عاقبة الظالم والمظلوم

منذ يوم

إن الظلم ذنب عظيم وكبير، ما فشا في أمة من الأمم إلا آذَن الله برحيلها، وما انتشر في دولة من الدول إلا كان هذا الظلم سببًا في هلاكها.

أيها الأحباب الكرام في الله، إن الظلم ذنب عظيم، إن الظلم ذنب عظيم وكبير، ما فشا في أمة من الأمم إلا آذَن الله برحيلها، وما انتشر في دولة من الدول إلا كان هذا الظلم سببًا في هلاكها.

 

الظلم ظلمات، الظلم ظلمات يوم القيامة؛ الله عز وجل يقول: {فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} [الحج: 45]، وقال جل وعلا: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا} [العنكبوت: 40]، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول في الحديث الصحيح القدسي الذي رواه مسلم، فيما يرويه عن ربه جل جلاله يقول عز وجل: «يا عبادي، إني حرَّمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا».

 

عباد الله، للظلم أثر كبير على الظالم، وعاقبته وخيمة، يكفي الظالمَ أنه مطرود من رحمة الله، أنه ملعون، وإذا طردك الله عز وجل من رحمته، إلى من تلجأ؟ إلى من تشكو؟ إلى من تتذلل إذا طردك الله عز وجل من رحمته؟ من الذي سيرحمك؟ من الذي سيعفو عنك؟ من الذي يكشف البلوى؟ ألم يقل الله: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18]؟ ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري: «إن الله لَيُملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يُفلته» ؛ قال: ثم قرأ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102])).

 

الظالم لا يفلح أبدًا، يظن أنه سيفلح إذا ظلم إنسانًا أو أخاه المسلم، يظن أنه قد أفلح وقد نجح وقد فاز، ويظن أن هذا من كمال المروءة، ومن كمال رجاحة العقل، لا والله لا يفلح أبدًا، الذي يظلم الناس، الذي يظلم إخوانه المسلمين لا يفلح أبدًا؛ ألم يقل الله في أكثر من موقع في كتابه العزيز: {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام: 21]؟ لا يوفَّق، مخذول، ألم يقل الله عن النمرود: ﴿ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 258]؟ الظالم لا نصير له ولا شفيع ولا مُعين له أبدًا؛ يقول الله تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر: 18]، ويقول عز وجل: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر: 37].

 

يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

أما والله إن الظلم شــــــــؤم   **   ولا زال المسيء هو الظَّلومُ 

إلى الدَّيَّان يوم الدين نمضي   **   وعند الله تجتمع الخصــومُ 

 

وقال:

لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرًا   **   فالظلم مرتعه يُفضي إلى الندمِ 

تنام عينك والمظلوم منتـــه   **   يدعو عليك وعين الله لم تنـــمِ 

{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا} [الفرقان: 27]، وأعظم من هذا كله - إخوة الإيمان - أنه في سَكرات الموت يعاني ويتألم من السكرات، كربات وأي كربات، حالته لا يعلمها إلا الله، وهو في سكرات الموت يظن أنه يُفلح، لا والله، عذاب في الدنيا والآخرة؛ ألم يقل الله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأنعام: 93]؟

 

ينبغي أن نتنبَّه إخوة الإيمان، وأن نحذر من الظلم، وأعظم الظلم هو الشرك بالله، ومن أعظم الظلم أن يظلم الإنسان نفسه، أن يظلم الإنسان زوجته، أن يظلم الإنسان أولاده، أن يظلم الإنسان جيرانه، أن يظلم الإنسان أقاربه، أن يظلم الإنسان خدمه، الظلم عاقبته وخيمة، قد يُبتلى الإنسان بشقاء في قلبه، قد يُبتلى بمرض، لا يدري من أين يأتي، قد يكون من دعوة مظلوم، الإنسان ننظر إليه كأنه إنسان عادي، لكنه لو أقسم على الله لأبرَّه، لو رفع يديه إلى السماء لاستجاب الله دعوته، فنسأل الله عز وجل - إخوة الإيمان - أن يُجنبنا الظلم؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه،

ونتحدث عن أثر الظلم على المظلوم، هل يؤثر عليه؟ قد يحزن، قد يتألم، لكن الله معه، لكن الله ناصره، لكن الله مؤيده، فالله ولي المظلوم؛ كما في الحديث وهو في صحيح الجامع عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «اتقوا دعوة المظلوم؛ فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرارة»، فالله وليه، والله عز وجل قد وعد المظلوم بالنصر المبين، بالنصر العظيم؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: «يقول الله عز وجل: اتقوا دعوة المظلوم؛ فإنها تُحمل على الغمام»، ويقول الله كذلك في الحديث القدسي: «وعزتي وجلالي لأنصرنَّكِ ولو بعد حين»؛ (رواه الطبراني، والألباني في صحيح الترغيب).

 

عباد الله، المظلوم دعوته مستجابة؛ ولهذا حذر النبي عليه الصلاة والسلام معاذ بن جبل عندما قال له: «... واتَّقِ دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب»؛ (البخاري).

 

ولهذا يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "إن الله لَينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ويهزم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة".

 

ما حل بالمسلمين اليوم تظنون أنه من فراغ؟ كثير من الدول في شتات وتفرق، وفقر وجوع، وهزائم وذل، كم من مظلومين في تلك الدول التي حلَّت بها النكبات إلا من رحم الله! كم من ظلم! ونريد أن ينصرنا الله؟!

 

أسود بيننا، يفترس بعضنا بعضًا إلا ما رحم ربي، لكنا أمام أعدائنا كالنعامة، أمام أعدائنا نتذلل لهم، يسيل لعابنا، نخضع لهم، لا يستعرض بعضنا عضلاته إلا أمام بعض للأسف الشديد، ونريد نصرًا، ونريد عزة، ونريد كرامة؟ لا والله؛ الله يقول: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128]، لكن أين المتقون؟ أين المتقون؟ قليل، وإذا وُجد المتقون، أين المصلحون؟ لا بد أن نعود إلى الله عز وجل، ونقوي صلتنا بالله، إذا أردنا أن تكون لنا الكرامة، كما كانت من قبل.

 

أحبابي الكرام، العاقبة للمظلوم والفَرَج؛ ألم يقل الله: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص: 5]؟

 

أيها المظلوم، لا تيأس، لا تحزن، لا تظن أن الله غافل عما يعمل الظالمون؛ قال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم: 42].

 

فالله الله يا إخواني، فلنحذر من الظلم، ولنحذر من الطرق التي توصلنا إلى ظلم بعضنا بعضًا؛ لأن عاقبته وخيمة، وسنندم في الدنيا قبل الآخرة، فلنراجع أنفسنا، ولنقف مع أنفسنا وقفات؛ علَّ الله أن يرحمنا، وأن يكشف كرباتنا؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.

_____________________________________________________________
الكاتب: ياسر عبدالله محمد الحوري

  • 0
  • 0
  • 59

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً