تهيئة النفوس في شعبان استعدادا لرمضان

منذ 2025-02-18

أذكركم أنكم لا زلتم في أيام شريفات فاضلات، أيام شهر شعبان، وإن النفوس لتضعف تارةً، وتقوى تارةً أخرى، وتجتهد أوقاتًا، وقد تغفل أحيانًا؛ ولذا وجب علينا تذكير أنفسنا بفضل هذه الأيام، التي قد لا تعود علينا مرةً أخرى، أو أنها لا تعود على الكثير منا.

الحمد والثناء...أما بعد:

فاتقوا - أيها المؤمنون- ربكم، واتبعوا شرعه، وتـمسَّكوا بدينه، واعلموا أنكم تستقبلون الآخرة، فمن اتقى في هذه فاز في تلك، ومن كان في هذه أعمى، فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلًا.

 

عباد الله، أذكركم أنكم لا زلتم في أيام شريفات فاضلات، أيام شهر شعبان، وإن النفوس لتضعف تارةً، وتقوى تارةً أخرى، وتجتهد أوقاتًا، وقد تغفل أحيانًا؛ ولذا وجب علينا تذكير أنفسنا بفضل هذه الأيام، التي قد لا تعود علينا مرةً أخرى، أو أنها لا تعود على الكثير منا.

 

ألا فلـتعلموا- يا عباد الله - أن شهر شعبان، خير استعداد لخير آتٍ، فإنه بمثابة إرشادات بين يدي شهر رمضان؛ ولذلك فإن التفريط في شعبان يؤثر في الخشوع في رمضان؛ قال أحد السلف: رجبٌ شهر الزرع، وشعبان شهر السقي، ورمضان شهر الحصاد، وكان أحدهم إذا دخل شعبان، أغلق حانوته استعدادًا لرمضان.

 

ألا فاستعدوا - يا معاشر المسلمين - لشهر رمضان العظيم، بأعمال صالحات في شهر شعبان، كما يستعد كثيرٌ من الناس بشراء حاجات وأكلات وأدوات يحتاج إليها في رمضان، فإن الأولى بالمسلم الحصيف، الاستعداد بتنوير النفس بالإيمان، وسلامة القلب من الآثام، فإن أول ما ينبغي علينا تفقده - عباد الله - استعدادًا لهذه المواسم الفاضلة، هو أن نتفقد قلوبـنا؛ قال سبحانه تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: «ألا وإن في الجسد مضغةً، إذا صلحت، صلح الجسد كله، وإذا فسدت، فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب».

 

قال ابن رجب: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم كلمةً جامعةً لصلاح حركات ابن آدم وفسادها، وأن ذلك كله بحسب صلاح القلب وفساده، فإذا صلح القلب صلحت إرادته، وصلحت جميع الجوارح؛ فلم تنـبعث إلا إلى طاعة الله واجتناب سخطه؛ فـقـنعت بالحلال عن الحرام، وإذا فسد القلب فسدت إرادته، ففسدت الجوارح كلها، وانبعثت في معاصي الله عز وجل وما فيه سخطه؛ ا هـ.

 

 

عباد الله، ومن الأعمال التي ينبغي على العبد أن يحافظ عليها في شهر شعبان، لتتعوَّد نفسه عليها في شهر رمضان، ثم يثبت عليها بإذن الله إلى ما بعد رمضان، المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها، مع جماعة المسلمين، فإن بعض الناس لا يعرف الطريق إلى المسجد إلا في يوم الجمعة، أو في ليالي رمضان، أما المسلم الذي قلبه معلـقٌ بالمساجد فإنه يؤدي كل أوقات صلاته في المساجد، فمن وفق لذلك، فليحمد الله وليسأله الثبات، ومن كان على غير هذه السبيل، فليبادر إلى إصلاح نفسه وتدارك أعماله قبل أوان أجله.

 

• ومن الأعمال التي ينبغي عليك القيام بها في هذا الشهر، الإكثار من النوافل، بدايةً بصلاة الرواتب، فإن تكن من أهلها، فابدأها اليوم، وصلِّ بعد الجمعة ركعتين في بيتك، أو أربع ركعات في المسجد.

 

• ومنها قيام الليل، والذي يبدأ وقته من بعد صلاة العشاء، ولو ركعتين قبل النوم.

 

• ومنها قراءة القرآن الكريم، ولو آيات قبل النوم، لمن يتحجج بضيق وقته، ومن كان قارئًا له في سائر أيامه، فليكثر من قراءته في هذه الأيام، ثم يزيد أكثر في شهر رمضان.

 

قال ابن رجب في لطائف المعارف: ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان، شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن ليحصل التأهب لتلقي رمضان، وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن، روينا بإسناد ضعيف عن أنس قال: كان المسلمون إذا دخل شعبان انكبُّوا على المصاحف فقرؤها، وأخرجوا زكاة أموالهم، تقويةً للضعيف والمسكين على صيام رمضان، وقال سلمة بن كهيل: كان يقال: شهر شعبان شهر القُرَّاء، وكان عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرَّغ لقراءة القرآن؛ ا هـ.

 

عباد الله، وما أحسن حال العبد وهو يستقبل مواسم الطاعات بتوبة صادقة نصوح لله جل وعلا.

 

أن يستقبل هذه المواسم، وقد أقلع وتخلَّى عن ذنوبه ومعاصيه التي لطالما قيَّدته، وحرمته من كثير من الطاعات والحسنات ومن أبواب الخيرات.

 

ألا فاحرص - يا عبد الله - على ألَّا يدخل عليك رمضان إلا وأنت طاهرٌ نقيٌّ، فإن رمضان عطر، ولا يعطر الثوب حتى يغسل، وهذا زمن الغسل، فاغتسلوا - رحمني الله وإياكم - من درن الذنوب والخطايا، وتوبوا إلى ربكم قبل حلول المنايا، اتقوا الشرك فإنه الذنب الذي لا يغفره الله لأصحابه، واتقوا الظلم فإنه الديوان الذي وكله الله لعباده، واتقوا الآثام، فمن اتقاها فالمغفرة والرحمة أولى به، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} [التحريم: 8].

واعلموا أن تقوى الله أمثل طريق وأقوم سبيل، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71].

 

عباد الله، إن شهر شعبان شهرٌ لمغفرة الذنوب، وستر العيوب، وإقالة العثرات، وتكفير السيئات، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليطَّلِع في ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشركٍ أو مشاحنٍ»؛ (رواه ابن ماجه وحسَّنه الألباني).

 

وفي رواية عند الطبراني وصححها الألباني: فيغفر للمؤمنين، ويملي للكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه.

 

فأجل ما يستقبل به هذا الشهر: سلامة الصدور، وطهارة القلوب، وتزكية النفوس، والسيرة لا تطيب إلا بصفاء السريرة ونقاء الدخيلة؛ فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قيل لرسول الله: أي الناس أفضل؟ قال: «كل مخموم القلب، صدوق اللسان»، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: «هو التقي النقي، لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غل، ولا حسد»؛ (رواه ابن ماجه وصححه الألباني).

 

فبادروا -عباد الله- إلى السباق في ميادين الطاعات، ومضمار القربات؛ ليدخل شهر رمضان وقد تهيَّأ العبد تهيئةً إيمانيةً، فيدرك من حلاوة الصيام ولذة القيام ما لا يقدر قدره، والله المستعان.

 

اللهم بارك لنا في شعبان، وبلغنا رمضان.

_____________________________________________________
الكاتب: أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري

  • 3
  • 0
  • 169

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً