وفي التغافل علاج

منذ 2024-10-18

هل خُلُق التغافل من شيم وأفعال الكرام كما جاء عن سلفنا الصالح؟ وهل التغافل سلوك حضاري مقبول؟

عبدالله العمادي


هل خُلُق التغافل من شيم وأفعال الكرام كما جاء عن سلفنا الصالح؟ وهل التغافل سلوك حضاري مقبول؟ وهل فعلا التغافل علاج أو حل لمشكلة أو مشاكل قائمة بين الناس، كما يقول بذلك مجربون؟ وما الفرق بين التغافل والغفلة؟

الأسئلة في هذا الموضوع أكثر من أن تستوعبها هذه المساحة المحدودة، وحتى لا يتسع المجال وتتشتت الأفكار، لنبدأ حديثنا بمقولة للأمام أحمد بن حنبل حين سُئل عن العافية وأين يجدها الإنسان منا. فقال:” تسعة أعشار العافية في التغافل عن الزلات “. وفي رواية أخرى، أنه سُئل عن حُسن الخلق، فقال:” تسعة أعشار حُسن الخُلق في التغافل”. ويبدو من ذلك أنه دليل على أهمية وعظمة خُلُق التغافل في علاقاتنا الإنسانية.  

كلنا ربما يذكر جهود وأعمال أبي طالب مع رسولنا الكريم – محمد ﷺ – وكيف خدم الإسلام والمسلمين أكثر من المسلمين أنفسهم في تلك الفترة الحرجة من تاريخ الدعوة على رغم شركه. حيث ثبت على معتقداته القديمة ولم يسلم إلى أن أسلم الروح لبارئها. ولم يكن من سبب جوهري أو مبرر يدفعه لعدم التحول إلى الإسلام، سوى الخشية من ملامة الناس وكلامهم ! فقد خشي أن تقول قريش أنه جزع وخاف عند موته فأسلم.  

قصة وفاة أبي طالب، نموذج واضح يبين لك كيف أن الاهتمام الشديد والمبالغ فيه بكلام الناس، وما يصدر عنهم أحياناً من أقوال وأفعال غير محمودة ولا مقبولة تجاهك، أو دون أي وجه حق، يمكن أن يؤدي بك إلى نهايات غير سعيدة، كما في مثال أبي طالب.  

لا أقول بتجاهل ما يقوله الناس عنك، أو التغافل عما يصدر عنهم بشكل تام، ولكن سدد وقارب. أي ليكن فعل التغافل مع الناس في حدود المعقول والمقبول وبحسب ما يتسع صدرك له وتصبر على الأذى، في سبيل دفع أضرار وخسائر قد يؤدي تفاعلك المتحمس مع الأحداث، إلى تفاقهما وتزداد عمقاً في السوء.  

  إنك إن حرصت على إرضاء فلان وعلان، فمن المؤكد ستصل إلى نهايات غير محمودة وطرق مسدودة، باعتبار أن البشر أمزجة وأهواء. قد ترضي في عمل لك أو قول، فلاناً من الناس، لكن ثق أنك في الوقت ذاته ستخالف آخر، والعكس صحيح كذلك، بل لن تصل إلى نتيجة مرجوة نهاية الأمر. وحين تكون غايتك إرضاء الله واتباع الحق، فتأكد أنك ستصل إلى نهايات حميدة بإذن الله وإن خالفت الناس، كل الناس.

وتلك النهايات الحميدة إن لم تكن في دنياك، فتأكد أن الله يدخرها لآخرتك، حيث الحياة الحقيقية الباقية الخالدة. الحياة التي خسرها أبوطالب، لأنه لم يتغافل ويتجاهل ما يمكن أن يقال عنه إن هو أسلم. فالتصورات التي ربما جالت بذهنه وتفاعل معها حينذاك، جعلته يختم حياته على شرك وجاهلية، رغم أنه عم خير خلق الله، وأول وأكثر من دافع عنه وحماه، ﷺ.

رد الصاع صاعين أو أكثر
كثيرون منا في زحمة الحياة، تجدهم في تفاعلات عجيبة مع الآخرين لمجرد سخافات من القول والفعل تقع لهم، بقصد أو بدون. قد تجد أحدنا من ضمن تفاهات وسخافات الفعل والقول الدنيوية اليومية، أن يتأثر لكلام الناس، فينشغل بها أيما انشغال، ويتألم منها كثيراً وطويلاً، ليعيش تبعاً لذلك أياماً وليال مشغول البال لا يهدأ، ولا يغمض له جفن، بل ربما وجدته يحاول رد الصاع صاعين أو أكثر إن استطاع، والنقد نقدين، مع ما يصاحب كل ذلك الفعل بالطبع، توترات وتفاعلات كيميائية بالجسد مؤذية.

حياتنا أغلى وأرقى من أن ننزل بها إلى تلكم المستويات الدنيا من التفاعل مع الآخرين، بل ما أجمل أن نرتقي في فكرنا وتعاملاتنا مع بعضنا البعض. لا نحقد، ولا نحسد ولا نبغض ولا نسيء لأحد، بسبب تفاهات لا تستحقها أبداً عقولنا وأبداننا ونجعلها تقع ضحية لها، لتتضرر بسببها على المدى القريب أو البعيد. ومن هنا تأتي أهمية خُلُق التغافل، للحيلولة دون الهبوط إلى تلك المستويات الدنيا في علاقاتك الإنسانية.   

التغافل وليس الغفلة  
  أدعو هاهنا إلى التغافل وليس الغفلة، فالفرق بينهما شاسع. فالغفلة، فعل طبيعي ناتج عن قلة علم أو جهل بالشيء، وهو فعل غير محبذ بالطبع، لأن الغفلة مؤدية لضياع حقوق ومصالح، سواء للشخص الغافل ذاته، أو للآخرين المتعاملين معه. والقرآن يذم الغافلين في مواضع كثيرة، أهمها الغفلة عن الحق وعن آيات الله وعبادته واليوم الآخر، بالإضافة إلى غفلته عن سر وجوده في هذه الحياة.

والحديث في الغفلة وما حولها يطول.

أما التغافل، فهو فعل إرادي ناتج عن إحاطة وإلمام وإدراك بما يدور في البيئة المحيطة. هذا يعني أن التغافل أقرب إلى أن يكون حكمة من الإنسان حين يقوم به في موقف ما، وربما يصل التغافل لأن يكون قوة ومهارة نحتاج إلى اكتسابها والتدرب عليها، من أجل علاقات إنسانية راقية نعززها ونصونها من أي خدش أو أي خلل. 

في كثير من الأحيان، نجد أنفسنا مضطرين إلى استخدام مهارة ” التغافل ” في بعض المواقف الحياتية، لا لشيء سوى رغبة في كبح جماح موقف ما قد يتطور ليصبح ناراً تلظى، أو رغبة في السيطرة على أجواء حدث معين يوشك أن يتطور إلى ما لا يحمد عقباه، فيضطر أحدنا إلى هذا الفعل أو هذا الخُلق أو هذه المهارة.. فالزعيم الرشيد يتغافل عن زلات وأخطاء معاونيه ووزرائه أحياناً، وبالمثل تتغافل الحكومة الرشيدة عن أفعال وأقوال الناس فيها، كي لا تتطور الأمور وتصل للتصادم وما بعده. والأمر كذلك محبذ أن يجد التغافل موقعه في علاقات الأزواج ببعضهما، وعلاقات الوالدين بالأبناء، والمديرين بالموظفين، وغيرهم في المجتمع كثير.  

خلاصة الحديث
العلاقات بين البشر، مثلما تحتاج لقلوب واعية صافية نقية كي تنمو وتستمر، فكذلك تحتاج لعقول يقظة فطنة تدعم توجهات ومشاعر تلك القلوب، كما جاء عن معاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنه – بأن العقل ثلثه فطنة، وثلثاه تغافل. ما يعني أن استخدام العقل عبر مهارات الكياسة والفطنة والتغافل في تعزيز وتقوية العلاقات، هو أمر حيوي لا بد منه.  

إن تعزيز العلاقات يحتاج لمهارات وفنون في التعامل. وأحسبُ أن التغافل من أبرز تلك المهارات، بل هو من أخلاق السادة الكرام، الذي أجده حلاً لكثير من المشكلات بيننا، سواء في البيت بين الزوجين أو بينهما والأبناء، أو خارج البيت كما في بيئة العمل أو المجتمع بشكل أعم وأشمل. والله سبحانه كفيل بكل جميل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.  

منقول

  • 2
  • 0
  • 134
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    ▫️ في زمن المجزرة في زمن المجزرة ينظر المسلم إلى مجازر فلسطين على أنها امتداد لمجازر الكافرين بحق المسلمين في كل مكان، امتداد لمجازر التاريخ القريب والبعيد، امتداد لمجازر العراق والشام واليمن وخراسان، وقبلها مجازر الشيشان والبوسنة والهرسك وغيرها التي ارتكبها أعداء الإسلام نصارى ووثنيين وشيوعيين ومجوس، وإن التفريق بين دماء وقضايا المسلمين تبعا للفوارق والحدود الجاهلية، هو بحد ذاته جزء من المجزرة الفكرية التي ضربت عقيدة المسلمين وكانت أخطر عليهم من المجزرة نفسها، فيا لهوان موت المرء مقارنة بموت توحيده!. وليس اليهود أو الأمريكان وحدهم المتورطين في مجازر فلسطين، بل هناك أطراف أخرى شاركت قصدا أو تبعا في هذه المجازر وإنْ ظهروا اليوم يتباكون على ضحاياها، فدعاة السوء الذين نذروا حياتهم للدفاع عن الطواغيت وجيوشهم الكافرة الحامية لحدود اليهود؛ هم مشاركون في المجزرة، الحركات والجبهات المرتدة التي حاربت المجاهدين وقطعت الطريق عليهم وأخَّرت مسيرهم، هي جزء من هذه المجزرة، الكتّاب والإعلاميون المنافقون أو ما يطلق عليهم في الوسط الجاهلي "المثقفون والنخب"، والذين تسلطوا على المجاهدين وسلقوهم بألسنة حداد، هؤلاء أيضا مشاركون في المجزرة، هؤلاء وغيرهم متورطون في المجزرة بقدر حربهم وتشويههم للمجاهدين الذين خاضوا غمار الحروب ضد قوى الكفر، فاصطف هؤلاء في صف تحالف الكفر ضد المجاهدين، فاستمرت المجزرة بحق المسلمين. لا شيء يدفع المجزرة عن أمة الإسلام غير المجزرة، واقرأوا التاريخ أيها "الإسلاميون" لكي تعرفوا كيف كان المسلمون! اقرأوا سير الصحابة والفاتحين، اقرأوا عن بأس الصدّيق يوم حروب الردة، اقرأوا عن مغازي خالد بن الوليد ونكايته بالكافرين، اقرأوا تاريخ الإسلام من مظانه فهو التطبيق العملي لما جاء في الوحيين، اقرأوا وامتثلوا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}، وقوله سبحانه: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ}، اقرأوا تاريخكم بوحييه لتعلموا أن المسلمين دفعوا المجزرة بالمجزرة، وفلّوا الحديد بالحديد، وحقنوا دماء المسلمين بسفك دم الكافرين، فأدموا الروم والفرس وقبلهم المشركين والمرتدين، نصروا الإسلام بالجهاد الذي لا يستحي من النكاية والبأس والغلظة والشدة على الكافرين حتى امتلأت الصحارى بنتن قتلاهم، وكان زهم الموت يملأ الأجواء، هكذا واجه سلفُنا السابقون المجزرة ودفعوها. وإن المتأمل في حتمية نزول عيسى عليه السلام في نهاية الزمان رافعا الجزية مخيّرا أهل الكتاب بين الإسلام أو السيف؛ يدرك أنّ الغلبة في زمن الملحمة للسيف، وأنه سيُقدّم على سواه من الوسائل التي اتسع لها صدر الإسلام، وسيغدو السيف خير داع إلى الإسلام بشروط الكتاب والسنة، ولذلك جرّدوا أيها المسلمون توحيدكم ثم سيوفكم فلا شيء أنفى للمجزرة من المجزرة، لا شيء أنفى للقتل من القتل، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}. ▫️ المصدر: افتتاحية النبأ صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 456 الخميس 11 صفر 1446 هـ

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً