التحذير من الحسد

منذ 2024-11-07

إن الـحسد هو مرض العصر الحاضر، وهو من أمراض القلوب الخطيرة، وهو سبب لضياع الدين والدنيا معًا

الـحمد لله الذي له ملك السماوات والأرض، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله ربُّه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا.

 

إن الـحسد هو مرض العصر الحاضر، وهو من أمراض القلوب الخطيرة، وهو سبب لضياع الدين والدنيا معًا، فأقول وبالله سبحانه وتعالى التوفيق:

التحذير من الحسد في القرآن:

(1) قال الله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 109].

 

• روى ابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما حسدَتْكم اليهودُ على شيء، ما حسدَتْكم على السلام والتأمين»؛ (حديث صحيح) (صحيح ابن ماجه للألباني، حديث: 697).

 

(2) قال الله سبحانه: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} [النساء: 54].

 

• قال عبدالله بن عباس، رضي الله عنهما: اليهود حسدوا النبي صلى الله عليه وسلم، على النبوة وأصحابه على الإيمان به؛ (تفسير القرطبي، جـ5، صـ252).

 

(3) قال الله سبحانه وتعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 1 - 5].

 

نبي الله يعقوب صلى الله عليه وسلم يخاف من الحسد:

• قال الله سبحانه حكايةً عن نبيِّه يعقوب صلى الله عليه وسلم: {وَقَالَ يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [يوسف: 67].

 

قال الإمام ابن كثير رحمه الله:

يقول تعالى، إخبارًا عن يعقوب، عليه السلام: إنه أمَرَ بنيه لما جهَّزهم مع أخيهم بنيامين إلى مصر، ألا يدخلوا كلهم من باب واحد، وليدخلوا من أبواب متفرقة، فإنه كما قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: إنه خشي عليهم العين، وذلك أنهم كانوا ذوي جمال وهيئة حسنة، ومنظر وبهاء، فخشي عليهم أن يصيبهم الناس بعيونهم؛ فإن العين حق؛ (تفسير ابن كثير، جـ4، صـ 400).

 

نبينا صلى الله عليه وسلم يحذِّرنا من شر الحسد:

(1) روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحل لـمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ»؛ (البخاري، حديث 6076).

 

(2) روى ابن ماجه عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أفضل؟ قال: «كل مخموم القلب، صدوق اللسان»، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مـخموم القلب؟ قال: «هو التقيُّ النقيُّ، لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غل، ولا حسد»؛ (حديث صحيح) (صحيح ابن ماجه للألباني، حديث: 3397).

 

(3) روى النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يجتمعان في قلب عبد: الإيمان والحسد»؛ (حديث حسن) (صحيح سنن النسائي للألباني، حديث 2912).

 

(4) روى الطبراني عن ضمرة بن ثعلبة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا»؛ (حديث صحيح) (السلسلة الصحيحة للألباني، حديث: 3386).

 

(5) روى الترمذي عن الزبير بن العوام رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دَبَّ إليكم داءُ الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء هي الـحالقة، لا أقول تـحلق الشعر ولكن تحلق الدين»؛ (حديث حسن) (صحيح الترمذي للألباني، حديث 2038).

 

أقوال العلماء في الحسد:

سوف نذكر بعضًا من أقوال السلف الصالح في الحسد:

(1) قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما كانت نعمة الله على أحد إلا وَجَدَ لها حاسدًا؛ (أدب الدنيا والدين للماوردي، صـ271).

 

(2) قال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما: كل الناس أقدر على رضاه إلا حاسد نعمة، فإنه لا يرضيه إلا زوالها؛ (الزواجر للهيتمي، جـ1، صـ93).

 

(3) قال الحسن البصري رحمه الله: يا بن آدم، لا تحسد أخاك، فإن كان الذي أعطاه الله لكرامته عليه فلا تحسد من أكرمه الله تعالى، وإن كان لغير ذلك فلِمَ تحسد من مصيره إلى النار؛ (تنبيه الغافلين للسمرقندي، صـ179).

 

(4) قال محمد بن سيرين رحمه الله: الحسد من أخلاق اللئام، وتركه من أفعال الكرام، ولكل حريق مطفئ، ونار الحسد لا تطفأ؛ (روضة العقلاء، محمد بن حبان، صـ 134).

 

(5) قال عبدالله بن الـمعتز رحمه الله: الحسد داء الجسد؛ (أدب الدنيا والدين للماوردي، صـ 273).

 

(6) قال ابن حبان رحمه الله: من الحسد يتولَّد الحقد، والحقد أصل الشر؛ (روضة العقلاء، محمد بن حبان، صـ 134).

 

صفات الحاسد:

• قال وهب بن منبه رحمه الله: للحاسد ثلاث علامات: يتملق إذا شهد، ويغتاب إذا غاب، ويشمت بالـمصيبة؛ (حلية الأولياء للأصبهاني، جـ10، صـ 47).

 

• (التملق): هو شدة التلَطُّف في الكلام عند اللقاء.

 

• قال الجاحظ رحمه الله: ما لقيت حاسدًا قط إلا تبيَّن لك مكنونه بتغيُّر لونه وتخوص عينه، وإخفاء سلامه، والإقبال على غيرك، والإعراض عنك، والاستثقال لحديثك، والخلاف لرأيك؛ (الرسائل للجاحظ، جـ3، صـ 8).

 

أسباب الحسد:

للحسد أسباب كثيرة، نستطيع أن نوجزها في الأمور التالية:

(1) العداوة والبغضاء، وهذا أشد أسباب الحسد.

(2) التعزز، وهو أن يثقل على الإنسان أن يترفع عليه غيره.

(3) حب الرياسة وطلب الجاه، بأن يكون الإنسان منفردًا عديم النظر، غير مشارك في المنزلة، يسوءه وجود مناظر له في المنزلة.

(4) خبث النفس وشحها بالخير لعباد الله، بحيث يشق عليه أن يوصف عنده حسن حال عبد فيما أنعم عليه؛ (الإحياء للغزالي، جـ3، صـ 299: 302).

 

الـمؤمن لا يحسد أحدًا على النعمة:

من صفات عباد الرحمن أنهم لا يحسدون أحدًا على نعمة أنعم الله تعالى بها عليه.

 

• قال تعالى عن الأنصار: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9].

 

قال الإمام ابن كثير رحمه الله:

قوله تعالى: {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا}؛ أي: لا يـجد الأنصار في أنفسهم حسدًا للمهاجرين فيما فَضَّلهم الله به من المنزلة والشرف، والتقديم في الذكر والرتبة.

 

• قال الحسن البصري رحمه الله: {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً} يعني: الحسد؛ (تفسير ابن كثير، جـ 13، صـ489).

 

نماذج من الحسد:

(1) حسد إبليس لآدم صلى الله عليه وسلم:

قال الله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا * قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا * قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا} [الإسراء: 61 - 63].

 

قال قتادة رحمه الله: حسد عدوُّ اللهِ إبليس آدمَ عليه السلام على ما أعطاه الله من الكرامة، وقال: أنا ناري وهذا طيني؛ (تفسير ابن كثير، جـ 1، صـ: 139).

 

(2) حسد قابيل لأخيه هابيل:

قال الله سبحانه وتعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة: 27 - 30]

 

• قال الإمام ابن كثير رحمه الله: يقول تعالى مبينًا وخيم عاقبة البغي والحسد والظلم في خبر ابني آدم لصلبه، وهما هابيل وقابيل، كيف عدا أحدهما على الآخر، فقتله بغيًا عليه وحسدًا له، فيما وهبه الله من النعمة، وتقبل القربان الذي أخلص فيه لله عز وجل، ففاز المقتول بوضع الآثام والدخول إلى الجنة، وخاب القاتل ورجع بالصفقة الخاسرة في الدنيا والآخرة؟ (تفسير ابن كثير، جـ5، صـ160).

 

(3) حسد إخوة يوسف صلى الله عليه وسلم له:

قال الله سبحانه وتعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ * إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ} [يوسف: 7 - 9].

 

• قال الإمام الماوردي رحمه الله: قوله عز وجل: {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا} وأخوه بنيامين، وهما أخوان لأب وأم، وكان يعقوب قد كلف بهما لموت أمهما، وزاد في المراعاة لهما، فذلك سبب حسدهم لهما، وكان شديد الحب ليوسف، فكان الحسد له أكثر، ثم رأى الرؤيا، فصار الحسد له أشد؛ (تفسير الماوردي، جـ3، صـ 9).

 

الحسد بالعين حق:

معنى العين: العين: نظر باستحسان مخلوط بحسد من خبيث الطبع يحصل للمنظور منه ضرر؛ (فتح الباري للعسقلاني، جـ10، صـ210).

 

الحسد بالعين ثابت بالقرآن الكريم والسنة النبوية المباركة:

• قال الله تعالى: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ • وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [القلم: 51، 52].

 

قال الإمام ابن كثير رحمه الله:

قوله: {لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ}؛ أي: ليعينونك بأبصارهم، بمعنى: يحسدونك لبغضهم إياك لولا وقاية الله لك، وحمايته إياك منهم. وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق، بأمر الله عز وجل، كما وردت بذلك الأحاديث المروية من طرق متعددة كثيرة؛ (تفسير ابن كثير، جـ14، صـ102).

 

روى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا»؛ (مسلم، حديث 2188).

 

• روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم، يعوذ الحسن والحسين، ويقول: إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التامَّة من كل شيطان وهامَّة، ومن كل عين لامَّة؛ (البخاري، حديث 3371).

 

• قوله: وهامَّة؛ أي: كل دابَّة ذات سم يقتل، والجمع هوام.

 

• قوله: كل عين لامَّة؛ أي: من كل عين تصيب بسوء، وجامعة للشر على الشخص الـمعيون. يقال: لـَمَّه إذا جمعه؛ (فتح الباري للعسقلاني، جـ6، صـ 410).

 

• روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يأمرها أن تسترقي من العين؛ (مسلم، حديث 2195).

 

روى مسلم عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما لي أرى أجسام بني أخي ضارعةً (ضعيفة) تصيبهم الحاجة»؟ قالت: لا ولكن العين تسرع إليهم، قال: «ارقيهم»، قالت: فعرضت عليه، فقال: «ارقيهم»؛ (مسلم، حديث 2198).

 

قولها: فعرضت عليه: عرضْتُ على النبي صلى الله عليه وسلم الرقية التي أردْتُ أن أرقيَهم بها.

 

ما هو الفرق بين الحاسد والعائن؟

الحاسد والعائن يشتركان في الأثر، وهو أن كلًّا منهما يقع منه الضرر، ويختلفان في الوسيلة، فالعائن مصدر حسده العين، والحاسد مصدر حسده القلب حيث يتمَنَّى زوال النعمة عن الغير؛ (بدائع الفوائد لابن القيم، جـ2، صـ231).

 

كيف نتجنب حسد العين:

يـجب على المسلم الذي يريد أن يتجنب الحسد عن طريق العين أن يبتعد عن مواجهة الإنسان المعروف بحسد العين وستر الشيء الذي يخاف عليه الحسد؛ (زاد المعاد لابن القيم، جـ4، صـ 173).

 

وسائل علاج حسد العين:

إذا تأكدنا أن أحد الناس حسد آخر بالعين، فإننا نطلب من الحاسد بطريقة ذكية، وأسلوب لطيف أن يتوضأ في إناء ثم نأخذ هذا الماء ونصبُّه على رأس وظهر الـمحسود من خلفه، فيبرأ بإذن الله سبحانه وتعالى؛ (التمهيد لابن عبدالبر، جـ9، صـ352).

 

• روى أحمد عن سهل بن حنيف رضي الله عنه، (عندما نظر عامر بن ربيعة إلى سهل فحسده) قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عامرًا فتغَيَّظ عليه، وقال: علامَ يقتل أحدُكم أخاه، هلَّا إذا رأيت ما يعجبك بَرَّكْت، ثم قال له: اغتسل له، فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح، ثمَّ صَبَّ ذلك الماء عليه، يصبه رجل على رأسه وظهره من خلفه، يُكْفِئ القدح وراءه، ففعل به ذلك، فراح سهل مع الناس ليس به بأس؛ (حديث صحيح) (مسند أحمد، جـ25، صـ 355، حديث: 15980).

 

• روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يؤمر بالعائن فيتوضأ ثم يغتسل منه الـمعين؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني، حديث 3286).

 

الرقية الشرعية من الحسد:

إذا أصاب الحسد أحد المسلمين، فإنه يستطيع أن يعالج نفسه، أو يعالجه مسلم آخر بالرقية الثابتة من القرآن الكريم وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويجب عليه أن يعتقد أن هذه الرقية لا تأثير لها إلا بإذن الله تعالى وحده، وعلى المسلم أن يعلم كذلك أنه لا علاج للحسد الذي أصابه إلا بالقرآن الكريم والسنة النبوية.

 

 

ماذا يقول الشخص الـمحسود؟

• يقرأ الـمحسود على نفسه الـمعوِّذات: وهي: سورة: (قل هو الله أحد) وسورة: (قل أعوذ برب الفلق) وسورة: (قل أعوذ برب الناس)؛ (فتح الباري للعسقلاني، جـ9، صـ 62).

 

• (أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه، وشر عباده، ومن همزات الشياطين، وأن يحضرون)؛ (صحيح أبي داود للألباني، حديث 3294).

 

• (أعوذ بكلمات الله التامَّات من شر ما خلق)؛ (مسلم، حديث 2708).

 

• (أعوذ بكلمات الله التامَّة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامَّة)؛ (البخاري، حديث 3371).

 

يقول المسلم الـمعالـج للشخص للمحسود:

• (باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك، باسم الله أرقيك) (مسلم، حديث 2186).

 

• (اللهم رب الناس، أذهب الباس، اشفه وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقمًا)؛ (البخاري، حديث: 5743).

 

• (امسح الباس رب الناس، بيدك الشفاء، لا كاشف له إلا أنت)؛ (البخاري، حديث: 5744).

 

• (باسم الله يبريك، ومن كل داء يشفيك، ومن شر حاسد إذا حسد، وشر كل ذي عين)؛ (مسلم، حديث 2185).

 

• (أسأل الله العظيم، رب العرش العظيم أن يشفيك) (سبع مرات)؛ (حديث صحيح) (مسند أحمد، جـ4، صـ40، حديث2137)

 

أسأل الله تعالى بأسمائه الـحسنى وصفاته العُلا أن يـجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به طلاب العلم الكرام.

 

وآخر دعوانا أن الـحمد لله رب العالـمين، وصلى الله وسلم على نبينا مـحمد، وآله، وأصحابه، والتابعين لـهم بإحسان إلى يوم الدين.

____________________________________________________
الكاتب: الشيخ صلاح نجيب الدق

  • 4
  • 1
  • 216
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض - إلّا ليعبدون (5) • إنّ من أكثر الأمور التي تدفع المجاهد لإخلاص نيّته في جهاده، وتصحيح غايته إلى أن تكون كلمة الله هي العليا، هو التذكير الدائم بالثمرة الوحيدة والغنيمة الكبرى التي يحرص أن لا تفوته في جهاده، ألا وهي الجنّة. وبمقدار انحراف قلب المجاهد عن هذه الغاية، يحدث الانحراف في نفسه وفي سلوكه بل وحتّى في غاية جهاده، لأنّه إن نقص في قلبه حب الجنّة والشوق إليها والحرص على تحصيلها، فلا شكّ أنّه سيملأ مكان هذا الحرص المحمود حرص من نوع آخر؛ هو حرص على الدنيا وزينتها، لذا على المجاهد أن يحرص كل الحرص أن يبقى قلبه متعلّقاً بطلب الجنة، ليبقى متعلقاً بالصراط المستقيم الذي يوصله إليها، فتراه يسأل نفسه عند كل سبيل تعرُض له: أهذه السبيل تؤدّي بي إلى الجنّة؟ فيندم على كل معصية اقترفها، وكل خير فاته بمقدار ما يظنّ أنّهما ستحددان من درجته في الجنّة لعلمه (إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض) [رواه البخاري]، فطالما أن المجاهد في سبيل الله قد عرض أغلى ما يملكه ليبلغ الجنّة، فإن من الخيبة ألّا يطلب عالي الدرجات ثمناً لأغلى الممتلكات، كما قال الشاعر: إذا غامرت في شرفٍ مرومٍ ※ فلا تطمع بما دون النجومِ فطعم الموت في أمرٍ حقيرٍ ※ كطعم الموت في أمرٍ عظيمِ وعلى هذا كانت سنّة النبي - صلّى الله عليه وسلم - في تحريض أصحابه على الجهاد والقتال، سواء كان التحريض على الهجوم واقتحام صفوف العدو وطلب النكاية فيهم، أو كان للدعوة إلى الثبات والاستبسال في الدفاع عن الحرمات والذود عن الحياض، ويمكننا أن نضرب على ذلك مثالين من سيرته صلى الله عليه وسلم: الأول في غزوة بدر حيث كانت صيحة التحريض التي أطلقها النبي - عليه الصلاة والسلام - لأصحابه ليبدؤوا هجومهم "قوموا إلى جنّة عرضها السموات والأرض"، فأشعلت في قلوبهم جمرة لم تنطفئ نارها إلّا وهم قتلى، يستبطئون الدقائق التي تفصلهم عن هذه الجنّة، (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قوموا إلى جنّة عرضها السّموات والأرض»، قال يقول عمير بن الحمام الأنصاري يا رسول الله جنّة عرضها السّماوات والأرض قال «نعم»، قال بخٍ بخٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يحملك على قولك بخٍ بخٍ»، قال لا و الله يا رسول الله إلّا رجاءة أن أكون من أهلها، قال: «إنّك من أهلها». فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهنّ، ثمّ قال: لئن أنا حييت حتّى آكل تمراتي هذه إنّها لحياة طويلة - قال - فرمى بما كان معه من التّمر، ثمّ قاتلهم حتّى قتل) [رواه مسلم]. والمثال الثاني في غزوة أُحُد، لمّا اشتد الخطب على المسلمين، وبلغت القلوب الحناجر، وكاد المشركون أن تطال أيديهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأراد الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أن يحرّض المجاهدين على ردّ الم⇐شركين عنهم، فلم يزد أن ذكرهم بما لهم إن فعلوا ذلك؛ وهو الجنّة، (عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش، فلمّا رهقوه قال: «من يردّهم عنّا وله الجنّة أو هو رفيقي في الجنّة؟»، فتقدّم رجل من الأنصار فقاتل حتّى قتل، ثمّ رهقوه أيضا فقال: «من يردّهم عنّا وله الجنّة أو هو رفيقي في الجنّة؟»، فتقدّم رجل من الأنصار فقاتل حتّى قتل فلم يزل كذلك حتّى قتل السّبعة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصاحبيه: «ما أنصفنا أصحابنا») [رواه مسلم]. هذه الاستجابة الفريدة من الصحابة للتحريض على الجهاد، التي بلغت حدّ أن يستبطئ أحدهم المدّة القليلة التي سيقضيها في تناول التمرات، فيعتبرها فترة طويلة تفصله عن الجنّة إن بقي على قيد الحياة حتى يقضيها، وأن يندفع سبعة من المجاهدين في إثر بعضهم، وكلٌ منهم يرى أو يعرف مصرع من استجاب لتحريض النبي عليه الصلاة والسلام قبله، فلا يثنيه ذلك عن أن يقتل بعده، وهكذا حتى يهلكوا جميعهم، هذه الاستجابة لم تكن - ولا شك - وليدة اللحظة، بل هي نتيجة الارتباط الدائم في الذهن بين العمل الصالح وجزائه، واليقين بأن أعظم ما يناله المسلم لقاء عمله الصالح هو الجنّة، وأن حياته كلّها ما هي إلّا وسيلة لبلوغ الجنّة، فإن بذلها في أي لحظة من اللحظات وهو يعرف أنّه سينال ما تمنّى فقد حقّق غاية مراده من جهاده. مقتطف من افتتاحية صحيفة النبأ – العدد (3) السنة السابعة - السبت 17 محرم 1437 هـ
  • الطير

      منذ
    موضوع جدا جميل جزاك الله خيرً

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً