معاني التكبير
فكان التكبير أوفر الأذكار حظا في الإسلام على الإطلاق، لأن صيغة فعّل دلت عليه ولكثرة الأمر به
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
التكبير مصدر قياسي سيال يقع شيئا فشيئا ولا يحصل دفعة واحدة، من فعْل كبّر يكبر على وزن فعّل الذي يفيد التكثير والمبالغة، ويفيد التعدية والصيرورة والمطاوعة، ويفيد الإزالة والسلب، ويفيد نسبة الشيء إلى أصل الفعل والتوجه إليه، ومادة [ك ب ر] مأخوذة من الكِبَر بالكسر العظمة وكذلك الكبرياء، ولذلك يرادفها في اللغة أفعال: أَضَافَ, أَكْثَر, بالَغَ, زَادَ, ضَاعَفَ, ضَخَّمَ, عَظَّمَ, فَخَّمَ، واصطلاحا التّكبير لتعظيم اللّه بقولك: اللّه أكبر ولعبادته ولاستشعار تعظيمه، والتكبير له معنيان شرعيان: الأول هو قول "الله أكبر" والثاني هو جعل قلبي يقتضي تنزيه الله عن النقائص واثبات صفات الكمال له، لكن لابد وأن يظهر أثر هذا الجعل في الخارج في القول والعمل لتلازم الظاهر والباطن، فالله أكبر حقيقة ومعنى، أكبر في ذاته وأسماءه وصفاته من كل شيء قال تعالى: {(وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون)} وحتى يصح منك هذا الاعتقاد وتثبت هذه الشهادة ويقبل هذا العمل ويستقيم هذا الاقرار لا بد وأن تكون عبادة الله أكبرعندك من كل ما سواه قال تعالى: {(اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون)} مستوفية لركني الإخلاص والمتابعة، وفي قول "الله أكبر" إثبات عظمته، فإن الكبرياء يتضمن العظمة، ولكن الكبرياء أكمل، ولذلك خص الله لفظة "الله أكبر" بما شاء من خصائص التكريم والتشريع، فكان بذلك التكبير أوفر الأذكار حظا وقدرا في الإسلام لما يحمله من معاني وخصائص ولأن فيه معاني التسبيح والتهليل والحمد وذلك أن التفضيل يستلزم نقصان من عداه والناقص غير مستحق للإلهية، واثبات عظمة الله وكبريائه وكماله يستلزم عبادته وتنزيهه، فالتكبير توحيد وإيمان، قول واعتقاد وعمل، يقول ابن تيمية: (فالتكبير شُرِع أيضا لدفع العدو من شياطين الإنس والجن، والنار التي هي عدوّ لنا، وهذا كله يبين أن التكبير مشروع في المواضع الكبار لكثرة الجَمْع، أو لعظمة الفعل، أو لقوة الحال، أو نحو ذلك من الأمور الكبيرة؛ ليبين أن الله أكبر وتستولي كبرياؤه في القلوب على كبرياء تلك الأمور الكبار فيكون الدين كله لله، ويكون العباد له مكبّرون فيحصل لهم مقصودان: مقصود العبادة بتكبير قلوبهم لله، ومقصود الاستعانة بانقياد سائر المطالب لكبريائه، ولهذا شرع التكبير على الهداية والرزق والنصر؛ لأن هذه الثلاث أكبر ما يطلُبُه العبدُ، وهي جِماعُ مصالِحه) فالله أكبر معناها عظم الله بالتوحيد في ربوبيته وفي عبادته وفي أسماءه وصفاته وفي قضائه الكوني وفي شرعه وأمره، والتكبير إعلانٌ عن عظمَة الله، وإذعانٌ لكبريائِه في القلوب والجوارح، كلما قوِيَ علمُ العبد ومعرفتُه بأن الله أكبر زادَت عنده الخشية والرَّهبة والتعظيم والمحبَّة وحُسن العبادة ولذَّة الطاعة. وأَبْلَغُ لَفْظَةٍ لِلْعَرَبِ فِي مَعْنَى التَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ: اللَّهُ أَكْبَرُ {(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً . قُلِ اللَّهُ)} وقدم لفظ الجلالة "الله" على الخبر "أكبر" فأفاده التخصيص لكون الفائدة أعم، لأن زيادة الخصوص توجب أتمية الفائدة، فوجب حصر المبتدأ في خبره حتى يختص الله سبحانه بالأكبرية دون من سواه ولذلك كان الحذف المقدر "الله أكبر من كل من سواه" قال ابن حجرٍ رحمه الله عن التكبير: "ذكرٌ مأثورٌ عند كل أمرٍ مهُول، وعند كل حادِثِ سُرورٍ، شُكرًا لله تعالى، وتبرئةً له من كل ما نَسَبَ إليه أعداؤُه" وتكبيره سبحانه جامع لاثبات كل كمال له وتنزيهه عن كل نقص وعيب، وإفراده وتخصيصه بذلك، وتعظيمه وإجلاله، فهو أكبر من أن يذكر بغير المدح والتمجيد والثناء الحسن. وأما حكم التكبير من حيث الاعتقاد فاتفق العلماء قاطبة أنه فرض عين على المكلفين، في الصلاة وخارجها لأن التكبير تنزيه وتعظيم لله تعالى وهو واجب في كل الأوقات والأحوال ولأن الله سبحانه أمر به فقال { (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ)} قال ابن العربي : (وهذا القول وإن كان يقتضي بعمومه تكبير