حتمية طريق الإصلاح والتنمية
منذ 2012-02-17
{إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}
{إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود:88].
الإصلاح الإسلامي ليس تغييرًا جزئيًا ولا سطحيًا، وإنما هو تغيير شامل وعميق، يبدأ من الجذور، ويمتد إلى سائر مناحي الحياة، بل إنه لا يقف عند ميادين الحياة الدنيا، وإنما يجعل من صلاح الدنيا السبيل إلى الصلاح والسعادة فيما وراء هذه الحياة الدنيا.
وهو لا يقف عند "الفرد" كما هو الحال في المذاهب "الفردانية" كما أنه لا يهمل الفرد، مركزًا على "الطبقة" كما هو الحال في كثير من المذاهب والفلسفات الاجتماعية اليسارية -الوضعية والمادية- وإنما يبدأ -الإصلاح الإسلامي- بالفرد، ليكون منه الأمة والجماعة. (محمد عمارة) 1
إن تلك المحاولات الدءوبة لهدم بنية الأمة الإسلامية وتقويض نموها لابد وأن يقابله الإصلاح بكل صوره وفي شتى مناحي الحياة وميادينها للخروج بالأمة من كبوتها والصعود بها من دركات التردي الذي يسيطر عليها.
ما رأيناه من محاولات قديمة لوقف تقدم الأمة الإسلامية وما نراه اليوم وبعد نجاح معظم ثوراتها في إزالة رموز الفساد، تتجلى الحرب اليوم في محاولات مستمرة ودءوبة تحاول منع الأمة الإسلامية من النهوض المنتظر والرقي المرتقب.
تتجسد تلك الحرب محاولات لهدم مؤسسات الدول وإضعاف قواها الأمنية والعسكرية وقتل اقتصادها وذبح مستواها الصحي والتعليمي على مذابح محاريب اليهود والغرب المتربص.
مما يستلزم من جميع أفراد الأمة وجماعاتها الوقوف وقفة حازم جاد لمعرفة أسباب المرض وعلاجها ثم البدء الفوري والعاجل في البناء.
وحتى يكون البناء سليمًا لابد له من قواعد وأسس أجملها فيما هو آت:
أولًا: العلم ثم العلم:
فكثير من أعمال الآخرة والدنيا لا تقوم إلا على الأساس العلمي الصحيح ، فالعقائد والعبادات والمعاملات لا تصح إلا على أساس من العلم الصحيح وإلا فسد العمل، وكذا بناء المجتمعات كبناء الأفراد سواء في أمور دينهم أو دنياهم.
يقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان عن أبي موسى رضي الله عنه: «إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضًا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه بما بعثني الله به فعلِم وعلّم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به».
ثانيًا: العمل الجاد المبني على العلم الصحيح:
فالبناء أصعب بكثير من الهدم: لذا على المجتمعات الإسلامية أن تعي جيداً أن معركة إعادة البناء أشد وأصعب من معركة هدم الفساد وإزالة الظلم والطغيان، مما ينبغي معه الحرص كل الحرص على بذل الجهد وترك الراحة والدعة من أجل مستقبل مشرق ومن أجل إصلاح حقيقي يمتد بالفرد والجماعة من صلاح الدنيا لصلاح الدنيا والآخرة معًا.
ثالثًا: الصدق مع النفس والمجتمع:
مما لاشك فيه أن أعظم زينة يتزين بها المرء في حياته بعد الإيمان هي زينة الصدق، فالصدق أساس الإيمان كما إن الكذب أساس النفاق، فلا يجتمع كذب وإيمان إلا وأحدهما يحارب الآخر.
الصدق في الظاهر والباطن:
الصدق بمعناه الضيق مطابقة منطوق اللسان للحقيقة، وبمعناه الأعم مطابقة الظاهر للباطن، فالصادق مع الله ومع الناس ظاهره كباطنه، ولذلك ذُكر المنافق في الصورة المقابلة للصادق، قال تعالى: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِين..َ} [الأحزاب:24].
رابعًا: البعد عن الإشاعات وعن نشرها أو سرعة تصديقها والتحري قبل كل قول:
فبين الحين و الأخر نسمع عن إشاعات تبث وتنشر وأكاذيب تبعث وترسل.
هذه الإشاعات التي لها خطر عظيم وشر كبير.
فكم دمرت من مجتمعات و هدمت من أسر، و فرقت بين أحبة.
كم أهدرت من أموال، و ضيعت من أوقات.
كم أحزنت من قلوب، وأولعت من أفئدة، وأورثت من حسرة. 2
خامسًا: حتمية التعاون والاتحاد:
قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2]. وقال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: «مثَلُ المؤمنين في توادّهم وتراحُمِهم كمثلِ الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» (رواه البخاري).
إنّ التعاون والتكاتف والتضامن لا بد منها للبناء السليم للمجتمع الإسلامي. وكلما كان التعاون قائمًا على أوسع صورة كلما كان هذا المجتمع مبنيًا بناء قويًا سليمًا.
وإنّ نظرة واحدة في أوضاع مجتمعاتنا وفي أحوال المسلمين المتردية هذه الأيام كفيلة بإيقاظ الحس والضمير للسعي نحو المزيد من التكاتف والتآلف والتعاون.
ونحن اليوم إزاء ما نعانيه من تشتت وتباعد وتشرذم لا بد من إطلاق دعوة مخلصة صادقة إلى التعاون والوحدة والتماسك لأنه بدونها لن نستطيع أن نتغلب على عدونا بل أعدائنا المتربصين بنا من كل جانب والذين دبروا ويدبرون المكائد والمؤامرات لضربنا وقهرنا.
سادسًا: نبذ الفرقة والخلاف:
لقد أرشد الله عز وجل في كتابه الكريم في أكثر من آية إلى نبذ الخلاف والتفرق فقال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} [آل عمران:103]. وخصوصًا إذا كان الخلاف والتفرق على الكتاب والسنة، ففي الوقت الذي تتعاضد فيه الشركات الكبرى وتتحد لتكون لنا قوة اقتصادية ضاربة وكذلك ما يحدث بين الدول من تحالفات ومعاهدات لتكوين درع صاروخي في هذا الوقت الذي باتت العولمة فيه على الأبواب لنصبح أمام مجموعة من التكتلات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، في هذا الوقت يقف مجموعة من الأخيار والصلحاء الذين كان يأمل فيهم أن يكونوا سببًا لجمع الكلمة وتوحيد الصف والتلطف مع الخلق إذ بهم أكثر الناس ولعًا بالخلاف فيما بينهم وأكثر الناس تحاسدًا وتغايرًا وتعاندًا واختلافًا، فيبعد بعضهم بعضًا، ويعارض بعضهم بعضًا..
سبحان الله ما أكثر الأحاديث التي فيها النهي عن الاختلاف والتفرق فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم يقول «ذروني ما تركتكم فإنما هلك الذين من قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم» الحديث. وهذا أبو داود يروي لنا حديث أبو ثعلبة الخشني -رضي الله عنه- فيقول (كان الناس إذا نزلوا منزلًا تفرقوا في الشعاب والأودية فقال صلى الله عليه وسلم: «إنما ذلكم من الشيطان فكانوا بعدها لا ينزلون منزلًا إلا انضم بعضهم إلى بعض حتى أنه لو رمي عليهم ثوب لعمهم» الحديث. وليس المقصود الخلاف العلمي فهذا قد يكون أمرًا محمودًا ولكن المقصود الخلاف الذي يجعلنا فرقا وأحزابا كما قال سبحانه وتعالى: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون:53].
أي ثمرة وأي قيمة لعلم لا يكون سببًا في صفاء قلوبنا وسلامة صدورنا وعفاف ألسنتنا وحسن ظننا بالناس ومحبتنا لهم، لماذا لا نعود ألسنتنا الثناء على كل مسلم عنده هم لهذا الدين حتى لو وجدنا عنده ما يعيبه؟! وهل يا ترى سنجد إنسانًا كاملًا؟ من ذا الذي ما أساء قط... ومن له الحسنى فقط.3
أسأل الله تعالى أن ينعم علينا بصلاح الأنفس والمجتمعات ووحدة الصف والكلمة لرفعة الدين والدنيا معًا.
_________________________
1 - بحث للدكتور محمد عمارة بعنوان الإصلاح في الإسلام.
2- بحث الإشاعات خطرها وطرق علاجها (صيد الفوائد).
3 - بحث بعنوان: بأسنا بيننا شديد (صيد الفوائد).
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: