تقويم المواقف
(الاستشراق بين منحيين .. النقد الجذري أو الإدانة)
ومن خلال استقراء - غير شمولي - حول ما كُتب عن الاستشراق والمستشرقين من نقد؛ يمكن القول: إنَّ الذين يقفون موقف الرفض مما جاء به المستشرقون رفضًا مطلقًا، وإنْ غلبت عليهم الغيرة على الدين، قد وقفوا على جهود بعض المستشرقين في مؤازرة الاحتلال والتنصير والإمبريالية الغربية، كما وقفوا على طعون بعض المستشرقين في القرآن الكريم والسنة النبوية ورموز الإسلام والمسلمين، وإثارتهم للشبهات، والتصيُّد لما في بعض كتب التفسير والتاريخ من إسرائيليات وروايات ضعيفة أو موضوعة، مما يعود بالخير على المسلمين، كما قد يغلب على هذه الفئة - من ناحية أخرى - ضعف الاختصاص في مجال الاستشراق من الناحة العلمية، ولا يُطعن في رغبتهم في الموضوعية والإخلاص، وربَّما قيل إنَّ هذه الفئة قد تمثَّلت في مجموعة من الباحثين والدارسين ذوي المرجعية الإسلامية والإحيائية الأصولية - على ما يذكر نصير الكعبي[1]، بالمفهوم الإسلامي الإيجابي للأصولية، لا ذلك المفهوم الكنسي السلبي.
بينما الفئة التي انبهرت بالاستشراق والمستشرقين، وقبلت كلَّ ما جاء به المستشرقون أو جلَّه؛ غلب عليهم الانبهار والرغبة في اتِّباع سنن غير المسلمين في كتاباتهم عن الإسلام والمسلمين، لدوافع قد يكون منها ضعف حماسهم للدين والغيرة عليه، بل ربَّما - عند بعضهم - تجاهل العامل الديني وأنه لا علاقة له بالأكاديمية والإبداع[2]، دون الدخول في النوايا والمقاصد، وربَّما كان منهم من لا ينتمون إلى الإسلام من مفكِّري العربية، وإنْ تثقَّفوا بالثقافة الإسلامية بحكم المعايشة، فما جعلوا من الدين مقياسًا لتحديد الموقف من الاستشراق[3]، وربَّما نُظر إلى هذه الفئة التي انفتحت على الاستشراق والمستشرقين وتعاطت معهم بإيجابية وعدَّتها مرحلة ضمن مراحل تطوُّر الدراسات الشرقية؛ على أنهم باحثون ذوو مرجعيَّات ليبرالية وعلمانية - على ما يذكر نصير الكعبي[4].
وربَّما دخل هذا الحوار كلُّه في مفهوم طالما تداوله مفكِّرو العربية، يقوم حول الموقف من الاستشراق بين الإنصاف والإجحاف[5]، مما أفضى إلى موقف معاكس حول مواقف المستشرقين من الإسلام والمسلمين بين الإنصاف والإجحاف[6].
[1] انظر: جواد علي: أبحاث في تاريخ العرب قبل الإسلام، مرجع سابق، (1: 65).
[2] انظر: ميشال جحا: موقف الدكتور عمر فرُّوخ من الاستشراق والمستشرقين، (ص: 81 - 90)، في الاستشراق، مرجع سابق، سلسلة كتب الثقافة المقارنة؛ 4، وانظر المقالة نفسها: في الاجتهاد، مرجع سابق، (ص: 131 - 151).
[3] انظر: هاشم صالح (مترجم ومعد): الاستشراق بين دعاته ومعارضيه، مرجع سابق، (ص: 7).
[4] انظر: جواد علي: أبحاث في تاريخ العرب قبل الإسلام، مرجع سابق، (1: 65).
[5] انظر: عبداللَّه علي العليَّان: الاستشراق بين الإنصاف والإجحاف، مرجع سابق، (ص: 6).
[6] انظر: محمد زرمان: النبي في الفكر الغربي بين الإنصاف والإجحاف، الجزائر: وجوه الثقافة، 1433 هـ / 2012 م، (ص: 116).
_______________________________________________
الكاتب: أ. د. علي بن إبراهيم النملة
- التصنيف:
عنان عوني العنزي
منذ