{ ضربت عليهم الذلة }

منذ 2024-11-08

ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ

{بسم الله الرحمن الرحيم

 

{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (112) }

{{ضُرِبَتْ}} لم يبين الضارب ولكنه معلوم وهو «الله» عز وجل، فأبهمه للعلم به كقوله تعالى: {{وَخُلِقَ الإنسَانُ ضَعِيفًا}} [النساء:۲۸] مع أن الله هو الذي خلقه، ولكن من طريقة القرآن أن الأشياء غير المرغوبة يعبر الله عنها بصيغة الفعل المبني للمجهول، بخلاف الأشياء المرغوبة فيعبر عنها باسم الفاعل كقوله تعالى: {{وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً}} [الجن:١٠]

فالذي ضربها هو الله عز وجل، وسمى ذلك ضرباً كالضرب على النقود الذي يبقى منطبعاً لا يزول بمسح الأيدي، فكأن هذه الذلة مطبوعة عليهم لا يمكن أن تتغير.

وقيل: هي جملة بيانية لذكر حال شديد من شقائهم في الدنيا. ومعنى ضرب الذلة اتصالها بهم وأحاطتها، ففيه استعارة مكنية شبهت الذلة، وهي أمر معقول، بقبة أو خيمة شملتهم، وشبه اتصالها وثباتها بضرب القبة وشدة أطنابها.

{{عَلَيْهِمُ}} اليهود والنصارى {{الذِّلَّةُ}} الذِّلَّةُ هنا بمعنى الإهانة، أي: أن الله تعالى أهانهم، وهي تختلف عن الذُل لأنها تدل على ذلة معينة مخصوصة فهذه الذلة -والعياذ بالله- لا تخرج من قلوبهم.

أي: أحاطت بهم الذلة كما يحيط السرادق بمن فيه، وكما تحيط القبة بما في داخلها، فهم في نشاطهم وحركتهم في ذلة، لَا ينتقلون من ذل إلا إلى ذل.

{ {أَيْنَ مَا}} ظرف مكان تدل أيضاً على عموم الأمكنة، ويؤكد عمومها «ما» الزائدة.

{{ثُقِفُواْ} } وجدوا، وأينما كانوا.. كما في قوله تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [البقرة:١٩١] يعني حيث وجدتموهم.

فأينما وجدوا جماعات ووحدانًا، فجماعاتهم في ذلة، وآحادهم في جبن، ذلك بأنهم فقدوا الإيمان بالله، والاعتزاز بعزته، فاعتمدوا على عزة من الناس، ومن اعتمد على أن يستمد عزته من غير الله فهو الذليل، فأولئك الذين فقدوا الإذعان لأحكام الله تعالى قد استعانوا بغير الله فحقت عليهم كلمة الذلة.

{{إِلاَّ}} استثناء منقطع ليس من الأول، لأن الذلة لا تفارقهم، لكن اعتصامهم بحبل من الله وحبل من الناس ينجيهم من القتل والأسر وسبي الذراري واستئصال أموالهم.

وذهب الزمخشري وغيره إلى أنه استثناء متصل. قال: "وهو استثناء من أعم عام الأحوال"، والمعنى : ضربت عليهم الذلة في عامة الأحوال إلا في حال اعتصامهم بحبل من الله وحبل من الناس، يعني: ذمة الله وذمة المسلمين. أي لا عز لهم قط إلا هذه الواحدة، وهي التجاؤهم إلى الذمة لما قبلوه من الجزية.

{{بِحَبْلٍ}} بسبب { {مِّنْ اللّهِ} } أي: بعهد وبذمَّة، يعني أن يكونوا من أهل الذمة وذلك أن الإسلام يحمي أهل الذمة ويدافع عنهم، ولهذا يجب علينا بالنسبة لأهل الذمة حمايتهم ممن يعتدي عليهم في مال أو دم أو عرض؛ لأنهم تحت رعايتنا وهم يبذلون لنا الجزية ما لم ينقضوا الذمة، فإن نقضوا الذمة فإنهم يعودون كالحربيين يُقتلون لانتقاض عهدهم.

والحبل معناه في أصل اللغة: ما يربط بين شيئين، ويطلق على العهد، وقد فسره جمهور المفسرين هنا بهذا المعنى وهو «العهد»، فالمعنى لا ترفع الذلة عن هؤلاء اليهود إلا بعهد من الله تعالى، وذلك العهد هو «عقد الجزية» الذي يربط بينهم وبين المسلمين، فهو حبل من الله تعالى يصلهم بأهل الإيمان إذ هي بأمر الله تعالى، والوفاء بها وفاء بعهد الله ورسوله، إذ يقول سبحانه: {{وَأَوْفُوا بِعَهْد اللَّه إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كفِيلًا. . .}} [النحل:91].

فالجزية حبل يربطهم بالمؤمنين؛ إذ يكونون بهذا العهد بين المسلمين، ترعى حقوقهم وتحفظ أموالهم ودماؤهم، ويكون لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم.

وهذا تفسير حسن، وهو مشتق من قواعد الإسلام ذاتها وأحكامه المقررة الثابتة، ولكن يلاحظ أن الله سبحانه قرر في الاستثناء أن حبل العزة هو حبل من الناس، ولم يذكر أنه حبل من المؤمنين، بل قال:

{{وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ}} أي: أمانٌ منهم ولهم. ولذلك يصح أن يفسره بما هو أعم من الجزية، فإن حبل الناس أوسع من معنى الجزية، وإن ذلك يفسره بعض الوقائع التي تجري في العصور الأخيرة، فقد كانت لهم عزة وقتية بسبب اتصالهم ببعض الناس، وتخاذل المسلمين عن الأخذ بحكم الكتاب والسنة والهدْي الإسلامي.

ومعلوم أنه إذا صلح اللفظ للعموم فإن الأولى أن يبقى على عمومه، فيكون المراد بالحبل من الناس أي مساعدة منهم وحماية كالعهد والأمان والنصرة والولاية وما أشبهها.

والعهد: هو الذي يجري بين المسلمين وبين الكفار فيحصل بينهم عهد أن لا يعتدي أحد على أحد وأن تبقى هدنة كما حصل في غزوة الحديبية، وهو لا يكون إلا بين أهل الحل والعقد يعني بين الإمام أو قائد الجيش أو ما أشبه ذلك.

أما الأمان: فهو أن يدخل رجل من المشركين أو من اليهود والنصارى بأمان من أحد من المسلمين يؤمنه، وهو يصح من كل واحد من المسلمين؛ لحديث أم هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ: «ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ قَالَتْ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: (مَنْ هَذِهِ؟) فَقُلْتُ أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ. فَقَالَ: (مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ) فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ ابْنُ أُمِّي أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ فُلَانَ ابْنَ هُبَيْرَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ) قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: وَذَاكَ ضُحًى» [البخاري]

** وفيه أن الناس قد ينصر بعضهم بعضاً بالباطل، وهذا الواقع المحسوس أن من الناس من ينصر غيره بالباطل؛ لأن الناس ليسوا كلهم أهل عدل بل فيهم أهل الجور وأهل العدوان الذين يساعدون أهل العدوان.

{{وَبَآؤُوا}} أي رجعوا، وأصله في اللغة أنه لزمهم، أي: أُلزموا، ومنه قوله تعالى: {{وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ}} [الحشر:٩] أي سكنوها، فهذه المادة (الباء، والألف والهمزة) تدل على الرجوع والاستقرار، والمعنى أنهم رجعوا بغضب من الله أي مصطحبين للغضب.

{{بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ}} مستوجبين غضب من الله، وهم يستحقونه، والتنكيرُ للتفخيم والتهويل و «من» للابتداء متعلقةٌ بمحذوف وقع صفةً لغضب مؤكدةً لما أفاده التنكيرُ من الفخامة والهول، أي: كائنٍ وصادر من الله عز وجل.

** والغضب: صفة انفعالية لا فعلية، والفرق بين الانفعالي والفعلي أن الفعلي يكون باختيار الإنسان وبالجوارح الظاهرة كالبطش مثلاً، والانفعالي يكون بغير اختيار الإنسان وهو من القوى الباطنة؛ ولهذا تأتي للإنسان بغير اختياره، يستثيره أحد من الناس فيغضب، ويحمر وجهه، وتنتفخ أوداجه، ويقف شعره وربما يقتل مَنْ أمامه، وربما يطلق نساءه، وربما ينتحر أيضاً، نسأل الله العافية.

