الفرج بعد الشدة والكرب

منذ 12 ساعة

مما ورد في الكتاب العزيز مما يُبين السبيل للنجاة عند الكرب والشدة ما ذكره سبحانه عن نبيه يونس عليه السلام بقوله:  (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ..)

عباد الله، في هذه الدنيا التي طُبعت على كدر، والإنسان الذي خُلق في كبد، يُلاقي مشاقَّ الحياة ونكدها، وكدَّها وتعبها، فيمر به شدة وكرب؛ إما في صحته أو ماله أو ولده أو زوجه أو غير ذلك فيما يُحب، ويكره أن يُنال بأذى أو سوء، فيبحث جاهدًا عن أمر يُنفِّس عنه همَّه وحزنَه ويفرج عنه كربه، ومهما بذل من أسباب، وسعى جاهدًا لرفع ما أصابه ولحق به من كرب وهم، فلن يجد دافعًا لهذا الكرب والحزن الذي ألمَّ به من أن يعتصم بالله تعالى وكتابه المبين، وسنة نبيِّه صلى الله عليه وسلم، وقد ورد في الكتاب العزيز إرشاد للمؤمنين عند الكرب بالتعلُّق بربهم عز وجل، وأن تلهج ألسنتهم بذكره والاعتصام به وحده دون سواه، فهو سبحانه المُنجي لهم، والفارج لكل هم، والمنفِّس لكل كرب.

 

ومما ورد في الكتاب العزيز مما يُبين السبيل للنجاة عند الكرب والشدة ما ذكره سبحانه عن نبيه يونس عليه السلام بقوله:  {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}  [الأنبياء: 87، 88]، أخرج الترمذي والنسائي والحاكم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت:  {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله تعالى له، فقال رجل: أكانت ليونس خاصة؟ أم للمؤمنين عامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا تسمع إلى قول الله تعالى:  {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}.

 

فمَنْ مِنَ الناس مَنْ لا يحزبه أمر ويهمه، أو يمر عليه كرب وشدة ويرجو زوالها وفرجها، وقد يغيب هذا الذكر والدعاء المبارك عن هذا المكروب المهموم، ولا يُهدى إليه إلا الموفقون من عباد الله تعالى، فهذا وعد من الحي القيوم: أن من لزم هذا الدعاء والذكر العظيم كان الفرج والحفظ له عطاءً وكرمًا من الله تعالى.

 

أيها الفضلاء، ومن الأدعية التي تُقال عن الشدة والكرب ما أخرجه البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عند الكرب: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب السماوات والأرض ورب العرش العظيم»، وأخرج النسائي والحاكم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لقَّنني رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الكلمات: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب السماوات والأرض ورب العرش العظيم، وأمرني إن نزل بي كرب أو شدة أن أقولها.

 

قال العلماء في بيان هذا الذكر العظيم أن اسم الله تعالى الحليم: هو الذي يؤخر العقوبة مع القدرة، والعظيم: الذي لا شيء يعظم عليه، والكريم: المعطي فضلًا، وقال الطيبي رحمه الله: صدر هذا الثناء بذكر الرب ليناسب كشف الكرب؛ لأنه مقتضى التربية، وفيه التهليل المشتمل على التوحيد، وهو أصل التنزيهات الجلالية، والعظمة التي تدل على تمام القدرة، والحلم الذي يدل على العلم؛ إذ الجاهل لا يُتصور منه حلم ولا كرم.

 

وأخرج أصحاب السنن عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أُعلِّمك كلمات تقوليهن عند الكرب؟ الله الله ربي لا أشرك به شيئًا»، وأخرج أبو داود وابن حبان عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت».

أيها المباركون، الشواهد على من أتى بهذا الذكر العظيم نال فرج الله تعالى عند شدته وكربه وضيق حاله، كثيرةٌ في المتقدمين والمتأخرين، فقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابه فتح الباري شرح صحيح البخاري عند شرحه للحديث الذي ذُكر في صحيح البخاري عددًا من الحوادث تُؤكد هذا الأمر، من ذلك أن أبا بكر الرازي قال: كنت بأصبهان وفيها شيخ اسمه أبو بكر بن علي عليه مدار الفتيا، فوُشي به يومًا عند السلطان ــــ أي نُسب إليه كلام سوء لم يتكلم به ــــ فسجنه السلطان، قال أبو بكر الرازي: ورأيت بعد سجن الشيخ أبي بكر النبيَّ صلى الله عليه وسلم في المنام وجبريل عن يمينه يُحرك شفتيه بالتسبيح، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: قل لأبي بكر بن علي يدعو بدعاء الكرب حتى يُفرج الله عنه، قال فأصبحت وأخبرته وهو في السجن بذلك، فدعا به، فلم يلبث إلا قليلًا حتى أُخرِج من السجن.

 

ومن القصص التي ذكرها الحافظ ابن حجر رحمه الله أن الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك كتب إلى أحد ولاته- اسمه عثمان بن حيان- خذ الحسن بن الحسن فاجلده مائة جلدة، وأوقفه بذلك أمام الناس، فبعث الوالي إلى الحسن فجيء به، فقام إليه ابن عمه علي بن الحسين، فقال له: يا بن عم، تكلم بكلمات الفرج يفرج الله عنك، فقالها، فلما أقبل إليه الوالي ليأمر بجلده نظر إليه وقال: أرى وجه رجل كُذِب عليه، خلوا سبيله، وسأكتب إلى أمير المؤمنين بعذره وأُطلق، ومن القصص التي ذكرها رحمه الله: أنه لما زوج عبدالله بن جعفر بن أبي طالب ابنته قال لها: إن نزل بك أمر ــــ شدة وكرب أو مما تكرهين ـــ فاستقبليه بأن تقولي: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، فسمع ذلك الحسن ابن عمها، قال: فأرسل إليَّ الحجاج، فقلتهن، فلما أُوقِفت أمام الحجاج، قال لي: والله لقد أرسلت إليك وأنا أُريد أن أقتلك، فلأنت اليوم أحب إليَّ من كذا وكذا، فسل حاجتك.

 

وأخرج أصحاب السنن عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أُعلمك كلمات تقوليهن عند الكرب؟ الله الله ربي لا أشرك به شيئًا»، وأخرج أبو داود وابن حبان عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت».

 

أيها الفضلاء، هنيئًا لمن كان بالله تعالى معتصمًا، وبه واثقًا مؤملًا بربه عز وجل الخير في سفره وإقامته، ويسره وعسره، يفزع إليه ويلوذ عند كل نائبه وكربٍ وشدةٍ تنزل به، فقلبه ولسانه يلهج ويردد: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب السماوات والأرض ورب العرش العظيم، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، الله الله ربي لا أُشرك به شيئًا فليبشر بالفرج العاجل، فإن الله تعالى لا يخلف الميعاد، ومن أصدق من الله قيلًا، ومن أصدق من الله حديثًا.

_______________________________________________________
الكاتب: عبدالعزيز أبو يوسف

  • 1
  • 0
  • 92

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً