خطورة التبرج في الدنيا والآخرة

منذ 2024-12-17

إن التبرج يضر النساء والرجال في الدنيا والآخرة، ويُزري بالمرأة، وهو حرام على الشابة، والعجوز، والجميلة، والشوهاء،

 

حماده إسماعيل فوده

إن التبرج يضر النساء والرجال في الدنيا والآخرة، ويُزري بالمرأة، وهو حرام على الشابة، والعجوز، والجميلة، والشوهاء، فتبرج المرأة ضرره عظيم، وخطره جسيم؛ لأنه يخرب الديار، ويجلب الخزي والعار، ويدعو إلى الفتنة والدمار.

ومن أعظم مفاسده تَشَبُّه كثير من النساء المسلمات بالنساء الكافرات في لبس القصير من الثياب والذي يجعلها عارية الذراعين والساقين، وغير ذلك مما أوجب الله عز وجل عليهنّ ستره وعدم إبداءه إلا لأزواجهنّ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ » "[1].

وبشيءٍ من التفصيل نوضح فيما يلي بعض مثالب التبرج وخطورته على الدين والدنيا:

أولاً: التبرج معصية لله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، وكبيرة من الكبائر:

ومن يعص الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه، ولن يضر الله شيئًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «"كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى"، فقالوا: يا رسول الله، من يأبَى؟ قال: "مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى"» [2].

ومر معنا بعض الأدلة على تحريم التبرج، وأنه معصية لله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومما يدل على حُرمته أيضاً:

ما رواه أبو حَريز مولى أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه قال: "خطب الناس معاوية رضي الله عنه بحمص، فذكر في خطبته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم سبعة اشياء، وإني أبلغكم ذلك، وأنهاكم عنه، منهن النوح والشعر والتصاوير، والتبرج، وجلود السباع، والذهب، والحرير"[3].

بل قَرَنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم التبرج بأكبر الكبائر كما في حديث أميمة بنت رُقَيْقَةَ رضي الله عنها حينما جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تبايعه على الإسلام فقال: «"أُبَايِعُكِ عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكِي بِاللهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقِي وَلَا تَزْنِي، وَلَا تَقْتُلِي وَلَدَكِ، وَلَا تَأْتِي بِبُهْتَانٍ تَفْتَرِينَهُ بَيْنَ يَدَيْكِ وَرِجْلَيْكِ، وَلَا تَنُوحِي، وَلَا تَبَرَّجِي تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى"» [4].

واعلمي -أختاه- أن للمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة، المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله عز وجل:

فمنها: حرمانُ العلم: فإن العلم نورٌ يقذفه الله في القلب، والمعصية تطفئ ذلك النور.

ومنها: حرمان الرزق: كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " «إِنَّ العَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ» "[5]، وكما أن تقوى الله عز وجل مجلبة للرزق، فترك التقوى مجلبة للفقر، فما استجلب رزق الله عز وجل بمثل ترك المعاصي.

ومنها: ظلمة يجدها في قلبه حقيقة، يحس بها كما يحس بظلمة الليل البهيم إذا ادلهمّ[6].

رُويَ أن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: "إن للحسنة ضياءً في الوجه ونورًا في القلب وسعةً في الرزق وقوةً في البدن ومحبةً في قلوب الخلق، وإن للسيئة سوادًا في الوجه، وظلمةً في القلب، ووهنًا في البدن، ونقصًا في الرزق، وبغضةً في قلوب الخلق".

ومنها: أن المعصية سبب لهوان العبد على ربه وسقوطه من عينه.

قال الحسن البصري رحمهم الله: "هانوا عليه فعصوه، ولو عزوا عليه لعصمهم"[7].

وإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد، كما قال الله تعالى:  {﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ﴾ } [الحج: 18]، وإن عظمهم الناس في الظاهر لحاجتهم إليهم أو خوفًا من شرهم، فهم في قلوبهم أحقر شيءٍ وأهونه.

ومنها: أن العبد لا يزال يرتكب الذنب حتى يهون عليه ويصغر في قلبه؛ وذلك علامة الهلاك، فإن الذنب كلما صغر في عين العبد عظم عند الله.

وقد ذكر البخاري رحمه الله في صحيحه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنها في أصل جبل، يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذبابٍ وقع على أنفه فقال به هكذا فطار"[8].

 

ومنها: أن المعصية تورثُ الذل ولا بُدّ؛ فإن العز كل العز في طاعة الله سبحانه؛ قال الله: { ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ ﴾ } [فاطر: 10] أي: فليطلبها بطاعة الله؛ فإنه لا يجدها إلا في طاعته.

 

قال الحسن البصري رحمه الله: "إنهم وإن طقطقت[9] بهم البغال وهملجت[10] بهم البراذين[11]، إن ذل المعصية لا يفارق قلوبهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه" [12].

 

وقال عبدالله بن المبارك رحمه الله:

رأيتُ الذنوبَ تميتُ القلوبَ 

وقد يورثُ الذُّلَّ إدمانُها 

وترك الذنوبِ حياةُ القلوبِ 

وخيرٌ لنفسِكَ عِصيَانُهَا[13] 

 

ومنها: أن الذنوب إذا تكاثرت طُبع على قلب صاحبها، فكان من الغافلين، كما قال بعض السلف في قوله تعالى:  {﴿ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ﴾} [المطففين: 18] قال: هو الذنب بعد الذنب[14].

 

وكما أن للذنوب آثارًا فإن لها عقوبات أيضًا فمنها:

ذهاب الحياء الذي هو مادة حياة القلب، وهو أصل كل خيرٍ، وذهابه ذهاب الخير أجمعه.

 

وفي الصحيح[15] عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ".

 

وقال : «"إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِالنُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ"» [16].

 

ومنها: أنها تستدعي نسيان الله عز وجل لعبده وتركه، وتخليته بينه وبين نفسه وشيطانه، وهناك الهلاك الذي لا يُرجى معه نجاة، قال الله سبحانه وتعالى: { ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾} [الحشر: 18، 19].

 

ومنها: أنها تُزيل النِعم وتُحل النِقم.

 

قال الله تعالى: {﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ } [الشورى: 30]

وقال الله تعالى: {﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ } [الأنفال: 53].

وقال الله تعالى: { ﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾} [الرعد: 11].

 

ولقد أحسن القائل:

إذا كنت في نعمةٍ فارعَها 

فإن المعاصي تُزيلُ النِّعَمْ 

وحُطها بطاعةِ ربِّ العبادِ 

فرَبُّ العبادِ سريعُ النِّقْم[17] 

 

ومنها: أنها تسلب صاحبها أسماء المدح والشرف وتكسوه أسماء الذمِّ والصغار، فتسلبه اسم المؤمن والبر والمحسن والمتقي والمطيع وتكسوه اسم الفاجر والعاصي والمخالف والمسيء والمفسد والخبيث.

 

فهذه أسماء الفسوق و {﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾} [الحجرات: 11].

 

ومنها: أنها تمحق بركة العُمر، وبركة الرزق، وبركة العلم، وبركة العمل، وبركة الطاعة.

وبالجملة فالذنوب تمحق بركة الدين والدنيا، فلا تجد أقل بركةٍ في عُمره ودينه ودنياهُ ممن عصى الله عز وجل، وما محقت البركة من الأرض إلا بمعاصي الخلق.

قال الله تعالى: {﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾} [الأعراف: 96].

 

وفي الحديث: «"إِنَّ رَوْحَ القُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِيَ أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ أَجَلَهَا وَتَسْتَوْعِبَ رِزْقَهَا فَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ وَلَا يَحْمِلَنَّ أَحَدَكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ يَطْلُبَهُ بِمَعْصِيَةٍ فَإِنَّ اللهَ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ» "[18].

 

ومنها: أنها تجرئ على العبد من لم يكن يتجرأ عليه من أصناف المخلوقات.

 

قال بعض السلف رحمهم الله: "إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق امرأتي ودابتي"[19] ا.ه[20].

 


[1] رواه أبوداود (4031)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6149).

[2] رواه البخاري (7280).

[3] رواه أحمد (16934)، وقال شعيب الأرنؤوط: صحيح لغيره.

[4] رواه أحمد (6850). وقال المحقق شعيب الأرنؤوط: صحيح لغيره.

[5] رواه الإمام أحمد في المسند (22438).

[6] ادلهمَّ: كثفَ واسوَدَّ. انظر اللسان (12 /206).

[7] نسبه له ابن الجوزي في (ذم الهوى)، وابن القيم في غير كتاب، وابن رجب في جامع العلوم والحكم(1 /470)، وروى ابن بطة في الإبانة (2 /293) عن يحيى بن معاذ الرازي مثله، ورواه أبو نعيم في الحلية (9 /261) عن أبي سليمان الداراني.

[8] رواه البخاري (6308).

[9] الطقطقة: صوت قوائم الخيل على الأرض الصلبة. انظر: اللسان مادة: طقطق.

[10] الهملجة: حسن سير الدابة في سرعة. انظر اللسان (مادة هملج).

[11] البراذين: جم يرذون وهو غير العربي من الخيل والبغال. المعجم الوجيز (ص:44).

[12] رواه الطبري في تاريخه بنحوه مطولاً في قصة خروجه من عند الحجاج(11 /638) وفيه: إنهم وإن ركبوا البغال، وصعدوا المنابر.......إلخ.

[13] نسبها لابن المبارك أبو نعيم في الحلية (8 /279)، وابن عساكر(32 /467)، ونُسبت لابراهيم ابن أدهم كما عند ابن عساكر(6 /337)، والبداية والنهاية (10 /149).

[14] أنظر:تفسير القرطبي (19 /259)، وابن كثير(4 /588).

[15] رواه مسلم (37).

[16] رواه البخاري (3483).

[17] الأبيات لأبي الحسن الكندي القاضي، كما في شرح الزرقاني على المواهب (9 /349)، وذكرها دون نسبة الماوردي في أدب الدنيا والدين (ص:245).

[18] حلية الأولياء؛ لأبي نعيم (10 /26)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2085).

[19] من قول الفضيل، نسبه له ابن الجوزي في ذم الهوى (ص:185)، وصيد الخاطر(ص:31).

[20] الداء والدواء لابن القيم (52-89) بتصرف.

 

  • 1
  • 0
  • 124

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً