطاعاتِ، ولذلك فهو أهمُّ وآكدُ وأعظمُ أعمالِ القلوب، في صحيح مسلم: قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ لا يَنْظُرُ إلى أَجْسَامِكُمْ ولا إلى صُوَرِكُمْ، ولَكِنْ يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكُمْ» .

 

والخلاصة أنَّ الإخلاصَ هو الأساس، ولهُ عند اللهِ جزاءٌ خاصٌ.. فكلما كان الإخلاصُ أقوى، كان الجزاءُ أكبرُ والمضاعفةُ أعلى، ففي الحديث الصحيح، قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ ربَّكم عزَّ وجلَّ يَقولُ: يا ابنَ آدمَ، بكُلِّ حَسَنةٍ عَشْرُ حَسَناتٍ إلى سَبعِ مِئةِ ضِعْفٍ إلى أضعافٍ كَثيرةٍ، والصَّومُ لي، وأنا أجزي به».. فالجزاءُ إنما يضاعفُ بحسب الإخلاص، كلما قوي الإخلاص ازدادت المضاعفة، وفي المقابل فمن أهمل الإخلاص فهو على خطرٍ عظيم: في الحديث الصحيح: «إِنَّ اللهَ لاَ يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلاَّ مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ».

 

وثاني الأعمال التي تتميز بأنها سهلةُ التنفيذِ والأداء، عظيمةُ الأجرِ والجزاء: حُسنُ الخلق: جاء في حديث صحَّحه الألباني قال صلى الله عليه وسلم: أحبُّ عبادِ اللهٍ إلى الله أحسنُهم خُلُقًا.. وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا».. وفي الحديث الصحيح، قال صلى الله عليه وسلم: «أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خلقًا».. وفي الحديث الصحيح، قال صلى الله عليه وسلم: «ما مِن شيءٍ يوضَعُ في الميزانِ أثقلُ من حُسنِ الخلقِ».. وقال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الرجلَ لَيُدرِكُ بحُسنِ خُلُقِه، درجاتِ قائمِ الليلِ صائمِ النَّهارِ» ، والحديث صححه الالباني، وفي حديث حسن، قال صلى الله عليه وسلم: «أنا زعيمٌ ببيتٍ في أعلى الجنّةِ لمن حَسُنَ خُلُقُه»..

وأبسط مفهومٍ لحسن الخلق، هو أن تُعامِل الناسَ بما تحِبُّ أن يعامِلوك به، وقيل هو: بسط الوجه، وبذل المعروف، وكفّ الأذى، وقيل هو التحلي بالفضائل، وتركُ الرذائل، وفي محكم التنزيل: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين} [الأعراف:199]، وفي الحديث الصحيح، قال صلى الله عليه وسلم: ( «البرُّ حُسْنُ الخُلُقِ، وَالإِثْمُ ما حَاكَ في صَدْرِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عليه النَّاسُ».. وفي الحديث الحسن، قال صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ».. وقال عليه الصلاة والسلام: «خيرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خيرُكم لأهلِي» ، وفي الأحاديث الصحيحة، «تبسُّمُك في وجهِ أخيك صدقةٌ، وإماطة الأذى عن الطَّريقِ صدقةٌ، والكلمة الطيبة صدقة، وكل معروف صدقة، وأحبُّ الناس إلى الله عزَّ وجلَّ أنفعهم للناس، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة، فرَّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة.. والراحمون يرحمهم الرحمن» ، والشاعر يقول: أخيَّ إنّ البر شيءٌ هين.. وجهٌ طليق وكلامٌ لين.

 

وثالث الأعمال التي تتميز بأنها سهلة التنفيذ والأداء، عظيمة الأجر والجزاء: ذكر الله جل وعلا، فالله تعالى يقول: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة:10].. ويقول تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:35]، ويقول جل وعلا: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون} [العنكبوت:45]، ويقول سبحانه: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُون} [البقرة:152]، وفي صحيح مسلم، قال صلى الله عليه وسلم: «سَبَقَ المُفَرِّدُونَ» ، قالوا: وَما المُفَرِّدُونَ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: «الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ»..

وفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ المتفق عليه: «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُ» ، وفي الحديث الصحيح، قال صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبرُكم بخيرِ أعمالِكم وأزكاها عند مليكِكم وأرفعِها في درجاتِكم، وخيرٌ لكم من إنفاقِ الذهبِ والفِضةِ، وخيرٌ لكم من أن تلقوْا عدوَّكم فتضربوا أعناقَهم ويضربوا أعناقَكم» قالوا بلى يا رسولَ اللهِ، قال: «ذِكرُ اللهِ»..

وفي الحديث الصحيح: «أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْ تَمُوتَ وَلِسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ».. ومن قال: «سبحانَ اللهِ العظيمِ وبحمدِه غُرِستْ له نخلةٌ في الجنَّةِ».. ومن قال: «سبحانِ اللهِ وبحمدِه، في يومٍ مائةَ مرةٍ، حُطَّت خطاياه، وإن كانت مثلَ زَبَدِ البحرِ».. وكلها أحاديث صحيحة، وقراءة القرآن الكريم من أعظم الذكر، ففي الحديث الصحيح، قال: صلى الله عليه وسلم «أهلُ القرآنِ هُمْ أهلُ اللهِ وخَاصَّتُهُ»..

وقال صلى الله عليه وسلم: «مَن قرأَ آيةَ الكُرسيِّ في دبُرِ كلِّ صلاةٍ مَكْتوبةٍ لم يمنَعهُ مِن دخولِ الجنَّةِ إلَّا أن يموتَ» «.. ومن قرأ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، عشرَ مراتٍ بنى اللهُ له بيتًا في الجنَّةِ».. و «من قرأ الآيتين من آخرِ سورةِ البقرةِ في ليلةٍ كفتاه».. وكلها أحاديث صحيحة، كما أن الدعاء والاستغفار نوع من الذكر، ففي الحديث الحسن، قال صلى الله عليه وسلم: «ليس شيءٌ أكرمُ على الله من الدعاء».. وفي صحيح مسلم، قال عليه الصلاة والسلام: «إنّ في الليلِ لسَاعةً لا يُوافِقُها رجلٌ مُسلمٌ يسألُ اللهَ خيرًا من أمر الدنيا والآخِرة إلا أعطاهُ إياه، وذلك كُلَّ ليلة»..

وقال صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا» . قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ. قَالَ: «اللهُ أَكْثَرُ».. والحديث صححه الألباني..

وفي صحيح مسلم، قال صلى الله عليه وسلم: «من سألَ اللهَ الشهادةَ بصدقٍ بلَّغَه الله منازِلَ الشُّهَداء وإن ماتَ على فِراشِه».. و «ما مِن عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لأَخِيهِ بظَهْرِ الغَيْبِ، إلَّا قالَ المَلَكُ: وَلَكَ بمِثْلٍ.. ومن قال: أستغفِرُ اللهَ، الذي لا إله إلا هو، الحَيَّ القيومَ، وأتوبُ إليه؛ غُفِرَ له وإن كان فَرَّ من الزَّحْفِ» ، و «مَنِ استغفَرَ للمؤمنينَ وللمؤمناتِ، كتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ مؤمِنٍ ومؤمنةٍ حسنةً».. وكلها أحاديث ثابتة.. ورابع الأعمال التي تتميزُ بأنها سهلة التنفيذ والأداء، عظيمة الأجر والجزاء: الخشوع في الصلاة، في الحديث الصحيح، قال صلى الله عليه وسلم: «استَقيموا ولَن تُحصوا، واعلَموا أنَّ خيرَ أعمالِكُمُ الصَّلاةَ».. والفلاحُ مقرونٌ بالخشوع في الصلاة، قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:1]، ثم قَالَ في آخِرِ السياق: {أُولَئِكَ هُمُ الوارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِردَوسَ هُم فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:10].. وفي الحديث الصحيح، قال صلى الله عليه وسلم: «مَا مِن امرِئٍ مُسلِمٍ تَحضُرُهُ صَلاةٌ مَكتُوبَةٌ فَيُحسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إِلاَّ كَانَت كَفَّارَةً لما قَبلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ مَا لم يُؤتِ كَبِيرَةً».. وفي الصحيحين: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».. وفي صحيح مُسلمٍ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: «ما من أحدٍ يتوضَّأُ فيُحسنُ الوضوءَ، ويُصلِّي رَكعتينِ، يُقبِلُ بقلبِه ووجهِه عليهما، إلَّا وجبتْ له الجَنَّةُ»..

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون} [النحل:97]..

 

معاشر المؤمنين الكرام: أمّا خامس الأعمال التي تتميزُ بأنها سهلةُ التنفيذ والأداء، عظيمةُ الأجرِ والجزاء فهي التوبة، التوبةَ يا عباد الله: من أعظم الأعمالِ الصالحةِ وأحبها إلى اللهِ تبارك وتعالى، ومما يدلُ على علو منزلتها وشدَّةِ أهميتها، أنَّ الجميعَ مُطالبٌ بها، يقول الله جلّ وعلا: {وَتُوبُوا إِلى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤمِنُونَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ} [النور:31]، ويقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا} [التحريم:8].. وفي الحديث الصحيح، قال عليه الصلاةُ والسلام: «يا أيها الناسُ: توبوا إلى اللهِ، واستغفروهُ، فإنّي أتوبُ إلى اللهِ وأستغفرهُ في كلِّ يومٍ مئةَ مرّةٍ»..

ومما يدل على عظم منزلة التوبة أنّ اللهَ جلّ وعلا يفرحُ بتوبة عبده فرحًا عجِيبًا لا تُستطيع العِباراتُ وصفُه، ففي صحيح مسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِن أَحَدِكُمْ كانَ علَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فلاةٍ، فَانْفَلَتَتْ منه وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فأيِسَ منها، فأتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ في ظِلِّهَا، قدْ أَيِسَ مِن رَاحِلَتِهِ، فَبيْنَا هو كَذلكَ إِذَا هو بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فأخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قالَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ»..

ومما يدل على عِظم منزلة التوبة أن الله جلَّ جَلاله يَنزِلُ في كُلِ ليلةٍ إلى سماءِهِ الدُّنيا نزولًا يليقُ بجلاله وكماله، فينادي: «هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مُستغفر فأغفر له» ؟.. وجاء في البخاري ومسلم: أن الله تبارك وتعالى: «يبسُطُ يدَهُ بالليل ليتوبَ مُسيءُ النهارِ، ويبسُطُ يدَهُ بالنهار ليتوبَ مُسيءُ الليل حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مغْرِبِها».. ومما يدل على عظم منزلة التوبة أنّ كل مَن صدق في توبته إلى الله فهو موعود بالقبول والمغفرة، قال جلَّ وعلا: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة:39]..

وقال عز وجل: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:82].. بل إنه جل وعلا يبدلُ سيئات التائبِ إلى حسنات، قال تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان:70].

 

وما هي التوبة يا عباد الله: التَّوبةُ خُضوعٌ وانكِسار، ورجوعٌ واستغفار.. التَّوبةُ: نَدمٌ على أخطاء الماضي، وتركٌ لجميع الذنوبِ والمعاصِي، وعزمٌ مؤكدٌ على عدمِ العودةِ إليها فيما سيأتي.

 

والتَّوبةُ بابُها على الدوام مفتوح، ودخولها في كُلِّ وقتٍ ولكل أحدٍ مسموح، ما لم تأتي سَكرةُ الموتِ وتغرغر الروح.. في الحديثِ القُدسِي الصَحِيحِ، قالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: قالَ اللهُ تعالى: «يا بنَ آدمَ، إنكَ ما دعوتَني ورجوتَني غفرتُ لكَ على ما كان فيك ولا أُبالي، يا بن آدم، لو بلَغَتْ ذُنوبُكَ عنانَ السماء، ثمَّ استغفرتَني غفَرْتُ لَكَ ولا أُبالي، يا بن آدَمَ، إنَّكَ لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا، ثم لقيتَني لا تُشرِكُ بي شيئًا، لأتيتُكَ بقُرابها مَغْفِرةً».. وفي الحديث الصحيح: «مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنْ الزَّحْفِ».. وفي محكم التنزيل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم} [الزمر:53].

 

فجدِّدوا يا عباد الله توبتكم، وتداركوا بصادق الرغبةِ والعزيمة ما فاتكم، والجِدَّ الجِدَّ تغنَمُوا، والبِدارَ البِدَارَ أن لا تندَمُوا.. {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر:56].

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {إِنَّمَا التَّوبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيهِم وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء:17].

 

ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان.

 

اللهم صل على محمد...

_____________________________________________________

الكاتب: الشيخ عبدالله محمد الطوالة

  • 2
  • 0
  • 460
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    حكم بين العدل والظلم ◾️ كل العدل في الشرع ومما زاد رقعة الظلم في زماننا تغييب حكم الشريعة من حياة الناس وإبدالها بأحكام البشر وتشريعاتهم الناقصة الخاطئة، فهي وضعت بناء على وجهات نظر قاصرة لا تخلو من حظوظ النفس وأهوائها ونزواتها وشهواتها، وهي كثيرة التقلبات عديدة الثغرات مستمرة التناقضات، حتى إن العامة تستهزأ بها فتقول: القانون للضعفاء والفقراء والثغرات للأقوياء والأغنياء، فتلك حقيقة العدل عند المخلوق وطبيعة الإنسان الذي وصفه الله بقوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}، وهو الأمر الذي أدركته الملائكة بعلمها المحدود بادئ ذي بدء، عندما أطلعهم الله سبحانه أنه {جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}، فعجبوا وسألوه سبحانه: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}، إلا أن الله أجابهم: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}. ◾️ عدل الدنيا قاصر وإن مما لا يطيقه البشر إنصاف الجميع في الدنيا، ولذلك يوضع الميزان يوم القيامة ليحكم الله بين الخلائق البشر وغيرهم، كما عند مسلم وغيره من حديث أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لتؤدّنّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتّى يقاد للشّاة الجلحاء من الشّاة القرناء)؛ لذا فعدل الدنيا مهما بلغ يبقى قاصرا، فمن ينصف المقتول ظلما وقد فارق دنياه، ومن يرد حق الذين هدمت بيوتهم وشردوا وقتل أبناؤهم؟، من يرد حق الأيتام والأرامل؟، وحق كل المستضعفين من المسلمين الذين تسلط عليهم الكفار في ديار الكفر؟ لا شك أن هؤلاء وغيرهم حقهم محفوظ عند الله تعالى يوم الحساب، سترد إليهم حقوقهم كاملة غير منقوصة. ◾️ {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} وإن مما يجب على المؤمن التسليم به أن الله تعالى عدل لا يظلم أحدا بل هو سبحانه حرم الظلم على نفسه كما جاء في الحديث القدسي الصحيح: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي..)، وقال تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} وقال: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ} وقال: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}، وما يحصل في هذه الدنيا من مصائب ومحن ونوازل فهي من جنس الابتلاءات التي تعم الكافر والمؤمن، فترفع درجة المؤمن وتمحق الكافر، ويكون تمام العدل في أحكام الآخرة عندما يساق المؤمنون إلى الجنة ويساق الكافرون إلى النار. فلا ينبغي للعبد أن يشك في عدل الله تعالى في شيء، ولا يعترض عليه في أحكامه وأوامره وقضائه، فهو سبحانه {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}، {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ} فلا يخرج المؤمن عن طاعة ربه، بل يقابل قضاءه بأتم التسليم ولو غابت الحكمة عنه، وذلك من حسن الظن بالله وأنه ما منع إلا ليعطي وما أخَّر إلا ليجزل، وهو أعلم بعباده وبما يصلح لهم وهو كله راجع لعلمه سبحانه وحكمته قال تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}، فلا يعترض العبد على القدر إن جانب هواه وخالف مبتغاه، فقد قال تعالى منكرا ذلك: {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} بل يكون من المهتدين الذين قال الله فيهم: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، ولا ينتظر أن تصيبه الحسنة حتى يحسن وأن لا يكون ممن إذا أصابتهم السيئة أساؤوا، بل إن العبد هو من يبادر ويقبل ولا يشترط على ربه، ومن ذلك كراهة النذور فكما في الصحيحين وغيرهما قد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النذر وقال: (إنّه لا يردّ شيئا، وإنّما يستخرج به من البخيل). وليتأمل العبد مشهدا من مشاهد العدل المطلق يوم القيامة فيما رواه مسلم عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يؤتى بأنعم أهل الدّنيا من أهل النّار يوم القيامة، فيصبغ في النّار صبغة، ثمّ يقال: يا ابن آدم، هل رأيت خيرا قطّ؟ هل مرّ بك نعيم قطّ؟ فيقول: لا واللّه يا ربّ. ويؤتى بأشدّ النّاس بؤسا في الدّنيا من أهل الجنّة، فيصبغ صبغة في الجنّة، فيقال له: يا ابن آدم، هل رأيت بؤسا قطّ؟ هل مرّ بك شدّة قطّ؟ فيقول: لا واللّه يا ربّ، ما مرّ بي بؤس قطّ، ولا رأيت شدّة قطّ). ▫️ المصدر: مقالات النبأ - حِكمٌ بين العَدل والظلم صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 468 الخميس 5 جمادى الأولى 1446 هـ

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً