موضوعات سورة البقرة

منذ 2024-11-01

سورة البقرة على طولها تتألف وحدتها من: مقدمة، وأربعة مقاصد، وخاتمة، على هذا الترتيب...

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .

أولًا:

فضل سورة البقرة

سورة البقرة من أعظم سور القرآن، ففي الحديث الشريف عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: 

«اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه. »

«اقرؤوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان - أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف - تحاجَّان عن أصحابهما» .

«اقرؤوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة »   [رواه مسلم (804)] .

ثانيًا:

تقسيمات سورة البقرة

سورة البقرة على طولها تتألف وحدتها من: مقدمة، وأربعة مقاصد، وخاتمة، على هذا الترتيب:

"المقدمة" في التعريف بشان هذا القرآن، وبيان أن ما فيه من الهداية قد بلغ حدًّا من الوضوح لا يتردد فيه ذو قلب سليم. وإنما يعرض عنه من لا قلب له، أو من كان في قلبه مرض.

"المقصد الأول" في دعوة الناس كافة إلى اعتناق الإسلام.

"المقصد الثاني" في دعوة أهل الكتاب دعوة خاصة إلى ترك باطلهم والدخول في هذا الدين الحق.

"المقصد الثالث" في عرض شرائع هذا الدين تفصيلًا.

"المقصد الرابع" ذكر الوازع والنازع الديني الذي يبعث على ملازمة تلك الشرائع وينهى عن مخالفتها.

"الخاتمة" في التعريف بالذين استجابوا لهذه الدعوة الشاملة لتلك المقاصد، وبيان ما يرجى لهم في آجلهم وعاجلهم.

وقد ذكر الله قصة نبوة ذلك النبي الأول آدم، لنعلم أن نبينا لم يكن بدعًا من الرسل، وأن أمر التشريع والنبوات أمر قديم يتصل بنشأة الإنسان.

وقد مهد لهذا البيان بذكر تاريخ تلك النشأة العجيبة وما جرى في شأنها من الحديث مع الملائكة، ذلك الحديث الدال على مزيد العناية الإلهية بهذا النوع البشري، إذ اختاره الله لخلافة الأرض، وآثره على سائر الخلق بفضيلة العلم، ليكون الامتنان بذلك جاريًا مع الامتنان بالنعم المذكورة في الركن الأول على أحسن نسق، ثم اتصل من هذا التفصيل إلى شرح ما نشأ عنه من حسد إبليس وعداوته القديمة للإنسان الأول ومخادعته إياه بوساوسه، وما انتهى إليه أمر الخادع والمخدوع من ابتلائهما وابتلاء ذريتهما بالتكاليف.

ذكر بني إسرائيل في سورة البقرة 

وفي السورة حديث عن "بني إسرائيل" في أربعة أقسام:

"القسم الأول" يذكر فيه سالفة اليهود منذ بعث فيهم موسى -عليهم السلام.

"القسم الثاني" يذكر فيه أحوال المعاصرين منهم للبعثة المحمدية.

"القسم الثالث" يذكر فيه أولية المسلمين منذ إبراهيم -عليه السلام.

"القسم الرابع" يذكر فيه حاضر المسلمين في وقت البعثة.

عرض سورة البقرة لتاريخ إبراهيم عليه السلام

وترى السورة في أثناء عرضها لتاريخ إبراهيم - عليه السلام - وإمامته للناس: لا ينسى أن يحكي كلماته التي دعا بها ربه أن يجعل من ذريته إمامًا للناس كما جعله هو.

ثم تراه حين يروي قيام إبراهيم وابنه إسماعيل ببناء البيت المعظم الذي جعله الله حرمًا آمنًا ومثابة للناس وقبلة لصلاتهم، لا ينسى أن يحكي تضرعهما إلى الله أن يجعل من ذريتهما أمة مسلمة وأن يبعث فيهم رسولًا منهم يعلمهم ويزكيهم.

ممهدًا بهذا وذاك لتقرير تلك الصلة التاريخية المتينة التي تربط هذا النبي وأمته، بذينك النبيين الجليلين؛ لا صلة النبوة النسبية فحسب، بل صلة المبدأ ورابطة الوحدة الدينية أيضًا، فهم من ذريتهما، ووجودهم تحقيق لقبول دعوتهم، وملتهم ملتهما؛ وقبلتهم قبلتهما، ومثابتهم في حجهم مثابتهما.

ومقررًا في الوقت نفسه انقطاع مثل هذه النسبة المشرفة عن اليهود الذين ينتسبون بالبنوة لإبراهيم ويعقوب، وهم عن ملتهما منحرفون ولوصيتهما مخالفون. فماذا يغني النسب عن الأدب؟ ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه.

