لماذا لا يعاقب الله الكافرين والظالمين فورا؟

منذ 12 ساعة

من أكثر الأسئلة المحيِّرة في أذهان كثير من الناس: لماذا يسمح الله بوجود الكافرين والظالمين ولا يعاقبهم فورًا؟

المقدمة:

من أكثر الأسئلة المحيِّرة في أذهان كثير من الناس: لماذا يسمح الله بوجود الكافرين والظالمين ولا يعاقبهم فورًا؟ وقد تناول القرآن الكريم والسنة النبوية هذا السؤال بإجاباتٍ واضحة.

 

إن تأخير العقوبة الإلهية ليس دليلًا على إهمال الله أو ظلمه، معاذ الله، بل هو جزء من حكمته وسُننه في الابتلاء، ورحمته في إعطاء الناس فرصةً للتوبة؛ فالله سبحانه وتعالى عليم بكل شيء، وأحكامه قائمة على العدل المطلق، والحكمة البالغة.

 

1. مفهوم الإمهال والاستدراج:

أ- سُنة الله في إمهال العصاة:

إن الله لا يَعْجَل في معاقبة كل ظالم مباشرة، بل يمنحه فرصة (الإمهال) حتى حين، وهذه سُنة إلهية وردت في مواضعَ كثيرة من القرآن الكريم.

 

يقول الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم: 42].

 

يقول الإمام الشوكاني رحمه الله: "هذه الآية تُطمئن المؤمنين بأن تأخير العقوبة ليس بسبب غفلة الله، بل لأنه سبحانه قد جعل لكل ظالم وقتًا محددًا لنهايته، وتأخير العذاب يزيد من ذنوبهم، فيكون عذابهم أشدَّ"؛ [فتح القدير (3/271)].

 

ويقول أمير الصنعاني: "إن الله لا يعجِّل العقوبة، لكنه لا ينسى أيضًا، بل يُمهل ليتوب العاصي، فإن أصرَّ على ظلمه، أخذه بعذاب شديد"؛ [تطهير الاعتقاد ص42].

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله لَيُمْلِي للظالم، فإذا أخذه لم يُفْلِتْه»؛ (رواه البخاري 4686، ومسلم 2583).

وهذا يدل على أن تأخير العقوبة ليس ضعفًا أو ظلمًا، بل هو جزء من التدبير الإلهي العادل.

ب- مبدأ الاستدراج (العقوبة التدريجية عبر النِّعم):

أحيانًا يمنح الله الكافرين والظالمين المزيدَ من النعم الدنيوية، فيظنون أنهم في أمان، بينما في الحقيقة هو استدراج لهم إلى الهلاك.

 

يقول الله تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام: 44].

 

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب، فإنما هو استدراج»؛ (رواه أحمد 17311، وصححه الألباني في صحيح الجامع 602).

 

يقول ابن القيم رحمه الله: "أشد أنواع العقوبة أن يظن العاصي أنه آمنٌ من مكر الله، فيتمادى في ظلمه وغفلته، حتى تحل به العقوبة فجأة"؛ (إعلام الموقعين (1/134)).

 

2. الدنيا دار ابتلاء: الحكمة من وجود الظالمين:

أ- الدنيا دار اختبار، وليست موطنًا للعدل المطلق: فلقد خلق الله هذه الدنيا لتكون دار ابتلاء وامتحان، فلو كان كل ظالم يعاقب فورًا، لَما تحقق مقصد الاختبار؛ يقول الله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: 2].

 

يقول ابن تيمية رحمه الله: "الدنيا ميدان الابتلاء، والعدل المطلق مؤجَّل إلى يوم القيامة، فلو أهلك الله كل مذنب فورًا، لانتفى مفهوم المسؤولية والاختبار"؛ (مجموع الفتاوى (14/252)).

 

ويضيف أمير الصنعاني: "الظلم جزء من الابتلاء، ووجود الطغاة يتيح للمؤمنين فرصةَ الثبات والصبر والجهاد في سبيل الله، مما يزيد من درجاتهم عند الله"؛ (سبل السلام (4/183)).

 

ب- تأخير العقوبة فرصة للتوبة:

من أعظم حكم تأخير العقوبة هو إعطاء فرصة للتوبة، فلو عُوقِبَ كلُّ عاصٍ فورًا، لَما نال أحد فرصة الرجوع إلى الله؛ يقول الله تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ} [الكهف: 58]؛ يعلق الشوكاني على هذه الآية قائلًا: "إن تأخير العقوبة ليس عن عجز، وإنما لأن رحمة الله سبقت غضبه، فكثير من العصاة يتوبون ويُنقذهم الله من العذاب"؛ (فتح القدير (3/321)).

 

3. العدل المطلق سيتحقق في الآخرة:

أ- العقوبة الكبرى ستكون في الآخرة:

لقد وعد الله ألَّا يمر ظلمٌ دون حساب، وإن نجا الطغاة في الدنيا، فلن ينجوا من عدالة الله في الآخرة؛ يقول الله تعالى: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [غافر: 17].

 

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "عدالة الله مطلقة، والظالمون قد يتمتعون بسلطتهم المؤقتة، لكن العذاب الحقيقي ينتظرهم في الآخرة، وهو أشد وأدوم"؛ (شرح رياض الصالحين (3/225)).

 

ب- أمثلة تاريخية على تأخر العقوبة ثم نزولها:

في التاريخ أمثلة عديدة على أناس أمهلهم الله، ثم أخذهم بعقوبة شديدة:

 

1. فرعون: أُعطي سنوات للتوبة، لكنه استمر في طغيانه، فكان مصيره الغرق؛ [يونس: 90].

 

2. قوم عاد وثمود: كذبوا الرسل مرارًا، فحل بهم العذاب؛ [هود: 59 – 68].

 

3. قارون: مُنح ثروة هائلة، فلما بغى على الناس، خسف الله به وبداره الأرض؛ [القصص: 81].

 

يقول ابن كثير: "إن تأخير العقوبة عن هذه الأمم لم يكن ضعفًا من الله، بل لحكمة إعطائهم فرصةً، فلما تجاوزوا الحد، أُخذوا بعذاب شديد"؛ (تفسير ابن كثير (3/192)).

 

الخاتمة: الثقة بعدالة الله:

 تأخير العقوبة جزء من حكمة الله.


 الدنيا دار ابتلاء، والعدل المطلق سيتحقق في الآخرة.


 تأخير العقوبة رحمة وفرصة للتوبة.


 لا أحد من الظالمين سينجو من عدالة الله.

 

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله لَيُملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يُفْلِتْه»؛ (رواه البخاري ومسلم).

 

نسأل الله أن يمنحنا الصبر والبصيرة في فهم عدله وحكمته، آمين.

____________________________________________________
الكاتب: عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)

  • 0
  • 0
  • 57

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً