{كلا إن معي ربي سيهدين}

منذ 2024-12-12

الثقة في نصر الله، واليقين التام في تأييد الله، وعونه، ومَدَدِه من سمات المؤمنين، وعلامات المتقين، واليقين أهم مزايا المجاهدين من المؤمنين في أوقات الأزمات، وحين نزول البلاء، وحين ينتفش الباطل، ويعلو صراخه ويرتفع.

الثقة في نصر الله، واليقين التام في تأييد الله، وعونه، ومَدَدِه من سمات المؤمنين، وعلامات المتقين، واليقين أهم مزايا المجاهدين من المؤمنين في أوقات الأزمات، وحين نزول البلاء، وحين ينتفش الباطل، ويعلو صراخه ويرتفع.

 

ونحن – المؤمنين - لا نشُكُّ لحظة أننا في عين الله، وحمايته، وإن أطبقت علينا الأهوال، والنوازل، والمصائب، والبلايا؛ فيكفينا قول ربنا: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: 48].

 

فتخيَّل كيف تكون الثقة في النصر إذا صرَّحت أمريكا وأوروبا، وروسيا والصين أنهم مُجمِعون على دعمنا، ومستمرون في مددنا، وأنهم خلفنا يبذلون النفس والنفيس من أجلنا؟ فهل يشك أحد في أننا الطائفة المنصورة والراية المرفوعة؟

 

وهذا مجرد دعمٍ من مخلوق ضعيف، فكيف لو قال لنا الخالق: أنتم في عين الله وحفظه، الله حاميكم، الله معكم، الله ناصركم؟ وقد قال جل جلاله لنا ذلك في أكثر من آية في كتابه الكريم، ووعدَنا بالنصر والعز والتمكين، فيجب على كل مؤمن أن يكون على يقين لا شكَّ فيه أن النصر حليفنا، والفوز من نصيبنا، وأن رفع الراية البيضاء هو عمل الأعداء: {وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا} [الإسراء: 51]، ولا نشك لحظة في وعد ربنا: {أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214]، وفي اللحظات الحرجة، وحين ينتفش الباطل، وتعلو رايته، يظل المؤمن على يقين أثبت من الجبال أن الله منجز وعده، وناصر عبده، حتى لو اجتمعت الدنيا كلها لاستئصال شأفة الإسلام، وفي المقابل يهرول المنافقون، وسريعًا ما يهتِفون: {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب: 12].

 

فإذا اصطفى الله عز وجل من عباده المجاهدين شهداء، ارتفعت حناجر المنافقين: {لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} [آل عمران: 168].

 

الله مع المؤمنين:

نحن – المسلمين - كلنا ثقة لا تعرف الشك بأن الله معنا، وأن الله ناصرنا، وأن الله حافظنا وحامينا، وهذه العقيدة، وهذا اليقين، هو ما يجب أن يكون عليه المؤمنون في كل أوقاتهم، وجميع أزَمَاتهم، إذا كان النصر حليفنا، أو كانت الهزيمة قدرنا، أو حتى قبل حسم المعركة، وحين اشتداد البأس، والتحام الصف، وتطاير الرؤوس، وما لنا لا نوقن بالنصر؛ والله عز جل جلاله يقول في كتابه: {وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 19]، ويقول سبحانه وتعالى: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 35].

 

ومعية الله للعبد قسمان:

الأول: المعية العامة لجميع الخلق:

ومعناها: أن الله تبارك وتعالى هو المدبِّر لأمر الوجود كله، وهو الذي بيده كل شيء، وهو الحافظ للكون بكل ما فيه ومن فيه؛ قال تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [البقرة: 255]، وقال تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4]، وقال جل جلاله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحج: 65].

 

الثاني: المعية الخاصة:

وهي معية الله سبحانه وتعالى لأنبيائه ورسله، والمجاهدين في سبيله، والصالحين من عباده بالنصر والتأييد، والمعونة والإعانة، والتوفيق والسداد، والحفظ والرعاية؛ وفي القرآن الكريم: {قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 45، 46]، وقال سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى} [طه: 77].

 

وهنا لا بد من وقفة:

حين خرج موسى ومن معه من المؤمنين فارِّين بدينهم خوفًا من فرعون وملئه أن يفتنهم في دينهم، فاتبعهم فرعون وجنوده بغيًا وعدوًا: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 61، 62].

 

وحين تراءى الجمعان عَلَت حناجر المنافقين، بهلوستهم المعهودة عبر السنين، وهرطقتهم الممتدة عبر القرون: {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذاريات: 53].

 

قال المنافقون من جند موسى: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء: 61]، قالوها على سبيل السخرية والاستهزاء بموسى وهارون، قالوا: لقد أدركنا فرعون وجنوده، وأصبح الهلاك محققًا، والخُسران واقعًا، والبوار محتمًا، والنجاة اليوم هي درب من الخيال، ومحض أوهام، والسبب في كل هذه المصائب موسى وهارون، وهذا جزاء من انخدع بكلام موسى واتبعه، وأكثروا من هذا الكلام، وهذا عين ما يردده المنافقون في كل زمان ومكان؛ وقالوا: {أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} [الأعراف: 129]، وقالوا: هل هذا هو النصر والتمكين الذي وعدتنا به يا موسى؟ ما وعدتنا إلا غرورًا، كما قالوها بعد آلاف السنين في غزوة الخندق: {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب: 12]، وفي وسط هذا السيل الجارف من التهكم والسخرية، والتسليم بالبوار واليقين بالخسران من جانب المنافقين في جند الموحدين؛ قال كليم الله موسى بيقين أثبت من الجبال: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62]، قالها موسى بثباتٍ لا يعدوه شك، ويقين لا يعتريه وهن، وهنا العجب العُجاب، أنَّى لموسى هذا اليقين، وقد نزلت بهم المهالك، وضاقت عليهم المسالك، ولا أمل في النجاة؟ حتى قال العلماء: إن هذه الثقة، وهذا اليقين في هذا الوقت الحرج هو الذي ارتقى بموسى إلى مصافِّ أولي العزم من الرسل، فكانت النتيجة التي أذهلت الدنيا كلها عبر التاريخ؛ وهي: {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ} [الشعراء: 63 - 66].

 

وكانت نجاة موسى ومن معه، وغرق فرعون وجنوده؛ لأن موسى اتخذ الله ربًّا، ولا كرب على من اتخذ الله ربًّا.

 

وقال علماؤنا: إن الثقة بالله تفتح جميع الأبواب المغلقة، وإذا أراد الله شيئًا هيَّأ له أسبابه، حتى وإن كانت المقدمات لا توحي بالنتائج.

 

{فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 35]، وتلكم هي سنة الله في الكون؛ إهلاك الظالم وهو في أتم قوته، ونصرة المظلوم وهو في أتم ضعفه، ولا يقدر على ذلك أحد إلا الله، ولا ينال ذلك النصر العظيم والمقام الرفيع إلا أصحاب اليقين في نصر الله للمؤمنين، مهما كانت الأحوال.

 

قال سبحانه وتعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص: 5]، وقال جل جلاله: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} [الأعراف: 137].

______________________________________________________
الكاتب: أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي

  • 2
  • 0
  • 159
  • عبد الرحمن محمد

      منذ
    قتال أمريكا.. قضية شرعية أوَّلاً • فأمريكا اليوم طاغوت يُعبد من دون الله، من حيث أنها حكومة كافرة تحكم شعبها بغير ما أنزل الله، وتدين بدين الديموقراطية الشركي، وتحارب الله تعالى في حكمه باستباحة كل المحرمات، من الكفر بالله بدعوى الحرية إلى الزنا واللواط والخمر والميسر والربا وغيرها، وهي رأس الطواغيت في العالم، من حيث فرضها للأحكام الشركية على العالم كله، سواء باسم ميثاق الأمم المتحدة الشركي، أو بنصبها للطواغيت الحاكمين بغير ما أنزل الله، ودعمهم وتمويلهم وتسليحهم في حربهم على الإسلام والمسلمين، والدفاع عنهم وعن شرائع الشرك إذا ما خرج المسلمون عليها، ومن هذا المنطلق يكون جهاد هذا الطاغوت، وبهذا المنطلق يفترق أولياء الرحمن عن سواهم في قتالهم لأمريكا، بأن يكون القتال لإزالة هذا الطاغوت لإقامة حكم الإسلام مكانه، سواء داخل أمريكا ذاتها أو في العالم الذي تحكمه بجبروتها وطغيانها. وإننا نعلم باستقراء التاريخ أن الشيوعيين الملاحدة هم من أشد الناس إعلانا للعداء لأمريكا، وتبعهم في ذلك الرافضة من أنصار الهالك الخميني الذين أطلقوا عليها لقب «الشيطان الأكبر»، وبعض الطواغيت العرب الذين شعروا بتهديد أمريكا لملكهم وعروشهم، ونعلم أن عداء هؤلاء لأمريكا هو لرغبتهم في إزالة حكمها الطاغوتي لنصب طواغيت آخرين مكانه، كطاغوت عبادة المادة الشيوعي، وطاغوت ولاية الفقيه الرافضي، وما شابه ذلك، ففي المعايير الضالة الجديدة، هل كان عداء هؤلاء المزعوم لأمريكا وقتالهم لها جهادا في سبيل الله؟! وهل كانت مئات الألوف إن لم يكن الملايين من الكفار في أنحاء العالم الذين دفعوا حياتهم في حروب مع أمريكا أو عملائها شهداء، منازلهم في الغرف العليا من الجنة؟! إن دعاة الدين المُحدَث يزعمون أن حل كل مشاكل المسلمين يكون بكف أذى أمريكا عن التدخل في بلاد المسلمين، حيث سيتمكن المسلمون من هزيمة الطواغيت وإقامة دول وإمارات إسلامية، ومن ثم توحيد هذه الدول والإمارات في كيان واحد يطلقون عليه لقب الخلافة، متغافلين عن حقيقة أن الأرض تعج بالطواغيت الذين لا يقل أي منهم في عدائهم للإسلام عن أمريكا، وأن أيا منهم لن يرضى بقيام الدولة الإسلامية، فإذا قرّرت أمريكا أن تنعزل عن العالم وتكف عن التدخل في بلدان المسلمين ودعم الطواغيت الحاكمين من ملوك ورؤساء ويهود، فإلى من سينقل هؤلاء لقب «الشيطان الأكبر»؟ إلى روسيا أم إلى الصين أم إلى الهند أم إلى أي دولة تهيمن على العالم من بعد أمريكا؟ وإن أحداث الشام الأخيرة أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن أمريكا إن كفت عن التدخل في بلاد المسلمين، فسيجد الطواغيت الحاكمون لها بدلاء كثر عن أمريكا ليستنصروهم على أهل الإسلام، فبعدما سعت فصائل الصحوات لاسترضاء أمريكا بكل طاقتها، رجاء عونها، وخوفا من بطشها، وبعد أن حصّلت رضا أمريكا عنها نوعا ما، فوجئت بالطائرات الروسية وهي تساند النظام النصيري ضدها وتقدم لها الغطاء الجوي لتقدّمها إلى مناطقهم. ومن جانب آخر، فإن أمريكا وإن كانت الداعم للعدد الأكبر من الطواغيت الحاكمين لبلدان المسلمين، فإننا لو تجولنا في أقطار أخرى لوجدنا أمريكا تتراجع على مقياس العداوة -وفق المقياس المنحرف- إلى المرتبة الثانية، بل وقد تتحول عند بعض المنتسبين إلى الإسلام إلى صديق أو حليف في مواجهة حكومات أخرى أشد فتكا بالمسلمين في تلك الديار، كما هو الأمر بالنسبة لحكومة روسيا بالنسبة لدول آسيا الوسطى، والحكومة الهندوسية بالنسبة لدول شبه القارة الهندية، والحكومة الصينية الشيوعية بالنسبة للإيغور، والحكومة البوذية بالنسبة لأهل بورما، ولو جمعنا تعداد المنتسبين إلى الإسلام في هذه المناطق، سنجد أنهم يشكلون ما لا يقل عن ثلث المنتسبين إلى الإسلام في العالم، وكل هؤلاء يعتبر أن العدو الأول له هو حكومة طاغوتية أخرى غير أمريكا، بل -وكما أسلفنا- ستجد بعضهم يرون أمريكا صديقا وحليفا ضد الحكومات التي تسلطت عليهم! إن الدولة الإسلامية بفضل من الله وحده هي أكثر من حقق النكاية في أمريكا، وقد مكن الله مجاهديها من إيقاع أكبر هزيمة بأمريكا في تاريخها في العراق، ولم تكن كمن جعل من قتال أمريكا وثنا يعبد من دون الله، يُترك لأجله أصل الدين وموالاة المشركين. إن من يتكلم باسم الأمة المسلمة كلها، لا يصح منه أن ينظر إلى مصالحها من عين البلد الذي يعيش فيه، أو يتكلم باسمها باللغة التي يفهمها قومه فقط، فقضية الإسلام عامة، ويجب أن تشمل كل المسلمين، ويجب أن يكون التحريض ضد كل أعداء الإسلام، لكيلا تختلط الأمور على الناس فيظنوا أن عداء بعض الطواغيت لبعض، قد يجعل منهم أولياء للمسلمين، وينزع عنهم صفة الكفر والشرك، وبذلك فقط تستبين السبيل، ويتضح الطريق، ولله عاقبة الأمور. ◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 23 السنة السابعة - الثلاثاء 12 جمادى الآخرة 1437 هـ مقتطف من مقال: قتال أمريكا.. قضية شرعية أوَّلاً

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً