فزتُ وربّ الكعبة!

منذ 2024-11-09

إن للحياة معنًى يجعل للفوز والخسارة معايير غير التي يتعارك عليها البشر

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصّلاةُ والسّلامُ على نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، وبعدُ:

الموت نهاية محتومة لكل حيّ؛ فلا شماتة بهذا المصير الذي سيؤول إليه الخلق بلا استثناء. رسوخ هذه الحقيقة، وثبات ذلكم المبدأ، يكاد أن يكون عامًّا منذ القدم، فلا يشذّ عنهما إلا ناقصُ عقل أو عديم مروءة، أو مَن خالطت الوساوس مجاري دمائه حتى عاثت به الشياطين، وتلعّبت به تلعُّبًا.

ليس الشأن الأهم هو هذا الأجل المكتوب بذاته، بل كيف يأتي؟ وماذا بعد مجيئه؟ ما سوى هذين السؤالين عن الزمان والمكان، وغيرهما؛ ليست سوى تفاصيل زائدة، وقد لا يكون لها أيّ تأثير في الموازين المعتبَرة.

ثمة فرق كبير بين راحلٍ مضَى تاركًا بعده آثارًا سيئة، أو يغلب عليها السوء والفحشاء، أو راحِل ترجَّل دون أثرٍ، أو بأثرٍ ضئيل، وبين راحِل يُخلِّف وراءَه حميد المآثر، وكريم الروايات، مع خطًى تُقتدَى، ومنهجًا يُستنار به ويُسترشَد إلى أمدٍ أو أبدٍ.

البون شاسع بين ميتة كأيّ ميتة تحلّ بأيّ كائن حيّ، وبين خاتمة يصحّ أن يُقال فيها: إنها خالصة لله ربّ العالمين. تلك النهاية التي لا يَظفر بها إلا مَن كانت صلاته ونُسكه ومحياه لمولاه الحي القيوم، فغدا مصيره الأخروي مع وفود طيبة يقال فيهم: {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}؛ لأنه جاء مُقبلًا غير مُدبر، كارًّا غير فارٍّ، حتى وهو يُصارع الموت، ويشاهد الأعادي وأسلحتهم.

لا مجال للمقارنة بين راحِلٍ يُحْيِي برحيله أجلّ المعاني، ويُرسِّخ أعلى المبادئ، حتى يتعجب منه الباغي المعتدي حين يسمعه يختم حياته مُبتهِجًا مقسمًا بربّ الكعبة على أنه الفوز، بينما الدماء منه تثعب، والجروح تنزف، والأنفاس تتسارع للخروج، والروح تفارق الجسد، ولو كان الغادر الجبان الخوَّان هو القتيل لتحسَّر ألف حسرة، وهو يَلفظ أنفاسه الأخيرة، مفارقًا حياة كان مِن أحرص الناس عليها، وأكثرهم تشبُّثًا بها.

إن للحياة معنًى يتجاوز السكون. إن للحياة معنًى لا يقتصر على الحياة الدنيا؛ فهي عاجلة قصيرة. إن للحياة معنًى لا يُدركه مَن رضي بمنزلة أقلّ من منزلة الإنسان، وبرتبة دون ما أراده الله لأوليائه الصالحين ولعباده المتقين.

إن للحياة معنًى يجعل للفوز والخسارة معايير غير التي يتعارك عليها البشر، وتختلف كثيرًا عما يَجُول في نفوس أرضية سفلية لا نصيب لها من الارتقاء والعلو، ولا نصيب لها من العاقبة عند الرب القويّ الحميد الرحيم؛ تلك العاقبة التي يحيى بها العباد وإن كانوا من عداد الأموات.

  • 5
  • 0
  • 146
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    الجهاد على بصيرة - إلّا ليعبدون (3) • ورغم أهميّة هذا العمل وضرورة إنجاحه والحاجة إلى حشد الأنصار إليه، فإن منهج النبي عليه الصلاة والسلام في الدعوة إليه قام على أصول صلبة، أدّت وبلا شك إلى حصر العاملين في فئة قليلة وعزوف الكثيرين عنها ربّما مع قناعتهم بصحّة الطريق وجدارة القائد بالاتّباع، وكان من أهم هذه الأصول: - وضوح الهدف: (من يؤويني وينصرني حتى أبلّغ رسالات ربي). - وضوح المهمّة التي يجب على الأنصار أداؤها: (تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم، وتمنعوني مما تمنعون عنه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم). - توضيح الصعوبات والعقبات التي ستعترض الأنصار في سبيل قيامهم بالمهمّة: بإقراره قول صاحبهم: (إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وأن يعضّكم السيف). - توضيح الغاية الوحيدة والمقابل الوحيد الذي سيحصل عليه الأنصار لقاء قيامهم بالمهمّة: (قالوا: نعم فما لنا؟ قال: الجنة). وبخلاف هذا المنهج في حشد الأنصار تعمل الجماعات المنحرفة في سعيها المزعوم لإقامة الدّولة الإسلاميّة والخلافة الإسلاميّة. - فعوضاً عن توضيح هدفها الحقيقي ساد الخداع والتقيّة بدعوى الاقتراب من هموم الناس، وذلك بإخفاء هذه الجماعات لحقيقة مشاريعها وأهدافها عن الجماهير والحشود التي اجتمعت فيها وكلٌّ يأمل من نصرته لهذه الجماعة ما يشتهيه، فمنهم من يرى في هذه الجماعات وسيلة للخلاص من مستبدٍّ ظالم، ومنهم من يرى فيها أملاً في توحيد المسلمين وجمعهم بعد فرقة، ومنهم من يرى فيها بديلاً أفضل من زمر الفساد التي تحكم البلاد بالاستناد إلى الطواغيت، ومنهم من يأمل منها أن تقيم الشريعة الإسلاميّة، و(قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ)، وقيادات الجماعات تزداد فرحاً باتساع "حاضنتها الشعبيّة" أو حتى "قاعدتها الانتخابيّة"، ولا تلتفت في الغالب إلى مصير هؤلاء النّاس في الآخرة، وإلامَ هم صائرون بعد موتهم، وكأن تأييد الجماعة أو الحزب صار في دين هؤلاء من مفاتيح الجنّة، فيحجز "المناصر" أو "المؤيد" مقعده فيها بمجرد انتسابه إليها. - وعوضاً عن توضيح حقيقة الطريق لتنفيذ المهمّة، والصعوبات والعقبات التي يجب على الأنصار أن يستعدّوا لها، ساد الكذب على الأتباع والأنصار بإخفاء حقيقة ما سيلاقونه من مشاق وما يجب عليهم من صبر وجهاد في سبيل تجاوزها والتغلّب عليها، إذ لو علم الذين شاركوا بما تسمّى "ثورات الربيع العربي" بنتيجة هذه الثورات وما ستؤدّي إليه من حروب ومآسٍ لهم ولأهلهم وبلدانهم على أيادي الطغاة لأحجم معظمهم -وبلا شك- عن سلوك هذا الطريق، ولفضّل الكثير منهم أن يعيش تحت حكم الطاغوت على أن يتحمل نتيجة الخروج عليه، ولو علم معظم الذين انتخبوا "جبهة الإنقاذ" ما سيلاقونه من طواغيت الجزائر بسبب إسقاطهم في الانتخابات لما شاركوا فيها، هذا إن لم ينتخبوا الطواغيت ويسقطوا "جبهة الإنقاذ". وعلى هذا الأساس تنتشر أكثر الانحرافات في صفوف "الجماعات الجهاديّة" التي انحرفت عن طريق الجهاد في سبيل إقامة الدّولة الإسلاميّة، لمّا طال عليهم الأمد، وكثرت فيهم الجراح، تفرّقوا بين منحرفٍ عن غاية ما خرج في سبيله، وقاعدٍ رَكَنَ إلى الدنيا وزينتها، بل وحتى منقلبٍ على عقبيه صار من أنصار الطاغوت، وقليلٌ من يثبت على هذا الطريق. - وعوضاً عن دعوة الأنصار إلى الإخلاص في العمل وأن تكون غايتهم الوحيدة منه إرضاء الله تعالى، والمقابل الوحيد الذي يأملونه هو الجنّة، تنهال الوعود على الجماهير بما سيلقونه في دولة السمن والعسل التي ستقيمها هذه الجماعات إذا وصلت للحكم، وتنثر على رؤوسهم أحلام السيادة العالميّة السريعة والاكتساح الحتمي للدول والقارات، هذا فضلاً عن تحفيز الطموحات الشخصية والآمال الدنيوية للأنصار بما سيحصلون عليه إذا انتصرت الجماعة التي نصروها وأيّدوها، حتّى إذا وصلت الجماعة للحكم وبدأت الضغوطات، وارتفعت الأسعار، أو انقطعت الكهرباء، أو تأخرت الرواتب، رأيت أنصار الأمس معارضين لهذه الحكومة التي لم تزد عليهم في شؤون معاشهم شيئاً إن لم تنقص منه، ولكم في "حكومة الإخوان" التي أُسقطت في مصر خير مثال. إن الداعي إلى الله تعالى يجب أن يبيّن للناس حقيقة هذا الدين، فيؤمنوا به على بصيرة، ويبيّن لهم ما عليهم من واجبات إن آمنوا، فيعملوا بها، ويبين لهم ما سيلقونه من مشقّة في سبيل إقامة هذا الدين، وتبليغه للناس، ويوصيهم بالصبر على ذلك كلّه، فإن فعلوا ذلك كانوا من الفائزين بالجنّة، وإلا كانوا في جملة الخاسرين من بني آدم، كما قال تعالى: (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)). • | مقتطف من افتتاحية النبأ العدد (1) السنة السابعة - السبت 3 محرم 1437 هـ

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً