أبشروا يا أهل الصبر والإيمان

منذ 2024-11-13

اللهم طال ليلُ الظالمين، واشتدَّ عداء المجرمين، وأيْنَعَت رؤوسُ الباغين، فسلِّط اللهم عليهم يدًا من الحقِّ حاصدة، ترفع بها ذُلَّنا، وتُعيد بها عزَّنا.

عباد الله، أبْشِروا يا أهلَ الصبر والإيمان، فلكم عند الله خير عظيم؛ قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]، وما أعظم الصبرَ حين يُبتلى المؤمن فيصبر، محتسبًا ما عند الله من الأجر، مبتغيًا رضاه! فإن الصبر على البلاء هو من دلائل الإيمان، ومن علامات الإخلاص واليقين.

 

أبْشِروا يا مَن أبَيْتُم أن تركعوا لطواغيت الأرض، وركعتم لله وحده، وأرغمتم أنوف الطواغيت والمعتدين، أبشروا يا من أنَبْتُم إلى الله وحده في أحلك الظروف وشدة الأزمات، أبشروا بالفوز العظيم؛ قال تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ} [الزمر: 17].

 

بُشرى من الله للمُخْبِتِين المطمئنِّين الراضِين بقضاء الله، المستسلمين له، الوجِلين منه سبحانه، الصابرين على طاعة الله، وعن معصيته، وعن أقداره، وأقاموا الصلاة وآتَوا الزكاة، هؤلاء جميعًا فازوا بالبشارة العظيمة، والمنحة الجَسِيمة، وهم من شمِلتهم رحمةُ الله التي وسِعت كل شيء، وفازوا بالتوفيق والهداية؛ قال تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الحج: 34، 35].

 

ما أعظم أولئك الصابرين في غزةَ الصمودِ، وهم يَرَون أشلاءَ الشهداء ممزَّقة تُجمَع في وعاء واحد! على رغم الآلام والأحزان والخِذلان من القريب قبل البعيد، فإنك تجد رجالًا صابرين، محتسبين، فبشرى لهم رحمة أرحم الراحمين؛ قال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 - 157].

 

معاشر المسلمين:

البشرى كلُّ البشرى ينالها من اتصف بصفات المؤمنين، الذين اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، ما أعظمه من شراء! وهنيئًا لمن باع، الله أكبر.

 

باعوا ليظفَروا بالنعيم المقيم، فصدقوا ما عاهدوا الله عليه.

 

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 111، 112].

 

بشرى لرجال غزة ونسائها، بشرى لهم جميعًا، بشرى لهم لأنهم رمز للإيمان، رمز للاستقامة والثبات، رمز للعِفَّةِ، رمز للفضيلة، بشرى لهم في الدنيا وعند الممات؛ قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت: 30 - 32].

 

فالبشرى تتحقَّق لمن جاهد في سبيل الله، ولإعلاء كلمة الله، البشرى لمن جاهد بماله ونفسه، ولسانه ويده وقلبه؛ فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من نبيٍّ بعثه الله في أُمَّةٍ قبلي، إلا كان له من أمته حَوَارِيُّون وأصحابٌ يأخذون بسُنَّته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلُف من بعدهم خُلُوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يُؤمَرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبَّةُ خَرْدَلٍ»؛ (أخرجه مسلم).

 

قال تعالى: {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران: 125، 126].

 

وقال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 169 - 175].

 

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الصف: 10 - 13].

 

اللهم يا من خضعت الرِّقاب لسطوته، وصَعِقتِ الملائكةُ من مخافته، ورعَدَتِ السماء لكلمته، يا مالك الملك والملكوت، يا ذا العزة والجبروت، يا من لا يحُول ولا يَزُول ولا يفوت، نسألك أن تنتقم من كل سفَّاك وسفَّاح، ومن كل من اعتدى على أهلنا في غزة، اللهم ومن دبَّر لعبادك المكائدَ وللمستضعفين الشدائدَ، اللهم فأبطِلْ بأسَهُ، ونكِّس رأسه، وشرِّد بالخوف نُعاسه، واحبِكْ سلاسله، وانسِفْ معاقله، وقطَّع اللهم مفاصله، وصلِّب أنامله، وسلِّط عليه الأمراض والأسقام، وألْبِسْه لِباسَ الذل والخوف، وأضْعِفْ قوته، واقْهَرْ عُتُوَّه، وأسقِطْ عُلُوَّه، واهزِم جنده، وقلِّل رِفْدَه، واخذُله يومَ يتمنى الناصر، واخْزِهِ إنك أنت القويُّ القاهر، اللهم اقمع نزوته، اللهم خيِّب رجاءه، وأكْثِرْ عناءه، واكتب فناءه، واجعله يتمنى الموت فلا يجده، اللهم أرِنا في الطغاة عجائبَ قدرتك، وسرعة انتقامك، وشدة بأسك، وعظيم أخذك؛ إن أخذك أليم شديد.

 

اللهم طال ليلُ الظالمين، واشتدَّ عداء المجرمين، وأيْنَعَت رؤوسُ الباغين، فسلِّط اللهم عليهم يدًا من الحقِّ حاصدة، ترفع بها ذُلَّنا، وتُعيد بها عزَّنا.

 

اللهم وارحم عبادك المستضعفين، يا رب بقدرتك اشفِ صدور قوم مؤمنين.

____________________________________________________
الكاتب: ياسر عبدالله محمد الحوري

  • 1
  • 0
  • 166
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    مقتطفات نفيسة (45) من كلام الشيخ المجاهد أبي حذيفة الأنصاري حفظه الله تعالى • خلقَ اللهُ الخلقَ وأرسل الرسل مبشرين ومنذرين من أجل غايةٍ واحدةٍ لا تضاهيها غاية، لا تقبل المداهنةَ ولا المساومة، هي عبادتُه وحدَه سبحانه، فقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}.. ولأجلِ تحقيقِ هذه الغايةِ شرع اللهُ الجهادَ للمؤمنين، وأمرَهم بقتال الكافرين، فقال سبحانه: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}، وبذلك صار التوحيدُ غايةً والجهادُ سبيلاً، وتَبعًا لذلك كان الإسلامُ هو كل الحلِ وليس جزءًا من الحل. فانقسم الناس في ذلك إلى فرق وحركاتٍ وأحزاب بعضُها أراد توحيدا بغير جهاد، وبعضها أراد قتالا بغير توحيد، وبعضها جعل الإسلامَ جزءًا من الحل وخلطَه بالديمقراطيةِ والوطنية والعلمانية، وبعضهم صار يرى الإسلامَ مُشكلةً لا حلا، يتنصلُ منه ويتهربُ من تبعاته، ويجبن حتى عن رفعِ شِعاراته، وقليلٌ من نجا فسلك مسلك التوحيدِ والجهاد كما سلكه خيرُ الأنبياء محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- وصحابتُه الفاتحون -رضوانُ الله عليهم-. ▫️ المصدر: صحيفة النبأ - مقتطفات نفيسة (45) صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 465 الخميس 14 ربيع الآخر 1446 هـ

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً