أثر الجماهير في الأمن القومي
إن هؤلاء قد جدوا من زمن بعيد للقضاء على هوية الأمة الإسلامية التي بها وحدها الحفاظ على أمن المجتمع. وإن واجبنا الآن هو غرس قيم الإسلام لتمارس الجماهير دورها الكبير في الحفاظ على "الأمن القومي"..
"الأمن القومي" مصطلح حادث، بدأ الحديث فيه ـ من نصف قرن تقريباً ـ في أطروحات الغرب، ثم نقل إلينا من خلال المحللين السياسيين. وكان الحديث عن أن "الأمن القومي" يتعلق بالقوة العسكرية التي تحمي التجارة وجغرافيا البلد، ثم تطور المفهوم للحديث عن كل ما يعرض "الأمن القومي" لخطرٍ، فدخل "التعليم"، (أطلقت أمريكا صيحات لتطوير تعليمها ، مثل "أمة في خطر عام 1981م، و"أمريكا عام 2000: استراتيجية تطوير التعليم" في عام 1991م، وغير ذلك ولم يقلدها قومنا في هذه!!)، ودخل الاقتصاد، ودخل التدخل في شؤون الآخرين، ودخل كل ما يمس "الأمن القومي" صغر أم كبر، ومنه الوعي الجماهيري.
وباستقراء حديث هؤلاء، ومن يتبع نظمهم في التحليل السياسي (وخاصة القوميين العرب وعلى رأسهم محمد حسنين هيكل) نجد أن من كبرى القضايا التي تمس "الأمن القومي" هو "وعي الجماهير"... يقظة الجماهير كمراقب للإدارة الحاكمة.
ويشتد هيكل في الحديث عن أن أمور السياسة لابد أن تكون معروفة للناس، وان تمارس الجماهير مشاركة في الحياة العامة، بل تكون هي الفاعل الرئيسي، ويطالب هيكل بأن على الثورة أن تعمد للمستور(الصندوق الأسود كما يسميه) وتكشفه للناس ليعلموا ما يدبر في الخفاء، ومن ثم يمارسون دورهم في مراقبة السلطة الحاكمة.
ويدعي الأستاذ هيكل أن عبد الناصر كان يتبع خطة استراتيجية واعية وواضحة، يعلمها كثيرون!!، ومفاد كلامه أن الجماهير غيبت فقط في الآونة الأخيرة. !!
وبعض "المفكرين" وخاصة في الخليج، ينادي بدورٍ فاعل للجماهير لمراقبة السلطة الحاكمة، بل والمشاركة في السياسة، وهؤلاء مدفعون بظهور "المناطقية، والقلبية" في الحالة الدينية والسياسية، وعامتهم يبحث عن ذاته، ويحاول هو الآخر ركوب الجماهير في معركته مع القديم، أو في "بناء الذات"، وكلامهم مكرور، وتجاربهم فشلت في كل مكانٍ ظهرت فيه. ولا زالوا يريدون التجريب!!
وعند التأمل في المشهد، ومحاولة البحث عن أثر "الجماهير" في الأمن القومي، نجد أن القضية أعمق مما ظن هيكل، وأبعد.فهناك ما لابد من الحديث فيه قبل المشاركة في السلطة بالاختيار أو المراقبة والثورة. وهو تفتيت الجماهير. أو تغيير التركيبة المتماسكة لعامة الناس.
ففي حين نجد أن كل الأحكام في شريعة الله ـ سبحانه وتعالى ـ تعمل على تماسك المجتمع (الجماهير)، فمثلاً: صلة الرحم، والوصية بالجار(جار السكن وجار العمل وجار السفر...)، وإعانة الغارمين والفقراء والمساكين وابن السبيل، ورد الجميل... الخ. مما يعطي مجتمعاً متماسكاً متراحماً، يرحم بعضه بعضاً، ويعرف بعضه حال بعضٍ، وبالتالي يصعب التسلط عليه وظلمه.
حين تصبح الجماهير متماسكة هكذا، يصعب التسلط عليها جملة أو على أحد افرادها، وتمارس ـ وهي مشغولة بالبحث عن قوتها ـ رقابة للظالمين، وممانعة للظلم في ذات الوقت، فحين يظلم أحد أفرادها، فبدافع القرابة (الرحم)، وبدافع الجوار، وبدافع نصرة المظلوم، ينتصرون له.
بهذه الصورة تشارك الجماهير في "الأمن القومي"، أو تكون صمام أمان للأمن القومي، ضد الظلم بمعناه العام، كان من الخارج أم كان من الداخل.
ودعنا ننظر في المشهد الآخر : الجماهير بعد أن عالجها "المخالف" و"صبيان المخالف"، وهل يمكنها أن تشارك في حفظ "الأمن القومي"؟
هل يكفي فقط ما ينادي به الأستاذ حسنين هيكل من نشر الحقائق لتشارك "الجماهير" في التصدي للظلم، ومراقبة الحكام؟
بقصدٍ من "المخالف" وبمشاركةٍ وغفلةٍ من "صبيان المخالف" تم تقسيم المجتمع المصري ـ وغيره ـ لقطاعات (دوائر) صغيرة، وتم تحزيبه؛ أو نقول: تفتيت المجتمع وزرع بذور الشقاق بين أفراده، فتم تغيير آلية التفاضل بين الناس، من التقوى وحسن الخلق، إلى الشهادات العلمية ـ ومن فضلة الحديث أنها لا تعبر عن القيمة الحقيقية للناس ـ ، وعلى ودرجة الثراء. إنهم يعملون على تفتيت المجتمع بكل الوسائل المتاحة وعلى رأسها الإعلام، الذي زرع في الناس أن "العم" عدو وآكل حقٍ، وأن "أم الزوج" عدو، والتعليم( وهي وسيلة حديثة في التفتيت وتبرز من خلال تتبع الجامعات الخاصة والأقسام الإنجليزية المنشأة حديثاً في الجامعات العامة)، والتجارة (الاستثمار)، والحكم (الكليات العسكرية والشرطية).
بل حين ندقق النظر في سياق الأحداث نجد وكأن "المخالف" و"صبيان المخالف" لم يكن لهم شغل سوى تفتيت المجتمع .
وجملة فإن تقسيم المجتمع سمة من سمات الحكم الفرعوني، وصدق الله العظيم {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً }[القصص:4]
وخذ أي تجمع من الناس وحاول أن تتأمل فيه. ودعنا نضرب مثالاً بميدان التحرير، فهذه كتلة واعية ـ كما يريد هيكل والقوميون العرب ـ بل تجاوزت مرحلة الوعي لمرحلة المشاركة في التغيير. بل والتضحية من أجل التغيير.
تجد بين هؤلاء: البلطجي المأجور الذي يحرق أثمن الأشياء لقاء جنيهات معدودة، وتجد العميل الخائن الذي يتلقى أموالاً من "المخالف" لتخريب بلده، وتجد المتدينون، وهم أقسام .. قسمهم فرعون، وتجد عامة الناس ، وهم أقسام وطوائف وغير قليل من الثقافات العامة، وتجد عسكري الجيش يتعدى على الأعراض ويضرب بقسوة ... يقتل.. وتجد عسكري الداخلية (فرعون صغير) يقتل من يفترض عليه أنه يحرسهم.
لا يمكن لهؤلاء المتفرقين أن يسيروا لهدفٍ واحد، كي ننشر عليهم المعلومات ثم نقول "وعي جماهيري"، أو نطالب بمشاركتهم ـ وهذا حالهم ـ في العمل السياسي. ثمة خطوة قبل ذلك، وهي أن ننشر قيم الإسلام ليتماسك المجتمع، وحين يتماسك المجتمع تتكون عنده مناعة ذاتية ضد الظلم، ويعمل بتلقائية للحفاظ على أمنه.
وإن هؤلاء قد جدوا من زمن بعيد للقضاء على هوية الأمة الإسلامية التي بها وحدها الحفاظ على أمن المجتمع. وإن واجبنا الآن هو غرس قيم الإسلام لتمارس الجماهير دورها الكبير في الحفاظ على "الأمن القومي".
محمد جلال القصاص
الثلاثاء 24/2/2012 م
- التصنيف: