شرح دعاء الاستخارة

منذ 2024-11-15

ومَا نَدِمَ مَنْ اسْتَخَارَ الـخَالِقَ، وَشَاوَرَ الـمَخْلُوْقينَ الـمُؤمِنينَ، وتَثَبَّتَ في أمْرِهِ

 

 

 دُعاءُ صَلاةِ الاستِخَارَةِ

«(قالَ جَابِرُ بنُ عبدِ الله: كانَ رَسولُ الله يُعَلِّمُنا الاسْتِخَارَةَ في الأمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنا السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ، يَقُولُ: (إذا هَمَّ أحَدُكُمْ بالأمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَينِ مِنْ غَيْر الفَريْضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللهُمَّ إنِّي أسْتَخيرُكَ بعِلْمِكَ، وأسْتَقْدِرُكَ بقُدْرَتِكَ، وأسْألُكَ مِنْ فضلِكَ العَظِيم، فإنَّكَ تَقْدِرُ ولا أقْدِرُ، وتَعْلَمُ ولا أعْلَمُ، وأنْتَ عَلاَّمُ الغُيوبِ، اللهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أن هذَا الأمرَ – ويُسمِّي حَاجَتَه – خَيرٌ لي في دِيني ومَعَاشي وعَاقِبَةِ أمْري – أو قالَ: عَاجِلهِ وآجِلِهِ – فاقْدُرْهُ لي ويَسِّرْهُ لي، ثمَّ بَارِكْ لي فيهِ، وإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمْرَ شَرٌّ لي في دِينِي ومَعَاشي وعَاقِبَةِ أمري – أوْ قالَ: عَاجِلِهِ وآجِلِهِ – فَاصْرِفْهُ عَنِّي، وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، واقْدُرْ لِيَ الـخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ أرْضِنِي بِهِ)»

ومَا نَدِمَ مَنْ اسْتَخَارَ الـخَالِقَ، وَشَاوَرَ الـمَخْلُوْقينَ الـمُؤمِنينَ، وتَثَبَّتَ في أمْرِهِ، فَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ:

{وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} .

قوله: (في الأمور كلها) أي: أمور الدنيا؛ لأن أمور الآخرة لا يحتاج فيها إلى الاستخارة؛ لأن الرجل إذا أراد أن يصلي، أو يصوم، أو يتصدق، لا حاجة [له] إلى الاستخارة، ولكن يحتاج إلى الاستخارة في أمور الدنيا، مثل: السفر، والنكاح، وشراء المركب، وبيعه، وبناء الدار، والانتقال إلى وطن آخر..، ونحو ذلك.

قوله: (كما يعلمنا السورة من القرآن) يدل على شدة اعتنائه بتعليم الاستخارة.

قوله: (إذا هم بالأمر) أي: إذا عزم على القيام بعمل ولم يفعله.

قوله: (فليركع ركعتين) أي: ليصلي ركعتين، وقد يُذكر الركوع ويُراد به الصلاة، كما يُذكر السجود ويُراد به الصلاة، من قبيل ذكر الجزء وإرادة الكل.

قوله: (من غير الفريضة) أي: الصلوات الخمس المكتوبة؛ والمراد النوافل؛ بأن تكون تلك الركعتان من النافلة؛ قال النووي ‘: (الظاهر أنها تحصل بركعتين من السنن الرواتب، وتحية المسجد..، وغيرها من النوافل).

قوله: (أستخيرك) أي: أطلب الخير أن تختار لي أصلح الأمرين؛ لأنك عالم به وأنا جاهل.

قوله: (وأستقدرك) أي: أطلب أن تُقْدِرَني على أصلح الأمرين، إذ أطلب منك القدرة على ما نويته، فإنك قادر على إقداري عليه، أو أن تقدرَ لي الخير بسبب قدرتك عليه.

قوله: (ويسمي حاجته) أي: يسمي أمره الذي قصده؛ مثلاً يقول: (اللهم إن كنت تعلم أن هذا السفر خير لي..، أو هذا النكاح..، أو هذا البيع..، ونحو ذلك.

قوله: (في ديني..) أي: إن كان فيه خير يرجع لديني، ولمعاشي، وعاقبة أمري، وإنما ذكر عاقبة الأمر؛ لأنه رُبَّ شيء يقصد فعله الإنسان يكون فيه خير في ذلك الحال، ولكن لا يكون خيراً في آخر الأمر، بل ينقلب إلى عكسه.

قوله: (معاشي) أي: العيش والحياة.

قوله: (فاقدُرْهُ) أي: اقضِ لي به وهيئه.

قوله: (فاصرفه عني) أي: لا تقضِ لي به، ولا ترزقني إياه.

قوله: (واصرفني عنه) أي: لا تيسر لي أن أفعله، وأقلعه من خاطري.

قوله: (حيث كان) أي: الخير؛ والمعنى: اقضِ لي بالخير حيث كان الخير.

قوله: (ثم أرضني به) أي: اجعلني راضياً بخيرك المقدور، أو بِشرِّك المصروف.

قوله:(نَدِمَ) أي: فعل الشيء ثم كرهه.

والاستخارة تكون مع الله تعالى بطلب الخير منه، والمشاورة تكون مع أهل الرأي والفطنة والصلاح والأمانة بطلب آرائهم في أمره، وليست مع جميع المخلوقين.

والتثبت في الأمر يكون ببذل الجهد، في تحري الأمر الذي يهم بفعله، من حيث صلاحه أو عدم صلاحه.

قوله: وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ الآية؛ أمرٌ من الله تعالى لمحمد رسول الله أن يستعرض آراء أصحابه؛ فيُشرك الجميع في الأمر الذي يَهِم بفعله، ثم يختار ما أشار إليه أكثرهم وأعقلهم، متوكلاً على الله تعالى بهمةٍ عالية.

  • 0
  • 0
  • 189
  • عبد الرحمن محمد

      منذ
    خنساوات الخلافة آيات في الصبر • الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: فعن أبي وجزة، عن أبيه، قال: (حضرت الخنساء بنت عمرو بن الشريد السُلَمية حرب القادسية ومعها بنوها أربعة رجال، فقالت لهم من أول الليل: يا بني، إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، ووالله الذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة ما خنت أباكم، ولا فضحت خالكم، ولا هجنت حسبكم، ولا غبرت نسبكم، وقد تعلمون ما أعدّ الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين. واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، فإذا أصبحتم غدا إن شاء الله سالمين فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين، فإذا رأيتم الحرب قد شمّرت عن ساقها، واضطرمت لظى على سياقها، وجللت نارا على أوراقها، فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة. فخرج بنوها قابلين لنصحها، عازمين على قولها... فقاتلوا حتى قُتلوا، فبلغها الخبر فقالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته) [الاستيعاب في معرفة الأصحاب 4/1829]. ولقد كنا نحسب أن زمان الخنساء قد ولّى، وأن الأرحام قد عقمت عن إنجاب مثيلاتها من بعدها، حتى عادت دولة الإسلام، عادت بمجاهديها وأمهاتهم، بشهدائها وخنساواتهم. خنساوات الخلافة، آيات في الصبر والاحتساب، نساء بهمم رجال، يأتيها خبر ارتقاء فلذة كبدها، فتخر لله ساجدة شاكرة، وكأنه قد زُفَّ إلى عروس، وإن أنت زرتها لتعزيها، فلن ترى من الحزن شيئا سوى عينٍ باكية، ولسانٍ لا يفتر عن الحمد والشكر، تروم تصبيرها فتصبرك وهي تحدثك عمّن هم أحياء عند ربهم يرزقون، عن حواصل الطير، والحور والشفاعة، من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى، قد تذكر شهيدها -كما نحسبه والله حسيبه- فتذرف العين شوقا إليه وهي تتذكر بره بها، ممازحته، كلماته، حركاته، سكناته وكيف ودّعها عند آخر لقاء! تقول إحدى الخنساوات وهي أمٌ لشهيدين -بإذن الله تعالى- متذكرة يوم فارقها أحدهما: لقد وصل إلى الباب وقبل أن يدلف منه خارج البيت نظر وقال: (أمي... القرآن القرآن)، ثم خرج ولم يعد، أفلا تحزن على مثل هذا؟! إذا فارقوا دنياهم فارقوا الأذى وصاروا إلى ميعاد ما في المصاحف والعجب ممن قدّمت ثلاثة وأربعة وخمسة، جميعهم قتلوا تحت هذه الراية، راية الحق، راية الدولة الإسلامية، ولا زالت تلك الخنساء تنتظر بيع بقية أبنائها بل وأحفادها. ثم إن أغلب خنساوات هذه الدولة المباركة لسن من طالبات العلم، بل هن من عوام المسلمين، ولكنها الفطرة السليمة، التي علّمتها وبمنتهى اليسر: (لله ما أعطى ولله ما أخذ)، لا تجادل في أمر الله، ولا تعقّب على حكمه، بل منهن من تجهّز جعبة فلذة كبدها وسلاحه بنفسها، لترسله إلى حتفه، إنها الفطرة التي لم تعانِ مما يعانيه كثير من حاملي العلم وحاملاته، من لوثة إرجاء، أو سرورية، أو أشعرية، أو صوفية أو غير ذلك من أوبئة الشراك والشباك. فشتّان شتّان بين الخنساء (بنت عمرو) التي باعت بنيها لله تعالى، وبين خُناس (بنت مالك) التي قتّرت على ابنها مصعب بن عمير وضيقت عليه لما أسلم وسار على طريق الحق. فلله در كل صابرة محتسبة، لله در كل من لم تتصدق بدرهم ولا دينار ولكنها تصدقت بدماء وأشلاء أحب الناس إلى قلبها، ربح البيع أم الشهيد! وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. ■ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 20 السنة السابعة - الثلاثاء 21 جمادى الأول 1437 هـ مقال: خنساوات الخلافة آيات في الصبر

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً