عظمة الله وأثرها في نفوسنا

منذ 10 ساعات

نعظِّم الله عز وجل بإقامة العبودية الكاملة له جل جلاله، فالله عز وجل يستحق العبادة الكاملة جل جلاله سبحانه، إذًا تعظيم الله عز وجل يكون بكمال العبودية له والخضوع له، فهو الذي سخَّر كلَّ شيء من أجلنا.

الحمد لله ربِّ العالمين، الحمد لله ذي الملكوت والكبرياء والعظمة والجلال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له الكبير المتعال، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

 

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، أما بعد: فإن أصدق الحديث كلامُ الله، وخير الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، أجارني الله وإياكم من البدع والضلالات، آمين اللهم آمين.

 

أيها الأحباب الكرام في الله، في زمن طغَت فيه الماديات، وكثُرت فيه الملهيات، والشبه والشهوات، ما أحوجَنا معاشر المسلمين أن نعيش مع عظمة الله جل جلاله أن نعيش مع عظمة الخالق جل جلاله سبحانه، من خلال كتابه جل جلاله سبحانه، وسُنة نبيه عليه الصلاة والسلام، من خلال هذا الكتاب الكريم نتعرَّف على أسمائه وصفاته، فكلما تعرَّف المسلم على أسماء الله وصفاته، ازداد تعظيمه لله والتذلل منه بين يدي الله، كلما تعرَّف المسلم على عظمة الخالق وعلى أسمائه وصفاته، عرَف قيمة هذه الدنيا، كلما عرَف عظمة الله عز وجل، صغُرت أمامه هذه الدنيا بكبريائها وزخارفها، فمن خلال كتاب الله نتعرَّف على أسمائه وصفاته؛ يقول الله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر: 22 - 24].

 

عباد الله، من خلال كتاب الله عز وجل نتعرَّف على عظمة الخالق جل جلاله سبحانه، من خلال التفكر في آياته بالتفكر في مخلوقاته؛ لأن المسلم إذا جمع بين الذكر والتفكر، ازداد تعظيمه لله، فإذا ما ازداد تعظيمُه لله، ازداد خوفُه منه جل جلاله سبحانه، وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (لَمَّا نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي، فأتاه بلال يؤذنه بالصلاة، فرآه يبكي، فقال: يا رسول الله، أتبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر! فقال: «يا بلال، أفلا أكون عبدًا شكورًا»، ولقد أنزل الله عليَّ الليلة آية: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190]، ثم قال: ويل لِمَن قرأها ولم يتفكَّر فيها)؛ رواه ابن حبان في "صحيحه".

 

لاحظوا الذكر، ثم بعد ذلك يأتي التفكر، ويتفكرون في خلق السماوات والأرض، فإذا ما اجتمع الذكر مع التفكر، حدث تعظيمٌ لله عز وجل، يقول: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ} [آل عمران: 191]، فإذا ما حدث تعظيمٌ لله جاء بعده الخوف منه؛ لأن المسلم لا يخاف من الله إلا إذا عرَف عظمة الله عز وجل، فيقول: {سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 191].

 

أيها الأحباب الكرام في الله، تعظيم الله عز وجل من خلال التفكر في أحوال الأمم السابقة، وما حصل للمجرمين والمتكبرين والظالمين؛ قال الله: {وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى * وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى * وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى} [النجم: 51 - 55]، {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} [فصلت: 15].

 

تعظيمنا لله عز وجل يكون بتعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إذا ما عظَّمنا الله عظمنا رسوله عليه الصلاة والسلام، {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفتح: 9]؛ يقول السعدي رحمه الله: أي: بسبب دعوة الرسول لكم، وتعليمه لكم ما ينفعكم، أرسلناه لتقوموا بالإيمان بالله ورسوله، المستلزم ذلك لطاعتهما في جميع الأمور.

 

{وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ}؛ أي: تعزروا الرسول صلى الله عليه وسلم، وتوقِّروه؛ أي: تعظِّموه وتُجلوه، وتقوموا بحقوقه، كما كانت له المنة العظيمة برقابكم، { وَتُسَبِّحُوهُ}؛ أي: تسبحوا لله {بُكْرَةً وَأَصِيلًا}: أول النهار وآخره، فذكر الله في هذه الآية الحق المشترك بين الله وبين رسوله، وهو الإيمان بهما، والمختص بالرسول، وهو التعزير والتوقير، والمختص بالله، وهو التسبيح له والتقديس بصلاة أو غيرها.

 

تعظيم الله يكون بتعظيم كتابه؛ قال تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: 21].

الله ربي لا أُريد ســــــــــــــــــــواه   **   هل في الوجود حقيقـــــــةٌ إلاه 

الشمس والبدرُ من أنوار حكمتــــه   **   والبَرُّ والبحر فيضٌ من عطايــاه 

الطير سبَّحه والوحش مَجَّــــــــده   **   والموجُ كبَّره والحوتُ ناجــــــاه 

والنملُ تحت الصخور الصمِّ قدَّسه   **   والنحل يهتِف حَمدًا في خلاياه 

والناس يَعصونه جهرًا فيَستُرهــم   **   والعبدُ ينسى وربي ليس ينسـاه 

 

كيف نعظِّم الله عز وجل في نفوسنا؟

نعظِّم الله عز وجل بإقامة العبودية الكاملة له جل جلاله، فالله عز وجل يستحق العبادة الكاملة جل جلاله سبحانه، إذًا تعظيم الله عز وجل يكون بكمال العبودية له والخضوع له، فهو الذي سخَّر كلَّ شيء من أجلنا؛ قال تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ} [لقمان: 20].

 

نعظِّم الله عز وجل في نفوسنا إخوة الإيمان بالتفكُّر في آلائِه، بالتفكُّر في مخلوقاته جل جلاله سبحانه.

 

نعظِّم الله عز وجل بتدبُّر كتابه أن نعيش مع القرآن، أن نعيش مع القرآن يا إخواني، للأسف بعضنا لا يقرأ القرآن إلا في يوم الجمعة أو في رمضان، لابد أن نعيش مع القرآن، هذا هو كلام الله، هذا هو رسالة الله لنا بواسطة أنبيائه، إنه القرآن، رسالة عظيمة من الله، لو جاءتك رسالة من أمير أو رئيس أو.. ستتدبَّرها وتقرأها وتحافظ عليها، وتضَعها في مكان محفوظ حتى لا تتلف، حتى لا تتمزَّق، فكيف بهذا القرآن الذي هو كلام الله؟! رسالة الله لنا عبر أنبيائه، لابد أن نعيش مع القرآن، أن نتدبَّر كلام الله، فهذا هو كلام الله لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه، كيف حالنا مع القرآن؟ لابد أن نتدرب من الآن، أسابيع قليلة ويأتينا شهر القرآن، أسأل الله أن يبلِّغنا وإياكم شهر رمضان، وأن يجعلنا وإياكم ممن يصومه ويقومه إيمانًا واحتسابًا.

 

ومن تعظيم الله، تعظيم الأشهر الحُرم، نحن في شهر شعبان من الأشهر الحُرم، قال أبو بكر البلخي رحمه الله: "شهر رجب هو شهر الزرعة، وشهر شعبان هو شهر السقي، وشهر رمضان هو شهر الحصاد"، فمن لم يزرَع في رجب ولم يَسقِ في شعبان، فكيف سيحصد في رمضان؟

 

إذا أردنا أن نعظِّم الله في أنفسنا، أن نتفكِّر فيما حل بالأمم السابقة؛ لنعتبر، ولنعلم أن الله على كل شيء قدير، ولنحذَر من ظلم الناس، وأن نتذكر ما حلَّ بالمجرمين وبالظالمين السابقين.

 

نعظم الله باللجوء إليه؛ لأنك إذا عظَّمت الله لجأت إليه، إذا عظمت الله رفعت يديك إليه، علِمت أن الحوائج لا يكشفها إلا هو سبحانه، والهموم لا يفرِّجها إلا هو جل جلاله سبحانه الذي بيده مقاليدُ كلِّ شيء.

 

أخيرًا إخواني، كم من نعمٍ بالليل والنهار يُغدقها الله علينا، ولا نشكره حقَّ شكره؛ لأننا ولفنا هذه النعم، فأصبحنا لا نعظِّم الله حق تعظيمه؛ لأننا أصبحنا ننظر إلى هذه النعم وكأنها أشياء روتينية، لكن إذا أردنا أن نعرِف هذه النعم وقدرَ هذه النعم، ننظر ما حل بإخواننا هنا وهناك، لنشكر الله ونلجَأ إليه، ونحمَده ليلًا ونهارًا على هذه النعم التي لا تُعد ولا تحصى، فهذه النعم لن تدوم إلا بشكر الله، إلا بتعظيم الله، إلا باللجوء إلى الله عز وجل.

إذا كنت في نعمة فارْعَها   **   فإن المعاصي تُزيل النعم 

وداوِم عليها بشكر الإلـه   **   فإن الإله سريعُ النِّقـــــــم 

 

اللهم أصلِحنا وأصلح شباب المسلمين، اللهم أصلحنا وأصلح بنات المسلمين، اللهم أصلِحنا وأصلح نساء المسلمين، اللهم رُدَّنا إليك ردًّا جميلًا.

__________________________________________________
الكاتب: ياسر عبدالله محمد الحوري

  • 2
  • 0
  • 67

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً