كيف تستغل إسرائيل الوضع السوري لصالحها؟

منذ 2024-12-09

شهدت سوريا في الساعات الأخيرة سقوط نظام بشار الأسد، هذا الانهيار السريع للنظام السوري أثار ردود فعل محلية ودولية، وبلا شك كان لإسرائيل موقفها الخاص، حيث استغلت هذا التحول المفاجئ في الأوضاع لتحقيق مكاسب استراتيجية.

الموقف الإسرائيلي: فرصة لا تُفوَّت

بمجرد الإعلان عن سقوط نظام الأسد؛ عقدت حكومة الاحتلال الإسرائيلي برئاسة بنيامين نتنياهو سلسلة مداولات استراتيجية حول التطورات في سوريا، وقد تمخضت هذه المداولات عن مجموعة من القرارات وردود الفعل التي تُظهر كيف تحاول إسرائيل الاستفادة القصوى مما يحدث:

الاستجابة السريعة للأحداث:

أصدرت حكومة الاحتلال تعليمات مباشرة للجيش الصهيوني باحتلال المنطقة العازلة على الحدود مع سوريا، استنادًا إلى اتفاقية وقف إطلاق النار الموقعة عام 1974م، وقد نفذ جيش الاحتلال عدة عمليات ميدانية داخل الأراضي السورية بالفعل، شملت اجتياز الحدود وإطلاق نيران تحذيرية تجاه مسلحين اقتربوا من مناطق محظورة، وقالت تقارير إن هذه التحركات الميدانية حملت رسائل واضحة لأي نظام جديد في دمشق بضرورة الالتزام بالشروط الإسرائيلية لضمان عدم التصعيد.

تصعيد العمليات العسكرية:

أطلقت إسرائيل عمليات قصف مكثفة استهدفت قواعد عسكرية ومخازن أسلحة تابعة للجيش السوري، ورغم تبرير إسرائيل لهذه الخطوات بدعوى منع وقوع الأسلحة المتطورة في أيدي من وصفتهم بـ "ميليشيات إرهابية"، رأى مراقبون أن الهدف الحقيقي كان فرض قواعد جديدة للنظام السوري المقبل ورسم خطوط حمراء تحدد معالم المشهد الأمني في المنطقة.

خلال زيارته لمرتفعات الجولان السوري المحتل، وصف نتنياهو سقوط نظام الأسد بأنه "يوم تاريخي" في تاريخ الشرق الأوسط، مؤكدًا أن إسرائيل لن تسمح لأي تهديد أمني من الحدود السورية، وأضاف أن هذه التطورات تتيح فرصًا استراتيجية لإسرائيل رغم ما تحمله من مخاطر تتطلب الحذر واليقظة، تأتي هذه التصريحات رغم أن بقاء بشار في السلطة كان بدعم وموافقة صريحة من إسرائيل، فهو حارس البوابة وفي عهد لم تطلق رصاصة واحدة تجاه إسرائيل من الجولان المحتل لقد كانت الحدود السورية آمنة تماما مدة حكم نظام الأسد. وأشار نتنياهو إلى وجود أهمية كبرى في الوقت الراهن لبناء علاقات إيجابية مع الأقليات السورية مثل الدروز والأكراد.

 

في ظل التطورات الأخيرة وسقوط نظام الأسد، قررت إسرائيل اتخاذ خطوات أحادية الجانب للسيطرة على المنطقة العازلة بالكامل، أصدر نتنياهو أوامره للجيش بالتحرك، في خطوة تعكس نوايا إسرائيل لإعادة رسم قواعد اللعبة على الأرض

رسائل مزدوجة:

حرصت إسرائيل في الوقت نفسه على إيصال رسائل مزدوجة من خلال تحركاتها العسكرية والإنسانية. فمن جهة، أظهرت استعدادها للتعامل مع أي تهديد أمني بحزم، ومن جهة أخرى سعت إلى تعزيز صورتها على أنها مستعدة للتعاون مع الأطراف التي تلتزم بشروطها، مما يعكس استراتيجيتها المزدوجة في إدارة الأزمة السورية.

المنطقة العازلة: تغيير قواعد اللعبة

لطالما شكّلت المنطقة العازلة بين سوريا وإسرائيل واحدة من أبرز النقاط الحساسة في العلاقات بينهما، تأسست هذه المنطقة بموجب اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974م التي تم توقيعها برعاية الأمم المتحدة وبدعم القوى الكبرى كالاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، في أعقاب حرب أكتوبر 1973م، نص الاتفاق على فصل القوات العسكرية للجانبين وإنشاء منطقة محايدة تمتد على طول الحدود لمسافة 75 كيلومترًا، مع حظر تواجد القوات العسكرية أو الأسلحة الثقيلة داخلها.

منذ توقيع الاتفاقية كانت المنطقة العازلة تحت إشراف قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (UNDOF)، التي تمثل حضورًا دوليًا لضمان الالتزام ببنود الاتفاق. استمرت المنطقة لعقود كحاجز أمني يحول دون وقوع مواجهات مباشرة بين سوريا وإسرائيل. رغم ذلك، شهدت المنطقة اختراقات متعددة، لا سيما خلال الحرب الأهلية السورية التي بدأت عام 2011م، حيث انسحبت القوات السورية من أجزاء من المنطقة، ما أدى إلى فراغ أمني استغلته جماعات مسلحة مختلفة.

في ظل التطورات الأخيرة وسقوط نظام الأسد، قررت إسرائيل اتخاذ خطوات أحادية الجانب للسيطرة على المنطقة العازلة بالكامل، أصدر نتنياهو أوامره للجيش بالتحرك، في خطوة تعكس نوايا إسرائيل لإعادة رسم قواعد اللعبة على الأرض، هذا القرار يمثل تحولًا جذريًا عن الالتزام بالاتفاقية الدولية ويُظهر رغبة إسرائيل في تعزيز نفوذها الاستراتيجي في المنطقة، ومن اللافت أن التحركات الإسرائيلية تأتي في ظل صمت دولي نسبي تجاه اختراق الاتفاقية، أما على الصعيد الداخلي، فقد لاقت هذه التحركات دعمًا سياسيًا واسعًا داخل إسرائيل، حيث يرى الإسرائيليون أنها خطوة استباقية لتعزيز الأمن القومي الإسرائيلي.

لم تقتصر الخطوات الإسرائيلية على المنطقة العازلة فقط، بل تضمنت دعوات من مسؤولين كبار، مثل وزير الشتات عَميحاي شيكلي، لاحتلال قمم جبل الشيخ الشرقية داخل الأراضي السورية، وبرر شيكلي هذه الخطوة بضرورة منع الجماعات المسلحة من الاقتراب من المستوطنات الإسرائيلية في الجولان المحتل. هذه الدعوات تسلط الضوء على استراتيجية إسرائيلية أوسع تهدف إلى إقامة حزام أمني دائم يضمن عمقًا استراتيجيًا على طول الحدود، وتُظهر رغبة إسرائيل في تأكيد هيمنتها على المشهد الأمني في المنطقة، خاصة بعد تراجع النفوذ السوري في الجولان.

استراتيجية إسرائيل: مكاسب طويلة الأمد

لا تقتصر طموحات إسرائيل في سوريا على تأمين حدودها فقط، بل تسعى لترسيخ وجودها، من خلال العمل على استغلال الفوضى السياسية والعسكرية التي تعصف بسوريا منذ اندلاع الحرب الأهلية فيها، وتشمل الأهداف الإسرائيلية فرض وقائع جديدة على الأرض، مثل السيطرة على مناطق استراتيجية وبناء تحالفات وتحقيق مكاسب طويلة الأمد؛ ويمكن إيجازها في الآتي:

تعتبر إيران وحلفاؤها، مثل حزب الله، أبرز التحديات التي تواجه إسرائيل في سوريا، فقد أكدت القيادة الإسرائيلية مرارًا أن مراقبة التحركات الإيرانية في المنطقة تُعد أولوية قصوى. أشار رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إلى أهمية تعطيل خطوط الإمداد الإيرانية التي تنقل الأسلحة إلى حزب الله عبر الأراضي السورية.

يشمل ذلك استهداف مواقع تخزين الأسلحة والبنية التحتية العسكرية الإيرانية في سوريا، لذا تشكل العمليات العسكرية الإسرائيلية في سوريا جزءًا من استراتيجية لتعطيل البنية التحتية العسكرية الإيرانية، ولا يقتصر استهداف المواقع الإيرانية على الحد من القدرات العسكرية لحزب الله، بل يشمل أيضًا تقويض الطموحات الإقليمية لإيران، وعلى المدى القصير يوفر هذا التعطيل ميزة استراتيجية لإسرائيل من خلال تقليل التهديدات المباشرة على حدودها مع سوريا.

لكن في الوقت نفسه فإن عهد نظام بشار الأسد، ورغم التحديات المتمثلة في النفوذ الإيراني، كانت إسرائيل تعتمد عليه لتحقيق الاستقرار على حدودها الشمالية، لذلك فإن انهيار نظام الأسد يفتح الباب أمام فوضى جديدة، فتفكك سوريا وتحولها إلى مناطق نفوذ متفرقة، سيجعل إسرائيل تواجه تحديات كبيرة تتعلق بعدم الاستقرار، ولا شك أن انتشار الأسلحة المتقدمة في أيدي جهات غير حكومية يمثل خطرًا كبيرًا ويجعل إسرائيل في وضع أسوأ بكثير من وجود نظام مركزي يهمين على الحدود ويحمي إسرائيل.

  • 1
  • 0
  • 214
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    سوريا الحرة وسوريا الأسد! • هبَّ أن النظام النصيري سقط الآن، ما هو نظام الحكم الذي ستطبقه الفصائل في "سوريا الحرة؟" إن قلتَ الشريعة، فأنتَ لا تعرف الثورة! أو لا تعرف الشريعة! وإن قلت "مجلس انتقالي" و "دستور وطني"، فمع من كانت مشكلة "الثوار" إذن؟ مع عائلة الأسد؟! في السياسة البغيضة لا يمكن فهم الأحداث خارج نطاقها الزماني والمكاني، والتصعيد الأخير من قبل الصحوات، لا يمكن فهمه بمعزل عن سياقه الزماني بعد "اتفاق لبنان" وتولد رغبة دولية بإخراج إيران من المشهد السوري، وكذلك بعد تعثر الحوار السياسي بين الأسد وأتاتورغان، ما دفع الأخير إلى مخاطبة الأسد وحلفائه من خلف لثام الفصائل وبياناتهم السياسية، وعبر فوّهات بنادقهم المأجورة. كما لا يمكن فهم هذا التصعيد بمعزل عن سياقه المكاني ممثلا بالشمال السوري الذي تريد تركيا اقتطاع جزء منه منطقة عازلة تحمي حدودها وتمكنها من إعادة النازحين إليها. معلوم أن "التحالف الدولي" الذي تديره أمريكا، تشارك فيه تركيا كبيدق رئيس، وتدير بدورها بيادق أصغر، تتنافس فيما بينها في كسب رضا الراعي الدولي أو المشغل الإقليمي، ويحاول كل بيدق أن يقدّم نفسه فاتحا "محررا" للسوريين، وسياسيا "متحررا" للداعمين. إنها حرب بالوكالة بين "البيادق التركية" التي تحرك تركيا بعضها، وتغض الطرف عن بعضها، وبين "الأذرع الإيرانية" لتحصيل مكتسبات أفضل على طاولة "أستانا" أو "الدوحة" أو أي طاولة ترسم خارطة "سوريا المستقبل". "سوريا المستقبل" أو "الحرة" التي تسعى الصحوات إليها، سبق أن جلاها قادة الدولة الإسلامية في خطاباتهم قبل سنوات طويلة، واليوم تظهر معالمها الجاهلية واضحة في بيانات الهيئات المرتدة التي طغت عليها لغة الطمأنة للنظام الدولي، و "التعايش" مع "الأقليات" الوثنية والباطنية كالعلوية والإسماعيلية والإيزيدية!، ناهيك عن النصرانية، بل ذهبت هيئات الردة أبعد من ذلك عندما خاطبت روسيا الصليبية بصفتها "شريكا محتملا في بناء مستقبل مشرق لسوريا الحرة!" وخاطبت الحكومة العراقية الرافضية بلغة "التفاهم والتعاون الأخوي!". إنها ثورة جاهلية تسعى إلى" ترسيخ مفهوم الدولة"، وقطعا يقصدون بها "الدولة المدنية"، التي حاربوا لأجلها الدولة الإسلامية، إنها ثورة وليست جهادا في سبيل الله، ثورة تحرُّرية من "نظام قمعي" يستأثر بالسلطة، بغية الوصول إلى نظام آخر "ديمقراطي" يتقاسم السلطة، هذه هي مفاهيم وأبجديات الثورات، وهذه هي شكل "سوريا الحرة" بعد حقبة "سوريا الأسد!" تتلخص في إسقاط تمثال قبيح وبناء آخر على أنقاضه بوجه حسن! التفسير الشرعي لما يجري، لا يخرج عن سنة التدافع العادلة ، فكما رأينا التدافع في الصراع "اليهودي - الرافضي"، ها نحن نرى التدافع في الصراع "الوطني النصيري"، ولا شك أن هناك فرحة عارمة بين عامة المسلمين للتخلص من قبضة النظام النصيري وهذا طبيعي ومبرر حاليا، لكن خروج المناطق من قبضة النصيرية وسقوطها في قبضة تركيا العلمانية وفصائلها الوطنية لا يعني الانعتاق من شرنقة الجاهلية، وإنما الانتقال إلى حقبة جاهلية أخرى. بالمحصلة، فالحدث برمته لم يخرج عن نطاق الرغبة الدولية والنظام الدولي الذي صارت مصالح "الجهاديين والثوريين" لا تتقاطع إلا معه! لكن لما كان زحف الدولة الإسلامية قبل سنوات خلافا لرغبة النظام الدولي، سارعوا إلى تشكيل أكبر تحالف صليبي جاهلي في التاريخ لوقف زحف الخلافة الهادر الذي جاء على غير ما يتوقعون ويشتهون، ومع ذلك وصفوها بأنها "مؤامرة" عالمية كونية صنعتها أمريكا واليهود وإيران وروسيا وكل مخابرات العالم ولسنا في موضع نقارن به مشروع دولة الإسلام بمشاريع الجبهات والهيئات الوطنية القُطرية، فإن الذي بيننا وبينهم لمختلف جدا، ولكن نذكر بأن جيوش الخلافة في البوادي والأرياف لم توقف قتالها للنظام النصيري يوما، ولم تُذل خيولها. ولئن كان تحرك الصحوات متوافقا متقاطعا مع مصالح الحلف اليهودي الأمريكي، فإن الدولة الإسلامية يوم زحفت كان زحفها وما يزال مخالفا معارضا لكل الرغبات والمصالح الأمريكية اليهودية، حتى وصل زحفها نحو "أربيل" و "كوباني" حدائق اليهود الخلفية، فتداعى التحالف الجاهلي بكل أطرافه يتصارخون: اليهود اليهود أدركوا اليهود وانكبت طائرات الأرض تصب حممها لوقف هذا الزحف الهادر، وتكرر الأمر عندما زحف المجاهدون نحو أسوار بغداد، فانصهر الروم مع الفرس جيشا واحدا يقاتل ويذب عن بغداد خشية أن تعود دارا للخلافة، فكان زحف الدولة الإسلامية خلافا لكل الرغبات الدولية ومفارقة لا التقاء لكل المصالح الدولية ومع ذلك اتهمت بالعمالة لكل أقطاب الأرض! (سنوات خداعات.. يؤتمن فيها الخائن ويخوّن فيها الأمين). ◽ المصدر: مقتطف من افتتاحية صحيفة النبأ العدد 472 الخميس 4 جمادى الآخرة 1446 هـ

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً