{لا يستوي الخبيث والطيب}
لا يعتدل العاصي والمطيع لله عند الله، ولو كثُر أهل المعاصي فعجِبتَ من كثرتهم؛ لأن أهل طاعة الله هم المفلحون الفائزون بثواب الله يوم القيامة وإن قلُّوا، دون أهل معصيته، وإن أهل معاصيه هم الأخسرون الخائبون وإن كثُروا.
- التصنيفات: التقوى وحب الله - تزكية النفس -
{قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 100]؛ قال أبو جعفر الطبري: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قُلْ يا محمد: لا يعتدل الرديء والجيد، والصالح والطالح، والمطيع والعاصي.
يقول: لا يعتدل العاصي والمطيع لله عند الله، ولو كثُر أهل المعاصي فعجِبتَ من كثرتهم؛ لأن أهل طاعة الله هم المفلحون الفائزون بثواب الله يوم القيامة وإن قلُّوا، دون أهل معصيته، وإن أهل معاصيه هم الأخسرون الخائبون وإن كثُروا.
ويقول الشيخ السعدي رحمه الله: أخبر سبحانه أن الفلاح متوقِّف على التقوى؛ التي هي موافقة الله في أمره ونهيِهِ، فمن اتَّقاه أفلَحَ كلَّ الفلاح، ومن ترك تقواه حصل له الخُسرانُ، وفاتته الأرباح.
فلا يستوي الخبيث والطيب من الأعمال؛ قال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ} [فصلت: 34].
ولا يستوي الخبيث والطيب من الأقوال؛ قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} [إبراهيم: 24 - 26].
ولا يستوي الخبيث والطيب من الأموال؛ فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله لا يقبل الصدقة إلا إذا كانت من مال طيِّبٍ، أما إن كانت من مال خبيث، فإنه لا يقبلها؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «ما تصدَّق عبدٌ بصدقة من مال طيب - ولا يقبل الله إلا الطيب - إلا أخذها الرحمن بيمينه»؛ (متفق عليه).
ولا يستوي الخبيث والطيب من الأطعمة والأشربة؛ فقد أحلَّ الله الطيبات، وحرَّم الخبائث؛ قال تعالى في وصف رسوله صلى الله عليه وسلم: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]؛ لأن تناول الخبائث من المآكل والمشارب له تأثير سيِّئ على القلب والبدن والسلوك؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى طيِّبٌ لا يقبل إلا طيِّبًا، وإن الله تعالى أمَرَ المؤمنين بما أمر به المرسلين؛ فقال تعالى» : {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون: 51]؛ الآية، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: 172]، ثم ذَكَرَ الرجل يُطيل السفرَ أشعثَ أغْبرَ، يمُدُّ يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِّي بالحرام، فأنى يُستجاب لذلك؟))؛ (رواه مسلم).
واعلم - أخي المسلم - أن مما يُعين على فعل الطاعات وتجنُّب الخبائث معرفةَ الله ومحبته ودعاءه، والنظر في سُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، فكلما أدمن العبد النظرَ في آيات الله مع التدبُّر والتفهم، امتلأ قلبه من حبِّه، ومعرفته، والإقبال عليه، فيزيد بذلك إيمانه ويقينه، وهذا يسهل عليه العبادة مهما بدت شاقة؛ ولهذا بذل الصالحون أرواحهم ومُهَجَهم في سبيل الله تعالى.
وكلما تأمل العبد في آيات الله الكونية، امتلأ قلبه تعظيمًا وإجلالًا لله، فيُعينه ذلك على ترك الخبائث وفعل الطاعات، وأيضًا كثرة قراءة القرآن الكريم، فالقلوب الطيبة حين يجيئُها الوحي، تقبله وتعلمه، وتنبُت بحسب طِيبِ أصلِها، وحُسْنِ عُنصرِها؛ قال تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} [الأعراف: 58].
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
__________________________________________
الكاتب: نورة سليمان عبدالله