شرح دعاء: وأذهب غيظ قلبي

منذ 2024-11-05

شرح دعاء"اللهم اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأعذني من مضلات الفتن"

 

 «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَأَذْهِبْ غَيْظَ قَلْبِي، وَأَعِذْنِي مِنْ مُضِلاتِ الْفِتَنِ»  ([1]).

المفردات:

الغيظ: أشد الغضب، وهو الحرارة التي يجدها الإنسان من فوران دم قلبه([2]).

جاء هذا الدعاء المبارك من النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة رضي اللَّه عنها، فعن محمد بن أبي بكر قال: (كانت عائشة رضي اللَّه عنها، إذا غضبت عرَّك النبي صلى الله عليه وسلم بأنفها ثم يقول: «(يا عويش! قولي: اللَّهم ربَّ محمد اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأجرني من مضلات الفتن)»  ([3]).

قوله: ( «اللَّهم ربَّ محمد» ): فيه توسل بربوبيته تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وهو تعالى ربّ كل شيء ومليكه؛ لعظم شأنه صلى الله عليه وسلم وأن التوسل بربوبيته له، أقرب للإجابة في حصول المطلوب، هذا الدعاء فيه طلب السلامة من أشد الشرور الظاهرة، والباطنة، في الدين والدنيا، والآخرة، فبدأ في سؤال اللَّه تعالى السلامة من أشدها فقال: (اللَّهم اغفر لي): سأل اللَّه تعالى المجاوزة عن الذنوب، وترك العقاب عليها، وهذا المطلب الجليل غالب في أدعية الكتاب والسنة؛ لأن الذنوب تورد العبد شر الموارد في الدنيا والآخرة، فكان في تقديم هذا المطلب أولى من غيره من المطالب، ثم شرع في سؤال اللَّه تعالى السلامة من أشد الشرور الباطنة.

فقال: ( «وأذهب غيظ قلبي» ): (أي شدة الغضب الذي يكون منشأه غليان دم القلب وفورانه لأمر يعرض على خلاف المراد)([4]).

سأل اللَّه تعالى أن يذهب الغيظ في القلب؛ لأنه منهك للنفس، متعب للقلب والبدن، فقد يتولّد منه الحقد، والكراهية، والبغضاء، والتعدي، والانتقام، وسوء المآل والحال، لهذا دعا اللَّه تبارك وتعالى العباد إلى إمساك النفس عند اعتراء الغيظ، قال تعالى: " {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاس} "([5]).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم  «(من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه اللَّه عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة، حتى يخيره من الحور العين ما شاء)» ([6]).

قوله: ( «وأعذني من مضلات الفتن» ): فيه استعاذة من مهلكات، ومعضلات الفتن الشديدة، الموقعة في الحيرة، والمفضية إلى الهلاك، التي تضيع من شدتها الدين، والدنيا والآخرة، فتضمّنت هذه الاستعاذة النجاة والسلامة من الوقوع بها.

دلّ هذا الدعاء المبارك على أهميته؛ حيث علّمه صلى الله عليه وسلم إلى أحب زوجاته، التي أبوها هو أحب أصحابه، فاعتنِ به في دعائك؛ فإن السلامة من الشرور فيها الهناء، والسعادة، والمنى.

([1]) مأخوذ من دعاء النبي (لعائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: (اللهمَّ اغفرْ لهَا ذنبَهَا، وأذْهبْ غَيْظَ قَلْبِهَا، وأعذْهَا منْ مُضِلاّت الفِتَنْ)) أخرجه ابن عساكر بإسناده في (الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين)، ص 85 عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وقال: (هذا حديث صحيح حسن، من حديث بقية بن الوليد)، وأخرجه ابن السني بنحوه في عمل اليوم والليلة، برقم 457، وفي نسخة أخرى لابن السني قال: (وأجرني من الشيطان) بدل: (من مضلات الفتن)، وانظر تخريجه عند الألباني في الضعيفة، برقم 4207.

وله شاهد عن أم سلمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عند أحمد، برقم 26576، 44/2 بنحوه، ولفظه: (قُولي اللَّهُمَّ رَبَّ مُحَمَّد النَّبِيِّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي، وَأذْهِبْ غَيْظَ، وَأجِرْنِي منْ مُضِلَّات الْفِتَنِ مَا أحَيْيَتْنَا)، وحسنه الهيثمي في مجمع الزوائد، 10/27، وهو عند عبد بن حميد،

ص 443، برقم 1534، والطبراني في المعجم الكبير، 23/338، برقم 785، والدعوات الكبير للبيهقي، 1/ 485، بدون لفظة: (ما أحييتنا).

وله شاهد عن أم هانئ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: يَا رَسُولَ الله عَلِّمْنِي دُعاءَ أدْعُو به، قَالَ: (قُولي: اللَّهُمَّ اغْفرْ لي ذَنْبِي...) الحديث، أخرجه الخرائطي في اعتلال القلوب، برقم 52، ومساوئ الأخلاق، برقم، 323.

([2]) الفتوحات الربانية، 3/702.

([3]) أخرجه ابن السني، 456، قال محققه: (إسناده حسن).

([4]) الفتوحات الربانية 3/278.

([5]) سورة آل عمران، الآية: 134.

([6]) أخرجه أبو داود، أول كتاب الأدب، باب من كظم غيظاَ، برقم 4777، والترمذي، كتاب صفة القيامة والرقائق، باب حدثنا عبد بن حميد، برقم 2493، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب الحلم، برقم 4186، وأحمد، 24/ 398، برقم 15637، والطبراني في الكبير، 20/189، برقم 417، وفي الصغير، 2/250، برقم 1112، والبيهقي، 8/161، برقم 16422، وأبو يعلى، برقم 1497، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه، برقم 4176، وصحيح الترغيب والترهيب، برقم 2753.

  • 3
  • 0
  • 175
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    سلف معطلي الجهاد • لقد طرق المنافقون قديما باب المصالح والمفاسد، واتخذوه مدخلا لتبرير إعراضهم عن أحكام الشريعة الربانية، ولمّا كان هذا الصنف في كل زمان نزلت فيهم الآيات لتفضحهم إلى يوم القيامة، قال سبحانه: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ۝٦١ فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا}، فهم يحلفون بالله أنهم أرادوا المصلحة حين صدوا عن حكم الله تعالى ورسوله! وهم في ذلك كاذبون قطعا، وإلا لو صدقوا أنفسهم لصرحوا أنهم لا يريدون العمل بمقتضى الوحيين، وأنهم يرون ما هم عليه من الآراء والأهواء أنسب وأصلح، إلا أنهم وجدوا "الإحسان والتوفيق" لافتةَ مصلحةٍ يحاولون تقديمها مبررا للإعراض عن حكم الله. ولقد أنكر الله تعالى على من أراد الهروب وقت الشدة يوم الخندق، وحاول تبرير هروبه بالمصلحة والمفسدة، فقال تعالى: {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ۖ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا}، فقدموا هذا المبرر المفضوح الذي يتلخص في أن مقامهم في بيوتهم لحمايتها أصلح من مقامهم مع رسول الله ﷺ في الميدان أمام أهل الكفر، فأنزل الله هذه الآية تنبيها على خطورة هذه الاجتهادات بين يدي الشرع. • افتتاحية النبأ "وهو خير لكم" ٤٤٦

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً