شرح النووي لحديث: أتدرون ما الغيبة

منذ 2024-12-12

أتدرون ما الغيبة قالوا الله ورسوله أعلم قال ذكرك أخاك بما يكره قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته

صحيح مسلم:

حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر قالوا حدثنا إسمعيل عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال  «أتدرون ما الغيبة قالوا الله ورسوله أعلم قال ذكرك أخاك بما يكره قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته» .

شرح النووي:

قوله صلى الله عليه وسلم : «( الغيبة ذكرك أخاك بما يكره قيل : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فقد بهته )» يقال : بهته بفتح الهاء مخففة قلت فيه البهتان ، وهو الباطل . و ( الغيبة ) ذكر الإنسان في غيبته بما يكره . وأصل البهت أن يقال له الباطل في وجهه ، وهما حرامان . ( لكن ) تباح الغيبة لغرض شرعي ، وذلك لستة أسباب : أحدها التظلم ; فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمه ، فيقول : ظلمني فلان ، أو فعل بي كذا . الثاني الاستغاثة على تغيير المنكر ، ورد العاصي إلى الصواب ، فيقول لمن يرجو قدرته : فلان يعمل كذا فازجره عنه ونحو ذلك . الثالث الاستفتاء بأن يقول للمفتي : ظلمني فلان أو أبي أو أخي أو زوجي بكذا فهل له ذلك ؟ وما طريقي في الخلاص منه ودفع ظلمه عني ؟ ونحو ذلك ، فهذا جائز للحاجة ، والأجود أن يقول في رجل أو زوج أو والد وولد : كان من أمره كذا ، ومع ذلك فالتعيين جائز لحديث هند وقولها : إن أبا سفيان رجل شحيح . الرابع تحذير المسلمين من الشر ، وذلك من وجوه : منها جرح المجروحين من الرواة ، والشهود ، والمصنفين ، وذلك جائز بالإجماع ، بل واجب صونا للشريعة ، ومنها الإخبار بعيبه عند المشاورة في مواصلته ، ومنها إذا رأيت من يشتري شيئا معيبا أو عبدا سارقا أو زانيا أو شاربا أو نحو ذلك تذكره للمشتري إذا لم يعلمه نصيحة ، لا بقصد الإيذاء والإفساد ، ومنها إذا رأيت متفقها يتردد إلى فاسق أو مبتدع يأخذ عنه علما ، وخفت عليه ضرره ، فعليك نصيحته ببيان حاله قاصدا النصيحة ، ومنها أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها لعدم أهليته أو لفسقه ، فيذكره لمن له عليه ولاية ليستدل به على حاله ، فلا يغتر به ، ويلزم الاستقامة . الخامس أن يكون مجاهرا بفسقه أو بدعته كالخمر ومصادرة الناس وجباية المكوس وتولي الأمور الباطلة فيجوز ذكره بما يجاهر به ، ولا يجوز بغيره إلا بسبب آخر . السادس التعريف فإذا كان معروفا بلقب كالأعمش والأعرج والأزرق والقصير والأعمى والأقطع ونحوها جاز تعريفه به ، ويحرم ذكره به تنقصا ولو أمكن التعريف بغيره كان أولى . والله أعلم .

النووي

  • 2
  • 0
  • 119
  • عبد الرحمن محمد

      منذ
    تثبَّت قبل أن تحكم وتنقل • لقد ابتلي بعض المسلمين بالتسرع في الحكم على الوقائع والأشخاص، والإسراع في نقل ما اقتنعوا به، قبل أن يتثبتوا ويعرفوا حقيقة الأمر وملابسات الخبر. ومآل ذلك ظلمٌ وكذبٌ وافتراءٌ وقول زور وتنازع، وهو مما يفت عضد الأخوة الإيمانية، ويضعف اللحمة، ويورث الفرقة، وفي النهاية ستكون النتيجة هي الفشل والهزيمة، والعياذ بالله. فعلى المسلم التثبت والتأكد من كل خبر يسمعه أو واقعة تعرض له، فالتثبت في الأخبار منهج قرآني، الآيات فيه كثيرة متضافرة، كقوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36]. قال ابن كثير: «قال قتادة: لا تقل رأيت ولم تَرَ، وسمعت ولم تسمع، وعلمت ولم تعلم، فإن الله تعالى سائلك عن ذلك كله»، وقد أمرنا الله تعالى بالعدل، في القول في قوله سبحانه: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ} [الأنعام: 152]. والحكم والنقل لأولي الأمر بمثابة شهادة، يجب أن تراعى فيهما المصداقية والتجرد، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا} [المائدة: 8]، قال الطبري: «يعني بذلك جل ثناؤه: يا أيها الذين آمنوا بالله وبرسوله محمد، ليكن من أخلاقكم وصفاتكم القيام لله شهداء بالعدل في أوليائكم وأعدائكم، ولا تجوروا في أحكامكم وأفعالكم... ولا يحملنكم عداوة قوم على ألا تعدلوا في حكمكم فيهم وسيرتكم بينهم، فتجوروا عليهم من أجل ما بينكم وبينهم من العداوة». مراحل التثبت من الخبر: هذا، وعلى المسلم أن يعلم أن التثبت من الخبر والواقعة ثلاث مراحل، يجب استيفاؤها جميعا قبل الحكم أو الشكوى، وهي: 1- التثبت من صحة الخبر أو الواقعة: ويتحصل بالاطمئنان إلى صحة أصل الخبر وحقيقة وقوع الواقعة، لأن الخبر قد يكون كذبا والواقعة مختلقة، فعندها يرفض الخبر وترد الواقعة. 2- التثبت من دقة الكلام ووضوح الواقعة: فقد يكون أصل الخبر صحيحا والواقعة حقيقية، ولكن يتبين فيما بعد أن تفاصيل الخبر ليست كما نقل، وأحداث الواقعة ليست كما عرضت، ومن هنا تنشأ الشائعات بتسلسل النقل المعنعن المعلول. 3- التثبت من دقة فهم الناقل واستيعابه: فقد يكون الشخص صادقا، ولكنه سيء الفهم بطيء الاستيعاب، فيفهم الكلام على غير مقصوده، فينقله لغيره بفهمه الخاطئ. وهذه المراحل الثلاث من التثبت لا بد لكل مسلم يخشى الله أن يجتازها قبل أن يحكم أو أن ينقل خبرا أو واقعة معينة. الكذب الكسبي: إن قصر المسلم في التثبت من صحة الخبر ودقة الكلام وفهمه، فإن ذلك ربما يدخله في الكذب الكسبي! فما هو الكذب الكسبي؟ قال ابن حجر: «الكذب: هو الإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه، سواء كان عمدا أم خطأ» [فتح الباري]، وقال النووي: «الكذب هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو، سواء تعمدت ذلك أم جهلته» [الأذكار]. ومن هنا فإن الكذب نوعان: كذب ذاتي: وهو تعمد الإنسان قول خلاف الحق، وكذب كسبي: وصاحبه ليس كذابا متعمدا، ولكن يناله نصيب من الكذب بما ينقله من الأخبار التي يسمعها من الآخرين دون تبين ولا تثبت. وعن هذا القسم قال الله تعالى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَّا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15]. فهؤلاء خاضوا في حادثة الإفك دون تثبت وتبين وتأكد، فما أن طرق خبر الطعن في عرض أمنا الصديقة بنت الصديق عائشة -رضي الله عنهما- أسماعهم حتى انساب حديثه على ألسنتهم، والصياغة تدل على سرعة روايته عن غيره، وسرعة تكلمه بما سمع، فكأنه تلقى الخبر بلسانه وليس بأذنه! قال ابن أبي حاتم في تفسيره: «عن سعيد بن جبير في قول الله: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ}، وذلك حين خاضوا في أمر عائشة، فقال بعضهم سمعت من فلان يقول كذا وكذا، فقال بعضهم بلى كان كذا وكذا، فقال تلقونه بألسنتكم، يعني: يرويه بعض عن بعض، سمعتم من فلان، وسمعتم من فلان، وفي قوله: {بِأَفْوَاهِكُم} يعني: بألسنتكم، يعني: من قذفوها، وفي قوله: {مَّا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} يعني: من غير أن تعلموا أن الذي قلتم من القذف حق». أصناف نقلة الأخبار: وعلى المسلم أن يعلم أن نقلة الخبر أصناف كثيرة، فناقل الأخبار إما أنه ناصح، فتشترط فيه عندها ليكون كذلك شروط، هي: أ- النية الصالحة. ب- الصدق. ج- الضبط (الضبط حين السماع، والضبط حين الأداء). د- مخاطبة المنصوح مباشرة، لأن من حق المسلم على المسلم أن ينصحه، أما إن تجاوزه وتحدث أمام غيره، فإن ذلك ليس من النصح في شيء، بل هو الغيبة والتشهير والتأليب وإن لم يقصده. ◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 23 السنة السابعة - الثلاثاء 12 جمادى الآخرة 1437 هـ مقتطف من مقال: تثبَّت قبل أن تحكم وتنقل

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً