الوصية بـ (البركة في العمر)
رجلًا قال: يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال: «من طال عمره، وحسن عمله»
جاء في صحيح الترمذي: ((أن رجلًا قال: يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال: «من طال عمره، وحسن عمله»، قال: فأي الناس شرٌّ؟ قال: «من طال عمره وساء عمله»، وجاء في صحيح الجامع: «طوبى لمن طال عمره وحسن عمله»، وقال تعالى في سورة مريم: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31]؛ قال السعدي رحمه الله: "{وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ} [مريم: 31]؛ أي: في أي مكان، وأي زمان، فالبركة جعلها الله في تعليم الخير والدعوة إليه، والنهي عن الشر، والدعوة إلى الله في أقواله وأفعاله، فكل من جالسه، أو اجتمع به، نالته بركته، وسعد به مصاحبه"؛ (تفسير السعدي).
أيها الإخوة وأيتها الأخوات، عُمرُ الإنسان له أجَلٌ مُحدَّد لا يعلمه إلا الله، والعاقل فينا من يجتهد بالأعمال الصالحة، ويزرع الخير لنفسه في الدنيا، ولا يُلهيه الأمل عن العمل؛ قال قتادة: "اعلموا أن طول العمر حُجَّة، فنعوذ بالله أن نُعيَّر بطول العمر؛ قد نزلت هذه الآية: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر: 37]، وإن فيهم لابن ثماني عشرة سنة"؛ (تفسير ابن كثير).
جاء في صحيح ابن ماجه: ((أن رجلين من بَلِيٍّ قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إسلامهما جميعًا، فكان أحدهما أشد اجتهادًا من الآخر، فغزا المجتهد منهما فاستُشهد، ثم مكث الآخر بعده سنةً ثم تُوفِّيَ، قال طلحة: فرأيت في المنام بينا أنا عند باب الجنة، إذا أنا بهما، فخرج خارج من الجنة، فأذِن للذي تُوفِّيَ الآخِرَ منهما، ثم خرج فأذِن للذي استُشهد، ثم رجع إليَّ، فقال: ارجع، فإنك لم يأنِ لك بعدُ، فأصبح طلحة يحدِّث به الناس، فعجِبوا لذلك، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحدَّثوه الحديث، فقال: «من أي ذلك تعجبون» ؟ فقالوا: يا رسول الله، هذا كان أشد الرجلين اجتهادًا ثم استُشهد، ودخل هذا الآخر الجنةَ قبله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أليس قد مكث هذا بعده سنةً» ؟ قالوا: بلى، قال: «وأدرك رمضان فصام وصلَّى كذا وكذا من سجدة في السنة» ؟ قالوا: بلى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض».
أيها الإخوة، إن ذلك الرجل الذي عاش سنة كاملة بعد صاحبه، أدرك فيها رمضان، وحصل له فيه أجر الصيام والقيام، وصلى في هذه السنة أكثر من ألف وثمانمائة صلاة مفروضة وتطوع، وغير التسبيحات والتهليلات، والأذكار والأعمال الصالحة، كل هذه الأعمال جعلت ما بينه وما بين صاحبه أبعد مما بين السماء والأرض.
وحتى يوفَّق المسلم إلى البركة وحسن العمل عليه بما يأتي:
•أن يُكثِرَ من دعاء الله بأن يهديه للعمل الصالح، وأن يثبِّته عليه؛ مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم أحْيِني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفَّني إذا كانت الوفاة خيرًا لي»؛ (متفق عليه).
• المثابرة ومجاهدة النفس؛ قال أحد السلف: "كلما زاد حزبي من القرآن، زادت البركة في وقتي، ولا زلت أزيد حتى بلغ حزبي عشرة أجزاء".
• الحرص على طلب العلم الشرعي، وحضور مجالس العلماء؛ قال صلى الله عليه وسلم: «من يُرِدِ الله به خيرًا، يفقِّهه في الدين»؛ (رواه البخاري).
• اغتنام الأوقات المباركة؛ كثُلُثِ الليل، ورمضان، وعشر ذي الحجة، وكذا الأماكن المباركة؛ كمكة، والمدينة، وبيوت الله.
• تذكر أن العاقل من يغتنم صحته قبل مرضه، وشبابه قبل هرَمِه، وحياته قبل موته، وفراغه قبل شغله، ثم يعمرها بالطاعات والأعمال الصالحة.
• الحرص على الصحبة الصالحة؛ فإنها تُعين المسلم على الطاعات، وتُبعده عن المعاصي.
• البعد عن الذنوب والمعاصي، وعن أصحابها وأماكنها، فإن المعصية تُقسِّي القلب، وتُبعده عن الطاعة.
• الحذر من الانغماس في الأجهزة الإلكترونية والانشغال بها، فإنها تشغل المسلم عن الطاعة والخير.
• التنوع في الطاعات؛ حتى لا يصيب المسلم المللُ والفتور، والاقتصاد في الطاعة عند المرض والسفر والملل.
• قراءة قصص وسير الصالحين والسلف الصالح، والاقتداء بهم.
• الدعوة إلى الله، والمسابقة إلى الخيرات؛ فإنها من أهم الوسائل على الثبات.
• العمل التطوعي، ومساعدة الناس، وجبر الخواطر، وحسن الخلق، كلها من الأعمال الصالحة التي يحبها الله سبحانه؛ قال صلى الله عليه وسلم: «ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خُلُقٍ حسن، فإن الله تعالى لَيُبغضُ الفاحش البذيء»؛ (رواه الترمذي).
أسأل الله تعالى أن يكرمنا وإياكم بكل خير، وأن يُعيننا جميعًا على اغتنام أوقاتنا وأعمارنا، وصحتنا وشبابنا فيما ينفعنا، وأن يجعلنا من المتبعين لهَدْيِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يصلح لنا ولكم الذرية، وصلى الله على سيدنا محمد.
_______________________________________________
الكاتب: عدنان بن سلمان الدريويش
- التصنيف: