آداب اللباس

منذ 2024-11-23

بيَّن النبي ﷺ ما يجوز منه، وما لا يجوز، وما يُستحبُّ لُبسه، وما يكره، فلهذا كان على المسلِم أن يلتزم في لباسه بالآداب التالية ومن أبرزها: ألاَّ يلبس حريرًا مطلقًا -  ألاَّ يطيلَ ثوبه - ألاَّ يلبس المسلم لبسةَ المسلمة - ..."

المسلِم يرى أنَّ اللِّباس قد أَمَر الله - تعالى - به في قوله: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31].

 

وامتنَّ به في قوله: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: 26]، وفي قوله: {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} [النحل: 81]، وفي قوله: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} [الأنبياء: 80]، وأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر به في قوله: «كُلُوا واشربوا، والْبسوا وتصدَّقوا، في غير إسْراف ولا مخيلة»؛ (أخرجه أبو داود وأحمد، وعلَّقه البخاري).

 

كما قد بيَّن صلى الله عليه وسلم ما يجوز منه، وما لا يجوز، وما يُستحبُّ لُبسه، وما يكره، فلهذا كان على المسلِم أن يلتزم في لباسه بالآداب التالية:

1- ألاَّ يلبس حريرًا مطلقًا، سواء كان في ثوْب أو عمامة أو غيرهما؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا تلبسوا الحرير، فإنَّه مَن لَبِسَه في الدنيا لم يلبسْه في الآخرة»[2]، وقوله - وقد أخذ حريرًا فجعله في يمينه، وذهبًا فجعله في شماله -: «إنَّ هَذَين حرامٌ على ذَكَر أمَّتي»[3]، وقوله: «حُرِّم لباس الحرير والذهب على ذُكور أمَّتي، وأُحِلَّ لنسائهم» )؛ (رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه).

 

2- ألاَّ يطيلَ ثوبه، أو سرواله، أو برنسه، أو رداءه إلى أن يتجاوز كعبيه؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما أسْفَل من الكعبين من الإزار في النار»؛ رواه أحمد والبخاري، وقوله: «الإسبالُ في الإزار والقميص والعمامة، مَن جرَّ شيئًا خيلاءَ لم ينظر الله إليه يوم القيامة»؛ (رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه) ، وقوله: «لا ينظر الله إلى مَن جَرَّ ثوبه خيلاء»[4].

 

3- أن يؤثِر لباس الأبيض على غيره، وأن يرى لباسَ كلِّ لوْن جائزًا؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «البسوا البياض، فإنها أطهر وأطيب، وكفِّنوا موتاكم»[5]، ولقول البراء بن عازب رضي الله عنه: "كان رسول الله - عليه الصلاة والسلام - مربوعًا، ولقد رأيتُه في حُلَّة حمراء ما رأيتُ شيئًا قطُّ أحسن منه))[6]، ولِمَا صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم من أنَّه لبس الثوب الأخضر، واعتمَّ بالعمامة السوداء.

 

أن تُطيل المسلِمة لباسها إلى أن يسترَ قدميها، وأن تُسبل خمارها على رأسها، فتستر عُنقَها ونَحْرَها وصدرها؛ لقوله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59]، وقوله - تعالى -: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ...} [النور: 31]، ولقول عائشة - رضي الله عنها -: "يرحم الله نساءَ المهاجرات الأُول، لَمَّا أنزل الله: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31] شققْنَ أكتف مروطهنَّ، فاختمرنَ بها"[7]، ولقول أمِّ سلمة - رضي الله عنها -: "لما نزلت {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59] خرج نساءُ الأنصار كأن على رؤوسهنَّ الغِربان من الأكسية"؛ (رواه أبو داود وغيره).

 

5- ألاَّ يتختم بخاتم الذهب؛ لقول الرسول - عليه الصلاة والسلام - في الذهب والحرير: «إنَّ هذين حرامٌ على ذُكور أمَّتي»، ولقوله: «حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي، وأحلَّ لنسائهم»، وقوله - وقد رأى خاتمًا من ذهب في يدِ رجل، فنزعه فطرحه، وقال: «يعمد أحدُكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده ! فقيل للرجل بعدما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم: خُذْ خاتمَك انتفعْ به، فقال: لا، والله لا آخذه أبدًا وقد طَرَحه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم[8].

 

6- لا بأس للمسلم أن يتختَّم بخاتم الفِضَّة، أو ينقش في فصِّه اسمَه، ويتخذه طابعًا يطبع به رسائله وكتاباته، ويوقِّع به الصكوكَ وغيرها؛ لاتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتمًا من فضَّة نقشُه: (محمد رسول الله)، وكان يجعله في الخِنصر من يدِه اليُسرى[9]، ولقول أنس رضي الله عنه: "كان خاتم النبي - عليه الصلاة والسلام - في هذه، وأشار على الخِنصر من يده اليُسرى[10].

 

7- ألاَّ يشتملَ الصمَّاء، وهي أن يلفَّ الثوب جسمه ولا يترك مخرجًا منه ليديه، لنهي النبي - عليه الصلاة والسلام - عن ذلك، وألاَّ يمشي في نعْل واحدة؛ لقوله - عليه الصلاة والسلام -: «لا يَمشي أحدُكم في نعْل واحدة، ليُحفِهما، أو لينعلهما جميعًا»[11].

 

8- ألاَّ يلبس المسلم لبسةَ المسلمة، ولا المسلمة لبسة الرجل؛ لتحريم الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: «لَعَن الله المخنَّثين من الرِّجال، والمترجِّلاتِ من النساء»[12]، وقوله: «لعن الله الرجلَ يلبس لبسةَ المرأة، والمرأةَ تلبس لبسة الرجل»، كما لَعَن المتشبِّهين من الرِّجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرِّجال[13].

 

9- إذا انتعل بدأ باليمين، وإذا نَزَع بدأ بالشمال؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا انتعل أحدُكم فليبدأْ باليمنى، وإذا نَزَع فليبدأ بالشمال، لتكن اليُمنى أولَهما تُنعل وآخرَهما تُنزع»[14]؛ (رواه مسلم).

 

10- أن يبدأ في لبس ثوبه باليمين؛ لقول عائشة - رضي الله عنها -: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبُّ التيمُّن في شأنه كلِّه، في تنعُّله وترجُّله وطهوره"[15]؛ (رواه مسلم).

 

11- أن يقول إذا لبس ثوبًا جديدًا، أو عمامة، أو أيَّ ملبوس جديد: «اللهمَّ لك الحمد، أنت كسوتَنِيه، أسالك خيرَه وخيرَ ما صُنع له، وأعوذ بك من شرِّه وشرِّ ما صُنع له»؛ لورود ذلك عنه صلى الله عليه وسلم [16].

 

12- أن يدعوَ لأخيه المسلم إذا رآه لبس جديدًا، يقول له: أبلِ وأخْلِق؛ لدعائه صلى الله عليه وسلم بذلك لأمِّ خالد لَمَّا لبستْ جديدًا.


[1] من كتاب "منهاج المسلم"؛ لأبي بكر الجزائري (ص: 141-143).

[2] متفق عليه.

[3] أبو داود بإسناد حسن.

[4] متفق عليه.

[5] النسائي والحاكم وصحَّحه.

[6] البخاري.

[7] البخاري.

[8] مسلم.

[9] مسلم.

[10] مسلم.

[11] مسلم.

[12] البخاري.

[13] البخاري.

[14] مسلم.

[15] مسلم.

[16] أبو داود، والترمذي وحسنه.

  • 1
  • 0
  • 234
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    ملوك الطوائف يستغيثون بابن تاشفين • سجلت سنة 422 هـ انتهاء حكم الدولة الأموية في الأندلس وبداية مرحلة تاريخية جديدة عرفت بـ "ملوك الطوائف"، كان أهم سبب لهذا التحول، تعيين هشام الأموي سلطانا على الأندلس، قبل أن يتم السابعة من عمره، كما تشير بعض المصادر التاريخية، فتسلط عليه الحُجّاب والوزراء، أبرزهم المنصور بن أبي عامر الذي حكم باسم الأمويين بمساعدة أم هشام (صبح)، وتمكن من تحويل مقاليد الحكم إليه وإلى أولاده من بعده، مكوناً الدولة العامرية التي لم تعمر هي الأخرى طويلا، وعلى أنقاض الدولة الأموية وامتدادها العامري في الأندلس، قامت دويلات ضعيفة عرف عهدها بعهد "ملوك الطوائف"، تجاوز عددها اثنتين وعشرين دويلة، كان عهدها من أكثر عهود المسلمين في الأندلس تفككا وضعفا، تميز بردّة كثير من ملوك الطوائف لمظاهرتهم الصليبيين على الطوائف المسلمة الأخرى، وكذا دفع معظم ملوك الطوائف جزية مالية ضخمة للصليبي ملك قشتالة ألفونسو السادس، بعد أن كان الصليبيون هم من يدفع الجزية للمسلمين لأكثر من قرن. الاستعانة بالكفار على المسلمين في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري دخل ملوك الطوائف في حروب داخلية طاحنة فيما بينهم متغافلين عن عدوهم الصليبي في الشمال، بل لم يتورع بعضهم عن التحالف مع الدول الصليبية والاستعانة بها لقتال إخوانهم وأحيانا إعانتها بالمال والجند لقتال طائفة مسلمة أخرى، وأن يحصل على مساندتها العسكرية مقابل دفع الجزية، فنشبت حرب بين طائفة طليطلة وطائفة قرطبة، شارك فيها أمراء طليطلة وقرطبة وإشبيلية، استمر هذا الصراع سنوات، بلغ أوجه بتحالف المأمون بن ذي النون أمير طليطلة مع الصليبي فرناندو الأول ملك ليون وقشتالة، فاستولى المأمون على بلنسية بدعم صليبي، ثم سيطر المعتمد بن عباد أمير طائفة إشبيلية على مدن مرسية وأريولة ومدن أخرى، عقد ابن عباد بعدها حلفا مع الصليبي ألفونسو السادس ملك قشتالة، على أن يؤازر ألفونسو ابن عباد بالجنود النصارى في قتاله أمراء الطوائف الآخرين، في حين يدفع ابن عباد الجزية لملك قشتالة، فاستطاع ألفونسو بعد اتفاقاته مع ملوك الطوائف ومساعدتهم له من الاستيلاء على طليطلة (عاصمة القوط الغربيين قبل الفتح الإسلامي) في سنة 478 هـ، وفقد بذلك المسلمون طليطلة إلى الأبد بعد أن حكمها المسلمون ثلاثمائة واثنين وسبعين عاماً، واتخذها ملك قشتالة عاصمة لدولته الصليبية. الصليبيون لا يكتفون بالجزية والخضوع كان سقوط طليطلة بيد الصليبيين بمثابة آخر مسمار دُق في نعش التحالف بين ألفونسو وابن عباد أمير إشبيلية، كون ألفونسو لم يقنع بطليطلة فحسب كما هو في الاتفاق، بل احتل جميع الأراضي الواقعة على ضفتي نهر تاجة، وعلى قلاع مجريط (مدريد حاليا) وماردة وبطليوس، فجزع ابن عباد، وكتب إليه كتاباً يحذره فيه ألّا يتعدى في حروبه التوسعية طليطلة، إلا أن ألفونسو لم يهتم بكلام ابن عباد، وقرر مواصلة توغلاته في بلاد المسلمين، وأضحت طائفة سرقسطة مهددة بمصير كمصير طليطلة، حينها علم معظم ملوك الطوائف أن لا ملجأ من ألفونسو إلا بالاستنجاد بالمرابطين في المغرب الإسلامي. رعي الجمال خير من رعي الخنازير أرسل المتوكل بن الأفطس أمير بطليوس يطلب العون والمدد من السلطان يوسف بن تاشفين لإنقاذ الأندلس، عقد أهل الأندلس بعدها اجتماعا عاما ضم أمراءها وعلماءها وأعيانها وتجارها، وعندما تخوّف أغلب ملوك الطوائف من دخول المرابطين للأندلس خشية إزالة المرابطين لعروشهم الفاسدة، فقال لهم عبارته الشهيرة: "تالله إني لأؤثر رعي الجمال لسلطان مراكش على أن أغدو تابعا لملك النصارى أدفع له الجزية، إنّ رعي الجمال خير من رعي الخنازير!". فكتب ابن عباد رسالة إلى أمير دولة المرابطين في المغرب الإسلامي يوسف بن تاشفين جاء فيها: "إلى حضرة الإمام أمير المسلمين، إنا نحن العرب في هذه الأندلس، قد تلفت قبائلنا وتفرق جمعنا، وتوالى علينا هذا العدو المجرم اللعين أذفنش (ألفونسو)، أسر المسلمين وأخذ البلاد والقلاع والحصون، وقد ساءت الأحوال وانقطعت الآمال، وأنت أيدّك الله ملك المغرب، استنصرتُ بالله ثم بك، واستغثت بحرمكم، لتجوزوا لجهاد هذا العدو الكافر، والسلام على حضرتكم السامية، ورحمة الله تعالى وبركاته"، ولما وصل الكتاب لابن تاشفين أكرم حامليها، ثم استشار قادته وأمراءه، فأشاروا عليه بالسير إلى الأندلس لحمايتها من الوقوع في يد الصليبيين. وبالفعل، استجاب الأمير يوسف بن تاشفين -رحمه الله- لنصيحه قادته ومستشاريه، وعبر البحر بسبعة آلاف من خيرة مقاتليه، فكانت معركة الزلاقة التي نصر الله فيها أهل التوحيد من جيش المرابطين على جيش الصليبيين في العام 479 هـ. • المصدر: صحيفة النبأ – العدد 17 السنة السابعة - الثلاثاء 29 ربيع الآخر 1437 هـ من التاريخ: ملوك الطوائف يستغيثون بابن تاشفين

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً