الذكاء البشري وبيولوجية التفكير

منذ 2024-10-12

على الرغم من أهمية الموروثات، فإنها ليست الكلمة الفصل فيما يتعلق بالذكاء البشري، إنها تؤثِّر، ولكنها لا تحدِّد بشكل كامل الكيفيةَ التي يتطور بها الدماغ.

على الرغم من أهمية الموروثات، فإنها ليست الكلمة الفصل فيما يتعلق بالذكاء البشري، إنها تؤثِّر، ولكنها لا تحدِّد بشكل كامل الكيفيةَ التي يتطور بها الدماغ، ومدى الجودة التي يعمل بها، وهذا بدوره يُوحي بسلوك طريقٍ بديلٍ لتعزيز المقدرة العقلية؛ أي: تدخل مباشر في بيولوجية التفكير، وقد لا يكون الإدراك لمثل هذا التدخل بعيدًا.

 

إن محاولة وصف الذكاء بمفردات بيولوجية هو بحد ذاته تطور حديث، لقد سيطر الفلاسفة وعلماء النفس على ذلك الحقل خلال عدة قرون، محصورين باستنتاجات افتراضية وبملحوظات، كان أولئك الفلاسفة وعلماء النفس يطرحون بشكل عام آراءً فارغةً لتفسير الفكر والعاطفة والمظاهر العديدة الأخرى لحالة الشعور، لكن في العقود الحديثة فقط، بدأ الباحثون في تحليل التفكير بوصفه عمليةً بيولوجية تجري في الدماغ.

 

إن الدماغ - ويا للسخرية - هو أقل عضو مدرَك الكُنْه في الجسم، وتصف كتب الأحياء المقررة في المدارس الثانوية بشكل من التفصيل كيفية ضخ الدم، وكيفية تنقية الكُلى له، لكن نفس تلك الكتب المقررة تعالج الدماغ؛ العضو الوحيد الذي يمثِّل البشر من خلاله تقدمًا واضحًا على الثديات الأخرى - كصندوق رمادي ينتج الفكر بكل تنوعاته وعظمته، من خلال عمليات غامضة بشكل تام، ويبقى الفكر – على الرغم من التطورات الدرامية - واحدًا من معضلات تعتبر أكثر المعضلات إلحاحًا وبحاجة لحلٍّ.

 

لقد كشف عمل الدكتور وايلر بينفيلد التجريبي مع أشخاص مصابين بالصرع عن طبيعة ونوعية الذكريات المخزونة من قِبل الدماغ، لقد عرف بينفلد من تسجيلات راسمة موجات الدماغ أن النوبات المرضية تمثل تشخيصًا لسورات كهربية عنيفة متتابعة في الدماغ.

 

ولقد ظن أن بإمكانه اكتشاف مصدر هذه السورات، وذلك بتحفيز سطح أدمغة المصابين بالصرع بواسطة تيار كهربائي خفيف، وهم في حالة الوعي، مع أن جهوده مُنِيت بالفشل، فإنها أعطت بعض النتائج غير العادية.

 

فلقد تبيَّن أن جسَّ أجزاء معينة من الدماغ يُطلِق شلالًا من الإشارات عبر خلايا عصبية مترابطة، ويؤدي إلى إثارة ذكريات مركَّزة ومفصَّلة بشكل دقيق لأحداث وانطباعات مَنْسِيَّة من ماضي المريض.

 

لقد أدى النقاش المحتدِم حول تحيُّزات عرقية وحضارية فيما يتعلق باختبار قياس معدل الذكاء، إلى تحفيز البحث لإيجاد أساليب أخرى لقياس المقدرة الذهنية الصرفة، ولقد كشف ذلك العمل مؤشراتٍ بيولوجية معينة للذكاء، ربما تُحسِّن من الفهم للعمليات الفكرية، وتُوحي بطرق لتعزيز تلك العمليات؛ إذ يقيس اختبار قياس الذكاء العادي - المسمَّى اختبار القياس النفسي - الأداء على مجموعات من القضايا مختلفة الأنواع، إن الافتراض بأن أداءً متفوقًا يعكس مقدرة متفوقة هو أمر صحيح بالتأكيد في مجمله.

 

لكن يمكن للتحيزات الثقافية في الاختبارات، والمستويات المختلفة للمهارات اللفظية، والمعرفة والحوافز، والخبرة بأنواع معينة من الأمور، أن تشوِّه النتائج الفردية؛ ومن هنا جاء البحث عن اختبارات تكون أقل تأثيرًا.

 

يقول سي بايبك في كتابه (ارتقاء التقدم): إن اختبارات السرعة - أو الميقاتية - هي أحد الأساليب الواعدة، وتقوم هذه الاختبارات على القيام بمهام غاية في البساطة، بحيث يمكن لأي فرد إنجازها بشكل تام.

 

وهناك مقياس آخر مبنيٌّ مباشرة على وظيفة الدماغ؛ هو معدل الجهد الْمُثار؛ تقول تلك النظرية: إن الأدمغة الذكية تنقل الإشارات بوضوح وتناسق أكبر - أو بأخطاء وتشويش أقل - من الأدمغة الغبية، إن تحليل رسم موجات الدماغ يمكن أن يقيس هذا الفرق.

 

وبإيجاز، فإن حافزًا حسيًّا - مثل صورة أو صوت - يثير موجات الدماغ الساكنة للشخص المعنيِّ، عندما يقوم ذلك الدماغ بمعالجة ذلك الحافز، وهذا بدوره ينتج نمطًا من الموجات الشائكة تسمى بالجهد الْمُثار.

 

كذا فإن هناك مقياسًا بيولوجيًّا آخر للذكاء؛ وهو قياس الطاقة المستهلكة في الدماغ؛ حيث تهيئ تقنيات متطورة للتصوير بالأشعة للباحثين القدرة على قياس كمية الجلوكوز التي يؤيضها الدماغ، بينما يكون منهمكًا في عملية التفكير.

 

لقد أظهرت الدراسات أن الأشخاص الأذكياء يستخدمون طاقة أقل من تلك التي يستخدمها أندادٌ لهم أقلُّ ذكاء لإنجاز نفس المهام، وكما أن ذلك الفارق يتسع كلما أصبحت المهام أكثر صعوبة، يمكن لهذا أن يعني أن للأذكياء شبكاتٍ عصبية أصغر، ولذلك أكثر كفاءة للتعلم والتذكر، أو أن خلاياهم العصبية الفردية تعمل بشكل أكثر كفاءة.

 

إن دراساتٍ حديثةً في مجال تصوير الدماغ قد تُسهِّل دراسة تلك الفوارق.

_________________________________________________

الكاتب: د. زيد بن محمد الرماني

  • 2
  • 0
  • 136
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    يريدون وجهه • لقد علم جنود الخلافة أن طريق الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحبه هي طريق الوصول، وفيها القتل والجراح والبأساء والضراء كما أخبر ربنا سبحانه: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا..}، ولكن بدونها لا نصر ولا ظفر، ولا مكة ولا قدس، ولا شريعة ولا سيادة، فهي الطريق الوحيدة للنصر والتمكين، ورغم ما أصابهم فيها لم يتولوا أو يتراجعوا، ولم يولّوا وجوههم قبَل الشرق أو الغرب، ولم يركنوا إلى الذين ظلموا، فلم يتقربوا لطاغوت أو يتزلفوا لمرتد، وحاشاهم، ولم يسمحوا لأنفسهم تحت ضغط الواقع والشدة أن يبدّلوا أو يغيّروا، كما لم يسمحوا لأنفسهم في الرخاء أن يفرّطوا أو يتهاونوا، فلازموا التوحيد في الشدة والرخاء ومضوا على الجهاد في العسر واليسر، فثبتوا بذلك على الطريقة المحمدية توحيدا وجهادا، صبرا ومصابرة ومرابطة. تظهر في معاركهم ملامح التجرد والاحتساب لله، بعيدا عن الأضواء غرباء تلفح وجوههم رياح الغربة، قدوتهم محمد -صلى الله عليه وسلم- وصحابته، الصديق والفاروق وعثمان وعلي وعمار وبلال ومصعب وطلحة وأنس والبراء، لم يلطخوا نواياهم ولم يدنسوا مقاصدهم بغايات الجاهلية ونماذجها. بل أقاموا الجهاد الرباني وجمعوا بين أبوابه، فجاهدوا النفس والهوى، وجاهدوا الشيطان وأولياءه، وجاهدوا العدو وحلفاءه، فحققوا أعلى درجات مخالفة الهوى، فاهتدوا في قولهم وعملهم، ولم يكن أمرهم فرطا، فهم لمّا أرادوا وجهه سبحانه وتحملوا في سبيله ما تحملوا؛ كافأهم سبحانه بمرادهم، فجمع عليهم شتات قلوبهم وبصّرهم بالحق فهداهم سبيله ودلّهم طريقه فعاشوا عذوبة الهداية رغم شظف العيش، وتلذذوا بغربة الحق رغم كيد الباطل، وما تركوا ثغورهم وما برحوا مواقعهم حتى قضوا نحبهم، نحسبهم والله حسيبهم، فلا تعد عيناك عنهم، ولا ترضَ بأقل من مراقيهم. لقد استوفى إخواننا آجالهم وأرزاقهم كاملة، فإن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها، وهم ماضون لاستيفاء أجورهم عند الحكم العدل سبحانه، {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ} كما وعد عباده المؤمنين، قال ابن عباس: "يعني سوى الثواب، مما لم تر عين ولم تسمع أذن". وإن أجر الجهاد وفضل الشهادة طافت به الركبان وتسابق على نيله الفرسان، وتلك أمنية نبيكم ما زالت حاضرة: (وَدِدْتُ أنِّي أغْزُو في سَبيلِ اللهِ فَأُقْتَلُ) كررها ثلاثا [مسلم]، وهو القائل: (لَغدوةٌ في سبيل الله أو روحةٌ خيرٌ من الدنيا وما فيها) [مسلم]، فتأمل كيف أن مهمة واحدة مفردة في الجهاد تفوق الدنيا بأسرها، وهو ما فهمه الصحابي القائد أبو سليمان خالد بن الوليد فقال: "ما من عملي شيء أرجى عندي بعد التوحيد من ليلة بتُّها وأنا متترس، والسماء تهلّني، ننتظر الصبح حتى نغير على الكفار"، فتأمل كيف جمع بين جهاد ليلة واحدة والتوحيد، فما بالك بمن يقضى أيامه ولياليه كلها في ميادين الجهاد ومعسكرات التوحيد؟! وبعد، فيا جنود الخلافة وبُناة صرحها وحملة رايتها، إن دماء إخوانكم بريد الحق ونوره الذي يتلألأ وسط ظلمات الجاهلية المعاصرة، إن دماءهم خير ترجمان لدعوة الأنبياء التي قامت على التوحيد، وإن حفظ دمائهم بالسير على خطاهم وحراسة ثغورهم، واعلموا أنه لا شيء أحفظ للدماء من إهراقها في مظانها التي يحبها الله ويرضاها في سوح الجهاد والمرابطة والمراغمة، وإنا لا نملك لكم في هذا الظرف وصية خيرا من وصية الله تعالى لعباده قبلكم، وهي الصبر والتقوى، فلا شيء أجدى لكم في حالتكم هذه منها، {وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}. ▫️ المصدر: مقتطف من افتتاحية النبأ صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 467 الخميس 28 ربيع الآخر 1446 هـ

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً