الكلمة الطيبة

قال ﷺ: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يُلقي لها بالًا، يرفَعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالًا يهوي بها في جهنم».

  • التصنيفات: تزكية النفس - نصائح ومواعظ -

اعلَموا أن من الضمانات التي بها يَسعَدُ العبدُ بالقرب من الرب - أن يتكلم بالكلمة الرقيقة الرقراقة التي يرفَع الله بها عبده في الجنة الدرجات، سواء كانت هذه الكلمة أمرًا بمعروف أو نهيًا عن منكر، أو كلمة يقولها للإصلاح بين الناس، أو يدفَع بها عن عِرض أخيه المسلم، فإنه ينال بتلك الكلمة رضوانَ الله تعالى إلى يوم يلقاه؛ عن بلال بن الحارث المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، ما كان يظُن أن تبلغَ ما بلغت، يَكتُب الله له بها رضوانَه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلَّم بالكلمة مِن سَخَطِ الله، ما كان يظُن أن تبلَغ ما بلغت، يَكتُب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه»  [1].

 

قال أبو عمر: لا أعلم خلافًا في قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة»، أنها الكلمة عند السلطان الجائر الظالم؛ ليُرضيه بها فيما يُسخط الله عز وجل، ويُزين له باطلًا يُريده؛ من إراقة دمٍ، أو ظلم مسلمٍ، ونحو ذلك مما ينحطُّ به في حبل هواه، فيَبْعُد من الله، وينال سخطه، وكذلك الكلمة التي يُرضي بها الله عز وجل عند السلطان؛ ليَصرِفه عن هواه، ويَكُفَّه عن معصية يريدها، يَبلغ بها أيضًا من الله رضوانًا لا يَحسبه، والله أعلم [2].

 

عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يُلقي لها بالًا، يرفَعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالًا يهوي بها في جهنم»  [3].

 

يقول ابن حجر - رحمه الله -: ونُقل عن بن وهب أن المراد بها التلفظ بالسوء والفحش ما لم يُرد بذلك الجحد لأمر الله في الدين، وقال القاضي عياض: يحتمل أن تكون تلك الكلمة من الخنى والرفث، وأن تكون في التعريض بالمسلم بكبيرة أو بمجونٍ، أو استخفاف بحق النبوة والشريعة، وإن لم يعتقد ذلك، وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: هي الكلمة التي لا يَعرف القائل حسنَها مِن قُبحها، قال: فيَحرُم على الإنسان أن يتكلم بما لا يَعرف حسنَه مِن قبحَه، قلت: وهذا الذي يَجري على قاعدة مقدمة الواجب، وقال النووي: في هذا الحديث حثٌّ على حفظ اللسان، فينبغي لمن أراد أن ينطق أن يتدبَّر ما يقول قبل أن ينطق، فإن ظهرت فيه مصلحة تكلَّم، وإلا أمسَك [4].

 

يقول السيوطي - رحمه الله - ليتكلم بالكلمة ما يتبيَّن ما فيها، قال النووي: أي لا يتدبَّرها، ويفكر في قبحها وما يترتَّب عليها؛ كالكلمة عند السلطان وغيره من الولاة، وكالكلمة بقذف أو معناه، وكالكلمة التي يترتب عليها إضرارُ مسلم، ونحو ذلك [5].

 

عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبيَّن ما فيها، يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب»  [6].

 

فلو أرَدنا أن نحصي ونجمع ثمرات الكلام الطيب، لَما اتَّسع المقام، ولكن يكفي قليلُ المقال مع حُسن القصد ما يغني عن الإكثار، فأقول وبالله التوفيق: من ثمرات الكلام الطيب:

أولًا: الكلام الطيب شعار ودِثار أهل الإيمان، فلا ينطق المؤمن بالعوار من الكلام، فقد منَحه الله الهداية في هذا المقام، فقال تعالى: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} [الحج: 24].

 

ثانيًا: قد خصَّ الله أهل التفرُّد بالكلام الطيب والعمل الصالح بمنزلة في الجنة هي لهم من سائر الناس، ففي حديث عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ في الجنةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُها من باطِنِها، وباطِنُها من ظَاهِرِها»، فقال أبو مالِكٍ الأَشْعَرِيُّ: لِمَنْ هيَ يا رسولَ اللهِ؟ قال: «لِمَنْ أَطَابَ الكَلامَ، وأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وباتَ قائِمًا والناسُ نِيامٌ»[7].

 

ثالثًا: بمعرفة نقيض الشيء يعرف مقامه، فالكلام الفاحش وبذاءة اللسان لها أعظم الأثر في أعمال العبد، فقد تكون حجابًا مانعًا من القبول عند الله، ففي الحديث "قال رَجُلٌ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ فُلانةَ يُذكَرُ مِن كَثرَةِ صَلاتِها، وصيامِها، وصَدَقتِها، غَيرَ أنَّها تُؤذي جيرانَها بلِسانِها، قال: «هي في النَّارِ»، قال: يا رسولَ اللهِ، فإنَّ فُلانةَ يُذكَرُ مِن قِلَّةِ صيامِها، وصَدَقتِها، وصلاتِها، وإنَّها تصَدَّقُ بالأثوارِ مِنَ الأقِط، ولا تُؤذي جيرانَها بلِسانِها، قال: «هي في الجنَّةِ» [8].

 

الكلمة الطيبة شعبة من شُعب الإيمان:

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن كان يؤمِن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمُت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليُكرم جارَه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليُكرم ضيفه»؛ (متفق عليه)  [9].

 

الكلمة الطيبة سِمَة المؤمنين الصادقين والدعاة وشعارهم:

{وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الفتح: 26].

 

الكلمة الطيبة صدقة:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل سُلَامَى من الناس عليه صدقة، كل يوم تَطلُع فيه الشمس، تَعدِل بين الاثنين صدقةٌ، وتعين الرجلَ في دابته، فتَحمِله عليها، أو ترفَع له عليها متاعَه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خُطوة يَمشيها إلى الصلاة صدقةٌ، وتميط الأذى عن الطريق صدقة»؛ (رواه البخاري ومسلم)  [10].

 

قال ابن عثيمين رحمه الله: "الصدقةُ لا تختص بالمال، بل كلُّ ما يقرِّب إلى الله فهو صدقة بالمعنى العام؛ لأن فعلَه يدل على صِدق صاحبه في طلب رضوان الله عز وجل" [11].

 


[1] أخرجه مالك ح1781، وأحمد ح15890، والترمذي ح 2319، وابن ماجه ح 3969.

[2] التمهيد، جزء 13 - صفحة 51.

[3] أخرجه البخاري ح 6113.

[4] فتح الباري ج 11ص 311 .

[5] شرح السيوطي على مسلم، جزء 6 - صفحة 294.

[6] أخرجه مسلم ح 2988.

[7] أخرجه ابن أبي شيبة 8/ 625 و13/ 101، وهناد في "الزهد" (123)، والترمذي (1984) و(2527)، وأبو يعلى (428)، وابن عدي في "الكامل" 4/ 1613-1614 من طريقين عن عبد الرحمن بن إسحاق، به، وقال الترمذي: غريب.

[8] أخرجه أحمد 2/ 440 (9673)، والبخاري في "الأدب المفرد" 119 و"ابن حِبَّان" 5764.

[9] وأخرجه البخاري (6138)، ومسلم (47)، وأبو داود (4154)، وابن ماجه (3971)، وهو في "المسند" (7626).

[10] أخرجه البخاري (2707) و(2891) و(2989)، ومسلم (1009) (56)، وابن حبان (3381).

[11] شرح رياض الصالحين 1/ 290.

________________________________________________
الكاتب: السيد مراد سلامة