الصلاة ، فإنه مراد به التكبير والتقديس والتنزيه ) فقدَّم المفعول على العامل فيه وهو الفعل, فدل على الاختصاص, بمعنى {(وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ)} أي عظّمه بالتوحيد، والأصل في الأمر المجرد عن القرينة الوجوب، ولا يتحقق التكبير والذكر إلا باللفظ الذي يواطيء الاعتقاد وذلك لأن اللفظ قالب المعنى والمطلوب قول اللسان بذكر لفظ الجلالة مع تنزيهه عن النقائص وإظهار ذلك، فإذا كان الاعتقاد واجبا كان اللفظ الدال عليه واجبا فالتكبير توحيد ومن أوجب الواجبات والتكبيرة صدقة واجبة على كل سلامى من بني آدم لكن الإكثار منه بحيث يغلب على اللسان يبقى مندوبا وفرصة للتنافس بين المكثرين ويسبق إليه المفردون إذا انتفت موانع الاتيان به أو زاحمه ما هو أوجب منه أو أفضل
الله أكبر جُملةٌ عظيمةٌ حافِظةٌ، إذا سمِعها الشيطان تصاغَرَ وتحاقَرَ وخنَسَ، فكبرياءُ الجبَّار تقمَعُ انتِفاشَ الشيطان، وإذا تغوَّلت الغيلان فبادِروا بالتكبير فإن التكبيرَ ذِكرُ الجليل، وعبادةٌ عظيمةٌ، دعا الله عبادَه إليها ورغَّبَهم فيها، وبتكبير الله وتعظيمِه تُحلُّ الكُروب، وتزولُ الخُطوب، وتُرفعُ الهُموم، وتنقشِعُ الغُموم. بتكبير الله وتعظيمِه يصفُو العيش، ويُشفَى الداء. يقولُ عُمر بن الخطاب رضي الله عنه: (قولُ العبد: الله أكبر خيرٌ من الدنيا وما فيها) فضائل التكبير كثيرة منها أنه أحب الكلام إلى الله وأفضله اصطفاه الله لملائكته ولعباده، جنة من النار يحط الله به الخطايا وإن كثرت، ووسيلة لكسب الحسنات وغراس للجنة، ثقيل في الميزان خفيف على اللسان ومن أفضل ما يأتي به العبد يوم القيامة، فهو صلاة وذكر وعبادة تفتح لها أبواب السماء ولا تتناهى بل باقية في الجنة، مدح الله أهله ورفع ذكرهم ومقامهم وجعله عونا لهم على الصبر وزوال الكرب، به تطمئن القلوب ودليل إسلام واستسلام، لا أفضل منهم، تكبيرهم يعادل انفاق المال وجهاد العدو ومكابدة الليل، يجزئ عن القرآن لمن لا يستطيع شيئا منه، وأفضل التكبير ما كان مقترنا بذكر آخر كقول (اللهُ أكبَرُ، اللهُ أكبَرُ، لا إلهَ إلَّا اللهُ، واللهُ أكبَرُ، اللهُ أكبَرُ وللهِ الحَمدُ)، وأما منزلة التكبير في العقيدة فإنه أصل التوحيد بأنواعه لأنه نفي وإثبات وهو ثناء مشروع يستلزم الإيمان بل هو أصله ويزيد بزيادته وهو من دلائل حسن العقيدة التي لا تصلح إلا به فإنه لا يصف الله بالنقائص والعيوب إلا من كان عدوا له أو جاهلا به، وهو أيضا دال على أعظم أوصاف الله تعالى الكبيرالمتكبر المتعالي المبرَّأُ من النقائصِ والشريكِ، ومن كلِّ ما لا يليق بالإلهيةِ، والقدوسٌ السلام الُمطهَّرُ مِن كلِّ ما لا يليقُ بالربوبية.
فكان التكبير أوفر الأذكار حظا في الإسلام على الإطلاق، لأن صيغة فعّل دلت عليه ولكثرة الأمر به ، فالموحد يكبر ربه في اليوم والليلة ما يقارب 400 تكبيرة، فتجد التكبير يستغرق جميع أحوال العبد في الزمان والمكان، مقيدا ومطلقا، فيكبر في بداية الأذان والإقامة وفي أثنائهما وعند سماعهما، عند افتتاح الصلاة وفي أثنائها، في كثير من أعمال الحج والعمرة، في صلاة الاستسقاء، في العيدين وفي خطبتيهما، عند الصعود على الأشراف المرتفعة والركوب، عند الذبح، عند النوم وعند الاستيقاظ منه، عند الخوف وعند القتال، عند رؤية الهلال وعند الكسوف أو الخسوف، عند التعجب والفرح، عند رؤية الحريق، بل قال بعض أهل العلم: جميع العبادات تسقط عنهم سوى ذكر الله، وذلك لأنه غاية تنعمهم في الجنة، وأنهم كما كانوا في الدنيا يكثرون ذلك زاد منهم في الجنة لما يرون من تزايد نعم االله عليهم .
فالتكبير المعتبر شرعا ليس هو اعتقاد أن الله أكبر من كل شيء وحسب، فهذا حق شهد الله به لنفسه وشهد به رسوله صلى الله عليه وسلم كما في حديث(( «قال : ما أفرك ؟ : أن يقال : اللهُ أكبرُ ، فهل تعلم شيئا أكبر من الله ؟ قال : قلت : لا» )) وإنما التكبير هو إبعاد القلوب والأفكار والاعتقادات والأعمال والأقوال عن أن تنسب إلى الله النقائص والعيوب والتمثيل والتشبيه مع تعظيمه وإجلاله واثبات صفات الكمال له والمحامد التي يحمد عليها والعمل بمقتضيات هذه المعاني، فالانقياد والامثتال دليل صحة التكبير.
وكتبه محمد بن عبد الله يسير
- التصنيف:
Rida
منذ