وبعد أن ذكرت "السورة" أركان الدين كلها، وألمَّ بعناصره جميعها: الإيمان، والإسلام، والإحسان؛ لم يبق بعد تمام الحديث إلا طي صحيفته، وإعلان ختامه؟

ختام سورة البقرة

فهل تعرف كيف طويت صحيفة هذه السورة، وكيف أعلن ختامها؟

لنعد بذاكرتنا إلى الآيات الخمس التي افتتحت بها سورة البقرة؛ لنرى كيف تتجاوب تلك المقدمة مع هذه الخاتمة؛ ثم كيف يتعانق الطرفان هكذا، ليلتحم من قوسيهما سور محكم يحيط بهذه السورة، فإذا هي سورة حقًّا، أي بنية محبوكة مسورة..

ألم يكن مطلع السورة وعدًا كريمًا لمن سيؤمن بها ويطيع أمرها، بأنهم أهل الهدى وأهل الفلاح؟

ألسنا نترقب الآن صدى هذا الوعد؟ بلى؛ إننا ننتظر الآن أن تحدثنا السورة: هل آمن بها أحد، وهل اتبع هداها أحد، ثم ننتظر منها إن كان ذلك قد وقع، أن تحدثنا عن جزاء من استمع واتبع..

وهكذا سيكون مقطع السورة:

1- بلاغًا عن نجاح دعوتها: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ... وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا.

2- وفاءً بوعدها لكل نفس بذلت وسعها في اتباعها: لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ.

3- فتحًا لباب الأمل على مصراعيه أمام هؤلاء المهتدين. فليبسطوا إذًا أكفهم مبتهلين: "ربنا.. ربنا.. ربنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين".

وانظر تفصيل ذلك في "النبأ العظيم" د. محمد دراز (176 - 284).

ثالثًا:

وسورة البقرة فصلت في أحوال الناس: المؤمنون، والمنافقون، والكفار، وتوسعت في ذكر أحوال أهل الإيمان وما كلفهم الله به، والتنبيه على أضداد صفاتهم بذكر أحوال بني إسرائيل.

القول بأن سورة البقرة كانت للحديث عن ثلاثة خلفاء في الأرض تكلف لا حاجة له

على أنَّ ما ذكره السائل مما لا حاجة لمثله، وفيه من التكلف الزائد، بل القول على الله بلا علم، والجرأة على مقام أنبيائه ما لا يخفى على مسلم؛ فقول هذا المتكلف عن آدم، نبي الله الكريم، أبي البشر، عليه السلام: إن (نتيجة التكليف 50 %)، كذب محض، وقول على الله بلا علم، وسوء أدب مع أبينا آدم عليه السلام، وعقوق له؛ فمن لك بذلك القول الكاذب أن نتيجة اختباره كانت بهذه النسبة؛ فإن كان عند الناس: فيا سوء ما لقي آدم من ذريته وعقوقهم. وإن كان عند الله فما أكذب هذا القائل، وأشد جرأته على رب العالمين؛ فمن أين له ذلك، وقد قال الله تعالى عن نبيه آدم عليه السلام:   {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى}   [طه/122] . 

ثم إن إبراهيم عليه السلام: لم يكن له خلافة ولا ملك؛ فلا هو خليفة في الأرض خلافة عامة على الناس، كما كان أبوه آدم عليه السلام، ولا كان له ملك كملك داود وسليمان؛ إنه التكلف المحض، لأجل أن يرتب قولا في مخليته، وينمق كلاما أعجبه، وأعجبته نفسه في قوله!!

ثم بنو إسرائيل: لم تكن لهم أيضا خلافة عامة، ولا سلطان عام في الناس، ولا دولة قاهرة للخلائق. 

وإن أراد أنهم مستخلفون في أرضهم، وزمانهم، وأن إبراهيم عليه السلام كان مستخلفا، بمعنى أنه مرسل إلى الناس، مبتلى بمقام الرسالة وأعبائها، قائم على الناس بتبليغ دين الله إليهم؛ فهكذا كان عامة الأقوام، وهكذا كان عامة الأمة الأنبياء؛ فما وجه التخصيص ببني إسرائيل، أو بإبراهيم عليه السلام من الأنبياء والمرسلين؟

ثم ظهور الخلافة في مثل نوح عليه السلام: كان أظهر وأبين، فهو أبو الأنبياء بعد آدم، ومن ذريته تناسل أهل الأرض. 

إنه التكلف المحض، بلا معنى، ولا ضبط للكلام، ولا قاعدة تبين وجه ذكر ما ذكر، ولا ترك ما سكت عنه. 

وقد قال الله عز وجل لنبيه عليه السلام:  قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ  الصافات/86

وروى البخاري في صحيحه (7293) عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: { كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ: "نُهِينَا عَنِ التَّكَلُّفِ} ". 

والله أعلم.

  • 1
  • 0
  • 161
  • عبدالسلام الفرحان

      منذ
    وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ • لا بد للعبد من فتنة يعقبها الفرج من الله، أو يُقبض عليها صابرا محتسبا فيرفعه بها مولاه، وهذه هي حقيقة الدنيا دار امتحان واختبار، قبل الرحيل والمقر في دار القرار، ولم يكن لأحد أن يُرفع دون أن يُفتن، ولا أن يُمكَّن قبل أن يُبتلى، سنة الله في الأولين والآخرين. وما عُرف صدق العزم يوما باللسان، بل هو بالجوارح ليُثبت ما قيل ووقر في الجَنان، أما مجرد القول بغير عمل؛ فمذموم منقوص بل هو من علامات النفاق كما قال الله تعالى: { مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ }، وقال: { يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ }، ومن الناس من يعمل ويمتثل حال الرخاء والدعة، ووقت الشدة يرجع القهقرى قال تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ }، أو إذا لاقى أذية في سبيل الله تراجع وفر حتى إذا جاء النصر عاد يُذكِّر بما خلا ومضى من حاله الأول، قال تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ }. وأما طريق الصالحين فلا بد فيه من فتنة ثم تمكين قال تعالى: { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ }، وما كل ذلك إلا { لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ }، { وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ }، { وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ }. إذن، قد تصاب خيل المسير بكبوة في ميادين الجهاد والدعوة، وقد ينال صرحَ المؤمنين ما يناله، في مدار الفتنة والتمحيص قبيل التمكين، لكن سرعان ما تكمل الخيل مسيرها، ويكتمل الصرح ويشمخ البنيان، ولنا في سيرة النبي وصحابته الأسوة والقدوة، ولنا في الهجرة خير مثال، فخروج الرسول - ﷺ - من مكة إلى المدينة مع صاحبه الصديق متخفيا متسترا، وفكره يجول في مكة يسأل عن أحوالها ومن بقي فيها من أصحابه، تلاحقهم وتلاحقه الركاب والعيون، حتى لحقه أغلب الأصحاب، زادهم ما وقر في القلوب من الإيمان والتقوى؛ وهما العدة والزاد الأنفع، فكان في هجرته - ﷺ - وصحابته الصبر على الأذى والتعذيب وفراق الأهل وفقدان البيت والمال وغيرها من صنوف العذاب، ومع ذلك لم ييأس الصحابة مما أصابهم وما ضعفوا وما استكانوا، بل شيَّدوا بقيادة النبي - ﷺ - أعظم دولة عرفها التاريخ، بنوها على جماجمهم وسقوها دماءهم بعد أن أقاموا أصولها وقواعدها على التوحيد الخالص. وفي سيرته - ﷺ - القبسُ للمتأسي، إذ كان منارا لعلو الهمة لا يفتر ويقول: (لوددت أنّي أغزو في سبيل اللّه، فأقتل، ثمّ أغزو، فأقتل، ثمّ أغزو، فأقتل)، صادق العزيمة إذ قال: (لأقاتلنّهم على أمري هذا حتّى تنفرد سالفتي)، متوكلا على الله لم ييأس من رَوحه، يُطمئن من حوله بقوله: (واللّه ليتمّنّ هذا الأمر)، ثم ما لبث أن أعطى للتاريخ نوره الأسطع وعبيره الأزكى، في أكمل السير وأنفع الأثر على الإطلاق. ولم تقف وثبات الإسلام بعد النوازل عند ما سبق، فلا شك أن أشد مصاب حل بأمة الإسلام هو وفاة الرسول - ﷺ -، النبي المرسل والقائد المسدد؛ حيث اهتزت دولة الإسلام بعد وفاته واضطربت صفوف المسلمين وارتد أكثر العرب، مصيبة دهماء ونازلة كبرى ثبت لها أبو بكر رضي الله عنه، وثبّت من حوله وبث فيهم روح القتال وهيأهم للقادم موقنا بنصر الله وفرجه غير يائس من روح الله، ثم مضى بمعية الله ثم عزمات مَن سمعوا له وأطاعوا، ليفتح صفحة من الفتوح والأمجاد، كانت سببا في حفظ الإسلام وبقاء رايته خفاقة إلى يومنا. • مقتطف من افتتاحية صحيفة النبأ العدد "455" الخميس 4 صفر 1446 هـ

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً