حياة بلا حسد
ازدادت ظاهرة الحسد انتشارًا بسبب وسائل التواصل الاجتماعي التي تعرِّض لنا حياة الآخرين بشكل مثالي؛ ما يولِّد لدينا شعورًا بالنقص والحسد، ولكن علينا أن نتذكر أن هذه الصور لا تعكس الحقيقة كاملةً، وأن السعادة الحقيقية لا تكمُن في المظاهر الخارجية
قال تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131].
آية كريمة تتجاوز كونها نصًّا دينيًا، لتكون بوصلة إرشادية نحو حياة سعيدة ومتوازنة، تدعونا هذه الآية إلى القناعة والرضا، وتُنذرنا من شرِّ الحسد الذي يفتِكُ بالقلب ويؤدي إلى الشرور، إن الحسد سِمَةٌ ذميمة، يفتقر أصحابها إلى الإيمان بالقَدَرِ والخِيَرَة، فيقارنون أنفسهم بالآخرين باستمرار، ويتمنَّون زوال النِّعَمِ عنهم، وقد أجمع العلماء على أن الحسد من أسباب الشقاء والبلاء، وأن الحاسد يعيش في حالة من القلق والتوجُّس؛ فهو لا يستمتع بنِعَمِ الله عليه، ولا يهنأ بحياة الآخرين، في حياة الصحابة، نجد أمثلة كثيرة على القناعة والرضا، فبينما كان بعض الصحابة يمتلكون الأموال والجاه، كان آخرون يعيشون في فقر مُدقِعٍ، ومع ذلك كانوا جميعًا سعداءَ قانعين بما قسم الله لهم.
لقد كانوا يَرَون أن النعمة الحقيقية تكمُن في الإيمان بالله والعمل الصالح، وليس في جمع الأموال والمناصب.
إن الحسد ليس مجرد شعور عابرٍ، بل هو مرض نفسيٌّ خطير يؤثر في العلاقات الاجتماعية، ويؤدي إلى انتشار الكراهية والبغضاء، فالحاسد لا يقتصر على الحسد على المال والجاه، بل يحسُد الآخرين على صحة أجسادهم، وجمال وجوههم، وحتى على ذريتهم، في عصرنا الحالي، ازدادت ظاهرة الحسد انتشارًا بسبب وسائل التواصل الاجتماعي التي تعرِّض لنا حياة الآخرين بشكل مثالي؛ ما يولِّد لدينا شعورًا بالنقص والحسد، ولكن علينا أن نتذكر أن هذه الصور لا تعكس الحقيقة كاملةً، وأن السعادة الحقيقية لا تكمُن في المظاهر الخارجية، بل في القناعة بما قسم الله لنا، والعمل على تطوير أنفسنا.
إن القناعة لا تعني التكاسل أو اليأس، بل تعني قبول الواقع كما هو، والعمل على تحسينه بقدر المستطاع، فالمؤمن يعمل بجدٍّ واجتهاد، ويتوكل على الله، ولا يحسُد الآخرين على نجاحهم.
إن رسالتنا للمجتمع هي أن يتحلَّى أفراده بالقناعة والرضا، وأن يتجنَّبوا الحسد بكل أنواعه، وأن يركزوا على تطوير أنفسهم، والعمل على تحقيق أهدافهم، وأن يشكروا الله على نِعَمِهِ، وأن يتذكروا أن السعادة الحقيقية تكمُن في التقوى والعمل الصالح، وليس في جمع الأموال والمناصب.
ختامًا، فإن الآية الكريمة هي دعوة صادقة لنا جميعًا لكي نعيش حياةً سعيدة ومتوازنة خالية من الحسد والكراهية، فبالتقوى والرضا والعمل الصالح، ننال رضا الله تعالى ونَسعَد في الدنيا والآخرة.
__________________________________________
الكاتب: د. أسماء محمد سالم الجرف
- التصنيف:
عنان عوني العنزي
منذ