وهو كما قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «(أَلاَ وَإِنَّ الغَضَبَ جَمْرَةٌ فِي قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، أَمَا رَأَيْتُمْ إِلَى حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ وَانْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ)» [الترمذي]

هذابالنسبة لغضب الإنسان الآدمي البشر، أما غضب الله عز وجل فهو صفة من صفاته التي يجب إثباتها له على الوجه اللائق به جل وعلا، فهو سبحانه وتعالى يغضب ويرضى ويسخط ويكره ويحب، وكل هذه الصفات ثابتة الله تعالى على الوجه الذي يليق به جل وعلا.

** وهذه الآية مما يؤيد القول بأن المراد بقوله: {{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ}} اليهود لأنهم هم المغضوب عليهم.

وربما يقول قائل: إنها أعم من أن يكون الغضب صادر من الله، بل بغضب من تقدير الله، وعلى هذا تكون «من» للسببية ويكون المراد بالغضب غضب الله وغضب غيره، وهذا هو السر في قوله: {{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}} [الفاتحة:٧] ولم يقل: (غير الذين غضبت عليهم) لأن هؤلاء مغضوب عليهم من قِبل الله ومن قِبل أولياء الله .

{{وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ}} الفقر، مشتقة من اسم المسكين وهو الفقير، ولعل اشتقاقه من السكون وهو سكون رمزي أطلق على قلة الحيلة في العيش.

أي: أُلزِموا المسكنة قَدراً وشَرْعاً، فالله تعالى قدَّر عليهم الإذلال بسبب كفرهم وفسادهم، وحكم به عليهم شرعاً بما ضربه عليهم من الجزية.

والمسكنة ضعف نفسي، وصغار ينال القلب، فيستصغر الشخص نفسه، ويحس بهوانها مهما تكن لديه أسباب القوة متوافرة متضافرة، والفرق بينها وبين الذِّلة أن الذِّلة هوان تجيء أسبابه من الخارج بأن يكون بفرض من قوى، أو يكون نتيجة انهزام حربي، أما المسكنة فهي هوان ينشأ من النفس لعدم إيمانها بالحق، واتباعها للمادة، وإن توارث الذلة قرونا طويلة يورث هذه المسكنة.

فبواء اليهود والنصارى بغضب الله، وضرب المسكنة عليهم، لَا استثناء فيه، بل هو أمر مستمر إلى يوم القيامة ما داموا على حالهم، ولا يغرنك ما عند النصارى وتقلبهم في البلاد، بل انظر إليهم إن أصابت فريقا منهم هزيمة فإنهم يخرون للأذقان يبكون صاغرين، مما يدل على أن المسكنة في طبيعتهم؛ إذ عزة الحق قد فارقتهم.

وقيل: المسكنة هي الفقر، فهم أذلاء ليس عندهم شجاعة، فقراء ليس عندهم غنى، ولكن يجب أن نعلم أن الغنى ليس كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس والقلب، فهؤلاء قد ضربت عليهم المسكنة فهم دائماً في فقر حتى لو حصل الإنسان منهم ملايين الملايين فهم في فقر، ولذلك حتى الآن نجد أن اليهود أحرص الناس على المال، وأنهم لا يمكن أن يبذلوا فلساً إلا وهم يؤملون أن يحصلوا درهماً، ولا يبذلون درهماً إلا ويؤملون أن يحصلوا ديناراً، وهذه حالهم، ومن ثم صاروا من أغنياء العالم إن لم نقل هم أغنى أغنياء العالم، لكنهم أغنى العالم بكثرة العرض لا بالقلب والنفس، فهم أشد الناس فقراً.

 

** والذلة التي ضربها الله على اليهود تشمل الذلة القدرية التي قدَّرها الله عليهم، والذلة الشرعية، بمعنى أن الله تعالى أمرنا بإذلالهم، بضرب الجزية عليهم .

قال الطبري رحمه الله:«الذلة» هي الصغار الذي أمر الله -جل ثناؤه- عبادَه المؤمنين أن لا يعطوهم أماناً على القرار على ما هم عليه من كفرهم به وبرسوله، إلا أن يبذلوا الجزية عليهم لهم .

وقال رحمه الله:أخبرهم الله -جل ثناؤه- أنه يبدلهم بالعز ذلاًّ، وبالنعمة بؤساً، وبالرضا عنهم غضباً، جزاء منه لهم على كفرهم بآياته، وقتلهم أنبياءه ورسله، اعتداءً وظلماً منهم بغير حق، وعصيانهم له، وخلافاً عليه. انتهى

ومن هذا الباب قول تعالى: {{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}} [الأعراف:167] .

ويقال: إن موسى عليه السلام ضرب عليهم الخراج سبع سنين، وقيل: ثلاث عشرة سنة، وكان أول من ضرب الخراج، ثم كانوا في قهر الملوك، من اليونانيين، والكشدانيين، والكلدانيين، ثم صاروا في  قهر النصارى، وإذلالهم إياهم، وأخذهم منهم الجزية والخراج، ثم جاء الإسلام، ومحمد عليه أفضل الصلاة والسلام، فكانوا تحت صغاره، وذمته، يؤدون الخراج، والجزية .انتهى

 وهذا هو واقع اليهود على مرِّ الأزمان؛ وحتى في هذا العصر الحديث لا تجد لهم محبة، ولا قبولاً في الأرض، وما مذابح الأوربيين لهم في أوربا ببعيد، وهم يؤمنون بذلك، ولذلك لا يعيشون إلا منعزلين منطوين، أو أذلاء يستجدون النصرة من دول الكفر، والمنظمات الدولية .

قال ابن القيم رحمه الله في وصف اليهود: "فالأمَّة الغضبية هم اليهود، أهل الكذب، والبهت، والغدر، والمكر، والحيل، قتلة الأنبياء، وأكلة السحت - وهو الربا، والرشوة - أخبث الأمم طوية، وأرداهم سجية، وأبعدهم من الرحمة، وأقربهم من النقمة، عادتهم البغضاء، وديدنهم العداوة والشحناء، بيت السِّحِر، والكذب، والحيل، لا يرون لمن خالفهم في كفرهم وتكذيبهم الأنبياء حرمة، ولا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، ولا لمن وافقهم حق، ولا شفقة، ولا لمَن شاركهم عندهم عدل، ولا نَصَفَة، ولا لِمَن خالطهم طمأنينة، ولا أمَنة، ولا لمن استعملهم عندهم نصيحة، بل أخبثهم: أعقلهم، وأحذقهم: أغشهم، وسليم الناصية - وحاشاه أن يوجد بينهم: ليس بيهودي على الحقيقة، أضيق الخلْق صدوراً، وأظلمهم بيوتاً، وأنتنهم أفنيةً، وأوحشهم سجيَّةً، تحيتهم: لعنة، ولقاؤهم: طيرة، شعارهم: الغضب، ودثارهم: المقت" .انتهى

وهذه صفات اتفق عليها القاصي والداني، والقريب والبعيد، ولذلك لوحقوا، وطوردوا، على مر الزمان؛ وحتى في هذا العصر لا ينعمون بالأمان حتى في دولتهم المزعومة.

أما ما يراه البعض من وجود «الغنى» و «العز» لليهود في زماننا هذا: فهو لا يخالف معنى الآية، وبيان ذلك من وجهين مُجملين:

1/ ضرب الذلة والمسكنة على اليهود لازم لا يتخلف، وقد استثنى الله تعالى في «الذلة» -لا المسكنة - بقوله: {إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ} فما تراه هو من هذا، وأما بمجردهم: فهم أحقر من أن يكون لهم عز ونصر، ولذلك لا يُعرف لهم انتصار في معركة دخلوها وحدهم، ولا يزالون في حاجة إلى الشرق والغرب لتثبيت دولتهم، فإما مددهم من الله ليذل بهم من تركوا دينه، أو حبل من الناس:عهد وميثاق مع المؤمنين، أو تحالف مع دول الكفر لنصرتهم، وتأييدهم .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأمَّا كون اليهود كانوا ينتصرون على العرب: فهذا لا يُعرف، بل المعروف خلافه،والله تعالى قد أخبر بما يدل على ذلك، فقال تعالى: {{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}} [آل عمران:112]، فاليهود من حين ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله، وحبل من الناس: لم يكونوا بمجردهم ينتصرون، لا على العرب، ولا غيرهم، وإنما كانوا يقاتلون مع حلفائهم قبل الإسلام، والذلة ضربت عليهم من حين بعْث المسيح عليه السلام فكذبوه، قال تعالى: {{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}} [آل عمران:55]، وقال تعالى: {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ}} [الصف:14] .

وقال الطاهر بن عاشور رحمه الله: والمعنى: لا يسلمون من الذلّة، إلاّ إذا تلبَّسُوا بعهدٍ من الله، أي: ذمّة الإسلام، أو إذا استنصروا بقبائل أولى بأس شديد، وأمّا هم في أنفسهم: فلا نصر لهم، وهذا من دلائل النُّبوّة ؛ فإنّ اليهود كانوا أعزّة بيثربَ، وخيبر، والنضير، وقريظة، فأصبحوا أذلّة، وعمَّتهم المذلّة في سائر أقطار الدنيا .

2/ أن «المسكنة» ليست هي «الفقر»، بل لعلهم أغنى الناس، لكن المسكنة التي ضربها الله عليهم هي إظهار فقرهم، وبُخلهم بما في أيديهم، وقد أخبرنا نبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه: (لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ) [البخاري ومسلم]، وأنَّى لهؤلاء هذا الغنى؟!

 قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله –: {{وضربت عليهم الذلة والمسكنة} } خبرٌ مِن الله عن بني إسرائيل أنه ضُربت عليهم الذلة والمسْكنة، «الذلة» هذه في الشجاعة، أذلة، لا يقابِلون عدوّاً، قال الله تعالى: {{لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ}} [الحشر:14]

و «المَسْكَنة» يعود إلى الفقر، فليس عندهم شجاعة، وليس عندهم غِنى، لا كرماً بالمال، ولا كرماً بالنفس؛ لأن الشجاعة كرم بالنفس، يجود الإنسان بنفسه لإعلاء كلمة الله، والكرم: جود بالمال، ثم - والعياذ بالله - ما حصل لهم هذا، ولا هذا، بل العكس {{ضُرِبَت عَلَيْهِم الذِّلَّة}} فلا شجاعة عندهم، وضربت عليهم المسكنة فلا جود عندهم، ولهذا لا يوجد أمَّة أفقر من اليهود، ولا أبخل، أي: لا أفقر قلباً منهم، وليس مالاً، وإلا فأموالهم كثيرة .

** فهذه الذلة - والعياذ بالله - عليهم مضروبة، وكذلك المسْكنة، فإذا قال قائل: الواقع خلاف هذا الأمر؟! قلنا: لا يمكن أن يكون الواقع مخالفاً لكلام الله، ورسوله، وإنما الخطأ في الفهم، والتصور، أما كلام الله: فلا يختلف، فنقول:

هذه الآية مطلقة – أي: قوله تعالى: {{وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ}} [البقرة:61] - وفي قوله تعالى في آل عمران: {{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ}} [آل عمران:112]: يقيِّد هذه الآية، ويصير المعنى: "ضُربت الذلة والمسكنة إلا بحبلٍ مِن الله وحبلٍ مِن الناس"، فإذا وصلهم الله تعالى، أو وصلهم الناس: فإنهم تزول عنهم الذلة، ويكون معهم شجاعة، وقوة.

** الحبل من الله ما هو؟ قيل: إنه الإسلام، والحبل من الناس: أن يمدهم الناس غير اليهود بما يمدونهم به، فاليهود الموجودون الآن في حبلٍ من الناس يمدهم، وهم النصارى في كل مكان، يمدونهم ؛ لأن الله يقول: {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}} [المائدة:51]، وهذا خبر، والخبر من الله: لا يُخلف، النصارى تمدهم من جميع أقطار الدنيا، إما علناً وإما سرّاً، وإما مباشراً أو غير مباشرٍ .

الحبل من الله قلنا: إنه الإسلام - على ما ذكره كثير من أهل العلم - ويحتملأنه أعم من الإسلام؛ لأنهم إذا أسلموا: زال عنهم وصف اليهودية، وصاروا من المسلمين، لكن عندي أنه {حبل من الله}: أن الله قد يسلطهم على غيرهم؛ عقوبةً لهم، قد يُسلَّطون على غيرهم، وتكون لهم الغلبة، عقوبة على الآخرين؛ لعلهم يرجعون إلى الله عز وجل، لاسيما إذا كانوا من أمَّة محمد عليه الصلاة والسلام، وعصوا وأَبعدوا عن هذه الملة: فإن الله عز وجل يسلِّط عليهم مَن شاء مِن خلقه؛ لعلهم يرجعون، وهذا الأمر هو الواقع، لو نظرنا إلى الذين جعلوا أنفسهم في مسير هؤلاء اليهود - وهم العرب - لوجدنا أكثرهم ضالين - ولاسيما ذوي القيادات منهم - منحرفين عن الحق، بل ربما يصل أمر بعضهم إلى الكفر - والعياذ بالله -، فلذلك يسلَّط عليهم هؤلاء، ويحصل ما يحصل .

{{ذَلِكَ}} إشارةٌ إلى ما ذكر من ضَرْب الذِلةِ والمسكنةِ عليهم والبَوْءِ بالغضب العظيم.

{{بِأَنَّهُمْ}} معناها السببية أي ذلك بسبب أنهم { {كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ}} جمع آية وهي: العلامة على الشيء التي إذا وجدت كان الشيء موجوداً لأنها علامته، كالضوء مثلا آية بزوغ الشمس.

{{اللّهِ}} أي بسبب أنهم كانوا يكفرون بآيات الله أي بأمارات الحق وأدلته التي يقيمها الله سبحانه وتعالى عليهم في كتبه وخلقه وعلى ألسنة رسله، وأنهم لَا يكتفون بجحود الحق بعد قيام البينات عليه، وإنما حملهم على ذلك: الكبْر، والبَغْي، وَالْحسَد.

{{وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ}} هذه الصفة ليست قيداً ولكنها كشف وإيضاح، لو قلنا إنها قيد لزم من ذلك أن ينقسم قتل الأنبياء إلى قسمين قسم بحق وقسم بغير حق، وهذا لا يكون؛ لأن قتل الأنبياء كله يكون بغير حق.

ولو قلنا إنها للإيضاح والكشف صار المعنى يختلف فلا تكون قيداً بل تكون لبيان الواقع أي أن قتل الأنبياء بغير حق، فيكون المقصود بذلك شدة التوبيخ لهؤلاء، وأنهم يقتلون أشرف الخلق بغير حق.

والحكمة في ذكر هذا أنهم لم يكونوا في اعتدائهم لهم أية شبهة حق، ولذا نكر كلمة حق.

عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: كانت بنو إسرائيل تقتل في اليوم ثلاثمائة نبيّ، ثم يقوم سُوق بَقْلهم في آخر النهار.

وإسناد القتلِ إليهم مع أنه فعلُ أسلافِهم لرضاهم به كما أن التحريفَ مع كونه من أفعال أحبارِهم يُنسَبُ إلى كل من يسير بسيرتهم.

{{{ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ}} أي: إنما حَمَلهم على الكفر بآيات الله، وقَتْل رُسُل الله، وقُيِّضوا لذلك: أنّهم كانوا يُكثرون العصيان لأوامر الله عز وجل، والغشيان لمعاصي الله، والاعتداء في شرع الله.

فارتكاسهم في المعاصي، وتعودهم الاعتداء على الناس، جعل المعاصي تنكت نكتا سوداء في القلب، فإذا استمر الشخص عليها وضعت عليه أغلفة من الظلمة تمنع أن يصل الحق إليه، فعمى القلب عن الحق وصم، ولذا قال تعالى: {{مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا. . .}} [نوح:25]

 

جمع وترتيب

د/ خالد سعد النجار

[email protected]

 

 

خالد سعد النجار

كاتب وباحث مصري متميز

  • 3
  • 0
  • 305
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    توكلوا على الله لا على فصل الشتاء • قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، والشرك بالله تعالى يدبّ إلى هذه القلوب كدبيب النمل، لذا كان على العبد المسلم وخصوصا المجاهد في سبيل الله أن يكثر من الاستعاذة بالله من الوقوع في شرك يعلمه والاستغفار مما لا يعلمه، كما أنّ على المجاهد في سبيل الله أن يعلم أن كل ما في هذا الكون هو جند من جنود الله تعالى التي قد يسخرها الله تعالى لنصرة المجاهد، فتسخيرها بأمر الله إنْ عمل هذا المجاهد بأسباب النصر التي أمر الله تعالى عباده المجاهدين بالأخذ بها، وأهمها التوكل على الله تعالى وحده والبعد عن الذنوب والمعاصي والحذر من ظلم الناس دونما تجاهل لإعداد العدة التي أمر الله تعالى بها في قوله: ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُمْ مِّنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60) ) [الأنفال]. فقدوم الشتاء لا يأتي بالنصر وإن كان الشتاء جنديا من جنود الله تعالى، فلا تعتمد على هذا الجندي بل اعتمد وتوكل على ربّه، فهذا إبراهيم عليه السلام لما ألقي في النار قال: "حسبي الله ونعم الوكيل"، كما روى البخاريّ عن ابن عبّاس، وذكر بعض السّلف أنّه عرض له جبريل وهو في الهواء، فقال: ألك حاجة؟ فقال: أمّا إليك فلا، هذا مع أن جبريل عليه السلام جندي من جنود الله وقد أرسله الله تعالى لنصرة إبراهيم، لكن إبراهيم عليه السلام معلم الناس التوحيد أبى بث شكواه إلى جبريل وأبى الاعتماد عليه وتوكل على الله تعالى، ويوم الأحزاب لم تكن الريح سبب هزيمة المشركين بل كانت جنديا سخره الله تعالى لنصرة المؤمنين بعد أن كان منهم ذلك الموقف العظيم قال تعالى: ( وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) )، فيا جنود دولة الإسلام الحذر الحذر من الركون إلى هذه الظواهر أو الاعتماد عليها، وتوكلوا على الله حقّ التوكل. ففي رمضان الماضي - على سبيل المثال - حدّثني عدد من الإخوة عن ترقّبهم وانتظارهم لنصر عظيم يحلّ عليهم إذا ما جاء شهر رمضان، وكأن النصر لجند الله متعلق بحلول هذا الشهر مع العلم أن الفتح العظيم لمدينة الموصل كان في شهر شعبان من سنة 1435 ه، والفتح الثاني لسهل نينوى وما بعده كان في شهر شوال من السنة ذاتها، ولم يكونا في رمضان، فلا تنتظر النصر والفتح إلا إذا أخذت بأسبابه، فقد نُصر المسلمون يوم بدر مع قلة عددهم بفضل الله تعالى، وهُزموا أول الأمر يوم حنين مع كثرة عددهم بسبب اغترارهم بهذه الكثرة وهُزموا يوم أحد، لا لكثرة أعدائهم بل لمعصيتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أمرهم بلزوم الجبل، فالنصر من عند الله وحده، فإذا نصرت الله نصرك الله في حر الصيف أو في برد الشتاء بعدد قليل أو كثير، سواء كان من يعاديك فصيلا مرتدا واحدا أو العالم كله. فيا جند دولة الإسلام توكلوا على الله لا على فصل الشتاء، والحذر الحذر من الظلم، فالظلم جرم قد يؤخر النصر. فهذه رسالة لولاة أمر المسلمين أن ينظروا في مظالم الرعية بأنفسهم ولا يكتفوا بإيكال هذا الأمر إلى هيئة أو قاض، فهذا القبطي قد جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه قاصدا إياه من أرض مصر فقضى أمير المؤمنين له أمره وأنصفه ولم يقل له ارجع إلى قاضي بلدك أو ارجع إلى واليك، وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضاً يعزل الصحابي المبشّر بالجنة سعد بن أبي وقاص لشكوى رجل من أرض الكوفة عليه. • المصدر: صحيفة النبأ العدد (2) السنة السابعة - السبت 10 محرم 1437 هـ

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً